لأول مرة تقديم وجهات نظر عربية

مايو / أيار 1948 - ديفيد بن غوريون (واقفاً) يعلن استقلال دولة إسرائيل في تل أبيب.
مايو / أيار 1948 - ديفيد بن غوريون (واقفاً) يعلن استقلال دولة إسرائيل في تل أبيب.

الفيلم "1948 - تذكَّر، لا تتذكَّر" يقدم وجهات نظر العديد من أطراف النزاع وبات غير واضح إنْ كان سيُعرض على تلفزيون إسرائيل الذي كلف مخرجته بإنجازه. متابعة المؤرخ جوزيف كرواتورو لموقع قنطرة.

الكاتبة ، الكاتب: Joseph Croitoru

أعلن التلفزيون الحكومي الإسرائيلي قبل عدة سنين بمناسبة الذكرى الخامسة والسبعين لتأسيس دولة إسرائيل عن طرح مناقصة لإخراج فيلم وثائقي حول عام 1948. وفازت بهذه المناقصة مخرجة الأفلام الإسرائيلية نيتا شوشاني التي يبلغ عمرها اليوم ثلاثة وأربعين عامًا. يعرض فيلمها الوثائق الذي تبلغ مدته ساعتين ونصف الساعة ويحمل عنوان "1948 - تذكَّر، لا تتذكَّر" أحداث الحرب العربية الإسرائيلية للمرة الأولى باستخدام مذكِّرات يومية ورسائل دوَّنها إسرائيليون وكذلك فلسطينيون.

ويستخدم هذا الفيلم الوثائقي أيضًا لقطات نادرة وغير معروفة - مثلًا من نشرات أخبار غربية وأفلام ملوَّنة صوَّرها هواة. ولكن الفيلم يتناول أيضًا نهج إسرائيل الخجول في معالجة تاريخ الحرب والنكبة الفلسطينية، التي تمثِّل صدمة الفلسطينيين ولجوئهم وتشريدهم من ديارهم.

وتسعى المخرجة نيتا شوشاني من خلال فيلمها الوثائقي هذا إلى التشكيك في وجهات نظر مألوفة في إسرائيل حول المسألة العربية الإسرائيلية. وقد اشتكت في مقابلة مع البرنامج الثقافي في التلفزيون الحكومي الإسرائيلي من أنَّ العديد من جوانب تاريخ هذه الحرب -التي كانت حاسمة جدًا في الصراع العربي الإسرائيلي الطويل الأمد- غير معروفة في إسرائيل. وذكرت أنَّ هدفها أيضًا أن تعرض بقدر الإمكان جميعَ الأطراف المشاركة في الحرب.

إعلان لفيلم المخرجة نيتا شوشاني الوثائقي "1948 - تذكَّر، لا تتذكَّر" - عن إسرائيل وفلسطين والعرب والإسرائيليين. Poster des Films "1948 - Erinnern, Nicht-erinnern" von Neta Shoshani; Quelle: Verleih
تسعى المخرجة نيتا شوشاني من خلال فيلمها الوثائقي "1948 - تذكَّر، لا تتذكَّر" إلى التشكيك في وجهات نظر مألوفة في إسرائيل حول المسألة العربية الإسرائيلية. وقد اشتكت في مقابلة مع البرنامج الثقافي في التلفزيون الحكومي الإسرائيلي من أنَّ العديد من جوانب تاريخ هذه الحرب -التي كانت حاسمة جدًا في الصراع العربي الإسرائيلي الطويل الأمد- غير معروفة في إسرائيل. وذكرت أنَّ هدفها أيضًا أن تعرض بقدر الإمكان جميعَ الأطراف المشاركة في الحرب.

ويتَّضح نهجها هذا في طريقة معالجتها فترة ما قبل الحرب. وفي هذا السياق تقول نيتا شوشاني إنَّ تبنِّي هيئة الأمم المتحدة خطة تقسيم فلسطين في شهر تشرين الثاني/نوفمبر 1947 لم يكن معروفًا في إسرائيل إلَّا من خلال ردود فعل الإسرائيليين الحماسية في ذلك الوقت: "لكن لا أحد لدينا يعرف كيف كانت ردود الفعل على الجانب الفلسطيني".

وتُقدِّم في الفيلم مثالًا على ذلك مذكِّراتٌ يومية دوَّنها المُلحِّن والمؤرِّخ المقدسي واصف جوهرية (ولد عام 1873 وتوفي عام 1973)، الذي كان مصدومًا من خطة التقسيم التي تبنتها الأمم المتحدة.

ولم يكن هو الوحيد: "أينما ذهب في الشارع"، مثلما تقول مخرجة الفيلم: "يلتقي واصف جوهرية بعرب قلقين على ما سيحدث لهم في المستقبل".

