''الربيع العربي يلهم السعوديين أيضاً''

يعد أحمد العمران واحداً من أشهر المدونين في المملكة العربية السعودية. منذ سنوات يكتب العمران عن السياسة والمجتمع السعودي في مدونته. في الحوار التالي مع بينو موشلر يتحدث العمران عن الوضع في وطنه وعن سبب غياب انتفاضة حقيقية في السعودية حتى الآن.

الكاتبة ، الكاتب: Benno Müchler



يمثل عام 2011 عام الثورات والاحتجاجات في العالم العربي. غير أن السعودية ظلت حتى الآن بعيدة عن ذلك – لماذا؟

أحمد العمران: الوضع يختلف من بلد إلى آخر، فكل بلد له ظروفه وديناميكيته المختلفة. لا يمكن نسخ ثورة بكل بساطة ثم وضعها في مكان آخر. هناك عدة أسباب لغياب ثورة شعبية في المملكة العربية السعودية. من ناحية يفتقد السعوديون الوعي السياسي المتوفر لدى الناس في أجزاء أخرى من المنطقة. السعودية دولة حديثة للغاية، وهي دولة لم تكن في يوم من الأيام مستعمرة، وبالتالي لم تخض أبداً حرباً لنيل أي نوع من الاستقلال. ولهذا ليس للمجتمع المدني وجود في السعودية، ولا وجود للتقاليد السياسية. ليس هناك انتخابات ولا أحزاب سياسية.

ولهذا كله لا يعرف السعوديون كثيراً عن حقوقهم. لقد لُقنوا عبر سنوات طويلة أن المملكة العربية السعودية دولة إسلامية مثالية. غير أنهم يرون الآن التمرد الحادث في الدول المجاورة، وهو ما يلهم المواطنين أيضاً. لكن السعودية تمتلك أموالا طائلة تستطيع أن تنفقها كما تشاء. عندما شعرت الحكومة بالقلق في الربيع الماضي قامت بتوزيع هدايا نقدية ومعونات مالية على المواطنين بقيمة إجمالية وصلت إلى 135 مليار دولار. وقد نجحت حتى الآن هذه الاستراتيجية الهادفة إلى تهدئة المواطنين.

من حصل على أموال من الحكومة؟

أحمد العمران:
"ليس للمجتمع المدني وجود في السعودية، ولا وجود للتقاليد السياسية. ليس هناك انتخابات ولا أحزاب سياسية"

​​العمران: كل السعوديين الذين يعملون في المصالح الحكومية حصلوا على منحة مالية قدرها مرتب شهرين، كما حصل عديد من الطلاب على منح مالية أيضاً. حتى منحتي الدراسية في نيويورك، المدعومة من الدولة، زادت قيمتها. وهكذا استفاد جزء كبير من السعوديين من الدولة مالياً، سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة. كثيرون ينتقدون هذه الاستراتيجية، لأن الشعب السعودي ليس بحاجة إلى صدقة، بل إلى إصلاحات سياسية واجتماعية حقيقية.

إلى أي مدى تتمتع وسائل الإعلام في السعودية بالحرية؟ وكيف هو الوضع عموماً بالنسبة للتعبير عن الرأي بحرية؟

العمران: هناك قيود كثيرة جداً، غير أن حق التعبير الحر عن الرأي قد زاد خلال السنوات الخمس أو الست الأخيرة منذ تولي الملك عبد الله دفة الحكم. اليوم كثيراً ما تتناول وسائل الإعلام السعودية موضوعات كانت من المحرمات في الماضي، مثل المؤسسة الدينية وحرية العقيدة الدينية وحقوق المرأة. غير أن وسائل الإعلام ما زالت حتى اليوم لا تتمتع بالحرية المتوفرة في بلدان أخرى.

يعني من الممكن انتقاد العائلة المالكة بشكل صريح؟

العمران: العائلة المالكة خط أحمر كبير لا يسمح لوسائل الإعلام بتخطيه. ولكن من الممكن انتقاد الحكومة.

هل واجهتك صعوبات بسبب مدونتك؟

الصورة د ب ا
"العائلة المالكة خط أحمر كبير لا يسمح لوسائل الإعلام بتخطيه"

​​العمران: لا. ولكنني أعرف مدونين آخرين تم التحقيق معهم أو حتى تم حبسهم لمدة شهور. ربما لم أواجه مشاكل حتى الآن لأنني أكتب باللغة الانكليزية. أما الآخرون الذين يكتبون بالعربية عن موضوعات محرمة أيضاً، مثل وضع المساجين السياسين في بلدنا، فقد واجهوا الحبس بصورة مؤقتة. هذا ما حدث مثلاً لفؤاد الفرحان الذي تم استجوابه واعتقاله في ديسمبر / كانون الأول عام 2007، ثم قضى أكثر من أربعة شهور في الحبس. غير أن الحكومة لا بد أن تعترف قريباً بعجزها عن منع التعبير الحر عن الرأي على صفحات الإنترنت، وخاصة أنه من السهل التغلب على كافة العوائق والقيود التي تُفرض على الإنترنت.

