ضد التعذيب والإعتداءات الجنسية في مصر

يخشى نشطاء حقوق الإنسان في سياق التحري عن مدبري إعتداءات شرم الشيخ من إعتقالات تطال مواطنين لا علاقة لهم بالأمر، ومن التنكيل بالموقوفين المحتجزين. "مركز النديم" في القاهرة يقوم بتوثيق حالات التعذيب في مصر منذ تأسيسه 1993. تقرير مارتينا صبرا

رجل وراء الفضبان، الصورة: د ب أ
ما زال الإحتجاز العشوائي شائعا في مصر.

​​يخشى نشطاء حقوق الإنسان في سياق التحري عن مدبري إعتداءات شرم الشيخ من إعتقالات تطال مواطنين لا علاقة لهم بالأمر، ومن التنكيل بالموقوفين المحتجزين لدى قوى الأمن. "مركز النديم" في القاهرة يقوم بتوثيق حالات التعذيب في مصر منذ تأسيسه 1993. تقرير مارتينا صبرا

مجرد شجار بسيط في القاهرة أودى بابن التاسعة عشرة عاماً: أحمد محمود تمّام؛ الجار المغتاظ من جراء الشجار أراد الإنتقام، فطلب من صديق له في الشرطة لكي يرتب اعتقال هذا الشاب. هكذا جرَّت الشرطة الشاب النزيه أمام أعين أخواته ووالديه من منزله بوحشية، ونقلته إلى مركز شرطة قريب.

توفي أحمد تمّام بعد يومين. وكان السبب حسب تقرير الشرطة: "إنتحار أثناء النقل". بيد أن تقرير التشريح الطبي بيّن أن الوفاة كانت نتيجة نزيف شديد في الدماغ وحروق بفعل تعرض الأعضاء التناسلية لصدمات كهربائية.

توفي أحمد محمود تمّام تحت التعذيب. وسعى المسؤولون الرسميون لمنع عائلة الشاب من التبليغ عن الأمر عبر توجيه التهديدات لهم. بيد أن والده لم يتراجع بالرغم من محاولات التخويف الهائلة. فرفع دعوى قضائية، ولجئ من ثم إلى مركز النديم للعلاج والتأهيل النفسي لضحايا العنف.

ترقية الضابط المسؤول

"هذه الحالة كانت من الحالات التي هزتني بشكل بالغ" كما تروي ماجدة عدلي، طبيبة التخدير في إحدى المشافي الحكومية، والناشطة المتطوعة في مركز النديم من أجل مناهضة التعذيب والإعتداء الجنسي:

"ساعدنا العائلة لإحالة هذه القضية على القضاء. ما أدى على الأقل إلى صدور حكم وإلى إدانة قانونية." بيد أن المسؤول الرئيسي في الشرطة حُكِمَ بالسجن لعام واحد فقط. "ولم يسجن فعلياً إلا تسعة أشهر ليُرقى بعدها إلى مدير قسم"، كما تضيف سوزان فايد، مديرة مشفى مركز النديم.

تلقى في العام الماضي حوالي 150 شخص من ضحايا التعذيب أو من أفراد عائلاتهم الدعم في مركز النديم. وعدا ذلك سجلت المنظمة الصغيرة، التي ترعى مركزاً إرشادياً ومشفى للعلاج النفسي والطبي خاصاً بها في وسط القاهرة، ما بين حزيران/يونيو 2004 و حزيران/يونيو 2005 ما تعداده 40 حالة وفاة بسبب التعذيب.

ليس بوسع العاملين والعاملات في مركز النديم معرفة إذا ما كان التعذيب قد ازداد في مصر أم لا: "الذي نعرفه هو أن الضحايا وأفراد عائلاتهم هم اليوم أكثر إستعداداً للتبليغ عن إساءات الشرطة"، كما تقول ماجدة عدلي:

"تمزق غطاء التحريم شيئاً ما، وهذا ليس نتيجة عملنا وحدنا. لكن لا يزال في مصر الكثيرون ممن يعتبرون أن التعذيب من صغائر الأمور، ويتهمون الضحايا بقيامهم بأخطاء ما وإلا لما تمت معاملتهم بهذا الشكل".

