حلم للسلام والثقافة

قبل أسبوع من تولي بلاده مهام الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي قام الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بزيارة إلى إسرائيل والمناطق الفلسطينية، حاملاً في جعبته ملفات عدة في مقدمتها الترويج لمشروع الاتحاد المتوسطي. راينر زوليش في قراءة تحليلية لطموحات ساركوزي المتوسطية.

الرئيس الفرنسي ساكوزي، الصورة: أ.ب
ساركوزي: "يجب علينا أن ننتصر على كل الأحقاد"

​​حين أفصح الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي أثناء الانتخابات الفرنسية عام 2007 عن فكرة الاتحاد المتوسطي للمرة الأولى، أتى عرضها بأسلوب لا يخلو من الخيال الجامح. فقد وصفها آنذاك قائلاً: "أُناشد كل شعوب البلاد الواقعة على البحر المتوسط، وأقول لهم إن جميع القرارات سوف تؤخذ داخل الاتحاد المتوسطي. يجب علينا أن ننتصر على كل الأحقاد، كي نفسح المجال أمام حلم كبير، حلم السلام والثقافة. لقد حان الوقت لتأسيس اتحاد متوسطي ليصبح همزة وصل بين أوروبا وإفريقيا".

كان ساركوزي يفكر بداية الأمر في منظمة مستقلة كلياً، تكون بمثابة مشروع عظيم بقيادة فرنسية - في مقابل الاتحاد الأوروبي – له مشاريعه ومؤسساته الخاصة به، ويُستبعد منه جميع أعضاء الاتحاد الأوروبي غير الواقعة على البحر المتوسط، مثل ألمانيا وبولندا. لكن ذلك لن يتحقق، لأن المقاومة الألمانية لهذا الاتحاد حالت دون أن يصبح رابطة حصرية على البلدان المتوسطية، وألا يتعدى كونه تحسينا وتوسيعا لبرنامج الاتحاد الأوروبي الخاص بالمنطقة، والمسمى باتفاقية برشلونة. ومن المقرر أن ينطلق هذا البرنامج في الثالث عشر من تموز/ يوليو في باريس خلال الرئاسة الفرنسية للاتحاد الأوروبي.

منطقة مليئة بالصراعات

الزعيم الليبي معمر القذافي، الصورة: أ.ب
الزعيم الليبي معمر القذافي في صفوف المعارضين لفكرة الاتحاد المتوسطي

​​في الإطار المعدّل من مشروع الاتحاد ينبغي القيام بمحاولات، اعتمادا على طاقة جديدة، لتحسين التعاون في جملة من المجالات، بدءا من سياسات الطاقة والبيئة والاقتصاد، وانتهاء بالتعاون الأمني، مرورا بالهجرة غير الشرعية. وأن يكون ذلك مبنيا عل الثقة السياسية المتبادلة، غير أن كثرة الصراعات في جنوب منطقة المتوسط، وعلى وجه الخصوص الصراع العربي الإسرائيلي، إضافة إلى الصراع حول الصحراء الغربية، ما تزال تشكل عقبات ضخمة.

وليس من المؤكد أن يقدم النموذج المبسّط للاتحاد المتوسطي حافزا جديدا، لأن بعض الدول مثل ليبيا والجزائر ما تزال تقابله بالمعارضة. في غضون ذلك ما تزال فرنسا تتعامل مع الاتحاد المتوسطي – على الرغم من القيود والانتقادات من قِبَل بعض الدول العربية – على أنه مشروع عظيم. إضافة إلى ذلك فإن باريس ما انفكت تؤكد بين الحين والآخر على أحقيتها بالقيام بدور بارز في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

