"يا عمال ألمانيا اتحدوا"....ضد النيوليبرالية المتوحشة

عمال مهاجرون (يعملون في توصيل الطلبات)  في برلين - ألمانيا. ثورة ضد جمع للثروة يسلب العمال حقوقهم
عمال مهاجرون (يعملون في توصيل الطلبات) في برلين - ألمانيا. ثورة ضد جمع للثروة يسلب العمال حقوقهم

حملة احتجاجية في ربيع 2023 شنّها عمال توصيل مهاجرون ضد شركة توصيل عملاقة في برلين وصلت إلى ذروتها مؤخرا بنظر القضاء في دعوى اتَّهم فيها العمالُ الشركةَ بسرقة أجورهم. استعلام مينِروا طاهر.

الكاتبة ، الكاتب: Minerwa Tahir

العمال المتّحدون لن يُهزموا أبداً!

ماذا نريد؟ أجور العمال! ومتى نريدها؟ الآن!

 

تردد صدى شعارات كهذه بصوت عال في برلين في الساحة التي عند مركز منطقة كرويتسبيرغ ومحطة المترو كوتبوسَر تور في 19 حزيران/يونيو 2023، مع نزول 50 عاملاً من شركة فولت Wolt، والعديد منهم من أصول مهاجرة، إضافة إلى المتعاطفين معهم إلى الشوارع احتجاجاً على عدم دفع الأجور وعدم وجود إجازات مرضية مدفوعة الأجر والافتقار إلى السلامة المهنية وغيرها من حقوق العمل.

كتبوا على لافتة بطول 10 أمتار "فولت تدين لنا بالمال والحقوق"، متبوعاً بشعار الحملة التي أسموها "ريوفوت" ReWolt، في تلاعب باسم الشركة وكلمة Revolt بمعنى: ثورة. كما كُتب على بعض لافتاتهم "إجازة مرضية للجميع" و"أوقِفوا سرقة الأجور". إضافة إلى ذلك، رُدِّدت العديد من الشعارات وعُزِفت أغانٍ ثورية بلغات مختلفة ضد شركة فولت وسرقة الأجور.

 

More than 100 migrant #Wolt workers have not been paid since last December. This is outrageous and criminal, join and support the organized workers in labour court in our fight for their rights!



When? 27.07.23 , 11:15

Where? Arbeitsgericht, Magdeburger Platz 1, 10785, R509 pic.twitter.com/GsIWY61M9K

— Lieferando Workers Collective (LWC) Berlin (@LWC_Berlin) July 5, 2023

 

وليست نزاعات عمال التوصيل بأمر جديد في برلين. إذ أنّ قضايا شركات التوصيل مثل شركة غوريلّاز وشركة ليفيراندو هي قضايا معروفة بشكل جيد، تمكّن العمال فيها من تشكيل مجالس عمال. كما أنّ هذه النزاعات ليست مقتصرة على برلين أو على أوروبا. إذ تحدث نزاعات كهذه في أوساط عمال من الصين وكوريا إلى الهند والبرازيل وأذربيجان كذلك.

دعا تجمّع عمال شركة فولت في برلين إلى الاحتجاج. وقد بدأت حركة الاحتجاج الأخيرة في ألمانيا عندما حُرِم "أسطول" من 120 عاملا مهاجراً من أجورهم لعدة أشهر، والأسطول مصطلح يُستخدم لوصف عمال توظّفهم شركات التوصيل من خلال مقاولين من الباطن (مقاولين فرعيين).

وفقاً للعمال عينتهم فولت من خلال مقاول فرعي يُدعى علي، من المفترض أنه باكستاني ويدير متجراً لإكسسوارات الهواتف المحمولة في حي نويكولْن في برلين باسم "عالم الموبايل" Moblie World. ومعظم العمال هم طلاب وينحدرون من أصل جنوب آسيوي.

خلال الاحتجاج الأول في نيسان/أبريل 2023 ركب العمال دراجاتهم من محطة مترو يو كارل ماركس شتراسِه إلى مقر فولت في منطقة فريدريشْسْهاين، حيث كانوا يعتزمون تسليم ميثاق المطالب إلى إدارة شركة فولت. بيد أنّ الإدارة رفضت الخروج واستلام الميثاق. وحين حاول قائد الاحتجاج، محمد، وضع الميثاق في صندوق بريد الشركة، قيل له إنّه لا وجود لصندوق بريد في شركة فولت.

