هل تجهض عسكرة الثورة الليبية ربيع الثورات العربية؟

يواصل الشارع العربي مظاهراته المطالبة بالإطاحة بالدكتاتورية وبإجراء إصلاحات ديمقراطية. لكن المطالبة بالتغيير تأخذ أحيانا بعداً دامياً مختلفاً عمّا جرى في مصر وتونس. فهل يشكل هذا التطور بداية النهاية لربيع الثورات العربية؟ نادر الصراص يستطلع آراء الخبراء في محاولة للإحابة عن هذا السؤال.



المظاهرات والاحتجاجات تتواصل في العديد من المدن والعواصم العربية مطالبة إما بتنحي النظام أو بإجراء إصلاحات ديمقراطية جذرية. ولكن التغيير السريع وخلع النظاميْن السابقين الذي شهدته مصر وتونس، لم يتكرر في ليبيا أو اليمن أو سوريا. بل بالعكس، ففي ليبيا مثلاً تحولت التظاهرات السلمية والمطالبة بالتغيير الديمقراطي إلى نزاع عنيف أسال حتى الآن الكثير من الدماء. وفي اليمن وسوريا والبحرين يتم قمع المظاهرات بيد من حديد أو إجراء إصلاحات وإقالة حكومات وتشكيل أخرى جديدة، ولكن هذه الإصلاحات تبقى في نظر المتظاهرين والمعارضين تغييرات غير كافية أو غير مجدية.


والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق هو إن كان العالم العربي يشهد في الوقت الحالي نوعاً من التعثر أو في أسوأ الأحوال بداية النهاية لما سمي في البدء وبعد أحداث تونس ومصر بربيع الثورات العربية. بالنسبة للدكتور شتيفان رول، خبير شؤون الشرق الأوسط في المعهد الألماني للدراسات الدولية في الشؤون السياسية والأمنية، فإن الوقت ما زال مبكراً للحديث عن نهاية الثورات العربية، لأن المدة التي حصلت فيه التغيرات في العالم العربي في الشهور الماضية هي مدة قصيرة للغاية، مقارنةً مع العقود الطويلة التي قضاها معظم المستبدين في العالم العربي على عروشهم. ويضيف رول في حوار مع دويتشه فيله، قائلا: "لكنني أعتقد إن التغيير لن يأتي إلى البلاد التي لا تزال تشهد احتجاجات ومظاهرات بالسرعة الفائقة، كما كان هو الحال في مصر وتونس."


"تصرف القذافي يشجع الأنظمة الأخرى"

الصورة د ب ا

​​وفي هذه النقطة يوافقه في الرأي الدكتور خالد الحروب، الباحث السياسي والإعلامي ومدير مشروع الإعلام العربي في جامعة كامبريدج في بريطانيا. فهو لا يرى في هذه التطورات الدامية بداية النهاية للثورات العربية. ولكن القذافي نجح في ليبيا بتحويل الثورة السلمية التي اتخذت من مصر ومن تونس قدوة لها، إلى مواجهة مسلحة مع قوات نظامه، كما يقول. وحسب رأيه فإن الحالة الليبية "شجعت الأنظمة العربية الأخرى وفي مقدمتها اليمن وسوريا والبحرين على قمع المتظاهرين والبطش بالاحتجاجات المطالبة بالتغيير، وربما ظن الحكام المستبدون في هذه البلدان أن مبارك وبن علي قد تسرعوا في تنازلهم عن السلطة." غير أن خالد الحروب يرى في التطور الدموي للثورات العربية تطوراً تاريخياً مألوفاً، وذلك "لأن الثورات عادة ما تكون دموية وعنيفة، فالنموذج المصري والتونسي كان نموذجاً استثنائياً، وكنا نأمل أن يمتد أيضاً إلى باقي الدول العربية دون إراقة الدماء."
غير أن التطور الدموي في ليبيا لن يكون بمثابة عامل رادع ومثبط لعزيمة الشعوب العربية في طموحها للحرية، كما يقول الخبير الألماني شتيفان رول. العامل الحاسم في مجرى الثورات العربية في نظره هو التطور الذي سيطرأ على مصر، "فإذا نجح المصريون في بناء دولة مؤسسات ديمقراطية، فإن ذلك سيكون بمثابة قدوة للدول العربية الأخرى. أما إذا أخفق المصريون في بناء دولة مصرية حديثة على أسس الديمقراطية والعدالة والمساواة، فإن ذلك سيكون علامة سلبية للآخرين." أما الخبير العربي خالد الحروب فيرى أن القمع والقهر للثورات والاحتجاجات لن يثبط من عزيمة الشعوب، بل بالعكس، فإنه "قد يشعل الثورة أكثر وأكثر ويمد الثورات بوقود." والدليل على ذلك هو أن المحتجين في سوريا واليمن مثلاً قاموا بمواجهة هذا البطش بصدورهم العارية دون أسلحة، حسب قول خالد الحروب.


