المغرب يسعى للملاءمة بين التنمية الاقتصادية والتنمية المستدامة

في الحوار التالي يتحدث محمد اليازغي وزير السكنى والتعمير والبيئة المغربي، عن سياسة بلاده البيئية ودور الطاقات المتجددة في التنمية المستدامة، وأيضا عن التعاون المغربي الألماني في هذا المجال.

نخيل في المحمدية، الصورة: منى نجار

​​في الحوار التالي يتحدث محمد اليازغي وزير السكنى والتعمير والبيئة المغربي، رئيس حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، عن سياسة بلاده البيئية ودور الطاقات المتجددة في التنمية المستدامة، وأيضا عن التعاون المغربي الألماني في هذا المجال.

هل يمكن أن تعطونا لمحة عن التعاون المغربي الألماني في مجال البيئة؟

محمد اليازغي: أستطيع القول أن التعاون الدولي، بصفة عامة، يشكل محورا أساسيا في إستراتيجية عمل وزارة إعداد التراب الوطني والماء والبيئة في مجال حماية البيئة والتنمية المستدامة، بالنظر إلى الإمكانيات المهمة التي يتيحها سواء تعلق الأمر بتعزيز القدرات ونقل التكنولوجيا النظيفة أو بتوفير الموارد المالية لإنجاز دراسات أو تنفيذ برامج نموذجية.

أما فيما يخص التعاون المغربي الألماني، فقد عرف انطلاقته في منتصف الستينات، وكان المغرب يعتبر بالنسبة لألمانيا دولة ذات أولوية في مجال التعاون التقني. ومنذ 1992، سايرت ألمانيا المراحل الأولى لوضع سياستنا الوطنية في مجال حماية البيئة من خلال برنامج تدبير البيئة الذي استمر إلى غاية 2001، والذي كان من أهم إنجازاته وضع آليات تعزيز قدرات المتدخلين المحليين وتطوير أدوات التواصل والتعاون بين الدولة والمجتمع المدني والقطاع الخاص من أجل إرساء قواعد التنمية المستدامة.

ومن 2002 إلى 2005 أنجزنا الشطر الأول من برنامج تدبير وحماية البيئة المرتكز على تشجيع وترسيخ الحكامة الجيدة على المستوى الوطني، من خلال تعزيز الإطار المؤسساتي والتشريعي للوزارة، وعلى المستوى المحلي، من خلال تأهيل البيئة بمدينتي طنجة والمحمدية. ونحن الآن بصدد إنجاز الشطر الثاني الممتد من 2006 إلى 2008 والذي سيهم، على وجه الخصوص، تعزيز إمكانياتنا لتدبير النفايات الصلبة الخطرة.

ما هي المشاريع المشتركة في هذا المجال؟ وخصوصا في مجال الطاقة البديلة؟

اليازغي: بفضل التعاون الألماني في ميدان حماية البيئة تم إنجاز عدة مشاريع مشتركة تهم بالأساس إرساء سياسة وطنية في هذا المجال من خلال الدعم المؤسساتي والقانوني، وتهم أيضا التدبير المعقلن للموارد الطبيعية وبالخصوص الموارد المائية ومعالجة مجموعة من أشكال التلوث الصناعي وتدبير النفايات.

وحاليا يتوجه التعاون الألماني إلى تدعيم الإجراءات المتخذة لحماية البيئة في المجالات الحضرية وفي ميدان الصناعة على وجه الخصوص من خلال تمويل البنك الألماني KfW لصندوق مكافحة التلوث الصناعي. وتحظى الطاقات البديلة بالاهتمام ضمن برنامج التعاون المشترك بين البلدين، من خلال إنجاز دراسات لتشجيع استعمال هذه الطاقات بالإضافة إلى الدعم المادي الذي يقدمه KfW للمركز المغربي لتنمية الطاقات المتجددة.