وما بدأ كحملة من موظفي أسطول لم يتقاضوا رواتبهم تطوّر إلى نزاع جماعي، يشمل الآن موظفين عينتهم شركة فولت مباشرة كذلك. وتتضمن مطالبهم دفع الأجور وضمان السلامة المهنية وتعويضات العمال والإجازة المرضية المدفوعة الأجر ووضع حد لنظام التعاقد الفرعي.

عمال توصيل محرومون من أجورهم

يقول محمد: "أنا طالب مهاجر من باكستان وأكافح في سبيل العيش هنا. نعمل أنا وزوجتي في وظائف مختلفة من أجل كسب ما يغطي نفقاتنا. سرقت شركة فولت أجر ثلاثة أشهر مني، ولست وحدي في ذلك. يواجه العديد من الطلاب المهاجرين الوضع ذاته. ويخاف أغلب الطلاب من الاحتجاج لأنهم مهاجرون. ذهبت إلى متجر فولت ثماني مرات لتحصيل راتبي. تهرّب علي مراراً وتكراراً، وفي النهاية قال إنّه لم يتلقَ أي أموال من فولت ليدفع لنا أجورنا. حين نقوم بتسليم الطلبات في الوقت المحدد، أقل ما نستحقه أن تُدفع رواتبنا".

 

احتجاج عمال توصيل مهاجرين على حرمانهم من أجورهم في برلين – ألمانيا. ReWolt protesters in Berlin (image: Minerwa Tahir)
القوة في التضامن: ما بدأ كحملة من عمال أسطول التوصيل الذين لم يحصلوا على أجورهم تطور إلى كفاح جماعي، يشمل أيضاً موظفين عينتهم شركة فولت مباشرة. وتشمل مطالبهم بدفع الأجور والسلامة المهنية وتعويضات العمل والإجازة المرضية مدفوعة الأجر ووضع حد لنظام التعاقد الفرعي. وفي نهاية المطاف من أصل 120 مطالب محتمل، ثلاثة فقط يسعون إلى تسوية قانونية.

 

وقالت زميلته من الهند، شيواني والتي حُرِمت من رواتبها أيضاً، إنها طالبة في برلين وإنه من الصعب أساساً التعامل مع تحديات الرسوم الدراسية والإيجار المرتفع. وقد انضمت إلى فولت كعاملة توصيل في شهر كانون الأول/ديسمبر 2023.

قالت: "كان الطقس بارداً للغاية، لكننا كنا نتنقل من عنوان إلى آخر لتوصيل الطعام. كنا نشعر بألم شديد في أيدينا بسبب شدة برودة الطقس. وفي أثناء ذلك، كانت مدراء شركة فولت يجلسون في مكاتبهم الدافئة. يعود الفضل إلى عملنا الشاق في حصولهم على المال لتدفئة مكاتبهم، ومع ذلك يحرموننا من أجورنا الضئيلة. نستحق أن نتقاضى أجورنا! كما نستحق على الأقل الحد الأدنى من الأجور في الساعة. ينبغي إلغاء نظام الدفع لكل طلب!".

يقول العديد من عمال شركة التوصيل فولت إنهم يتقاضون رواتبهم لكل طلب وليس لكل ساعة.

ويقول عامل توصيل آخر -من أصول هندية "أبهاي"- إنه عندما جاء إلى ألمانيا، سمع أنّ حقوق العمال تخضع للحماية فيها. قال: "حين انضممت إلى فولت، كان العمل مليئاً بالتقلّبات. يقول إنهم كانوا يعملون من ثماني ساعات إلى عشر ساعات في كانون الأول/ديسمبر وكانون الثاني/يناير، معتقدين أنهم سيحصلون على أجورهم ليتمكنوا من تحمّل تكاليف رسوم جامعاتهم ونفقاتهم الأخرى.

يتابع أبهاي: "وما الذي حصلت عليه مقابل عملي هذا؟ رفضت فولت أن تدفع لي. بدايةً اعتقدتُ أنهم سيدفعون لي في الشهر التالي، بيد أنني لم أتقاضَ أي أجر عن تشرين الثاني/نوفمبر وكانون الأول/ديسمبر وكانون الثاني/يناير. حتى أنّ شركة فولت نفت أننا من عمالها. لدينا كل شيء لنثبت أننا عملنا لصالح فولت. نريد أن نتقاضى رواتبنا".

