روح الثورة تُدهَس بالأقدام ومشكلة مصر لا تتعلق بالإسلام

ينتقد المُعارِض المصري البارز حمدين صباحي الدستور الجديد، الذي بدأ الاستفتاء الشعبي حوله يوم السبت (15 ديسمبر/ كانون الأول 2012)، ويقول في حوار أجراه معه ماركوس بيكل إن مشكلة مسودة الدستور ليس لها علاقة بالدين أو الشريعة، بل بضعف الديمقراطية وغياب حقوق الفقراء.

الكاتبة ، الكاتب: Markus Bickel

السيد صباحي، لماذا تعارض مسودة الدستور الجديد؟

حمدين صباحي: لأنها تُهين عقول المصريين. الجمعية التي صاغت الدستور ليست ممثلة للمصريين. والمسودة التي خرجت تحتقر حريات وحقوق أساسية، وخصوصاً تلك ذات الطابع الاجتماعي والاقتصادي. هذه المسودة تدهَس روح الثورة بالأقدام.

ألا تعتبر أن الدستور يغلب عليه الصبغة الإسلامية؟

صباحي: ليس الإسلام مشكلة مصر، ولا الشريعة. إن المادة الثانية في مسودة الدستور التي تتحدث عن ذلك وافقت عليها الكنيسة القبطية أيضاً. إن ممارسة العقيدة في مصر، سواء من جانب المسيحيين أو المسلمين، تتم على نحو متسامح، وليس على نحو أصولي. مشكلة مسودة الدستور ليس لها علاقة بالدين، بل بضعف الديمقراطية وغياب حقوق الفقراء.

ينوي محمد البرادعي مقاطعة الاستفتاء، أما أنت فناديت بالتصويت بلا.

صباحي: نعم، ولكننا ربطنا مشاركتنا في الاستفتاء بشروط. إذا حدث تزوير في الانتخابات فسننسحب من الجولة الثانية للتصويت في الأسبوع المقبل. وما زلنا نتمسك بمطلبنا القديم: على مرسي أن يوقف الاستفتاء لأنه يضر بمصر.

ماذا ستفعل المعارضة إذا وافق الشعب على الدستور؟

صباحي: سنقبل بالنتيجة – وسنواصل كفاحنا السلمي ضد مضمون الدستور.

إحصاء نتائج الجولة الأولى للاستفتاء على الدستور في القاهرة. أ ب
في يوم السبت 15 ديسمبر/ كانون الأول 2012 جَرت أولى جَوْلتَي الاستفاء على الدستور الجديد. وبُعَيْد اليوم الأول للاستفتاء بلغت نتائج الاستفتاء 56 في المئة لصالح الدستور، لكن المعارضة تتحدث عن حدوث خروقات في التصويت وتطالب بإعادة إجراء الاستفتاء.

​​

ماذا بإمكانك أن تفعل كقائد للمعارضة للتغلب على الانقسام بين أنصار مرسي ومعارضيه؟

صباحي: بدايةً، هذا الانقسام لا علاقة له بالدين، كل المصريين متدينون. كما أننا خصوم سياسيون، لا أعداء، ولهذا لسنا في حاجة إلى التوصل إلى حل وسط. هذا ما نقوله أيضاً لأنصارنا.

لقد دعا الرئيس مرسى إلى حوار وطني. لماذا لم تلبِّ الدعوة؟

صباحي: لأن الحوار لم يكن ِنديّاً. بالإعلان الدستوري الذي أصدره في نوفمبر (تشرين الثاني) وضع الرئيس السكين على صدورنا، ولهذا فإن التفاهم حالياً غير ممكن. فالبرغم من التراجع عن الإعلان الدستوري فإنه لم يستجب لمطالبنا بشأن تأجيل الاستفتاء.

لقد برَّر مرسي السلطات الخاصة التي حصل عليها بانقلاب دستوري قال إن المحكمة العليا كانت تنوي القيام به.

صباحي: هذه إكذوبة. الدعوى التي تنظر فيها المحكمة الدستورية كانت ضد مجلس الشورى والجمعية التأسيسية، وليس ضد الرئيس. وحتى لو كانت المحكمة تنظر في دعوى كهذه، فإن من حق المحكمة، وهو حق راسخ في الدستور، أن تفحص الدعوى. هل الرئيس فوق القانون؟ كلا، للشعب الحق في محاسبته على أفعاله.

هل يجب على الجيش أن يلعب دوراً أكبر في وقت متأزم كهذا؟

صباحي: على عكس مرسي – الذي يفهم نفسه باعتباره ممثلاً لمجموعة معينة – فإن الجيش يمثل كل المصريين، وهو هيئة مستقلة وطينة تحظى بالاحترام. ولهذا قبلنا دعوة الجيش إلى الحوار – لكن اللقاء تم إلغاؤه فيما بعد.

