الحضارة الإسلامية جزء من الشخصية الحضارية لأوروبا

اجتمع في برلين خبراء متاحف وأكاديميون ومنظمو معارض الفن من 15 دولة، ليتدارسوا مشروع "اكتشف الفن الإسلامي" الذي يهدف إلى ربط المتاحف والمباني الأثرية لدول الاتحاد الأوربي ودول جنوب وشرق المتوسط مع بعضها البعض عبر الإنترنت.

مسجد في قونيا، الصورة: ماركوس غيرشغيسنر
مسجد في قونيا

​​

"اكتشف العالم الإسلامي discover islamic art " هو مشروع جديد منبثق عن منظمة "متحف بلا حدود Museum with no frontiers " الذي أسسته إفا شوبرت Eva Schubert في النمسا عام 1994 بمبادرة ذاتية ودون تكليف حكومي أو مؤسسي لأي جهة كانت. وتعنى المنظمة بتنفيذ المشروعات المشتركة بين الدول المتعددة. مقر المنظمة الحالي هو بروكسل.

يعتبر مشروع "اكتشف الفن الإسلامي" مشروعاً ريادياً وطموحاً ليس فقط لإتساع المشاركة فيه، إذ يضم 15 دولة من أوروبا وحوض البحر المتوسط هي: المغرب، الجزائر، تونس، مصر، فلسطين، الأردن، سوريا، تركيا، إيطاليا، إسبانيا، البرتغال، النمسا ألمانيا، السويد، وبريطانيا، وما يقارب 40 متحفاً إذ تشارك تونس بسبع متاحف و البرتغال بثلاثة عشر وبريطانيا بأربعة، بل أيضاً من حيث تنفيذه الخلاق وفكرته الإبتكارية المميزة.

نقل الأثريات عبر الإنترنت

وتخلل اجتماع البحث الذي نظمته منظمة "متحف بلا حدود" في برلين حلقتي عمل متتاليتين، حضرهما ثلة من خبراء المتاحف والأكاديميين ومنظمي معارض الفن. الحلقة الأولى قدم فيها كل من تسعة عشر متحفا، التي تشكل المتاحف الأساسية من الدول المشاركة ما يقارب 60 قطعة متحفية وعرض صورا لها وقدم الأسباب التي دفعته لإختيارها. أما الحلقة الثانية فقد تناولت تقديم المواقع والمباني الأثرية التي لديها ليتم الربط بينها وبين القطع المختلفة.

أهم ما يميز "اكتشف الفن الإسلامي" عن مشاريع متحفية مشتركة سابقة، هو عدم نقله للمجموعات الأثرية من متحف لآخر، بل إبقائه على القطع المتحفية في مكانها الحالي، وربطها ببعضها عن طريق صفحة إنترنت هي أهم ما سينجزه المشروع:

"يعتمد المشروع على ربط المتاحف الحقيقية الموجودة في أوربا ومتاحف في الشرق الأوسط مع بعضها البعض، عبر فضاء إفتراضي أو متحف إفتراضي عبر الإنترنت، يربط ما بين مواقع أثرية مع قطع أثرية متحفية موجودة في كل من هذه المتاحف مع بعضها البعض". كما يقول سعد نمر المنسق المحلي عن الجانب الفلسطيني.

الربط بين قصر هشام والمتحف البريطاني

سيكون هذا الربط متميزاً، إذ أن القِطع والمباني التاريخية ستُربط ببعضها البعض ليس فقط بالصورة بل أيضاً بالشرح وبتوضيح السياق التاريخي للآثار المختلفة وهنا تكمن فرادة المشروع. فعلى سبيل المثال، الشخص الذي يزور قصر هشام في فلسطين، يستطيع عبر المتحف الافتراضي أن يشاهد القطع التي أخذت من قصر هشام وتوجد الآن في المتحف البريطاني ليراها في مكانها الحقيقي. وبالتالي يتم ربط ما بين موقع في بلد عربي ما مع قطعة تابعة له موجودة في متحف بريطاني وبالعكس.

السؤال الملح الذي يطرح نفسه: من سيقدم الشروحات التاريخية وأية رؤيا للسياق سيطالعها الزائر؟ ألن تشكل التفسيرات والرؤى المختلفة للتاريخ بين الجنوب والشمال حجر العثرة الأساس لهذا المشروع؟

فيما يخص هذا الشأن تجيب إفا شوبرت التي ترأس المشروع: "هدف منظمة "متحف بلا حدود" هو عرض التاريخ من منظور محلي. هذا يعني أن المؤرخيين وعلماء الآثار من البلد المعني سيقدمون رؤيتهم الخاصة لتاريخهم الخاص للجمهور العالمي. أما في إطار مشروع "إكتشف الفن الإسلامي" فإن هذا صعباً من الناحية العملية"، إذ أن كل متحف معني بتقديم تفسيره الخاص، فكيف سيكون الحل عند إنشاء الشبكة؟

ضرورة التقارب بين دول حوض البحر المتوسط

التفسيرات المختلفة ستعرض إلى جانب بعضها البعض. يقول سعد نمر "هناك قراءة مختلفة للتاريخ بين دولة وأخرى، على سبيل المثال سيكون هناك رؤيا تاريخية معينة لقطعة ما من زاوية عربية تختلف عن رؤيا المانية أو فرنسية لنفس القطعة. المتحف الافتراضي سيتيح عرض الرؤى المتعددة حول نفس القطعة أو الحدث. التفسير للتاريخ هو أيضاً وجهة نظر والمتحف الإفتراضي سيساعد على تقريب وجهات النظر من الناحية الثقافية في نهاية الأمر".