التغييرات ليست سطحية

الصورة د ب ا
الثورة الليبية أخذت منعطفا مسلحا بسبب بطش القذافي بشعبه

​​ولكن إن لم تكن الثورات العربية تحرز في الوقت الراهن تقدماً واضحاً وملموساً يتمثل في إجراء إصلاحات ديمقراطية جذرية أو حتى في رحيل الأنظمة المستبدة، فإن هذه النظرة قد تكون سطحية بعض الشيء، كما يعتقد محللون.   ويرى يرى شتيفان رول أن "المعطيات والأسباب تختلف في كل دولة عربية عن الأخرى، إلا أن وجود الاحتجاجات هو تطور مهم وجدير بالملاحظة. ولكن في رأيي لم يعد هناك أي ضمان لأي نظام عربي بأن لا يثور شعبه ضده. الأنظمة العربية، وإن لم  تُخلع، عليها في المستقبل أن تتأقلم مع الوعي الجديد لشعوبها."  وفي هذا السياق يقول خالد الحروب إن نجاح الثورات العربية يكمن في اعتقاده أنها ستحدِث تغييرات بنيوية في سياسات الأنظمة الحاكمة وأن الشعوب ستفرض الإصلاحات مستقبلاً على حكامها.

ويبقى السؤال عما يمكن عمله الآن لكي تمضي عملية التغيير الديمقراطي في العالم العربي قدماً وتحرز تقدماً دون سفك المزيد من الدماء. وما يتفق عليه الخبيران في هذه النقطة هو أن تدخلاً عسكرياً في هذه البلدان، بغض النظر عن ليبيا، لن يدعم عملية التغيير فيها، بل وبالعكس، فإن ذلك قد يزيد الوضع سوءاً، كما يقول شتيفان رول، مشيراً إلى محاولة الولايات المتحدة الأمريكية جلب الديمقراطية إلى العراق عن طريق الغزو العسكري. ويشير رول أيضاً إلى الوضع "المعقد في اليمن،"حيث يوجد أيضاً نزاع داخلي بين الشمال والجنوب، وحيث لم يوجد بعد حل لمسألة الحوثيين". ويرى خالد الحروب أن تدخلاً غربياً في اليمن على المستوى السياسي أو الدبلوماسي قد يعود بالفائدة أكثر من التدخل العسكري.


ولكن الباحث الألماني شتيفان رول يرى أيضاً أن تدخلاً عسكرياً في سوريا قد يعود في آخر المطاف بالنفع على النظام الحاكم الذي قد يتخذه ذريعة لممارسة المزيد من الضغط على قوى المعارضة واستغلال هذا التدخل لينادي بشعاراته المعهودة التي ليس لها معنى على أرض الواقع. وما قد يفيد حركة التغيير في سوريا فهو تكثيف التغطية الإعلامية عن الأحداث هناك، لأن الكثير من الفضائيات ووسائل الإعلام العربي تجاهلت و"تعامت" عن الأحداث في سوريا ولم تغطيها كما غطت الأحداث في ليبيا، حسب قول خالد الحروب.

 

نادر الصراص
مراجعة: منصف السليمي
حقوق النشر: دويتشه فيله 2011