من الملاحظ أن المغرب يشكل نظريا أرضية خصبة لإنتاج الطاقة البديلة: الشمس، شريط بحري مهم، الرياح. ومع ذلك لا يوجد هناك توجه للاهتمام بالطاقة البديلة. كيف تفسرون ذلك؟

اليازغي: في البداية يجب التأكيد على أن المغرب غير منتج للطاقة التقليدية، فهو يستورد حوالي97% من حاجياته منها من الخارج، وهو بذلك رهين بتقلبات الأسواق العالمية من حيث كميات الإنتاج والأسعار، وعبء التبعية الطاقية هذه كبير ومكلف ماديا وبيئيا، لذلك فنحن نسعى ما أمكن إلى استكشاف وتنويع مصادر الطاقة القادرة على تخفيف هذا العبء ومن ضمنها الطاقات المتجددة.

محمد اليازغي، الصورة: ufsp
محمد اليازغي، وزير البيئة المغربي

​​وقد حقق المغرب مجهودات لا بأس بها في هذا المجال سواء فيما يخص إنتاج الكهرباء من خلال الطاقة المائية أو الريحية أو الشمسية، أو فيما يخص مساهمة الطاقة الشمسية في برامج الكهربة القروية وتسخين المياه.

ورغم أن نسبة مساهمة هذه المصادر في إنتاج الطاقة تبدو ضعيفة، مقارنة بالإمكانيات المتاحة سواء بالنسبة لتردد الأيام المشمسة أو ارتفاع سرعة الرياح في بعض المناطق، إلا أن الاهتمام بهذه المصادر أخذ منحى تصاعديا بفضل عدة مبادرات عمومية أو للقطاع الخاص، ساعد على بلورتها الطموح إلى تخفيف العبء المتنامي لفاتورة البترول وأيضا الدينامية التي خلقها دخول بروتوكول كيوطو وآلية التنمية النظيفة حيز التطبيق.

ومن المتوقع أن ترتفع نسبة مساهمة الطاقات المتجددة في الإنتاج الطاقي الوطني إلى 10% وفي إنتاج الكهرباء إلى 20% في أفق سنة 2012 بفضل البرامج المنجزة أو التي هي في طور الإنجاز أو البرمجة. كما أن الحكومة تقوم بتحضير قانون خاص لتشجيع استغلال الطاقات المتجددة والاستعمال العقلاني للطاقة لبلوغ النسب المذكورة.

من الملاحظ ضعف الاهتمام بالبيئة في برامج الأحزاب اليسارية المغربية بشكل خاص والعربية بشكل عام. ما هو تعليقكم؟

اليازغي: بالنسبة لضعف الاهتمام بالبيئة في برامج الأحزاب، يمكن القول أن هذا الضعف هو عام ولا يخص الأحزاب اليسارية في المغرب أو الأحزاب العربية دون غيرها في العالم. إن ظهور مفاهيم حماية البيئة والتنمية المستدامة بأشكالها المتداولة حاليا هو حديث نسبيا، حيث أن قمة ريو بالبرازيل سنة 1992 شكلت نقطة التحول في هذا المجال، بالنظر إلى النتائج التي تم التوصل إليها سواء فيما يتعلق بميثاق الأرض أو مذكرة القرن 21 أو الاتفاقيات الدولية المرتبطة بالبيئة التي تمت المصادقة عليها.

ومنذ ذلك التاريخ عرف المغرب تطورات إيجابية مهمة في هذا المجال، تتجه كلها نحو تدعيم سياسة وطنية لحماية البيئة وترسيخ وعي بيئي لدى كافة شرائح المجتمع. وقد انخرطت الأحزاب السياسية ومن ضمنها الأحزاب اليسارية في هذه الدينامية، حيث تتوفر برامجها وأرضية عملها على مجموعة من الإجراءات والاقتراحات لتطوير الاهتمام بالبيئة وتحقيق التنمية المستدامة مسايرة لما يستشعره المواطن من حاجة متزايدة للعيش في إطار لائق وسليم.

