أوباما العرب

يوضح كريستوفر هِل، مساعد وزير الخارجية الأميركية الأسبق لشؤون آسيا، في هذه المقالة الخطوط العامة العريضة التي يجدر بإدارة الرئيس أوباما اتباعها في تعاملها مع الثورات العربية التي ستجلب معها جيلاً جديداً من الزعامات في المنطقة العربية.

، الصورة ا.ب
"ما يحدث في العالم العربي ليس سلسلة من الصفقات؛ بل إنه تحول ثقافي جذري من حيث مواقف الأجيال، والعلاقات بين الجنسين، والتوترات الحضرية والريفية"

​​إن العالم لم ير منذ عام 1989 مثل هذا التوقد الجائح الغامر للرغبة في الحرية والديمقراطية، وهذه المشاعر الحارقة التي تكتسح الآن مختلف أنحاء منطقة شاسعة وقديمة كانت في حاجة ماسة إلى الإصلاح. فمن المغرب إلى المشرق العربي إلى شبه الجزيرة العربية، تحرك التاريخ العربي. ويبدو أن جيلاً جديداً من الزعامات بات مستعداً الآن لتولي المسؤولية هناك.

والواقع أن لحظات مثل هذه تشكل تحدياً خاصاً لصانعي السياسات الخارجية، والذين يتعين عليهم أن يضعوا عيناً على العالم كما هو والعين الأخرى على العالم كما قد يكون في المستقبل. وفي محاولة للقيام بهذه المهمة خوطب الرئيس الأميركي باراك أوباما بمشاعر حماسية ملتهبة بشأن الحاجة إلى "الانحياز إلى الجانب الصحيح من التاريخ"، أو على حد تعبير بوب ديلان "فلتبتعد عن الطريق الجديد إن لم تكن قادراً على مد يد المساعدة". إنه في واقع الأمر وقت حساس ودقيق ومتغير بالنسبة للولايات المتحدة، وخاصة حين يتوقع الأميركيون من رئيسهم أن يكون كبير المعبرين عن مشاعرهم. والكيفية التي يدير بها أوباما الدعوات من اليسار واليمين التي تطالبه بالمزيد من العمل قد تشكل البيئة حيث تتكشف هذه العملية في نهاية المطاف ـ وهي عملية يملك ناصيتها ويديرها العرب.

خريطة طريق للإدارة الأمريكية

وبينما تنتقل إدارة أوباما من أزمة إلى أخرى في العالم العربي، فيحسن بها أن تتبع بعض المبادئ التوجيهية التي لا تتغير مع كل جولة من الأنباء.

أولا، يتعين علينا أن ندرك أن اتخاذ الجانب الصحيح من التاريخ أمر منطقي ومطلوب، أما أن نقترح أن الولايات المتحدة تلهم أو توجه الثورات العربية فهو أمر مختلف تماما. إن تجنب مثل هذه التصورات قد يكون صعباً في بعض الأحيان: ففي الكثير من أنحاء المنطقة يُنظَر إلى وسائل الإعلام الأميركية باعتبارها ذراعاً لأميركا المطلقة النفوذ. لذا فعندما يصل القائمين على إرسال التقارير الإخبارية حد التهليل والتشجيع (وهو أمر شائع الحدوث نسبيا)، فإن التصور بأن أميركا تدير الأحداث يكتسب زخماً جديدا. لذا فمن الحكمة ألا يحاول أوباما الاضطلاع بدور ضابط مرور الأزمات اليوم. فهناك أوقات حيث يكون من الأفضل لرئيس الولايات المتحدة أن يبقى في الظل، حتى ولو جعله ذلك يبدو وكأنه غائب ومنسحب. والآن أحد هذه الأوقات.

