برنامج الدراسات الإسلامية العليا في الجامعات الألمانية.....نحو رؤية أكاديمية نقدية جديدة

لا تزال الدراسات الإسلامية العليا في الجامعات الألمانية في طور البداية، لذلك يهدف برنامج الدراسات الإسلامية إلى تأسيس كادر أكاديمي يساهم في إحياء الخطاب الإسلامي في الجامعات الألمانية. والتوقعات من هذا البرنامج مرتفعة ولها صبغة سياسية جزئيًا، كما يوضح كريستوف دراير في هذه المقالة.

الكاتبة ، الكاتب: Christoph Dreyer



سردار كورناز ابن الثالثة والعشرين من العمر، كله ثقة بالنفس، وهو يوضح من على المنبر مشروع أطروحة الدكتوراه الخاصة به والتي من شأنها كما يقول أنْ تفتح في الفقه الإسلامي "مدخلاً جديدًا يتعلق بالفقه اللغوي والفقه الديني وبفلسفة التشريع". كما ترفع نعمة شَكَر من سقف تطلعات أطروحة الدكتوراه الخاصة بها التي تعالج فيها موضوع مداخل إلى القرآن تناسب كلا الجنسين، حيث تريد ابنة الحادية والثلاثين ربيعًا "مواصلة وصقل" مناهج أساسية ملائمة تـُتابع في نهاية المطاف تطوير أساليب التفسير المعاصر للقرآن بحسب تعبيرها.

يتناسب كل هذا الطموح مع التوقعات العالية التي رافقت حاليًا في برلين انطلاق برنامج الدراسات الإسلامية العليا في الفقه الإسلامي للخريجين الجامعيين. وتأمل مؤسسة ميركاتور التي تـُساهم في دعم هذا المشروع بمبلغ مجموعه 3.6 مليون يورو حتى عام 2016 في أن يساهم هذا البرنامج في التوصّل إلى "تمثيل يليق بالأصوات الإسلامية في العلوم والمدارس والرأي العام، وبالإضافة إلى ذلك توفير الظروف المناسبة في جامعات ألمانيا لتأهيل معلمي مادة الديانة الإسلامية في المدارس الحكومية ولتأهيل الأئمة."

جامعة توبينغن
برنامج الدراسات الإسلامية العليا في ألمانيا يطرح في الجامعات الألمانية التالية: مونستر، إيرلانغن-نورينبيرغ،فرانكفورت، أوزنابروك، باديربورن، هامبورغ وتوبينغن.

​​

 

وسيشارك في الفترة القادمة نحو خمسة عشر باحثا شابا من سبع جامعات بحلقات بحث ومؤتمرات تساعد الباحثين على إنجاز أطروحاتهم التي تتناول على سبيل المثال علوم القرآن، والشريعة الإسلامية، وعلم الكلام والفلسفة الإسلامية أو التربية الدينية، وسيكون عدد طلاب الدراسات العليا في السنة الأولى سبعة طلاب.

وبحسب منسّق المشروع البروفيسور مهند خورشيد من جامعة مونستر يتم بهذا توفير منبر "من أجل استحداث شيء جديد في ألمانيا، حيث ندفع هنا من الأساس بحوثًا تلقي نظرة جديدة على الإسلام، وتنتج أيضًا معارف جديدة في سبيل ترسيخ الإسلام في السياق الألماني".

وبالتالي يدعم هذا البرنامج كما يقول خورشيد نفس الهدف الذي تسعى إليه الحكومة الاتحادية منذ العام الماضي من خلال إنشاء أربعة مراكز للفقه الإسلامي في عموم ألمانيا.

ويرافق هذا تطلعات سياسية واضحة. فالأمر يدور حول سياسة اندماج عصرية وحول توفير الشروط اللازمة من أجل "حوار الثقافات الضروري"، كما أعلنت الوزارة الاتحادية للتعليم في الكثير من المناسبات.

مشروع طموح

 

الصورة ميركور مؤسسة
حلقات بحث ومؤتمرات تساعد الباحثين على إنجاز أطروحاتهم التي تتناول على سبيل المثال علوم القرآن، والشريعة الإسلامية

​​

هاري هارون بير، المتحدث باسم هذه الدراسات وأستاذ علوم الدين الإسلامي بجامعة إرلانغن-نورنبرغ صاغ مطلب الجامعات المشاركة كالتالي: "إن عالمات وعلماء الدراسات الإسلامية عابرون حدود في سبيل التمكن من إنجاز عمل الترجمة الصعب بين مختلف أنظمة إدارة المعرفة". وبالإضافة إلى ذلك ينبغي عليهم التأثير في الجالية الإسلامية: "إنَّ الاستفزاز الحَذِر جزءٌ من عمل الباحثين في الدراسات الإسلامية وهم يُعتبرون محرضين على التغيير."

ويتضح ما يمكن أنْ يعنيه هذا الكلام في المشاريع البحثية التي يجري دعمها، فهي تتناول الفقه الإسلامي النسوي مثلاً، أو إعادة اكتشاف علماء فقه إسلامي منسيين كانوا قد قاموا بأبحاثٍ تاريخيةٍ نقديةٍ حول مخطوطات القرآن أو حول دور اللغة والكتابة والعقل في عملية تفسير القرآن والأحاديث النبوية. واللافت للنظر أنَّ الكثير من المواضيع تضع التصورات المفرطة في تبسيط فهم مصادر الشريعة موضع الشك، ما من شأنه بلا ريب أنْ يثير استنكار المسلمين المحافظين.

