"ثورة فكر وثقافة وإن لم نرَ تغييرا سياسيا"

المغنية وكاتبة الأغاني والعازفة الإيرانية جلنار ​​شهيار.
المغنية وكاتبة الأغاني والعازفة الإيرانية جلنار ​​شهيار.

نشأت المغنية الإيرانية وكاتبة الأغاني وعازفة العديد من آلات الموسيقى جولنار شاهيار في إيران ودرست في كندا وتعيش في النمسا منذ عام 2008. شتيفان فرانتسِن حاورها حول ألبومها والمرأة والحياة والحرية.

الكاتبة ، الكاتب: Stefan Franzen

سيدة شاهيار، بالاستماع إلى صوتك، يُلاحظ الكثير من التنوع في نبرة الصوت: لدي انطباع بأنّك غالباً ما تؤدين شخصيات مختلفة في أغنية واحدة.

شاهيار: أرى صوتي بوصفه مرآة لشخصيتي: أشعر بالفضول فعلاً حين يتعلق الأمر بالتعرف على أشخاص مختلفين. كما أنني نشأت في ثلاث قارات مختلفة، وسط ثلاث ثقافات ولغات مختلفة وطرق متعدّدة لفهم الحياة. ولذلك فإنّ صوتي عبارة عن مزيج من كل العوالم الموسيقية التي استكشفتها، والتي وجدت نفسي فيها. لست متأثّرة بالعديد من التقاليد الموسيقية من مختلف المناطق الشعبية في إيران فحسب، بل أيضاً بموسيقى شمال غرب أفريقيا ومغني الجاز والفنانين الذين استخدموا أصواتهم في تجريب مختلف الأمور.

 

تملكين صوتاً عالمياً للغاية، ولكن مع إشارات موسيقية متكررة إلى إيران. كيف نشأت هذه الأغاني، الطويلة جداً في الغالب؟

شاهيار: الطريقة التي أصبحت بها موسيقية، غريبة للغاية. وذلك لسبب واحد، بدأت في الاستماع بوعي في وقت متأخر للغاية؛ قبل ذلك كنت أدرس علوم الأحياء. على سبيل المثال في كندا والنمسا اكتشفتُ أعمالَ الموسيقية الكندية جوني ميتشل، وشكَّلَتْ موسيقاها وشعرُها مصدر إلهام كبير لي. أعرف سماعياً السلالم والأنماط الموسيقية الإيرانية، وأستخدمها، بيد أنني لا أكتب وفقاً لقواعدها الصارمة. وفي الوقت ذاته أسمح لنفسي بالتأثّر بالموسيقى من مناطق مختلفة من العالم. فمثلاً في أغنيتي "قصيدة للثقة" يمكن سماع غناء النساء الموريتانيات. وتجد هذه التأثيرات مجتمعة لغة خاصة بها في موسيقاي.

غلاف ألبوم "دمعة" الموسيقي للمغنية وكاتبة الأغاني والعازفة الإيرانية جلنار ​​شهيار. Cover of Golnar Shahyar's "Tear Drop" (distributed by bandcamp.com)
إظهار الجمل والقوة: تقول جولنار شاهيار: "ما يحدث في إيران الآن هو ثورة، حتى إن لم نرَ أي تغيير سياسي بعد. حررت النساء أنفسهن. لطالما كافحن وعملن بجد لا يمكن وصفه، لكن لم تعبّر صورتهن عن ذلك. الآن، تعكس صورتهن الواقع".

إيجاد صوتها الخاص

في السنوات الأخيرة شاركتِ في العديد من مشاريع الفِرَق الموسيقية، بينما "دمعة" أول ألبوم يصدر باسمك الخاص. كما سُجِّل مع الأحداث المروعة التي تحدث في إيران منذ أيلول/سبتمبر 2022. هل الموسيقى بالنسبة لك وسيلة للتعامل مع الفترة هذه؟

شاهيار: إنها مسألة معقّدة. وأجد أنه من المثير للاهتمام أنّ هذا الألبوم يصدر في الوقت ذاته الذي تحدث فيه الثورة تماماً، لأنّ ما يجري في إيران الآن هو ثورة، حتى وإن لم نشهد أي تغيير سياسي بعد.

ففي أذهاننا، لقد حققنا بالفعل تغييراً كبيراً فيما يتعلق بالفكر والثقافة. وقد استغرقت هذه العملية التي مررنا بها جميعاً سنوات عديدة.

وقد كان اكتشاف نفسي، أو العثور على نفسي وشخصيتي وصوتي من خلال موسيقاي، جزءاً من هذه العملية. بعد الحرب مع العراق لم يعد لدى جيلي أي قدوات. مُسِحنا من الحياة العامة. لم يكن لدينا أي هوية.