أما إفا شوبرت فتعلق: "هذه التفسيرات ستتضارب، لكنها فرصة لكي نُري أن هناك تاريخ واحد، لكن هناك تأويلات متعددة ، تتعلق بالموقع الذي تتعامل منه مع الحدث التاريخي". الإختلافات تُطرح هنا بجلاء، ويستفاد منها لإحياء الجدل ولإغناء الرؤى والمفاهيم.

هذه المسألة تعكس مدى إنفتاح المشروع والمشاركيين فيه. كذلك ما يخص الغايات والأهداف من تنفيذه. فهناك الأهداف المشتركة للجميع والأهداف الخاصة التي تطرح بلا مواربة أو إخفاء، إذ تقول شوبرت:

"لقد بادرت بالمشروع لقناعتي بضرورة التقارب السياسي بين أوروبا ودول حوض البحر الأبيض المتوسط" اما بالنسبة للبعد الثقافي فتقول: "مشروعنا هو بالتأكيد ثقافي، لكن التاريخ والعديد من الشخصيات التاريخية علّمتنا أن الثقافة هي وسيلة تواصل سياسية أساسية. الثقافة كانت دائماً وسيلة للتعبير عن الذات، وشكلا من أشكال التمثيل، وهنا نريد أن نُبرز أن الحضارة الإسلامية تشكل جزءا من الشخصية الحضارية لأوروبا. نريد أن ننشئ وعيا بأن الحضارتين متلازمتين، وأنه من خلال العمل الثقافي المشترك بإمكاننا تدعيم العمل السياسي المشترك".

الفن ضروري لتجاوز الصور النمطية

أما أولريكة الخميس التي تعمل كمنظمة معارض للفن الشرق أوسطي والجنوب أسيوي في المتحف الوطني السكوتلاندي فتؤكد على ذلك مضيفة أن من أسباب مشاركة متحفها:

"أن الفن هو أحد الوسائط الرائعة التي تساعدنا على تجاوز الصور النمطية"، لكن من ناحيتنا كمتاحِف يهمنا الجانب الثقافي أكثر، ومن خلال البعد التربوي والتعليمي لهكذا مشروع سنطال بشكل تلقائي المسائل الإجتماعية والسياسية وسنصل لفئات أوسع، كما بأمكاننا أن نعرف عن متاحفنا ومجموعاتنا وهذا سيعود بفائدة على المتاحف وعلى السياحة بشكل عام".

أما سعد نمر فيرى في المشروع إضافة لما سبق فرصة للعرب والمسلمين لتصحيح النظرة الأوروبية عن الإسلام، التي ترسخت بفعل الأحداث الأخيرة ويعبر عن ذلك بقوله:

"المفهوم عن الإسلام هو مفهوم يحتوي على أخطاء كثيرة في أوروبا وهذا ناتج عن أوضاع سياسية حديثة أو قديمة، وهناك نوع من التجني على الإسلام ومن ثم على المسلمين بشكل عام في الفهم الغربي لهذه الظاهرة، أقصد على المستوى الشعبي وليس السياسي. الفكرة من المتحف كانت أن نعرض الإسلام من وجهة نظر أخرى مختلفة تماماً بالنسبة لهم. ليرو للمرة الأولى فن وحضارة وثقافة، أي بإختصار لنعكس صورة إيجابية تشرح هذا التاريخ".

قراءات مختلفة لظاهرة واحدة

"التاريخ يكتبه المنتصرون" تقول إفا شوبرت لكن مشروع "اكتشف الفن الإسلامي" سيفسح المجال أمام كل الأطراف لتقديم وجهات نظرها المختلفة بالتساوي وأعطت مثالاً: "في إطار مشروعنا قد نتناول ظاهرة تاريخية تعني البرتغال وإسبانيا والمغرب على السواء، وقد نجد ثلاثة قراءات مختلفة لنفس الظاهرة، كلٌ سيقدمها من منظوره طبعاً، لكن هذا هو مشروعنا بالتحديد".

وتؤكد أن أوروبا التي تمول المشروع عبر صندوق الاتحاد الأوروبي هي صاحبة المبادرة كونها الأقوى اقتصادياً ولكن هذا ليس دافعاً لإملاء وجهة نظرها بل على العكس هذا سبب لأن تبدأ بمراجعة مواقفها وقراءاتها للتاريخ قبل أن تطلب ذلك من الغير. وتقول في هذا المجال:

"الاتحاد الأوروبي مهد لهذه العملية ووجه صيرورتها. إنها صيرورة خلق وعي جديد للتاريخ في أوروبا. وهذا ما يجب أن يحصل من قبل الجانبين".

يوسف حجازي، حقوق الطبع قنطرة 2004