من يرغب بالاستثمار في سوريا بهذا الوقت؟

رجل يسير بين مبانٍ مدمرة في سوريا وصور رئيس النظام السوري بشار الأسد معلقة على الواجهات المكسورة.
رجل يسير بين مبانٍ مدمرة في سوريا وصور رئيس النظام السوري بشار الأسد معلقة على الواجهات المكسورة.

تشير التطورات الأخيرة إلى أن العديد من دول العالم ترغب في التطبيع مع سوريا رغم ضلوع دمشق في ارتكاب جرائم حرب. فأي الدول ترغب في الاستثمار بسوريا؟ استكشاف الصحفية كاثرين شير.

الكاتبة ، الكاتب: Cathrin Schaer

تسبب وجود مصان نحاس، رجل الأعمال السوري المُقرب من الرئيس بشار الأسد، في باريس مؤخرا في حدوث ضجة، لكنها لم تكن كبيرة.

وكان وجود نحاس، وهو عضو مجلس إدارة غرفة تجارة دمشق، في باريس يعود إلى مشاركته في القمة الاقتصادية العربية الفرنسية الرابعة التي عُقدت في منتصف مارس / آذار 2023، فيما أشارت وكالة الأنباء السورية الرسمية "سانا" إلى أن القمة انعقدت برعاية الرئيس الفرنسي.

وخلال تواجده في باريس، اُلْتُقِطَتْ صور تُظهر نحاس بجوار كبار المديرين التنفيذيين الفرنسيين؛ وهو الأمر الذي أثار الجدل بين نشطاء سوريين وتساؤلات حول كيفية دخول مسؤول سوري إلى فرنسا في ظل العقوبات الأوروبية على سوريا؟

بيد أن السؤال الأهم يتمثل في أنه: هل يُنظر إلى وجود نحاس في باريس باعتباره دلالة أخرى على قرب استعداد العالم لتطبيع العلاقات التجارية مع سوريا، رغم العزلة الدبلوماسية لأكثر من عقد جراء ضلوع الحكومة السورية في جرائم الحرب منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011؟

التطبيع مع سوريا؟

وخلال الأسابيع التي تلت تواجد نحاس في باريس، تزايد القلق حيال قرب التطبيع التجاري الدولي مع سوريا بعد السماح لدمشق بالعودة إلى الجامعة العربية مطلع مايو/ أيار 2023 عقب إنهاء تعليق عضويتها لأكثر من عشر سنوات.

 

Réponse de @ShehabiFares qui dit n'être jamais allé en France depuis 2011.

 

Ouf de soulagement que ce personnage ne soit pas entré en France.

 

Néanmoins, le régime était quand même représenté par Musan Nahhas, Secrétaire de la Chambre de Commerce Syro-Iranienne. https://t.co/q94CuiGKUY pic.twitter.com/A2YUkYYG0H

 

— Benjamin Feve (@BenjaminFeve) March 26, 2023

 

تزامن ذلك مع ذكرته وكالة الأنباء السعودية الرسمية "واس" من لقاء جمع رئيس اتحاد الغرف السعودية حسن بن معجب الحويزي برئيس اتحاد غرف التجارة السورية محمد أبو الهدى اللحام على هامش مشاركتهم في مؤتمر الأعمال العربي الصيني المنعقد بالرياض.

وأضافت واس أن الجانبين اتفقا على "إعادة فتح مسار التعاون الاقتصادي واستئناف الأنشطة والفعاليات التجارية والاستثمارية بين الجانبين، بالتزامن مع انفتاح سوريا على محيطها العربي".

ولا يتوقف الأمر على المحيط العربي لسوريا، إذ بعد وقت قصير من وقوع الزلزال المدمر في سوريا وتركيا، وقعت الوكالة الإيطالية للتعاون الإنمائي اتفاقية تعاون مع الهلال الأحمر العربي السوري "بحضور القائم بأعمال السفارة الإيطالية في سوريا ماكسيميليانو دانتونو، وذلك لدعم المتضررين من الزلزال، وتقديم المساعدات الإنسانية العاجلة لهم"، وفقا لما ذكرته سانا.

