ليبيا...سرديات ما قبل وما بعد صدمة بنغازي

رئيس الولايات المتحدة الأمريكية الأسبق باراك أوباما ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون.
رئيس الولايات المتحدة الأمريكية الأسبق باراك أوباما ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون.

هجوم إرهابي على قنصلية أمريكا قتل السفير الأميركي كريستوفر ستيفنز و3 أميركيين آخرين ببنغازي ما زال صداه يتردد بكل أمريكا بعد 10 أعوام من وقوعه. شريف دعيميش أطلع موقع قنطرة على كتاب إيثان كورين.

الكاتبة ، الكاتب: Sherif Dhaimish

تواصلتُ لأول مرة مع إيثان كورين قبل حوالي عشر سنوات، بعد وقت قصير من نشر كتاب خروج العقيد: التاريخ الخفي للثورة الليبية. وعلى الرغم من كون والدي منشقاً ليبياً ورسام كاريكاتير انتقل إلى المملكة المتحدة في سبعينيات القرن الماضي، إلاّ أنّ معرفتي بتاريخ ليبيا كانت بسيطة إلى حدٍّ ما.

وكلما سمعتُ شخصاً يذكر ليبيا أصبحتُ كلي آذاناً صاغية، متحمّساً لسماع ما سيقوله، بينما أشعر في الوقت ذاته بالحرج قليلاً لأنني على معرفة قليلة بالمكان الذي أرتبط به ارتباطاً وثيقاً.

وقدّم لي كتاب خروج العقيد ما اعتبرته نظرة موضوعية على تاريخ ليبيا الحديث. رد كورين على رسالتي الإلكترونية حين سألته بضع أسئلة، مما فاجأني. لم يكن مضطراً لذلك؛ لم أكن صحفياً يملك حساب تويتر نشط ولم أكن أعمل لدى أي شخص مشهور. فقد كان المُفترضُ لدي دائماً -عند إرسالي بريداً إلكترونياً إلى أي شخص معروف- عدم توقع الرد.

الغلاف الإنكليزي لكتاب  إيثان كورين: "بنغازي! - تاريخ جديد للإخفاق التام الذي دفع أمريكا وعالمها إلى حافة الهاوية". Cover of Ethan Chorin's "Benghazi: A New History of the Fiasco that Pushed America and its World to the Brink" (published by Hachette)
سرديات ما قبل وما بعد بنغازي: يعيد إيثان كورين في كتابه "بنغازي! - تاريخ جديد للإخفاق التام الذي دفع أمريكا وعالمها إلى حافة الهاوية" رواية أحداث بنغازي بوصفها لحظة حاسمة ساهمت في خلق أميركا اليوم: مستقطبَة وخائفة وغير مستقرة بشكل خطير. يتتبع إيثان كورين آثار أولئك الذين عزلهم نظام القذافي، فانضموا للجهاد الأفغاني ضد السوفييت، وشكّلوا في نهاية المطاف الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة المتحالفة مع تنظيم القاعدة، وهي جماعة معادية للغرب سلّمتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إلى نظام القذافي من خلال "برنامج الترحيل السري". وأصبحت بعض الشخصيات، مثل عبد الكريم بلحاج، شخصيات محورية في الثورة الليبية وعواقبها الدموية.

صدر كتاب خروج العقيد في تشرين الأول/أكتوبر من عام 2012، بعد شهر من الهجوم المدمّر على القنصلية الأميركية في بنغازي، والذي أسفر عن مقتل السفير الأميركي كريستوفر ستيفنز إضافة إلى ثلاثة آخرين.

والآن فقط، أدركت متأخراً أنّ كورين كان في الحقيقة موجوداً في أحداث 11 أيلول/سبتمبر 2012 في بنغازي، وهي تجربة قاسية يعيد النظر فيها في كتابه الجديد، "بنغازي!: تاريخ جديد للإخفاق التام الذي دفع أمريكا وعالمها إلى حافة الهاوية". وبطريقة ما فهذا يجعل من حقيقة ردّه على بريد الإلكتروني أكثر إثارة للمشاعر.

التحليل والتجربة الشخصية

كتابه الجديد ليس عبارة عن مذكرات، على الرغم من أنه ينسج بكل ذكاء التجربة الشخصية والتحليل الدقيق من دون عزل بعضهما عن بعض. والكتاب عبارة عن دراسة شاملة للمشهد السياسي الليبي المجزأ من منظور السياسة الأمريكية.