بيد أنَّ الأكاديميين المشاركين، وهم شبان وشابات من الجيل الأول والثاني من المهاجرين ذوي الاصول المسلمة في ألمانيا يعتبرون أنه لا محيد عن مسائل بحثهم ببساطة. فمثلا الاتهام بأنَّ المنهج التاريخي النقدي يجعل سلطة القرآن نسبية ليس بجديد، كما تقول تولو خادم المختصة بالدراسات العربية والتي تبحث في جامعة مونستر في مرحلة تاريخ نصوص القرآن المبكرة. وبالمناسبة اضطر اللاهوت البروتستانتي أيضًا في الماضي إلى التعامل مع اعتراضات مشابهة. إلا أن ابنة الحادي والثلاثين تصرّ على أنه "لا يمكن الاستغناء عن المنهج بسبب هذا النقد، فإذا كانت هنالك رغبة في ترسيخ الفقه الإسلامي في ألمانيا لا يجوز تجاهل متطلبات الرأي الأكاديمي العام."

الإسلام النسوي

مهند خورشيد،  الصورة كريستوف دراير
منسّق برنامج الدراسات الإسلامية العليا في ألمانيا مهند خورشيد من جامعة مونستر

​​أما الباحثة التركية الأصل نعمة شَكَر فتؤكد بالمثل أنها لا تخترع التوجه التحرري في القرآن، إنما تريد إعادة اكتشافه من جديد ليس إلا.

وتقول الباحثة المختصة في الدراسات الإسلامية والمحررة في موقع قنطرة الالكتروني للحوار مع العالم الإسلامي إنَّ "قضية مفهوم أدوار الجنسين أو قضية المرأة هي قضايا يتحدث بها جيل الشباب المسلم في كل أنحاء العالم. أي أنها قضايا تشغل الناس، وما أفعله هو تناول هذه القضايا".

يماثل عدم خوف العلماء الشباب من مقاربة مواضيع البحث الحسّاسة عدم خوفهم من مقاربة تقاليد اللاهوت المسيحي والتربية المسيحية. فهيمة ألفة الأفغانية المولود والتي أنهت دراستها لتصبح مدرِّسة في المدارس الابتدائية تشرح سبب اهتمامها بالتنشئة الاجتماعية الإسلامية من خلال مثال ابنها وتقول إنَّ ابنها زار مرة طوعًا درس الديانة المسيحية الكاثوليكية: "وقال بعدها إنَّ الدرس كان جميلاً بكل بساطة حين يتحدثون عن الله وينشدون أغاني عن الله. وهذا ما أعجبه". باعتبارها معلمة ومسلمة وأمًّا ترى في هذا أنَّ الأطفال يتعطّشون بشدةٍ إلى درس الدين لكي يستطيعوا شرح معتقدهم، ولكن أيضًا لكي يمعنوا التفكير النقدي به.

ألفة ذاتها شاركت أيضًا أثناء دراستها التكميلية للتربية الإسلامية في فصولٍ في الدين المسيحي. وكانت تعتبر غريبة هناك، لكنها شعرت أنَّ النظرة إلى مجالات تختلف عن المجالات الخاصة تـُشكِّل إثراءً لها. وكما تتذكر قائلة: "جذب اهتمامي أنَّ المادة تقوم بشدة على أساس علمي". وتقول ابنة السابع والثلاثين التي تبحث حاليًا في جامعة إرلانغن-نورنبرغ في مفهوم الله لدى الأطفال المسلمين في مرحلة المدرسة الابتدائية، إنَّ رجاءها هو أنْ تتطوّر مادة الدين الإسلامي على هذا النحو. وقد أصبح فرعا متكاملا من المعرفة الأكاديمية يتسم اليوم باعتداد متزايد بالنفس انطلاقًا من هذا التعامل المُتَجرّد مع التقاليد الخاصة والتقاليد الأخرى. "إنَّ ترسيخ الفقه الإسلامي أمرٌ لا رجعة فيه" كما يقول عمر أوزسوي، أستاذ التفسير في جامعة فرانكفورت. وتشهد أعداد الطلاب بالفعل على هذه الاستجابة الهائلة.

 

ويرى ممثلو وداعمو هذا الاختصاص قدوم الخطر من اتجاه آخر على الأرجح. هناك بلا شك تطلعات سياسية دفينة لجعل الإسلام قادرًا على التوافق مع الديمقراطية، ولكي يصبح في ألمانيا قابلاً للتماس مع المجتمع ولكي يقل مقدار المشاكل التي يسببها المسلمون، كما تقول كتايون أميربور، أستاذة الفقه الإسلامي في جامعة هامبورغ، وأكدت بهذا الصدد بقولها: "يتوقّف علينا الرد والقول بأننا لا نقوم ببحثٍ علمي بتكليف من أحد ولا نصنّع لكم إسلامًا مدموجًا".

 

وتقدم نعمة شَكَر مثالاً على هذا الموقف عبر مشروعها البحثي النسوي، وتُبيّن قائلة "إنني لا أهدف تحديدًا إلى التوصّل إلى تفسير لصالح المرأة يُسقط من حساباته ما هو غير مريح، إنما أقصد التوصّل إلى فهم أفضل". بهذا المعنى حذّر أيضًا فيلفريد هينش أستاذ الفلسفة في جامعة كولونيا وعضو المجلس العلمي بقوله: "تكمن قيمة العلم في المقام الأول في مصداقيته باعتباره علمًا. ويكتسب العلم من هذا الجانب مصداقيته، وليس عبر تحقيقه غايات جيدة مزعومة."

 

 

كريستوف دراير

ترجمة: يوسف حجازي

مراجعة: هشام العدم
حقوق النسر: قنطرة 2011