وأعتبر هذا الألبوم بمثابة "زهرة" تنعكس رحلتي الشخصية في الأحداث الجارية في الثقافة الإيرانية. فيبدو الأمر كما لو أنّ هذا البحث المستمر تجسّدَ الآن فجأة في صورة.

وفي حالتي، في حالة ألبوم "دمعة"، للصورة صوتٌ كذلك.

 

تعيشين في فيينا، وبالتالي بشكل ما فأنتِ بعيدة عن الأحداث في إيران. كيف تدعمين حركة "المرأة، الحياة، الحرية"؟

شاهيار: لأنني أعيش في الخارج، لدي منصة يمكنني من خلالها تقديم موسيقاي. يمكنني تمرير الكثير من الطاقة، فالموسيقى تملك هذه القوة؛ إنها تجمع الناس معاً. من خلال موسيقاي يمكنني تقوية الرغبة بتغيير الأمور. وأنا أفعل ذلك بقدر استطاعتي. من المحتمل أن أُلقَى في السجن بمجرد أن تطأ قدمي إيران، لكن خارج إيران -وبغض النظر عن المكان- عندما تُوفَّرُ أي مساحة لاحتجاجات "المرأة، الحياة، الحرية" سأستخدم صوتي وموسيقاي.

 

هل يستمع الناس في إيران إلى موسيقاكِ؟

شاهيار: نعم، بيد أنني لا أملك منصة كبيرة هناك. وفي الشتات الإيراني فإنّ موسيقاي متخصّصة للغاية، ليست موسيقى شعبية بل إنها صوت جديد ما زال عليه أن يجد مكاناً له. غالباً ما يعتقد الناس أنّ أصوات النساء في إيران حزينة، كما لو أنها تأتي من موقع الضحية. لكن في هذا الألبوم لم أغنِّ حول المعاناة والحزن فحسب بل عن قوة الصوت والفرح، هذا المنبع العاطفي اللامتناهي الذي نمتلكه داخلنا. لذلك فأنا لا أقرُّ بالحزن فحسب بل أيضاً بالقدرة على تغيير الأمور.

 

المرأة تخاطر بحياتها

إنّ أغنيتك، "أخبر أمي أنها لم تعد تملك ابنة بعد الآن"، موجهة بشكل مباشر إلى النظام الظالم، ما الذي تدور حوله؟

شاهيار: تدور الأغنية حول حقيقة أنّه من الصعب للغاية السماح لأطفالك بالرحيل وعدم معرفة إِنْ كانوا سيعودون! وبالتأكيد فإنها تتحدث عن شيء آخر أيضاً: تقرر النساء مصيرهن الآن لوحدهن. فهن ينزلن إلى الشوارع ويخاطرن بحياتهن. لطالما كان الرجال هم الذين قاتلوا، وأُلِّفت الشعارات عن رجال يبذلون أرواحهم من أجل وطنهم أو في سبيل الحرية، لكن الآن النساء هن من يقاتل. وهذه قوة مذهلة!

 

 

في هذه الثورة الثقافية حرّرت المرأة نفسها من جميع القيود. لطالما كافحت النساء وعملْنَ بجد لا يمكن وصفه، لكن الصورة المُشكَّلة عنهن لم تعبّر عن ذلك. لكن صورتهن تعكسُ الآن الواقع. وهذا يقوّي من هذه الحركة. ومن الجميل رؤية ذلك على الرغم من حدّة الموقف.

 

واحدة من الأغاني القوية جداً في ألبومك "مامان دجان"، وهي مهداة لجدتك، بينما مقدمتها مهداة إلى طائر السيمُرغ، طائر من الأساطير الإيرانية [وغيرها من الأساطير]. كيف يتوافق الاثنان معاً؟

شاهيار: لجدتي تأثير قوي عليّ. فقد كانت هذه المرأة نابضة بالحياة ومليئة بالحب والجمال والدفء. في الوقت ذاته كانت حياتها صعبة للغاية، لأسباب ثقافية وعائلية. وفي الأغنية أصف جدتي أيضاً بشكل رمزي؛ إنها تُمثِّلُ مصير العديد من نساء جيلها. أصفها بأنها طائر السيمُرغ، الرمز الأسطوري للجمال والقوة والقيادة القوية، ظلّت مهُمَّشة ومقموعة طوال هذه السنوات. قد يُحبَس طائر السيمُرغ في قفص، لكنه يواصلُ الحلمَ. وهذه هي الطبيعة البشرية: مواصلة الكفاح من أجل الحرية.

 

 

حاورها: شتيفان فرانتسن

ترجمة: يسرى مرعي

حقوق النشر: موقع قنطرة 2023

ar.Qantara.de