هنا أرض كنعان...جدارية فصول الأمل والألم

على قارعة الطريق وسط مدينة نابلس في الأراضي الفلسطينية تتسلق شابة جدارا ضخما لترسم خطوط وقصص من المعاناة والأمل في حياة الفلسطنيين بأكبر جدارية بالوطن العربي، تحمل في طيات ألوانها صراعا محتدما على الأرض والهوية بين الفلسطنيين والإسرائيليين. مهند حامد يطلعنا في هذا التقرير المصور على "جدارية هنا أرض كنعان".

الكاتبة ، الكاتب: مهند حامد

على جدار ضخم في مدينة  نابلس في شمال الضفة الغربية بدأت تتشكل ملامح  جدارية "هنا أرض  كنعان"، بمشهد امرأة كنعانية تعمل  في الأرض "ليبدأ الصراع المحتدم بين الفلسطينين والإسرائيلين على الأرض الذي تجسده اللوحة في مشهدها الذي يمتد إلى أكثر من 3000 عام قبل الميلاد"، كما يوضح الفنان التشكيلي القائم على اللوحة وائل ديويكات في حديثه مع موقع قنطرة.

اللوحة التي تمتد على أكثر من 1000 متر مربع تجسد في أبعادها التشكيلية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وما حل بالأرض والشعب من نكبات ونكسات. وتحاول الجدارية بألوانها ومشاهدها أن تروي للعالم بلغة الفن حكاية فلسطين ومعاناتها  تحت وطأ الاحتلال وبحثها عن الحرية والسلام، كما يقول الفنان دويكات.

الجدارية، التي تعتبر الأكبر في العالم العربي  يعكف على طلائها ورسمها 25 فنانا وفنانة شابة من الأراضي الفلسطينية  أطلقوا على أنفسهم  "فنانين اثينا" تيمناً بمدرسة الفن الإيطالي "لوحة اثينا" الشهيرة، التي رسمها الفنان الايطالي (رافائيل) بينسنتي 1509 – 1510.

الفن في خدمة الرواية...

جدارية "هنا أرض كنعان" في الأراضي الفلسطينية، الصورة مهمد حامد
الحكاية هي جوهر الصراع المرير القائم بين الفلسطيني والإسرائيلي

يقول القائمون على الجدارية إن أعمالهم تهدف إلى "التعريف بالقضية الفلسطينية وما حل بالشعب  الفلسطيني من تشرد واستيلاء على الأرض، والتعبير من خلال مشهد شجرة الزيتون باللوحة على رغبة  الفلسطنيين بالسلام، الذي يستطيع  الزائر والمتامل أن يقرأ فصولها ويستنبط أحداث ما حصل ويحصل  دون أن تقف اللغة عائقا أمامه".

وفي حديث خصت به موقع قنطرة تقول الفنانة الشابة سارة موسىفي، التي تمازجت ثيابها بألوان اللوحة، إن "الجدارية  توصف المراحل التي مرت بها  فلسطين من خلال الانتقال من الوصف الصوري الفوتوغرافي إلى الانتقال إلى الفكر الفلسفي للفن، من  تجريد مشاعرنا واختزال التكوينات التي عاشها الشعب الفلسطيني، وتصوير التناقضات اليومية، التي نمر بها من خلال  صورة غير مباشرة لفلسفة الفن لإيصال رسائلنا".

وتضيف سارة موسىفي إن اللوحة تريد أن توصل للعالم الإحساس الفلسطيني وواقع المعاناة الذي يمر بها بطريقة حضارية وفنية، حيث يستطيع المتامل بالوحة أن يشاهد حكاية الشعب الفلسطيني الذي مر بها، ويستنبض الأبعاد السياسية والثقافية التي  يعيشها، لافتة الانتباه إلى أن الجدارية تجسد الفكر المفتوح على كل الثقافات والشعوب في شتى انحاء المعمورة.

انفتاح ثفافي

وتلفت المشاركة  الواسعة لفنانات شابات  بطلاء اللوحة إلى مدى انفتاح الثقافة الفلسطينة وانحصار تابوهات ومعتقدات مجتمعية حول دور المرأة والفن في معالجة قضايا مجتمعية"، كما يقول دويكات، مضيفا أن مشاركة شابات وسط المدينة وعلى قارعة الطريق لساعات طويلة تحت المطر وأنظار الجميع يشكل تحديا ومرحلة جديدة  في تطور المجتمع الفلسطيني  ووعيه بثقافته وفنه الحضاري.

وبين دويكات أن اللوحة أطلقت العنان للفنانين المهمشين بالمجتمع الفلسطيني  لتعبير عن تطلعات وتناقضات المجتمع من خلال الالوانعلى جدران الطرقات، مضيفا: "نحن أردنا أن نقول نحن موجودون ونستطيع أن نغير ليس في جمالية المكان من خلال طلاء الجدران، بل بالفكر والصور النمطية التي نريد أن نحررها من خلال الفن".

اهتمام شعبي وإعلامي

جدارية "هنا أرض كنعان" في الأراضي الفلسطينية، الصورة مهمد حامد
الفنانة سارة موسىفي: "الجدارية توصف المراحل التي مرت بها فلسطين من خلال الانتقال من الوصف الصوري الفوتوغرافي إلى الانتقال إلى الفكر الفلسفي للفن، من تجريد مشاعرنا واختزال التكوينات التي عاشها الشعب الفلسطيني، وتصوير التناقضات اليومية، التي نمر بها من خلال صورة غير مباشرة لفلسفة الفن لإيصال رسائلنا".

وتستقطب اللوحة التي ما زالت قيد العمل عشرات الزوار والمهتمين من داخل وخارج الأراضي الفلسطينية، وتضيف إلى المدينة معلما جديدا يسعى القائمون عليه ادخاله الى كتاب جنيس كأضخم لوحة فنية متكاملة المشاهد. وفضلا عن ذلك نجح الفنانون الشباب في ادخال الفن التشكيلي بالتعبير عن الصراع الفلسطيني الاسرائيلي على الأرض والثقافة من خلال الألوان.

اللوحة في مشاهدها وتكويناتها تشكل رواية مصورة فريدة من نوعها بالعالم من خلال قص أحداث وفصول دارت أحداثها خلال مئات السنوات في المنطقة على جدار ضخم يستطيع الجميع قراءته ومشاهدته ومعايشة أحداثه. كما تمجد اللوحة الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات الذي يعتبره الفلسطينيون زعيمهم من خلال لوحة ضخمة له.

وبالاضافة إلى ذلك يسعى القائمون على اللوحة إلى ترسيخ مفهوم الرسم والفن في معالجة القضايا المجتمعية، والمزج بين استخدام الفن التشكيلي كأداة روحانية تعبيرية عما يجري من أحداث في حياتهم اليوم وبين تطلعاتهم للحرية. ويقول الفنانون المشاركون في إعداد اللوحة إنهم سيسعون إلى رسم لوحات مماثلة في كافة المناطق الفلسطينية، ويطمحون ألى نقل مشاعرهم  وآمالهم  إلى العالم من خلال هذا الفن التشكيلي..

 

 

مهند  حامد

تحرير: لؤي المدهون

حقوق النشر: موقع قنطرة 2014