البيت الفلسطيني المنقسم

إذا ما تسبب الانقسام بين حماس وفتح في تقسيم الأرض مرة أخرى، فلسوف تمنى الآمال الوطنية الفلسطينية بأخطر كبوة تتعرض لها طيلة نصف قرن من الزمان، حسب رأي مخيمر أبو سعدة

الصورة: أ ب

​​

كانت دعوة الرئيس جورج دبليو بوش إلى عقد مؤتمر جديد للسلام بين إسرائيل وفلسطين، ودول الجوار المؤيدة للحل على أساس إقامة دولتين، موضعاً للترحيب، ولو أنها تشكل تطوراً جاء متأخراً. أن الجهود الرامية إلى إحياء عملية السلام الآن تواجه واقعاً قاسياً جديداً: فقد بات من اللازم الآن دمج كيانين فلسطينيين متخاصمين، في غزة الواقعة تحت سيطرة حماس والضفة الغربية التي تحكمها فتح، في هذه العملية.

إن المواجهة الأخيرة بين حماس وفتح تشكل تحولاً هائلاً في السياسة الفلسطينية، التي كانت أهم أولوياتها حتى الآن إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإنشاء دولة فلسطينية مستقلة. كما أن هذه المواجهة تعمل على تعقيد مفاوضات السلام التي تقوم في نظر الفلسطينيين و"اللجنة الرباعية" (الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، والأمم المتحدة، وروسيا) على الاحتفاظ بقطاع غزة والضفة الغربية باعتبارهما وحدة سياسية واحدة.

من عجيب المفارقات أن النصر الذي حققته إسرائيل في حرب 1967 كان سبباً في توحيد هاتين المنطقتين بعد تسعة عشر عاماً من الانفصال. فقبل ذلك كانت مصر تسيطر على غزة، بينما ألحقت الأردن الضفة الغربية بأراضيها. وتحت الاحتلال الإسرائيلي، ثم بعد تأسيس السلطة الفلسطينية في العام 1994 ظلت المنطقتين منفصلتين جغرافياً، ولكن ليس سياسياً. ثم جاء استيلاء حماس على غزة لينهي هذه الوحدة السياسية ـ في الوقت الحالي على الأقل.

والآن حدد الرئيس الفلسطيني محمود عباس شروطه للحوار. فلابد وأن تسحب حماس رجالها المسلحين من كافة مقار الأجهزة الأمنية التي احتلتها، وأن تعيد السلطة إلى مصادر السلطة الشرعية، وأن تعتذر للشعب الفلسطيني. ورغم أن الانقسامات الداخلية تلحق الضرر الشديد بالمصالح الوطنية للفلسطينيين، إلا أنه من غير المرجح وسط كل هذه الاتهامات والاستفزازات المتبادلة أن يدور أي حوار بين فتح وحماس قريباً.

إلا أن أكثر ما يقض مضجع عباس وفتح هو أن ينتشر الصراع مع حماس إلى الضفة الغربية. ولتجنب مثل هذا السيناريو، فقد أصدر عباس قراراً بحظر تواجد كل المليشيات والجماعات العسكرية في الضفة الغربية، بما في ذلك ألوية شهداء الأقصى التابعة لفتح. ولقد نجح عباس في إقناع إسرائيل بمنح الحصانة للعديد من اللاجئين المنتمين إلى فتح في الضفة الغربية والذين سوف ينضمون إلى أجهزته الأمنية.

كما طلب عباس من إسرائيل السماح للواء بدر التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية، والذي يتمركز في الأردن حالياً، بالدخول إلى الضفة الغربية. وإذا ما تحقق ذلك فلسوف يحصل عباس على قوة إضافية قوامها ثلاثة آلاف جندي حسن العتاد والتدريب. ويبدو أن إسرائيل قد وافقت على السماح بدخول لواء بدر بكامل سلاحه وعتاده إلى الضفة الغربية، بعد تدخل ملك الأردن عبد الله الثاني .

إذا ما كان لفتح أن تصبح شريكاً ممكناً للسلام وأن تسترد الدعم الشعبي، فلابد وأن تصلح من نفسها وأن تعمل على إنهاء الفساد المستشري الذي أساء إلى سمعتها. كما يتعين على عباس أن يتقاسم السلطة مع زعماء أكثر انضباطاً وأحدث سناً. وتستطيع إسرائيل أن تساعد عباس بإطلاق سراح زعيم فتح الكبير مروان البرغوثي ، الذي ينفذ الآن خمس عقوبات سجن مدى الحياة في أحد السجون الإسرائيلية. ونظراً لنفوذه بين ميليشيات فتح، فإن الإفراج عن البرغوثي من شأنه أن يساعد عباس وزعماء فتح، وأن يدعم الجيل الأحدث سناً من زعماء فتح.