كم يبلغ عدد مستخدمي شبكة الإنترنت في السعودية؟

العمران: من ثلاثين إلى أربعين في المئة من عدد السكان البالغ نحو 26 مليون نسمة. ولكن هذه الأرقام ليست دقيقة مطلقاً، فعديد من الناس الذين ليس لديهم اشتراك في شبكة الإنترنت، يستخدمون الشبكة بالرغم من ذلك. كما أن عدد الذين يستخدمون الهواتف الذكية يتزايد، وهؤلاء بإمكانهم الحصول على معلومات عبر الإنترنت. علينا أيضاً أن نتذكر أن ستين في المئة من السكان في السعودية في عمر يقل عن ثلاثين سنة. هذا الجزء من الشعب وثيق الارتباط بشبكة الإنترنت. لقد تعلموا منذ الصغر استخدام التقنيات الرقمية، وكبروا مع شبكة الانترنت التي باتت تمثل جزءاً مهماً من حياتهم. وعديد من هؤلاء يمارس على الشبكة أشياءً لا يستطيع أن يفعلها في الحياة الحقيقية، مثل المشاركة السياسية أو العلاقة بين الرجل والمرأة.

ما هي احتمالات التحول السياسي في السعودية؟

جامعة الملك عبد الله للعلوم والبحث العلمي
"جامعة الملك عبد الله للعلوم والبحث العلمي المؤسسة العلمية الأولى في السعودية التي يمكن للرجال والنساء فيها أن يدرسوا معاً"

​​العمران: لقد حدث التحول حتى الآن بصورة بطيئة جداً جداً. هذا الإيقاع البطيء يصيب كثيرين جداً من الشباب بالإحباط. هؤلاء يريدون أن تتغير بلدهم على نحو أسرع - أكثر سرعة وأكثر حرية وديمقراطية. هذه الرغبة تزداد في الوقت الحالي عبر الأشياء التي تحدث في المنطقة. ثم ـأن هناك نقطة أخرى، وهي أن التحول الذي حدث في السنوات الأخيرة كان شديد الارتباط بشخص الملك، ولم يجد حتى الآن انعكاساً له في مؤسسات الدولة. ولهذا فإن بعض الإصلاحيين في البلاد يخشون من أن تُلغى تلك الإصلاحات إذا توفي الملك وجاء آخر على كرسي الحكم. ومن المحتمل للغاية أن يكون الملك الجديد أكثر محافظةً من الملك الحالي.

هل تعطينا مثالاً على أحد الإصلاحات التي قام بها الملك عبد الله؟

العمران: هناك مثلاً افتتاح جامعة الملك عبد الله للعلوم والبحث العلمي، حيث يمكن للنساء أيضاً الدراسة هناك. إنها المؤسسة العلمية الأولى في السعودية التي يمكن للرجال والنساء فيها أن يدرسوا معاً، وأن يجلسوا بجوار بعضهم البعض ويعملوا سويةً. هذا شيء جعله الملك ممكناً. كانت الفكرة فكرته هو.

معنى كلامك أنه لن تكون هناك احتجاجات أو ثورات مثلما حدثت في مصر وتونس وسوريا أو ليبيا؟

العمران: لا. أعتقد أن السعوديين سيتظاهرون في الشوراع في المستقبل القريب. لا يبدو الوضع اليوم هكذا. كما أن الحكومة ما زالت لديها فرصة لإجراء إصلاحات على غرار ما حدث في المملكة المغربية.

هل ستعمل بعد الانتهاء من دراستك في الولايات المتحدة كصاحفي أم ستعود إلى السعودية؟

العمران: نعم، سأعود، رغم أن ذلك سيكون صعباً جداً. لدي أصدقاء عديدون درسوا في أمريكا وعاودا بعدها إلى الوطن. وعندما أتحدث معهم يعبرون كلهم عن إحباطهم، لأنهم عايشوا ما يمكن أن نطلق عليه الصدمة الثقافية المعاكسة. ولكن إذا غادر كل الذين يريدون التحول والإصلاح البلد وهم يشعرون بالإحباط، فلن يتغير أي شيء، في أي يوم.

 

حوار: بينو موشلر
ترجمة: صفية مسعود
مراجعة: هشام العدم
حقوق الطبع: صحيفة "فرانكفورتر ألغماينه" / قنطرة 2011

 

يعد أحمد العمران واحداً من أشهر المدونين في المملكة العربية السعودية واسم مدونته Saudijeans.org