جسر بين الثقافات ولقاء بين العقول

ركزت فعاليات الدورة السابعة من مهرجان دبي السينمائي الدولي على أفلام الخليج العربي، لا سيما من الإمارات العربية المتحدة، إضافة لمختارات من الأفلام العربية والعالمية. ويبين السجال والنقاش الدائر حول الأفلام المشاركة أهمية مثل هذه الساحة الثقافية في المنطقة. تقرير هانّه لابونته من دبي.

الصورة هانّه لابونته
إلى جانب حضور حشد بارز من النجوم وبرنامج أفلام مميز فإن المهرجان يتميز بزيادة ضخمة في أعداد الزوار

​​

الأجانب والإماراتيون يؤكدون في اتفاق نادر أن دبي بدأت تستيقظ ببطء بعد الصدمة والجمود اللذين خيّما على الإمارة الصغيرة خلال الأزمة المالية العالمية. صحيح أن أحداً لا يستطيع أن يتنبأ ما إذا كانت دبي ستعود إلى جمالها القديم المنبثق مما يشبه الخيال العلمي، غير أن بوادر التعافي باتت واضحة للغاية.

وهكذا انطلقت فعاليات الدورة السابعة من مهرجان دبي السينمائي الدولي الذي يحتل بلا جدال الذروة في أنشطة المدينة الثقافية. إلى جانب حضور حشد بارز من النجوم وبرنامج أفلام مميز فإن المهرجان يتميز بزيادة ضخمة في أعداد الزوار، وهي زيادة تُظهر الاهتمام المتزايد بالأفلام البعيدة عن دائرة الاستهلاك.

المشهد السينمائي الإماراتي نابض بالحياة

استمرت فعاليات المهرجان حتى يوم الأحد السادس والعشرين من ديسمبر / كانون الأول، وعُرض خلالها 150 فيلماً من خمس وسبعين دولة. ووفقاً للتركيبة السكانية في دبي فقد كان معظم زوار المهرجان من غير الإماراتيين. غير أن الصورة داخل قاعات العرض كانت تتغير كليةً عندما يتم عرض أعمال سينمائية – في الغالب أفلام قصيرة – من الإمارات. والسؤال المطروح هو: هل يحدث ذلك لأن الضيوف الأجانب يظلون عندئذ بعيداً عن قاعات العرض، أم لأن المتفرجين الإماراتيين يهتمون أكثر بالأفلام المحلية؟ على كل حال كانت القاعات تمتلئ عندئذ بالإماراتيين البشوشين الذين يشجعون ويصفقون للمشهد السينمائي النابض بالحياة في الإمارات العربية المتحدة.

هذه الأفلام تهتم اهتماماً فائقاً باستخدام الوسائل التقنية والجمالية المتقدمة وكذلك بالقدرات التمثيلية والجماليات البصرية. هنا تغيب في بعض الأحيان الرسائل السياسية الحاضرة دوماً في الأفلام العربية الأخرى، أو يتم الإشارة العابرة إليها فحسب. غير أن السبب ربما يرجع إلى الشكل الفني للأفلام القصيرة، وهو الشكل المفضل في الأدب أيضاً، وهو شكل يتطلب معالجة ضمنية منفتحة على كافة التأويلات النابعة من الخبرات الشخصية للمشاهد.

الشعور بالملل خلال رحلة العرس

الصورة ، هانّه لابونته
"ربما يكمن هنا الربح الأكبر للمهرجان: إنه يقدم ساحة للنقاش والجدل"

​​

وقد أحدثَ فيلم "ملل" على وجه الخصوص، وهو فيلم للمخرجة والمنتجة الإماراتية نايلة الخاجا، صدى واسعاً عند الجمهور الإماراتي. ويصور الفيلم الملل الذي تشعر به إماراتية شابة خلال رحلة شهر العسل، ومساعيها اليائسة لاجتذاب زوجها، وأفكارها المهمومة تجاه إمكانية حياة أخرى. هذه الأسئلة – على ما يبدو - مسّت شغاف قلوب الحاضرين الشباب، إذ إن قضية الزواج الذي تنظمه العائلة مسألة تشغل بال زوار السينما. غير أن الفيلم يطرح هذه القضية فحسب، ولا يقدم حلاً لها.

الحضور الدائم للسياسة هي الملمح الأبرز للأفلام العربية. وهكذا لم يستطع المخرج الفلسطيني عبد الله الغول أن يأتي إلى المهرجان لأنه معتقل في مصر بتهمة العبور إلى الأراضي المصرية عبر أحد الأنفاق. ويشارك الغول في المهرجان بفيلمه الوثائقي القصير (30 دقيقة) "تذكرة عزرائيل" الذي يتناول موضوع الأنفاق الفلسطينية بين قطاع غزة ومصر.