ممارسة التعذيب في الكثير من مراكز الشرطة

تسجل تقارير منظمات حقوق الإنسان المصرية والعالمية بوضوح أن التعذيب منتشر بكثرة في مراكز الشرطة المصرية. وترى ماجدة عدلي أن هذا جزءً من نظام الهيمنة الديكتاتوري المستند على إذعان المواطنين أمام سلطة الدولة، وتتابع عدلي البالغة الخمسين من العمر: "لا يتعلق الأمر هنا بحالات فردية أو بتجاوزات بعض المفرطين بالعدوانية من موظفي الدولة".

من أسوان في الجنوب حتى الاسكندرية في الشمال تسود ذات المنهجيات ويسود ذات التعسف في كل مكان: "ولا زالت النساء تمثلن الأقلية بين الضحايا، بيد أن أعدادهن في إزدياد، وغالباً ما يهددن بالإعتداء الجنسي خصوصاً. ويشمل التعذيب دائماً عناصر ذات علاقة بالجنس، ويطال هذا الرجال كذلك"، كما تقول عايدة سيف الدولة، بروفسورة علم النفس في جامعة القاهرة والمشاركة في تأسيس مركز النديم. "لكن غالباً ما يجري إذلال النساء بشكل هادف لكونهن نساء".

لا يعمل مركز النديم مع ضحايا التعذيب مباشرة وحسب، بل مع أقرباء السجناء السياسيين كذلك: "يقبع الآلاف بسبب شبهة الإرهاب الإسلاموي في السجون المصرية، إعْتُقِل الكثيرون منهم في أوائل التسعينيات وهم في ريعان شبابهم ولم توجّه إليهم الاتهامات حتى الآن"، كما تقول عايدة سيف الدولة.

الاهتمام بضحايا العنف المنزلي

إلى جانب إعادة التأهيل النفسي لضحايا التعذيب طور مركز النديم في الأعوام الماضية حقلاً جديداً للعمل: مساعدة النساء والفتيات اللواتي تعرضن للضرب أو الإعتداء الجنسي:

"بالرغم من توجهنا الرئيسي إلى ضحايا التعذيب، جاءتنا منذ البداية الكثيرات من ضحايا الإعتداءات الجنسيي" كما تروي عايدة سيف الدولة. وأثبتت إحدى الدراسات الميدانية التي قام بها مركز النديم أن نصف النساء المتزوجات في مصر تقريباً عانين مرة واحدة على الأقل من العنف المنزلي.

يدرب مركز النديم حالياً مرشدات في مجال العنف المنزلي في مختلف المناطق الريفية والمدن المصرية، ويساعد المبادَرات المحلية في بناء مراكزها الإرشادية الخاصة بها. كما ويشارك مركز النديم علاوة على ذلك في إطلاق حملات وطنية من أجل معاقبة ممارسي العنف المنزلي قانونياً في مصر.

"رغم وجود تجريم للايذاء الجسدي أو للإهانة" كما تبين ماجدة عدلي، "لكن عندما يضرب رجل زوجته تطبق الأحكام الدينية. وحسب القانون الإسلامي المعمول به في مصر يحق للرجل "تأديب" زوجته إذا دعت الضرورة أيضاً بواسطة الضرب".

يطالب كل من مركز النديم ومنظمات حقوق الإنسان والمرأة حالياً بمشروع قانون يعاقب بموجبه العنف ضد الزوجات وينص على حماية الزوجات المهددات وأطفالهن. أما بالنسبة للسلطات المصرية فيمثل فريق عمل مركز النديم شوكة في العين بسبب جهوده لدعم السجناء السياسيين ومطالبته بالإصلاحات الديموقراطية وعمله ضد القوانين التقليدية.

وفي صيف 2004، صادرأفراد من المفروض أنهم تابعون لمديرية الشؤون الصحية ملفات مرضى أثناء قيامهم "بزيارة تفتيش" مفاجئة، وهددوا المركز بالإغلاق بحجة اتباعه أهدافاً غير "طبية" في عمله أيضاً.

ويسعى مركز النديم لمواجهة أعمال قمع من هذا النوع عبر تكثيف شبكة علاقاته المحلية والعالمية. لذا يعمل مع مركز هشام مبارك لحقوق الإنسان في داخل مصر. مركز النديم بصدد تشكيل لجنة لمناهضة التعذيب حالياً. بالإضافة إلى ذلك فهو جزء من شبكة أمان „AMAN“ العربية الشمال أفريقية لتأهيل ضحايا التعذيب، وله وضع المراقب في الأمم المتحدة وعلى تعاون وثيق مع منظمات حقوق الإنسان العالمية.

بقلم مارتينا صبرا
ترجمة يوسف حجازي
حقوق الطبع قنطرة 2005