الصورة د.ب.ا
"هناك دافع واحد على الأقل وراء الثورات العربية، وهو الدافع المتغلغل في السياسة الغربية أيضا: ألا وهو الرغبة في نسيان الحقائق، والمخاطر، والمستقبل، والتركيز فقط على التخلص من الأوغاد والأنذال"

​​

وثانيا، كثيراً ما يتباهى الأميركيون باتخاذ نهج تبادلي في التعامل مع ا لعالم. ولكن ما يحدث في العالم العربي ليس سلسلة من الصفقات؛ بل إنه تحول ثقافي جذري من حيث مواقف الأجيال، والعلاقات بين الجنسين، والتوترات الحضرية والريفية. لا شك أن المواجهة بين الديمقراطية والدكتاتورية تشكل خط صدع واحد، ولكن هناك أيضاً كما يتبين لنا من الحال في البحرين والمملكة العربية السعودية انقسام بين الشيعة والسنة يرجع تاريخه إلى 1300 عام. والواقع أن السياسات المصممة للتعامل مع أحد خطوط الصدع ليست بالضرورة صالحة للتعامل مع غيره.

إن التحليل الدقيق لما يجري على الأرض أمر أساسي، ولكن هذه المهمة قد تكون بالغة الصعوبة في عالم تحول إلى شيء أشبه بغرفة ترجيع لصدى الرموز الثقافية. ورغم أن العديد من الأميركيين يحبون أن يتصوروا أن خطوط المعركة كانت مرسومة بين مستخدمي تويتر وبين من لا يستخدمونه، أو بين أصحاب الحسابات على الفيس بوك وبين هؤلاء الذين لم ينشئوا لأنفسهم حسابات عليه، فإن الأرجح هو أن هويات أخرى كنت مسؤولة عما يحدث الآن.

بالطبع، لا أحد يحب أن يشير إلى "القَبَلية" أو الصراع "العشائري"، ولكن عناصر الهوية هذه كثيراً ما تلعب دوراً رئيسياً في تحديد مدى استعداد الناس للنزول إلى الشوارع. والواقع أن هالة الانحراف السياسي التي تحيط بمثل هذه المصطلحات تعكس غياب أي مبدأ منظم مماثل في المجتمعات الحديثة الخاضعة للعولمة. ولكن هذا ليس بالسبب الكافي لاستبعاد فئات التحليل هذه حيثما كانت قابلة للتطبيق.

الثورة الليبية، الصورة أ ب
"فلتبتعد عن الطريق الجديد إن لم تكن قادراً على مد يد المساعدة"

​​

وثالثا، هناك دافع واحد على الأقل وراء الثورات العربية، وهو الدافع المتغلغل في السياسة الغربية أيضا: ألا وهو الرغبة في نسيان الحقائق، والمخاطر، والمستقبل، والتركيز فقط على التخلص من الأوغاد والأنذال. ونستطيع أن نرى هذه المشاعر منعكسة في الشعار الذي ارتفع في كل أرجاء المنطقة: "الشعب يريد إسقاط النظام". والواقع أن بعض هؤلاء الأوغاد تجاوزوا بالفعل تاريخ صلاحيتهم. وفي بعض الأحوال سرقوا هم وأتباعهم الكثير من الثروات الوطنية. ومن يستطيع أن يقول أن هذا الدافع لابد وأن يُعَد في مرتبة أدنى من بقية الدوافع التي تزود متاريس الديمقراطية بالرجال؟ إن الرغبة في "التخلص من الأوغاد" تستحق الاحترام. ولكن من المؤسف أنها لا تؤدي دوماً إلى المزيد من الديمقراطية.

وأخيرا، يتعين على إدارة أوباما أن تضع في اعتبارها أن النظام القديم في بعض البلدان سوف يستبدل قريبا. ولكن قد يتبين مع الوقت أن التغيير كان أقل من المأمول في مستهل الأمر، بل ولعله يجلب معه وضعاً قد يكون أسوأ من الوضع الراهن (ويحضرني هنا ما حدث بعد الثورة الفرنسية، والثورة البلشفية، والثورة الإيرانية). ولكن لا شك أن النتائج في بلدان أخرى قد تكون مبشرة (كما حدث في أعقاب الثورة الأميركية، وثورات أوروبا الشرقية في عام 1989).