وقد صُور الفيلم في يوم واحد فحسب، وفيه يرى المشاهد الشبان الذين يحفرون الأنفاق التموينية من غزة. ويبين الغول اليأس الذي يدفع الرجال إلى أن يعرضوا أنفسهم لهذه المخاطر عبر الحفر في الرمل الناعم، غير أنه يعرض أيضاً نكاتهم الصغيرة التي تجعلهم ينسون الأخطار: "هذا رمل حسني مبارك!"، يصيح أحد الرجال عندما رمى في الدلو بأول حفنة رمال من الأرض المصرية. بهذا الخليط من اليأس والمشاعر الإنسانية يتميز فيلم "تذكرة عزرائيل".

النقاش حول الهوية

المخرجة والمنتجة الإماراتية نايلة الخاجا
أحدثَ فيلم "ملل" للمخرجة والمنتجة الإماراتية نايلة الخاجا، صدى واسعاً عند الجمهور الإماراتي.

​​

كان العنصر السياسي حاضراً بشدة أيضاً خلال النقاشات التي دارت حول الأفلام المعروضة، لا سيما السؤال حول الذات الجماعية المشبوهة التي كانت كذلك موضوعاً للأفلام. تناقش الجمهور مع صانعي الأفلام عن الطريقة ِ"ِالصحيحة" لتمثيل الذات، سواء كانت الذات عربية أو مسلمة أو إماراتية أو فلسطينية؛ وظهر واضحاً أن القلق يسكن المتناقشين، وكذلك الرغبة في إظهار صورة إيجابية للذات. أما كنه تلك الصورة الإيجابية فقد ساد حوله خلاف كبير. المرة بعد الأخرى ساد نقاش حول الأسئلة المتعلقة بالهم المشترك والهوية وصورة الآخر.

بعد عرض فيلم "أبي من حيفا" لعمر الشرقاوي عارض أحد المشاهدين بشدة الآراء النقدية التي يعبر عنها والد الشرقاوي عن فلسطين في الفيلم، ما أثار جدلاً ساخناً حول الـ"نحن": "نحن نتبنى رأياً آخر تماماً." من هم "نحن"؟ ومن هم المشمولين بكلمة "نحن" ومن هم المقصيون؟ هذه الأسئلة أثارت نقاشات حادة في المهرجان. في إجابته يلخص الشرقاوي العنصر الجامع الموحد في كلمة "نحن"، ويقول: "بالطبع لن نتبنى – نحن - رأياً واحداً". غير أن هذا التنوع تحديداً هو الذي يبلور الشعور الجماعي.

وربما يكمن هنا الربح الأكبر للمهرجان: إنه يقدم ساحة للنقاش والجدل، وهو بذلك يكون قد نقل شعار المهرجان إلى حيز التنفيذ، فالمهرجان يتيح الفرصة الفنية للاحتفاء بالمشهد السينمائي الفتي الواعد في المنطقة وتقديم الدعم له، مشيداً بذلك أساساً للنقاش وللبحث عن الذات، في حوار خلاق مع الرأي الآخر.

هانّه لابونته
ترجمة: صفية مسعود
مراجعة: هشام العدم
حقوق النشر: قنطرة 2010

قنطرة

انعكاسات الأزمة المالية على المشهد الثقافي في دبي:
نهاية عصر الكولونيالية الثقافية
على الرغم من الأزمة المالية التي عصفت بإمارة دبي والتي جعلت منها بوصفها مدينة ثقافية عالمية سرابا، إلا أن ذلك من شأنه أن يسمح لهذه الإمارة بتسليط الضوء أخيراً وبشكل أقوى على ثقافتها المحلية. لاورا فايسمولر تعرفنا بالمشهد الثقافي في دبي في ضوء هذه الأزمة.

مهرجان دبي للجاز 2010:
ألحان موسيقية في ظلال ناطحات السحاب
رغم أن مهرجان دبي لموسيقى الجاز الذي يُنظم للمرة الثامنة على التوالي لا يتمتع بعد بشعبية كبيرة، إلا أنه نجح في استقطاب أعداد متزايدة من الزوار والفنانين. مهرجان هذا العام يعرف مشاركة سبع فرق موسيقية من ولاية هامبورغ الألمانية. يان تينغلر يعرفنا بهذه التظاهرة الفنية.

الحوار الإعلامي العربي-الألماني في دبي:
دبي ....عالم المتناقضات.....مصنع المفاجآت
يناقش الحوار الإعلامي العربي الألماني تأثيرات إشكالية التعددية الثقافية ومرحلة ما بعد الحداثة لإمارة دبي على المنطقة والهوية العربية. وهل تشير المشاريع العمرانية، التي تجاوزت كل الحدود، إلى مستقبل واعد، أم أن الإمارة ستفشل بسبب التناقضات التي تنطوي عليها؟ روديغر هايمليش في محاولة للإجابة عن هذه التساؤلات.