أين هو المغرب اليوم من مذكرة القرن 21 واتفاقية كيوطو في الحد من تسرب الغازات ؟

اليازغي: استضاف المغرب الدورة السابعة لمؤتمر الدول الأطراف في الاتفاقية الدولية للتغيرات المناخية بمراكش سنة 2001 حيث شكلت هذه الدورة محطة مهمة وأساسية في مسلسل المصادقة النهائية على هذا البرتوكول، الذي دخل حيز التنفيذ في سنة 2005. ويقوم المغرب حاليا بمجهودات كبيرة فيما يخص التعريف بإمكانيات الاستثمار في آلية التنمية النظيفة المنبثقة عن البروتوكول، سواء داخليا أو عالميا.

وهكذا وقعت بلادنا سبع مذكرات تفاهم مع دول وهيئات راغبة في الاستثمار في مجال التنمية النظيفة بالمغرب، وسجلت ثلاثة مشاريع لدى مجلس آلية التنمية النظيفة بمنظمة الأمم المتحدة وتستعد لتسجيل أربعة مشاريع أخرى، مما يجعلها من بين الدول الأكثر حيوية في هذا المجال على المستوى القاري والجهوي. وتتهيأ بلادنا حاليا لتضع رهن إشارة المستثمرين أكثر من 60 مشروعا ضمن آلية التنمية النظيفة تهم مجالات الطاقة والتشجير وتدبير النفايات.

في إطار جلب المستثمر الأجنبي هل الجانب البيئي يكون حاضرا في دفتر التحملات؟

اليازغي: يمكن القول أن المغرب يعمل جاهدا على تشجيع الاستثمار وجلب المشاريع دون إغفال البعد البيئي. فميثاق الاستثمار المغربي يتضمن مجموعة من الإعفاءات والتخفيضات في التكاليف بالنسبة للمشاريع التي تساهم في حماية البيئة.

كما أن الإطار التشريعي المغربي تعزز مؤخرا بمجموعة من القوانين تأخذ بالاعتبار الملاءمة بين التنمية الاقتصادية والتنمية المستدامة، لعل أهمها قانون حماية واستصلاح البيئة وكذا قانون دراسات التأثير على البيئة الذي يخضع كل الأنشطة والأشغال والمنشآت المزمع إنجازها بسبب حجمها أو طبيعتها أو وجودها بمناطق حساسة لوجوب إجراء دراسات التأثير على البيئة، من خلال مجموعة من المساطر على المستوى المحلي والوطني.

أضف إلى ذلك أن الالتزامات المترتبة عن انضمام المغرب إلى منظمة التجارة العالمية وعن توقيعه اتفاقيات التبادل الحر مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول العربية تجعل الهاجس البيئي حاضرا بقوة في المعاملات الاقتصادية والمشاريع المنجزة ضمن هذه الاتفاقيات.

أجرى الحوار محمد مسعاد
حقوق الطبع قنطرة 2006

قنطرة

مشكلة المياه في الشرق الأوسط
يوجد ماء شرب كاف للأجيال القادمة في شمال أفريقيا والشرق الأوسط في حال تقوية الإحساس بالمسؤولية لدى السياسيين والمستهلكين. عالم المعادن لدى جامعة فرانكفورت فتحي زريني يوضح في مقابلة أجراها معه هانز ديمبوفسكي الآفاق المتوقعة في هذا السياق.

كارثة بيئية في سواحل المتوسط
تعرّضت صهاريج الوقود التابعة لمحطة الجية لتوليد الطاقة الكهربائية في لبنان للقصف الإسرائيلي، مما أدّى إلى كارثة بيئية نجمت عن تسرّب النفط إلى سواحل لبنان. تقرير عن هذه الكارثة التي ستظل عواقبها قائمة فترة طويلة.