العامل العسكري؟

بيد أن بعض العمليات التاريخية قد تتعثر في النهاية على الرغم من انطلاقها المفاجئ السريع. ذلك أن الدكتاتور الذي لم يبال بشعبه قد يبرهن في واقع الأمر على براعته في التشبث بالسلطة. وفي ظل ظروف كهذه سوف تنطلق حتماً أصوات تطالب الغرب ـ الولايات المتحدة على وجه التحديد ـ بالإطاحة بالطغاة عسكريا. وحين تُبرِز مثل هذه الوصفات نفسها، فيتعين على صناع السياسات أن يتوخوا الروية والحذر وأن يسألوا أنفسهم كيف وصل الطاغية إلى مكانته تلك في المقام الأول. فعندما أطاحت القوات التي قادتها الولايات المتحدة بالدكتاتور صدّام حسين في عام 2003، لم يُبذَل إلا أقل القليل من الجهد لمحاولة فهم الكيفية التي تمكن بها طاغية من أصل ريفي مثل صدّام حسين من الاستيلاء على السلطة والاحتفاظ بها طيلة تلك الفترة، وكيف نجح في استغلال العلاقات المعقدة بين السُنّة والشيعة، أو كيف تمكن من إدارة النظام القَبَلي المعقد في العراق.

بالطبع، كان الإرهاب هو الأداة التي استخدمها صدّام، ولكن ما ساعده أيضاً كان فهمه للعمليات السياسية والاجتماعية الداخلية. والواقع أن الولايات المتحدة ـ التي تبدأ عامها التاسع من التورط في العراق، الذي كلفها أكثر من تريليون دولار، والذي أسفر عن آلاف الضحايا من الأميركيين والعراقيين ـ كانت لتحسن صنعاً لو فهمت أولاً تلك العمليات بنفس القدر من الدقة. ما شك أن هذا الدرس لابد وأن يفرض نفسه على استجابة الولايات المتحدة لنشوء عالم عربي جديد ـ ولكنه ليس بالضرورة عالم انتقل إلى الديمقراطية حديثا.

كريستوفر هِل
ترجمة: أمين علي
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت 2011

كريستوفر ر. هِل مساعد وزير الخارجية الأميركية الأسبق لشئون آسيا، وكان سفيراً للولايات المتحدة في العراق وكوريا الجنوبية ومقدونيا وبولندا، ومبعوثاً خاصاً إلى كوسوفو، ومفاوضاً في اتفاقيات دايتون للسلام، وكبير مفاوضي الولايات المتحدة مع كوريا الشمالية أثناء الفترة 2005-2009. وهو يشغل حالياً منصب عميد كلية كوربل للدراسات الدولية في جامعة دنفر.

قنطرة

المغرب العربي بعد ثورة تونس
جروح وبلاسم
يرصد المفكر المغربي المعروف محمد سبيلا في هذه المقالةالتحليلية نقاط التقاطع بين دول المغرب العربي التاريخية والاجتماعية والسياسية، كما يكشف الدور الذي تلعبه الهوة بين الأجيال المختلفة، خاصة وأن الشباب لم يعد مقتنعا بأطروحات الجيل السابق في ظل الأوضاع الاجتماعية المزرية التي يعيشها.

حوار مع كبير الباحثين في مؤسسة كارنيجي عمرو حمزاوي
"الإطاحة بالرئيس التونسي بن علي درس لبقية الأنظمة العربية"
تتوالى الأحداث في تونس الخضراء بصورة متلاحقة. عمرو حمزاوي، كبير الباحثين في مؤسسة كارنيجي، يؤكد في حوار مع أميرة محمد ، أن الإطاحة بالرئيس زين العابدين بن علي يمثل درسا هاما لبقية الأنظمة العربية السلطوية، التي ترفض إجراء إصلاحات ديمقراطية وإقتصادية.

الثورة الليبية:
لماذا تتردد بعض الدول العربية في دعم الثورة الليبية؟
يتساءل الكاتب والأكاديمي السعودي خالد الدخيل في هذه المقالة عن الموقف الرسمي العربي من الثورة الليبية وإصرار بعض الدول العربية على رفض الحظر الجوي، مؤكدا أن مستقبل موجة الثورات الشعبية في العالم العربي أصبح معلقاً على ما سوف تنتهي إليه في البحرين، واليمن، وليبيا.