ساركوزي- أستاذ التقريب

لم يحير ساركوزي الأوروبيين وحدهم نهاية عام 2007 بعد استقباله الحافل للرئيس الليبي معمر القذافي، واتفاقهما على توريد مفاعل نووي واحد إلى طرابلس. كما كان ساركوزي أول رئيس دولة أجنبية يحظى بزيارة تعرف على الرئيس اللبناني التوافقي الجديد ميشال سليمان. وعلى الرغم من انزعاج واشنطن يحاول ساركوزي أيضا التقرب من الرئيس السوري بشار الأسد، الذي ألمح إلى استعداده للسلام. ويذهب ساركوزي إلى أبعد من ذلك من خلال سعيه إلى جمع الأسد ورئيس الحكومة الإسرائيلية ايهود ألمرت إلى طاولة المفاوضات. كما اعترفت فرنسا أيضا بعلاقاتها الدبلوماسية مع حركة حماس في قطاع غزة، على الرغم من إدراجها على القائمة الأوروبية الرسمية للمنظات الإرهابية.

تعزيز العلاقات الإسرائيلية

إن فرنسا لا تستفيد فحسب من شمال أفريقا والشرق الأوسط من الروابط الثقافية مع مستعمراتها السابقة، التي ما تزال نخبها ذات ثقافة فرنسية حتى اليوم، بل تحاول أيضا الاستفادة اقتصادياً من خلال بعض الخطط والعروض المثيرة للجدل، والمتعلقة بالتعاون النووي مع دول عربية مثل مصر أو الإمارات العربية المتحدة.

لكن فرنسا تحاول بقيادة ساركوزي أن تتخلص بعض الشيء من سياستها في الشرق الأوسط، التي ما تزال تتسم بميول عربية وفلسطينية حتى اليوم، إضافة إلى تعزيز علاقاتها مع إسرائيل كذلك. وانطلاقاً من ذلك يتفق ساركوزي مع إسرائيل في أن البرنامج النووي الإيراني يشكل خطراً امنياً على الصعيد الدولي. وفي الوقت ذاته ما يزال ساركوزي ينتقد بشدة سياسة الاستيطان الاسرائيلية في المناطق الفلسطينية.

كما تلقى مبادرات ساركوزي في ميدان السياسة الخارجية بشأن المنطقة المتوسطية، وبشأن الصراع العربي الإسرائيلي بشكل خاص، اهتماما كبيرا في بلده. ذلك لأن فرنسا ليست وطنا لحوالي خمسة ملايين مسلم فقط، ينحدر معظمهم من بلدان شمال القارة الأفريقية، بل أيضا وطنا لأكبر جالية يهودية في أوروبا يبلغ عددها حوالي ستمائة ألف شخص.

راينر زوليش
ترجمة: عبد اللطيف شعيب
قنطرة 2008

راينر زوليش: رئيس القسم العربي في إذاعة دويتشه فيله الألمانية

قنطرة
إسطنبول وما بعد
الحوار الأطلسي- المتوسطي
مشروع "الشرق الأوسط الكبير" كانت إحدى المحاور الرئيسية في قمة حلف شمال الأطلسي الأخيرة في اسطنبول. الباحث توماس بابنروت يستعرض تاريخ الشراكة الأطلسية-المتوسطية ويطرح استراتيجيات العمل المستقبلية.

حوار مع إيزابيله فيرينفيلز:
"الاتحاد المتوسطي أضحى أسير الشروط المسبقة
"نحن لسنا جياعًا ولسنا كلابًا يُلوَّح لنا بالعظام فنجري لالتقاطها"، بهذه الكلمات القاسية وصف معمر القذافي رفضه المشاركة العربية في الاتحاد المتوسطي. فلِمَ تعارض ليبيا هذا الاتحاد وما مدى المنافع التي يمكن أن تجنيها دول المغرب العربي منه؟ لينا هوفمان في حوار مع إيزابيله فيرينفيلز من المعهد الألماني للدراسات الدولية والأمنية .

اتحاد دول حوض البحر المتوسط:
الحلم الجديد بالدور الريادي القديم
اتفقت المستشارة الألمانية والرئيس الفرنسي على أن يحل "الاتحاد المتوسطي" محل التعاون القائم مع دول حوض البحر المتوسط المجاورة للاتحاد الأوروبي. رودولف شيمللي الخبير في شؤون الشرق الأوسط يوضح دلالات هذا الاتفاق في حوار مع عبد الرحمن عثمان.