قرأ جوي، وهو عامل توصيل في شركة غوريلّاز، خطاباً بالنيابة عن أحد عمال شركة فولت ممن وُظِّفوا بشكل مباشر ولم يرغب بالكشف عن هويته: "جميع العمال المُتعاقَد معهم بشكل فرعي ينبغي تعيينهم بشكل مباشر، كما ينبغي منحهم حقوقا عمل متساوية لغيرهم. الحقوق ذاتها مقابل العمل ذاته!". إضافة إلى ذلك ألقوا خطاباً منفصلاً للتعبير عن تضامنهم.

ضحايا عنصرية هيكلية

تناول المحتجون الشكل المتطرف لاستغلال العمال المهاجرين في ألمانيا ضمن السياق الأوسع للعنصرية الهيكلية التي يواجهها العمال المهاجرون في أوروبا. فتحدثوا عن غرق العمال السوريين والباكستانيين وغيرهم في البحر الأبيض المتوسط مؤخراً وأدانوا اللامبالاة الأوروبية تجاههم.

كما أثار العمال الألمان أيضاً أسئلة حول الإساءة الهيكلية للعمال المهاجرين. خلال الاحتجاج، قال مارتين، وهو عضو في نقابة عمال الصناعات المعدنية (أكبر نقابة صناعية في ألمانيا وأوروبا)، إنه على الرغم من أن نقابته تمثّل صناعة مختلفة من المهم أن يكافح العمال معاً في سبيل قضاياهم.

وأضاف أنه كان من الضروري أن يطالب العمال بالتضامن، للسعي إلى صراع مشترك مع النقابات العمالية التي تتبع القطاع ذاته مثل نقابة NGG (اتحاد الغذاء والمشروبات والتموين) ونقابة فيري Verd.di (النقابة العمالية المتحدة لقطاع الخدمات) وغيرهما. ففي نهاية المطاف، الكفاح الذي يُخاض الآن ليس مهماً لهذا القطاع فحسب، بل للطبقة العاملة بأكملها. "كلما انتشرت شروط العمل غير المستقر اُنتُقِصَت الأجور في كل مكان! ولذلك فالموضوع ليس مسألة تضامن فحسب، بل موضوع مصلحة شخصية لجميع العمال".

 

احتجاج عمال توصيل مهاجرين على حرمانهم من أجورهم في برلين – ألمانيا.  ReWolt demonstrators in Berlin in June 2023 (image: Minerwa Tahir)
قضية تخصّ الطبقة العاملة بأكملها في ألمانيا: أثار عمال ألمان كذلك أسئلة حول الإساءة الهيكلية للعمال المهاجرين. خلال الاحتجاج، قال مارتين، وهو عضو في أكبر نقابة صناعية في ألمانيا وأوروبا، إنه على الرغم من أنّ نقابته تتبع صناعة مختلفةً بيد أنه من المهم أن يخوض العمال كفاحهم سوية.

 

"إن كانوا غير مستعدين لدفع الأجور في الوقت المحدّد، إن كانوا غير مستعدين لدفع أجور تغطي تكاليف المعيشة، إذاً ينبغي مصادرة هذه الشركات من دون أي تعويض. ينبغي أن نتخلّص من نظام قائم على الاستغلال وعلى العنصرية وعلى الحرب وعلى القمع".

يتابع أبهاي: "وما الذي حصلت عليه مقابل عملي هذا؟ رفضت فولت أن تدفع لي. بدايةً اعتقدتُ أنهم سيدفعون لي في الشهر التالي، بيد أنني لم أتقاضَ أي أجر عن تشرين الثاني/نوفمبر وكانون الأول/ديسمبر وكانون الثاني/يناير. حتى أنّ شركة فولت نفت أننا من عمالها. لدينا كل شيء لنثبت أننا عملنا لصالح فولت. نريد أن نتقاضى رواتبنا".

قرأ جوي، وهو عامل توصيل في شركة غوريلّاز، خطاباً بالنيابة عن أحد عمال شركة فولت ممن وُظِّفوا بشكل مباشر ولم يرغب بالكشف عن هويته: "جميع العمال المُتعاقَد معهم بشكل فرعي ينبغي تعيينهم بشكل مباشر، كما ينبغي منحهم حقوقا عمل متساوية لغيرهم. الحقوق ذاتها مقابل العمل ذاته!". إضافة إلى ذلك ألقوا خطاباً منفصلاً للتعبير عن تضامنهم.

