وداعاً للإصلاحيين في إيران المرشد والعسكر

يَعتبِر علي أكبر هاشمي رفسنجاني، الرئيس الإيراني الأسبق ومهندس الجمهورية الإسلامية الذي كان لعقدين من الزمان الرجل الأكثر نفوذا في البلاد، أن نتيجة الانتخابات الرئاسية في يونيو/ حزيران المقبل 2013 باتت واضحة، فلا فرصة للإصلاحيين فيها لأن المرشد الأعلى خامنئي سيدفع المرشح المفضل له إلى الفوز على أي حال، كما يطلعنا علي صدر زاده.

الكاتبة ، الكاتب: Ali Sadrzadeh

"أتقابل دائما كل يوم ثلاثاء مع مرشد الثورة ونتحدث بصراحة عن كل شيء. نحن مثل الإخوة ويعرف كل منا الآخر منذ 50 عاماً!" ظلت هذه العبارة لوقت طويل تتكرر دائما في أحاديث الرئيس السابق علي أكبر هاشمي رفسنجاني حتى لا يشك أحد في ولائه لآية الله خامنئي.

ولكن في يوم الثلاثاء، التاسع من إبريل/ نيسان الماضي 2013 أُعلِنَت النهاية المؤقتة للصداقة الطويلة بين الرجلين، تلك الصداقة التي أثرت في تاريخ الجمهورية الإسلامية بشكل حاسم.

فقبل ساعات قليلة من ظهوره في ذلك اليوم في لقائه الأسبوعي، ظهر رفسنجاني البالغ من العمر 79 عاما في مؤتمر جماهيري مع عشرات المحافظين السابقين الذين طلبوا منه الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة، وفقاً لما نقلته وكالة الأنباء الإيرانية سحام نيوز. ونقلت وكالة الأنباء عن أحد المشاركين في المؤتمر الذي فضل عدم الإفصاح عن اسمه أن: رفسنجاني هو الوحيد القادر على إخراج إيران من هذه الفوضى الميؤوس منها.

لكن رفسنجاني، رجل الأزمات، كما يطلق عليه أنصاره رفض طلبهم. وقال إنه لن يترشح، لأن المرشد لا يحب ذلك كما صرح رفسنجاني في بداية كلمته. والسبب المثير للدهشة هو: "أنه (المرشد) لم يعد لديه ثقة بي!"

زعيم ثوري مقاوم للمشورة

بهذه الجملة، اعترف رفسنجاني الذي كان يتمتع بالقوة ذات يوم ليس فقط بعجزه وقلة حيلته، ولكنه أيضا أحبط آمال أنصاره، الذين يعرفون أن ترشحه مستحيل دون مباركة من خامنئي. وبعد يومين من تداول هذا التصريح على المواقع الإلكترونية والصحف وقنوات التلفزيون من البي بي سي وحتى قناة العربية، قام رفسنجاني في نهاية الأمر بنشر تكذيب فاتر. ووفقا لهذا التكذيب فإن رفسنجاني لم ينكر اجتماعه بالمحافظين السابقين ولكنه استنكر"انتقاء الألفاظ" في التغطية الإعلامية الخاصة بالحدث، ووصفه بأنه مريب.

ورغم نبرة صوت رفسنجاني التي يدلي بها تصريحاته دائما فإن الأمر المقلق على أي حال، هو تحليله المظلم، والمخيف للمستقبل السياسي والاقتصادي للدولة الدينية. ووفقا لتصريحات رفسنجاني فإن خامنئي ينكر أن إيران تتعرض لأزمة عميقة في سياستها الداخلية والخارجية.

المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية علي خامنئي. ISNA
في دائرة الأقوياء: لم تقتصر انتقادات رفسنجاني على المناورات السياسية والقرارات المنفردة لمرشد الثورة خامنئي خلال الانتخابات الرئاسية الوشيكة، ولكنها امتدت لتشمل الحرس الثوري الإيراني ("سباه باسداران ")، والذي أصبح يهيمن الآن على إيران ويتحكم في كل شيء وكل شخص.

​​

"اسألوا السيد خامنئي نفسه!"

وقد صرح رفسنجاني للمحافظين السابقين أن مرشد الثورة لا يعتقد أن البلاد تحتاج الى حكومة وحدة وطنية. وأما بالنسبة للرئيس المستقبلي، فإن المرشد يريد أن يمضي في طريقه الخاص، وأن يعمل على إنجاح المرشح الذي يريده.

أحبط رفسنجاني في كلمته الآمال التي بدأت تنمو بحذر لدى الإصلاحيين والذين اعتقدوا أنهم قد يسمح لهم بالمشاركة في الانتخابات الرئاسية المقبلة. وطلب بعض المشاركين من الرئيس الأسبق رفسنجاني أن يقوم على الأقل بدعم محمد خاتمي في الانتخابات الرئاسية، إذا كان هو نفسه لا يرغب في الترشح. وجاء الرد الرافض على طلبهم سريعا حين قال رفسنجاني: " اسألوا السيد خامنئي نفسه!"

وبعد سيل الانتقادات التي وجهها رفسنجاني لمرشد الثورة خامنئي، وقراراته المنفردة ومقاومته للشورى وجه رفسنجاني انتقادات حادة أيضا للحرس الثوري الإيراني، الذي يحكم البلاد فعليا، ويسيطر على كل ما فيها وكل من فيها. ويقال إن هذا الرئيس الأسبق نفسه، كان أحد رواد الحرس الثوري في الاقتصاد الإيراني الذي تديره الدولة.

السلطة المطلقة للحرس الثوري

واعتذر رفسنجاني لجمهوره من المستمعين قائلا إنه لم يكن لديهم أي خيار آخر. فبعد الحرب مع العراق التي استمرت لمدة ثماني سنوات كان علينا أن نوظفهم (أعضاء الحرس الثوري) بطريقة أو بأخرى - على سبيل المثال، في بناء الطرق وغيرها من المشاريع الكبرى، خاصة أن لديهم المعدات التقنية اللازمة. ولم يكن أي شخص يتصور آنذاك ما الذي يمكن أن يؤدي إليه كل هذا في يوم من الأيام، ناهيك عن الرغبة في حدوثه بهذا الشكل.

وأوضح رفسنجاني أن عواقب هذا على البلد جلية: فالحرس الثوري أصبح يسيطر حاليا على الاقتصاد والسياسة في البلاد بأسرها، وقوته أضحت غير محدودة من كل ناحية. ويلخص رفسنجاني، الذي يعتبر مهندس الجمهورية الإسلامية وسيبلغ قريبا عامه الثمانين، ملاحظاته حول الحرس الثوري ذي السلطة المطلقة في جملة موجزة ومعبرة جدا: "لن يهنأ لهم بال حتى يصبح البلد بأكمله ملكا لهم!"

 

علي صدر زاده
ترجمة : صلاح شرارة
تحرير: علي المخلافي
حقوق النشر: قنطرة 2013