يشار إلى أن الهلال الأحمر العربي السوري يعد منظمة إنسانية ذات روابط بالحكومة السورية، فيما يُعتقد أن إبرام اتفاقية التعاون مع الجانب الإيطالي هو الأول من نوعه مع دول أوروبية منذ اندلاع الثورة السورية.

ورغم هذا الزخم الكبير، إلا أن خبراء أوضحوا أنه من الصعب تحديد مدى واقع هذا الحديث عن المزيد من التعاون مع سوريا على أرض الواقع.

فعلى سبيل المثال، تبدو واقعة تواجد مصان نحاس في باريس بعيدة كل البعد عما بدا عليه الأمر، إذ ذكر موقع "سوريا ريبورت" أو "تقرير سوريا" الإخباري الاقتصادي أن سوريا  لا تلقى حظوة في الاتحاد الأوروبي، حيث أشار الموقع إلى أن نحاس ليس مدرجا في قائمة تضم أكثر من 320 شخصية سورية تخضع لعقوبات الاتحاد الأوروبي.

 

Cependant, on reste très loin des profiteurs de guerre qui ont pu émerger au cours du conflit — à l’instar de Fares Shehabi, justement.

 

Au final, Nahas semble plus être un opportuniste qu’autre chose. Reste à voir s’il continue de faire parler de lui dans le futur.

 

11/

 

— Benjamin Feve (@BenjaminFeve) March 29, 2023

 

وكتب الباحث في الموقع، بنجامين فيفي، إن مشاركة نحاس "في هذه القمة تبدو وكأنها خطأ (دبلوماسي) من جانب الفرنسيين أكثر من كونها محاولة خادعة للتطبيع مع النظام السوري".

وذكر خبراء تحدثوا مع دي دبليو بأن التصريحات الأخيرة الأخرى حول زيادة التجارة والاستثمار في سوريا تتطلب الكثير من التدقيق.

وفي مقابلة مع دويتشه فيله، قال الخبير الاقتصادي والباحث في معهد تشاتام هاوس البريطاني، زكي محشي، إنه رغم عودة سوريا إلى الجامعة العربية، إلا أن ثلاثة أسباب رئيسية وراء عدم إحتمالية أن تنظر دول مثل السعودية والإمارات الأردن والعراق إلى ضخ استثمارات في سوريا بالأمر الإيجابي.

وأضاف أن السبب الأول يتمثل في شكل العقوبات الدولية الواسعة النطاق على سوريا، لأنها تنطبق أيضا على أي طرف ثالث يتعامل مع سوريا. فيما يتوقع أن يصبح الأمر أكثر إشكالية في حالة إقرار الكونغرس الأمريكي مشروع "قانون محاربة التطبيع مع نظام ‫الأسد لعام 2023".

وأشار محشي إلى أن السبب الثاني يكمن في أن بيئة الأعمال والاستثمار في سوريا ليست جذابة في ظل حالة عدم الاستقرار والفساد، مضيفا أن السبب الثالث هو أن كافة أشكال الاستثمارات السريعة المربحة خاصة في قطاعي النفط أو الغاز باتت في أيدي الروس والإيرانيين".

الأمر ليس مربحا

 

حرفي يعمل في ورشته بمدينة الرقة السورية 20.05.2023 - رجل يجلس في ورشة بسيطة للغاية للمعادن - سوريا. Man sits working in a very basic metal-working shop (image: DELIL SOULEIMAN AFP via Getty Images)
After over a decade of civil war, around 90% of Syrians live in poverty (image: DELIL SOULEIMAN AFP via Getty Images)

 

بدوره، قال روبرت موجيلنيكي الباحث المقيم في معهد دول الخليج العربية بواشنطن: لا يوجد الكثير من أشكال الاستثمار في سوريا، مضيفا أن الأمر ينطوي على "بعد سياسي".