لا يدّعي كورين أنّ "بنغازي"، كما يُسمّى الهجوم وتداعياته، كان الحافز للاختلالات السياسية الأميركية اللاحقة؛ بل يفسّرها على أنها "أحد أعراضها ومسرّع لها كذلك. وهنا تكمن أهمية فهم سياق الهجوم والحرب بين الأحزاب الناتجة عنه".

يستند تحليل كورين على الوقت الذي قضاه في ليبيا وخبرته هناك، والتي تغطي ما يقارب العشرين عاماً هناك. فهو يتحدّث العربية بطلاقة، إضافة إلى الفرنسية والفارسية والعبرية، وكان جزءاً من البعثة الديبلوماسية التي أُرسِلت خلال فترة التقارب الأمريكي الليبي مع الرئيس القذافي. التقارب الذي حدث في عام 2005، بعد تفكيك القذافي لأسلحة الدمار الشامل.

ومنذ ترك كورين لمنصبه الدبلوماسي، شارك في نشاط المنظمات غير الحكومية والاستشارات في مجال السياسات. كما ألّف كتاب "ترجمة ليبيا"، والكتاب عبارة عن مجموعة قصص قصيرة توصّل إليها أثناء إقامته هناك، وتتشابك مع قصص أسفار إلى المناطق الشاسعة في البلاد.

وتأتي آخر أعماله في السياق ذاته، المتمثّل في الرغبة في فهم بلد لا يُعرف عنه إلا القليل في العالم الغربي. ومن أجل ذلك، يتعمّق في علاقة ليبيا بالإسلام السياسي، وعلاقة أميركا المتذبذبة مع ليبيا. ومثل عبد الناصر في مصر، رأى القذافي أنه من الضروري الحدّ من نفوذ الإسلاميين في البلاد من أجل التفرّد بالسلطة السياسية المطلقة.

يتتبع كورين آثار أولئك الذين عزلهم نظام القذافي، فانضمّوا إلى الجهاد الأفغاني ضد السوفييت، ليشكلوا في نهاية المطاف الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة المتحالفة مع القاعدة. وهي جماعة معادية للغرب سلّمتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إلى القذافي عبر برنامج "الترحيل السري (غير العادي)".

وسيكون بعض هؤلاء الرجال، مثل عبد الحكيم بلحاج، شخصيات محورية في الثورة الليبية وعواقبها الدموية. وسيتمكن كورين من فهم دور ليبيا في سرديات ما قبل وما بعد بنغازي المتعلقة بالإسلام السياسي، وكيف أدّت علاقة أمريكا غير المنسجمة معها إلى الهجوم والفضيحة اللاحقة.

درس لصانعي السياسات

إنّ الدرجة التي سُيِّست بها بنغازي (عملية بنغازي) في السياسة الأمريكية لا مثيل لها في العصر الحديث. فقد انتهز الجمهوريون كل فرصة لشيطنة وزيرة الخارجية آنذاك -هيلاري كلينتون- والديمقراطيين، رافضين التفكير في حل مشترك بين الحزبين للقضايا المعرّضة للخطر. يتتبّع كورين تداعيات ذلك حتى يومنا هذا، آخذاً بعين الاعتبار العوامل التي يمكن أن تتحِد لخلق بنغازي أخرى، وكيفية تجنب مثل هذه النتيجة.

 

 

لا شكّ في أنّ هذا قد مثّل ممارسة شافية لكورين، الصريح حول الصدمة الكبيرة التي سببتها له أحداث بنغازي؛ لقد فقد صديقاً وزميلاً بمقتل السفير كريستوفر ستيفنز. بيد أنّ قصته وتحليله مهم لصانعي السياسات بقدر أهميته لأي شخص يسعى إلى فهم العلاقة المعقّدة بين الولايات المتحدة الأمريكية وليبيا والشرق الوسط الأوسع. بنغازيّ! يساعد على فهم الأحداث الصادمة التي حدثت قبل عشر سنوات وعواقبها المؤلمة لكل من الشرق الأوسط والولايات المتحدة الأميركية.

ربما أكثر ما يميّز الكتاب هو مزيج الخبرة والتجربة الذي يقدّمه كورين. تبدو الكثير من تحليلات السياسة منفصلة عن التجربة الشخصية، لذلك من المشجّع رؤية المزيج المستخدم بنجاح كبير في السعي للإجابة عن أسئلة تحيط بالهجوم وعواقبه، والتي ترفض الاختفاء.

 

 

شريف دعيميش

ترجمة: يسرى مرعي

حقوق النشر: موقع قنطرة 2022

ar.Qantzara.de