إن إسرائيل منقسمة فيما يتصل بكيفية التعامل مع حماس، الأمر الذي سوف يتسبب أيضاً في تعقيد بداية محادثات السلام. فبعض الإسرائيليين يرون ضرورة تشجيع حماس على ترسيخ النظام في غزة وتقديم الضمانات إلى جيرانها. فإذا ما تمكنت حماس من ترسيخ النظام داخل غزة، ومنع أعمال العنف ضد إسرائيل، ووقف الهجمات الصاروخية على المدن والقرى الإسرائيلية، فقد تتجنب بذلك التدخل العسكري من جانب إسرائيل.

إلا أن النظرة السائدة في إسرائيل ترى في حماس تهديداً مباشراً، وتعتبرها غير راغبة في وقف الهجمات على إسرائيل. وبالنسبة لإسرائيل، كانت حرب الصيف الماضي التي خاضتها مع حزب الله في لبنان دليلاً يؤكد المخاطر المترتبة على السماح للمسلمين المتطرفين بتعزيز سلطانهم وقوتهم على حدود إسرائيل. ومن المرجح، عاجلاً أو آجلاً، أن تتعامل إسرائيل مع حماس عسكرياً، وربما بإعادة احتلال غزة.

من بين الأسباب التي قد تدفع الدول المجاورة إلى المشاركة في محادثات السلام أن مصر والأردن تخشيان أن تشرع حماس في دعم الجماعات الإسلامية المعارضة داخل مصر والأردن. فضلاً عن ذلك فإن مصر والأردن والمملكة العربية السعودية ـ حيث الأنظمة الحاكمة السُـنّية الرئيسية ـ تخشى أن تتحول غزة إلى قاعدة لانطلاق الخصم الإقليمي غير العربي، أو الشيعة الإيرانية. وتستند مخاوفهم إلى الدعم الذي تقدمه إيران للجماعات الإسلامية ـ السُـنّية والشيعية ـ في العراق، ولبنان، وفلسطين، علاوة على علاقتها المستمرة بسوريا.

إذا ما تسبب الانقسام بين حماس وفتح في تقسيم الأرض مرة أخرى، فلسوف تمنى الآمال الوطنية الفلسطينية بأخطر كبوة تتعرض لها طيلة نصف قرن من الزمان. ورغم أن الغالبية العظمى من الفلسطينيين يرفضون استخدام القوة لتسوية النزاع على السلطة، إلا أن العديد منهم يرحبون بالتغيير الذي حدث في غزة، حيث طهرت حماس شوارع غزة من المليشيات المسلحة ونجحت في استعادة بعض القانون والنظام.

إن الفلسطينيين يواجهون واقعاً قاسياً. وأياً كان الإجراء المتخذ في مواجهة حماس فلسوف يؤدي إلى تقويض المشروع الوطني الفلسطيني. وكما قال أبراهام لينكولن : "إن البيت المنقسم على ذاته ليس من الممكن أن يظل قائماً". ومما لا شك فيه أن انقسام الفلسطينيين على أنفسهم لن يضمن لفلسطين الاستقلال أبداً.

بقلم مخيمر أبو سعده
ترجمة: إبراهيم محمد علي
حقوق الطبع بروجيكت سنديكيت، 2007.

مخيمر أبو سعده أستاذ العلوم السياسية بجامعة الأزهر في غزة.

قنطرة

بعد سيطرة "حماس" على غزة
أدت سيطرة منظمة "حماس" على جميع المؤسسات الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية في غزة الى خطوط انقسام سياسية جديدة عبر المنطقة كلها. والسؤال الآن هو "ما العمل؟". يوسي ألفر يقدم في هذه المقالة قراءة لإحتمالات المستقبل

حصيلة ستة أشهر
وعدت برلين بعمل الكثير في الشرق الأوسط حين استلمت الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي في يناير/كانون الثاني 2007. فهل حققت الحكومة الألمانية ما وعدت به؟ هذا ما يجيب عنه شتيفان بوخن وهديل قزاز ورودولف القارح

www

project-syndicate.org