ضحايا عنصرية هيكلية

تناول المحتجون الشكل المتطرف لاستغلال العمال المهاجرين في ألمانيا ضمن السياق الأوسع للعنصرية الهيكلية التي يواجهها العمال المهاجرون في أوروبا. فتحدثوا عن غرق العمال السوريين والباكستانيين وغيرهم في البحر الأبيض المتوسط مؤخراً وأدانوا اللامبالاة الأوروبية تجاههم.

كما أثار العمال الألمان أيضاً أسئلة حول الإساءة الهيكلية للعمال المهاجرين. خلال الاحتجاج، قال مارتين، وهو عضو في نقابة عمال الصناعات المعدنية (أكبر نقابة صناعية في ألمانيا وأوروبا)، إنه على الرغم من أن نقابته تمثّل صناعة مختلفة من المهم أن يكافح العمال معاً في سبيل قضاياهم.

وأضاف أنه كان من الضروري أن يطالب العمال بالتضامن، للسعي إلى صراع مشترك مع النقابات العمالية التي تتبع القطاع ذاته مثل نقابة NGG (اتحاد الغذاء والمشروبات والتموين) ونقابة فيري Verd.di (النقابة العمالية المتحدة لقطاع الخدمات) وغيرهما. ففي نهاية المطاف، الكفاح الذي يُخاض الآن ليس مهماً لهذا القطاع فحسب، بل للطبقة العاملة بأكملها. "كلما انتشرت شروط العمل غير المستقر اُنتُقِصَت الأجور في كل مكان! ولذلك فالموضوع ليس مسألة تضامن فحسب، بل موضوع مصلحة شخصية لجميع العمال".

"إن كانوا غير مستعدين لدفع الأجور في الوقت المحدّد، إن كانوا غير مستعدين لدفع أجور تغطي تكاليف المعيشة، إذاً ينبغي مصادرة هذه الشركات من دون أي تعويض. ينبغي أن نتخلّص من نظام قائم على الاستغلال وعلى العنصرية وعلى الحرب وعلى القمع".

 

 

والمصادرةُ (أو نزع الملكية) موضوع أُثير سابقاً في شوارع العاصمة الألمانية. ففي عام 2021 نجح استفتاء مصادرة شركة "دويتشه ڤونِن" Deutsche Wohnen العقارية على الرغم من فشل المشرعين منذ ذلك الحين في التصرف وفقاً لإرادة الشعب، الذي صوّت لصالح مصادرة هذه الشركة العقارية في ضوء أزمة الإسكان.

يقول موقعهم الإلكتروني (موقع الاستفتاء): "لم نعد مستعدين لتمويل أرباح المساهمين بإيجاراتنا المفرطة!". تخضع أرباح الشركات التي تستفيد من الامتيازات الممنوحة للطبقة الرأسمالية عبر العمل الاقتصادي المؤقت غير المستقر للتدقيق بشكل متزايد. كما حضر بعض طلاب المدارس الألمانية الاحتجاج للتعبير عن تضامنهم مع العمال المهاجرين الذين لم يحصلوا على أجورهم.

في نهاية الاحتجاج، قدّمت فرقة تياتَر إكس مقطوعة مسرحية في الشارع تسلّط الضوء على محنة عمال التوصيل. قالت المخرجة نيكا أنها ترى النضال المستمر من قبل عمال توصيل شركة فولت بوصفه جزءاً من الصراع الطبقي الأكبر في ألمانيا. "إنّ نضالهم يلهمنا جميعاً!".

رفع محمد وشيواني وأبهاي وعدة أشخاص آخرين قضايا ضد شركة فولت بتهمة سرقة الأجور. وخلال الاحتجاج، أُعلِن عن موعد جلسات استماعهم، كانت في 27 تموز/يوليو 2023. ولقد حثّوا جميع المشاركين على الحضور لدعمهم. قال محمد بعد نهاية الاحتجاج: "كان من المُشجِّع قدوم العديد من الأشخاص إلى احتجاجنا وإبداء تضامنهم. سننتصر".

 

 

مينروا طاهر

ترجمة: يسرى مرعي

حقوق النشر: موقع قنطرة 2023

 

ar.Qantara.de

 

مينروا طاهر زميلة باحثة في مركز الأبحاث لايبنيتس-تسينتروم مودرنَر أورينت  في برلين.