وأضاف في مقابلة مع دي دبليو أن الدوافع السياسية ترمي إلى الحد من النفوذ الإيراني في سوريا وتقليص النشاط السوري الضخم غير المشروع في عمليات تهريب مخدر الأمفيتامين المعروف باسم الكبتاغون الذي بات مصدر قلق لدول الخليج ودول المنطقة.

وأشار إلى أن دول الجوار السوري التي تستضيف ملايين اللاجئين ترغب في عودة الاستقرار إلى البلاد بهدف تمهيد الطريق أمام عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم.

ولهذا يرى خبراء أنه حتى في وجود احتمال ضئيل لضخ استثمار مباشر في سوريا في الوقت الراهن، فإنه من المحتمل أن تتمكن دول الخليج من إرسال المزيد من الأموال إلى سوريا شريطة تخفيف العقوبات الغربية تدريجيا وهو الأمر غير المرحج، أو أن يتم ذلك عبر الوكالات الإنسانية الدولية مثل الأمم المتحدة.

وبدروه، أشار الخبير الاقتصادي السياسي والزميل البارز في معهد "نيو لاينز"، كرم شعار، إلى أن هناك نوعا من الاستجابة الإنسانية داخل منظومة الأمم المتحدة تُسمى "التعافي المبكر"، مضيفا أن "التعافي المبكر غير محدد بشكل جيد". وقال في مقابلة إذاعية إن هذا الأمر ينطوي على "ثغرة" يمكن أن تستغلها دول الخليج التي تريد إرسال أموال إلى سوريا دون الخضوع للعقوبات.

فرصة أمام الصين

يشار إلى أن هناك أطرفا دولية أخرى مثل الهند أو البرازيل قد تقدم على الاستثمار في سوريا، لكن جاي بيرتون، أستاذ الشؤون الدولية في كلية بروكسل للحوكمة، قال إنه من المرجح "أن تكون الشركات الخاصة من هذه الدول حذرة بشأن الاستثمار في سوريا بالنظر إلى مخاطر ذلك".

بيد أن خبراء يقولون إن الصين قد تكون المستثمر المحتمل الرئيسي في سوريا، خاصة بعد أن وافقت الأخيرة على الانضمام إلى مبادرة الحزام والطريق الصينية في أوائل عام 2022 فيما ناقش ممثلو الحكومتين الصينية والسورية تنفيذ مشاريع في مجالات النقل والصناعة والاتصالات.

 

 ولي العهد السعودي رئيس الوزراء محمد بن سلمان يقدم نفسه كسفير إقليمي كذلك فيما يتعلق بسوريا. Saudi Arabian Crown Prince and Prime Minister Mohammed bin Salman has been presenting himself as a regional ambassador, also with regard to Syria (image: AMER HILABI/POOL/AFP via Getty Images)
ولي العهد السعودي رئيس الوزراء محمد بن سلمان يقدم نفسه كسفير إقليمي كذلك فيما يتعلق بسوريا: يرى خبراء أنه حتى في وجود احتمال ضئيل لضخ استثمار مباشر في سوريا في الوقت الراهن، فإنه من المحتمل أن تتمكن دول الخليج من إرسال المزيد من الأموال إلى سوريا شريطة تخفيف العقوبات الغربية تدريجيا وهو الأمر غير المرحج، أو أن يتم ذلك عبر الوكالات الإنسانية الدولية مثل الأمم المتحدة. بدروه أشار الخبير الاقتصادي السياسي والزميل البارز في معهد "نيو لاينز"، كرم شعار، إلى أن هناك نوعا من الاستجابة الإنسانية داخل منظومة الأمم المتحدة تُسمى "التعافي المبكر"، مضيفا أن "التعافي المبكر غير محدد بشكل جيد". وقال في مقابلة إذاعية إن هذا الأمر ينطوي على "ثغرة" يمكن أن تستغلها دول الخليج التي تريد إرسال أموال إلى سوريا دون الخضوع للعقوبات.