وبعد وقت قصير من قرار الأمم المتحدة هاجم مسلحون فلسطينيون مناطق سكنية يهودية. وتصاعد الوضع عندما ردَّ اليهود بهجمات مضادة إلى حرب أهلية أُجبر خلالها آلافٌ من الفلسطينيين على الهروب من ديارهم حتى قبل قيام دولة إسرائيل في شهر أيَّار/مايو 1948.

وتصف في الفيلم العديد من الأطراف المشاركة أحداث الحرب التي أصبحت دموية على نحو متزايد نتيجة مشاركة العديد من الجيوش العربية فيها.

وبذلك تتخلَّص مخرجة الفيلم تمامًا من أسطورة داود ضدَّ جالوت التوراتية التي يتم الترويج لها منذ فترة طويلة في إسرائيل. وذلك لأنَّ الإسرائيليين -مثلما يُبيِّن الفيلم- كان لديهم مقاتلون عددهم أكبر بكثير مما كان لدى العرب وكانوا أفضل تنظيمًا وتجهيزًا من العرب.

يأس الفلسطينيين وحزنهم

وبينما كانت تنتشر لدى الفلسطينيين خلال تطوُّر الحرب حالة من اليأس والحزن على اقتلاعهم من جذورهم وتجريدهم من ممتلكاتهم، أصبح الإسرائيليون الناجحون عسكريًا أكثر ثقة بأنفسهم -على الرغم من الخسائر البشرية المرتفعة- وكذلك أكثر غرورًا وانعدامًا للضمير.

فقد كتب مثلًا في شهر كانون الثاني/يناير 1948 ديفيد بن غوريون -الذي أصبح لاحقًا رئيس وزراء إسرائيل- في مذكِّراته الحربية أنَّ "تفجير منزل لا يكفي، لا بدّ من أن يكون الردّ قاسيًا وقويًا". وحتى أنَّه طالب باستهداف زوجات المقاتلين وأطفالهم كجزء من الأعمال الانتقامية. وقد دوَّن في شهر نيسان/أبريل 1948 أنَّ الإسرائيليين بإمكانهم على الأرجح أن يقاتلوا السوريين فوق أراضيهم في حال وصول شحنات الأسلحة المأمولة.

وكان الجيش الإسرائيلي قد بدأ عند هذه المرحلة خطته "دال" (דלת)، والتي أدت إلى عمليات التشريد المستهدف للعرب الفلسطينيين وطردهم من ديارهم.

تأجيل عرضه حاليًا في التلفزيون

ويشهد في الفيلم شهود عيان من الجانبين على أعمال الإسرائيليين القاسية المتزايدة ضدَّ الفلسطينيين. ويظهر لدى بعض الجنود الإسرائيليين إلى جانب اعتزازهم بالنصر تعاطفٌ مع مصير اللاجئين الفلسطينيين. ومن الجدير بالذكر ضمن هذا السياق أنَّ معالجة فظائع الحرب الإسرائيلية -التي تمثِّل أحد مواضيع هذا الفيلم الوثائقي أيضًا- ما تزال تواجه عقبات حتى يومنا هذا.

 

 

كما أنَّ التقرير الاستقصائي حول هذا الموضوع والذي تم تقديمه إلى مجلس الوزراء الإسرائيلي في نهاية عام 1948 ما يزال يخضع للسرية. وقد عمل من أجل ذلك أمينُ أرشيف الدولة الإسرائيلي يورام روزنتسفايغ شخصيًا وبرَّر قراره هذا أمام الكاميرا بقوله: "نشر هذا التقرير اليوم يمكن أن يضر بأمن الدولة وكذلك بعلاقاتها الخارجية والأمن العام أيضًا".

تم مؤخرًا منح فيلم نيتا شوشاني الوثائقي جائزة في مهرجان "دوكافيف" السينمائي في تل أبيب، ولكنه تعرَّض أيضًا لانتقادات شديدة من قِبل اليمين السياسي الإسرائيلي لأنَّه ينشر "أسطورة النكبة الدموية". ولهذا السبب وغيره من الأسباب الأخرى فإنَّ هذا الفيلم الوثائقي يشكِّل شوكة في خاصرة الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرِّفة.

وهذه الحكومة المتطرِّفة تعتبر هيئة التلفزيون والإذاعة الإسرائيلية "كان"، التي كلَّفت مخرجة الفيلم بإخراجه، عنصرًا مزعجًا بسبب تغطيتها الإعلامية الناقدة. كان من المقرَّر عرض فيلم نيتا شوشاني الوثائقي على شاشة التلفزيون الحكومي الإسرائيلي في شهر حزيران/يونيو 2023، وتم تأجيل موعد البث الآخر المخطط له في شهر تمُّوز/يوليو 2023 إلى الخريف.

 

 

جوزيف كرواتورو (يوزيف كرويتورو)

ترجمة: رائد الباش

حقوق النشر: موقع قنطرة 2023

ar.Qantara.de