شعار الإخوان المسلمين هو "الإسلام هو الحل". هل ترى في الاشتراكية حلاً لمشاكل مصر؟

صباحي: مصر في حاجة إلى حل يتعدى المعسكرات. العدالة الاجتماعية والإسلام يكمل بعضهما بعضاً، إذا طبقنا مبادئ الإسلام بجدية، أي أن الله يقف في جانب الفقراء والمستضعفين. العدالة الاجتماعية كانت أيضاً من أهم مطالب ثورة 25 يناير، فغالبية المصريين فقراء.

ولماذا إذَنْ يصعب التفاهم إلى هذا الحد بين القوى اليسارية والليبرالية من ناحية والقوى الإسلامية من ناحية أخرى؟

صباحي: لأن البرنامج الاقتصادي للإسلاميين هو امتداد لبرنامج عهد مبارك. إنهم يريدون اقتصاد السوق الحر بلا قيود، ويسرقون بذلك حقوق المصريين الاجتماعية والاقتصادية. وهكذا فأنا لا أرى فرقاً بين حُكم مرسي وحُكم مبارك.

وماذا كان سيفعل في هذا الوضع مَثَلُك الأعلى، جمال عبد الناصر، أول رئيس لمصر؟

صباحي: كل قائد حقيقي كان سيحاول أن يجعل شعبه يلتف حوله. لكن مرسي يقسم الأمة بدلاً من أن يوحدها. رغم أنه كان من المهم بعد هذه الثورة العظيمة أن يجتمع شمل المصريين من جديد على أساس التفاهم المشترك، وبغض النظر عن نتيجة الانتخابات الحرة. لا يمكن أن تنشأ وحدة الصف هذه عبر الضغط من أعلى، ولهذا فإن مرسي ليس قائداً حقيقياً.

حمدين صباحي في ميدان التحرير. رويترز
حمدين صباحي محمول على الأكتاف بين أنصاره: يقول المرشَّح السابق في الانتخابات الرئاسية المصرية حمدين صباحي إن مشكلة مسودة الدستور ليس لها علاقة بالدين، بل بضعف الديمقراطية وغياب حقوق الفقراء.

​​

لقد انضم أعضاء من النظام القديم إلى معارضي الدستور. أيّ دور يلعبه هؤلاء؟

صباحي: لا يلعبون أي دور. نحن قادة الثورة الحقيقيون، لقد انضمَّ مرسي والإخوان إلينا.

هل ستخوض المعارضة الانتخابات البرلمانية في العام الجديد وهي موحدة؟

صباحي:هذا ما أتمناه. إننا نأمل في أن يكون تحالفنا عريضاً بحيث نقدِّم الديمقراطية والعدالة الاجتماعية كبديل للنظام الحاكم. لا يدور الأمر هنا حول الإسلام، بل حول الدفاع عن منجزات الثورة.

لقد حصل الرئيس مرسي على تقدير كبير بسبب سياسته الدبلوماسية في حرب غزة؟

صباحي: نعم، لأنه فعل نفس ما كان مبارك يفعله من قبله: لقد خضع لمصالح إسرائيل والأمريكان. الفارق الوحيد هو أن مصر الآن، وللمرة الأولى، تلعب دور الشرطي الذي يدافع عن أمن إسرائيل، وذلك بمنع حماس من إطلاق صورايخ. ولهذا لم أتعجب من شعور الولايات المتحدة بالامتنان لذلك.

ما هو وجه الاختلاف في السياسة الخارجية التي سينتهجها صباحي إذا أصبح رئيساً؟

صباحي: بالتأكيد لن أَجُرّ مصر إلى حرب ضد إسرائيل. ولكنني سأطمح، بالارتكاز على معاهدة السلام، إلى علاقة تحفظ الكرامة. وهو ما ينطبق أيضاً على الحكومة الأمريكية: إن علاقة التبعية القديمة مع الولايات المتحدة لا بد أن تتغير، والعلاقة الجديدة يجب أن ترتكز على المساواة.

بعد مرور عامين على الانتفاضات العربية تمر دولة مصر بأزمة، أما في سوريا فإن الحرب مستعرة. هل مات الربيع العربي؟

صباحي: الربيع العربي ما زال على قيد الحياة، حتى وإن كان يحتاج إلى وقت لكي يُزهِر. ولا تنسى أن بعد كل شتاء يأتي الربيع من جديد، هذا هو أملنا، ومن أجله نكافح.

معنى هذا أنك لا ترى الإسلاميين باعتبارهم الفائرين بالثورة.

صباحي: لم تكن هناك ثورات إسلامية في العالم العربي، بل انتفاضات شعبية شاركت فيها فئات كثيرة من الشعب. هذا شيء نحترمه. ولكننا لن نسمح بأن يسرق الإسلاميون الثورة.

 


أجرى الحوار: ماركوس بيكل
ترجمة: صفية مسعود
تحرير: علي المخلافي
حقوق النشر: فرانكفورتر ألغماينة تسايتونغ / قنطرة 2012

اُعتُقل حمدين صباحي – المولود عام 1954 – عدة مرات بسبب انتقاداته للرئيسين أنور السادات وحسني مبارك. وكان في عام 2004 من بين مؤسّسي حركة "كفاية" المعارضة.