 

ومع ذلك، يقول الخبراء إن الأمر يحمل في طياته الكثير من التصريحات، لكن دون انخراط عملي على أرض الواقع. وفي هذا السياق قال بيرتون في مقابلة مع دي دبليو إن "السوريين أعربوا عن اهتمامهم القوي بالاستثمارات الصينية، فيما كان الصينيون منفتحين على هذه المناقشات. لكن في حالة المقاربة الإيرانية، فإن (إيران) الخاضعة لعقوبات دولية تجري محادثات لتعزيز علاقتها مع الصين. لكن ورغم ذلك، فإن مستوى الاستثمار الصيني الفعلي في إيران مازال ضئيلا للغاية رغم توقيع اتفاقية مدتها 25 عاما قبل سنتين".

ويتفق في هذا الرأي روبرت موجيلنيكي الباحث المقيم في معهد دول الخليج العربية بواشنطن، قائلا إن "الانخراط الاقتصادي للصين في الشرق الأوسط يتركز بشكل كبير في الاقتصادات الكبيرة". وأضاف "يُقال إن الصينيين يرغبون في استغلال هذا الفراغ في السلطة، لكن أعتقد أن هناك ترددا أكبر بكثير مما يعتقده الكثيرون".

وفيما يتعلق بأوروبا، قال الخبير الاقتصادي والباحث في معهد تشاتام هاوس البريطاني، زكي محشي، إن الأيام المقبلة قد تشهد بعض التراخي في مواقف الشركات الأوروبية تجاه سوريا، لكن سوف ينطوي الأمر على سرية.

وأضاف "أعرف العديد من رجال الأعمال في دول أوروبية مثل اليونان أو إيطاليا أعادوا بالفعل بناء علاقاتهم التجارية داخل سوريا، لذا فإن هناك أنواعا من المعاملات الفردية بين أوروبيين وسوريين، لكن بطريقة غير مباشرة. فعلى سبيل المثال، قد تكمل شركة أوروبية صفقة تجارية باستخدام وسيط مقره في دولة خليجية".

الموقف الأوروبي؟

يعتقد محشي أن التغيير التدريجي في الموقف الأوروبي ناجم عن أن الدول العربية على ما يبدو استسلمت لحقيقة مفادها أنها ستحتاج إلى التعامل مع الأسد بهدف تحقيق الاستقرار في سوريا.

 

حاويات تجارية في مرفق لوجستي صيني. A Chinese container logistics facility (image: CFOTO/picture alliance)
China prefers economies 'that ideally, have energy resources, ports, strong logistics sectors and relatively large markets,' Mogielnicki says

 

وقال إن هذا الموقف تم تسليط الضوء عليه خلال "مؤتمر بروكسل السابع حول "دعم مستقبل سوريا والمنطقة" مؤخراً، مضيفا "كان هناك الكثير من الحديث حول مساعدة السوريين على حل مشاكلهم بأنفسهم مع التركيز على القطاع الخاص".

وخلال المؤتمر الذي حمل عنوان "دعم مستقبل سوريا والمنطقة"، تعهد المانحون بتقديم 9,6 مليار يورو (10,3 مليار دولار) على شكل منح وقروض لدعم الشعب السوري داخل وخارج البلاد.

ورغم ذلك، شدد الممثل الأعلى للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، على أن التكتل "لم يغير نهجه السياسي تجاه سوريا وسيبقي على العقوبات على نظام الأسد، مضيفا "لسنا على نفس خط جامعة الدول العربية، لكن هذا لا يعني أننا لن نستكشف أي إمكانية لتحسين الوضع في سوريا... وكما تعتقد الجامعة العربية من سياستها الجديدة [تجاه سوريا] يمكن أن تحقق بعض النتائج، فإننا سوف ندعمها".

 

 

 

كاثرين شير

ترجمة: م. ع

حقوق النشر: دويتشه فيله 2023

 

 

ar.Qantara.de