"يجب على الغرب أن يتراجع عن سياسة النفاق"

دقت ساعة الحقيقة بالنسبة للجميع في مصر، وعلى الرغم من أن المشاكل الكبرى مازالت قائمة رغم رحيل مبارك، إلا أن ثورة ميدان التحرير من شأنها أن تؤسس لحقبة جديدة، والآن يتوجب على الغرب أن يدعم بقوة الديمقراطية الوليدة في الشرق الأوسط كما يقول الخبير المعروف رودولف شيميلي في هذا التعليق.

الصورة د.ب.ا
"ما نعرفه اليوم عن الديكتاتوريين في تونس ومصر يتوجب أن يدفعنا للتراجع عن سياسة النفاق التي مارسناها حتى الآن"

​​

فرحة وارتياح يعمان ميدان التحرير في وسط القاهرة. منذ الساعات الأولى يقف الشرق الأوسط أمام مشاكل كبيرة، لن تحل بسهولة. ورغم الفرحة برحيل مبارك إلا أن المصريين يدركون بأن الأزمنة المقبلة ستكون صعبة حتى وإن عادت الحياة اليومية إلى مجراها الطبيعي، فمصر بلد لا ثروات طبيعية له، وقسم كبير من سكانه يعيشون أوضاعا مزرية.

لقد بدأ الأمر في ساحة التحرير أشبه بحدث عفوي، لكنه سيدخل كتب التاريخ كثورة، وفي خضم الاحتفال بالنصر، ينسى المرء بسرعة بأن الجماهير التي قادت الثورة لا قائد لها ول تجمعها أفكار مشتركة، تحتاجها من أجل بداية جديدة، كما أنه علينا أن ننتظر حتى نعرف ما إذا كان المشير حسين طنطاوي، أحد المقربين من مبارك، هو حامل آمال المصريين أم أنه قام بخطوته حتى ينقذ امتيازات الضباط، ولكن وعلى الرغم من ذلك فإن مكانة مصر وجاذبية ثورتها تكفي للحديث عن حقبة جديدة في الشرق الأوسط. ولن ينتظر أحد من معارضة ممزقة، قمعت لعقود أن تتقدم بين عشية وضحاها بمشاريع كاملة. لكن إنجازات كبرى لا ريب أن تتحقق: الحرية ومزيدا من العدالة الاجتماعية واحترام حقوق الإنسان. المشاكل الكبرى لحوض النيل وللمنطقة ستظل مستمرة. وتتلخص في الفقر والبطالة وغياب الفرص في مستقبل أفضل بالنسبة للشباب وتدمير البيئة. فرؤساء وجنرالات وملوك العالم العربي لم يفعلوا شيئا لتغيير هذا الوضع. فكيف يمكن لمعارضيهم الذين تنقصهم التجربة، ولايعتمدون إلا على حنينهم إلى الإصلاح أن يفعلوا الأفضل؟

شبح الإسلاميين

الصورة د.ب.ا
"الإخوان المسلمون لا يهدفون إلى السيطرة على السلطة ولكن إلى المشاركة في اللعبة السياسية، كما أكد المتحدثون باسمها"

​​

وفي ميدان التحرير كان الناس يقبلون على الصلاة أيضا. إن الإسلام السياسي هو القوة المنظمة الوحيدة في
المعارضة. ورغم حظرها فإن جماعة الإخوان المسلمين حاضرة بمؤسساتها الإجتماعية في البلاد بأكملها، وخلافا لموظفي النظام القديم ، فإنهم يتمتعون بسمعة جيدة وقد دخلوا الانتخابات كمستقلين وحصلوا رغم العراقيل التي وضعت أمامهم على ثمانية وثمانين صوتا من أصل أربعمائة وأربعة وعشرين صوتا. أما قوتهم في المستقبل فسترتبط باقتناع المصريين بحضورهم الاجتماعي، لكنه من الأكيد أنهم لن يمثلوا الأغلبية. بل إن الجماعة لا تهدف إلى السيطرة على السلطة ولكن إلى المشاركة في اللعبة السياسية، كما أكد المتحدثون باسمها. كما أنهم لن يتقدموا بمرشح في الانتخابات الرئاسية القادمة وأعلنوا احترامهم لاتفاقية السلام المبرمة مع إسرائيل. كل ذلك يؤكد أنه لا يمكن إقصائهم بعد اليوم من الحياة السياسية، وهذا أيضا يمثل معطى جديدا. فإلى حد الآن مارس الغرب ازاء الإسلاميين نوعا من سياسة العزل، كشبح يتمنون له أن يختفي بسرعة وهم ينأون بأعينهم عنه.

ولأن هذه السايسة لم تنجح في دول جنوب المتوسط، لأن الإسلاميين حققوا نجاحا في الانتخابات النزيهة النادرة التي عرفتها المنطقة، أقدم الغرب على الجمع بين الإسلامي والإرهابي في سلة واحدة، وأكد أنه لن يتفاوض مع حزب الله ولن يتفاوض مع حماس. وعلى الرغم من أن حماس نجحت في الانتخابات الأكثر نزاهة التي عرفها العالم العربي فإن ذلك لم يمنع الغرب من مقاطعتها. وبفضل تحججهم بالخطر الإسلاموي، حصل المستبدون العرب على تسامح الغرب ودعمه، فقد كان الشعار المرفوع دائما يقول :" أنا أو أصحاب اللحي"، لكن ما نعرفه اليوم عن الديكتاتوريين في تونس ومصر يتوجب أن يدفعنا للتراجع عن سياسة النفاق التي مارسناها حتى الآن. إن نهاية الأوهام تقترب. فلا يتوجب البتة على المرء أن يتمسك بخطأ الاعتقاد بالدعاية الخاصة به، فدروس التاريخ واضحة جدا فيما يتعلق بهذا الأمر.

الأماني وحدها لا تحقق شيئا

الصورة د.ب.ا
الديمقراطية المأمولة تحتاج إلى تضافر الجهود الدولية والمحلية لإنجاحها

​​

لم يتعلق الأمر في البداية بالديمقراطية أو الديكتاتورية. فحاكم دموي مثل الباكستاني ضياء الحق لم تكن له مشاكل كثيرة لأنه كان معاديا للشيوعية وجزءا من النظام العالمي الأمريكي والمملكة العربية السعودية، المنبع الأصلي للتطرف الإسلامي ولمموليه تجمعها علاقات جيدة مع الولايات المتحدة التي تمدها بالأسلحة. بل حتى أسامة بن لادن، الرمز الأكبر للتطرف الإسلامي، عمد رفقة السي آي إيه إلى تسليح المجاهدين الأفغان في حربهم ضد الاتحاد السوفياتي.

ولا يصبح النظام منبوذا فقط إذا فرض الحجاب على النساء أو طبق أحكام الشريعة، ولكن إذا أكد رغبته في تحقيق استقلاله الوطني. ففي عهد الشاه كانت ايران جبهة متقدمة للحلف الأمريكي في الشرق الأوسط تماما كما هو الحال بالنسبة لمصر، وأحيانا تعبر الصدفة التاريخية عن الشيء الكثير: ففي اليوم الذي تنحى فيه مبارك عن السلطة، كان الإيرانيون يحتفلون بعيد ثورتهم. ومباشرة بعد انتصار الثورة الإيرانية قبل اثنين وثلاثين عاما، أعلنوا رفضهم للسياسة الأمريكية، رفض يفسر كل المشاكل التي اعترت العلاقات الإيرانية ـ الأمريكية والعداء الكبير الذي سيستحكم بين البلدين. لقد كان بالإمكان حل كل المشاكل القائمة بين البلدين ومن بينها البرنامج النووي الإيراني.

أما في مصر فقد دقت ساعة الحقيقة بالنسبة للجميع، فالأماني والكلمات الفارغة لن تحقق للغرب شيئا ومن يدعو إلى الديمقراطية عليه أن يتأقلم مع علاقات القوى التي تسفر عنها الانتخابات الحرة. لقد تمكن الأمريكيون من القضاء على الديكتاتور العراقي صدام حسين، لكنهم لم ينتظروا أن تسفر الحرب عن نظام إسلامي ـ شيعي قريب من طهران. سيفقد الغرب مزيدا من مصداقيته إذا طلب تحقيق هدفين متناقضين: الديمقراطية وأنظمة خاضعة له. فما حدث في العراق يمكنه أن يتكرر في كل مكان بين المحيط والخليج تعبر فيه الشعوب عن آمالها السياسية في حرية. فأغلبية العرب تكره حكامها، وبعد طرد بن علي ومبارك تراجع خوفها أكثر من أولئك الحكام. لكن القاهرة ليست تونس أو صنعاء، فما يحدث في النيل يؤثر بمناطق أخرى، فهنا يخفق قلب العالم العربي، وهنا عاشت وتعيش الكثير من رموزه الفكرية، لكن الأكثر أهمية هو أن مصر جارة إسرائيل. واستراتيجيات السلام والمواجهة تتخذ هنا، وهي تحدد أيضا سلوك الإخوة الأعداء: حماس وفتح.
منذ الساعات الأولى يبدو أن الشرق الوسط يقف أمام مشاكل كبيرة لن تجد طريقها إلى الحل بسهولة.

رودولف شيميلي
ترجمة: رشيد بوطيب
مراجعة: هشام العدم
حقوق الطبع لصحيفة زود دويتشه تسايتونغ/ قنطرة 2010

رودولف شيميلي خبير في شؤون الشرق الأوسط ومراسل "صحيفة زود دويتشه تسايتونغ" لسنوات طوال.

قنطرة

حوار مع عالم الاجتماع المصري سعد الدين ابراهيم:
"على الغرب أن يدعم الديمقراطية في المنطقة"
يعد عالم الاجتماع سعد الدين ابراهيم أحد أبرز المدافعين عن الديمقراطية وحقوق الإنسان في مصر، وكأحد أبرز منتقدي مبارك ونظامه قبل السقوط، ألقي القبض عليه مرارا وصدرت بحقه أحكام قضائية. جيانكارلو بوزيتي تحدث معه حول فرص التحول إلى الديمقراطية في العالم الإسلامي.

من ثورة الياسمين إلى ثورة النيل:
"العرب الجدد" وملامح المرحلة المقبلة
يرى الباحث في جامعة كامبردج والإعلامي المعروف خالد الحروب في هذه المقالة أن جوهر التغيير الذي جلبته ثورتا تونس ومصر يكمن في إعادة الشعوب ورأيها العام إلى قلب المعادلة السياسية، مؤكدا أن هذه التغيير غير مؤدلج قادته أجيال الشباب الذين تجاوزت علومهم وخبراتهم أجيال آبائهم وحكوماتهم الشائخة التي لا تدرك أساساً كيف يفكر هؤلاء الشباب وما هي طموحاتهم.

صور ترصد مسار حسني مبارك
"الصعود إلى الهاوية"...حياة مبارك في صور
امتد حكم الرئيس المصري السابق محمد حسني مبارك ثلاثين سنة، شهدت خلالها مصر تحولات سياسية واجتماعية كبرى. كما لعبت مصر في هذه الفترة أدوارا عديدة على المستوى العربي والدولي من أهمها دورها في إرساء عملية السلام في الشرق الأوسط. الصور التالية ترصد ملامح من مسار مبارك: