السودان - محاكمة عمر البشير ورموز من نظامه بتهمة تنفيذ انقلاب 30 يونيو 1989 ضد حكومة منتخبة

بدأت الثلاثاء 21 / 07 / 2020 محاكمة الرئيس السوداني السابق عمر البشير أمام محكمة خاصة في الخرطوم في قضية الانقلاب على حكومة منتخبة في عام 1989، وهو يواجه عقوبة إعدام محتملة في حال إدانته.

مثل الرئيس السوداني المعزول عمر حسن البشير أمام المحكمة اليوم الثلاثاء في افتتاح محاكمته بتهم قيادة الانقلاب العسكري الذي جاء به إلى الحكم عام 1989 قبل أن تتأجل القضية لعقد الجلسة في قاعة أكبر وسط مشاهد فوضوية في الخارج.

وقال صحفي من رويترز إن المئات من المحامين والمؤيدين وأفراد عائلات المدعى عليهم والصحفيين تزاحموا في الخارج واشتكوا لمسؤولي الأمن من أنهم لم يتمكنوا من دخول القاعة.

وردد سودانيون أحاطت بهم الشرطة هتافات خارج المحكمة بعضها تأييدا للبشير الذي يقبع في السجن منذ الإطاحة به في أبريل نيسان من العام الماضي 2019 في أعقاب احتجاجات حاشدة على حكمه الذي استمر 30 عاما.

وتأجلت القضية التي يُتهم فيها أيضا بعض الحلفاء السابقين للبشير إلى 11 أغسطس آب 2020 لعقد الجلسة في قاعة أكبر. وقال محام ووكالة السودان للأنباء إن البشير قد يُحكم عليه بالإعدام في حالة إدانته.

وعرض التلفزيون الرسمي لقطات للعشرات من أفراد الأمن داخل قاعة المحكمة التي كانت مزدحمة لكن هادئة لكن البشير لم يظهر في اللقطات. وقال شاهدان حضرا الجلسة لرويترز إنهما تمكنا من رؤية البشير داخل قفص الاتهام في ملابس السجن البيضاء.

وفي ديسمبر كانون الأول 2019، قال محامي البشير للصحفيين إنها "محاكمة سياسية بامتياز" بعد مرور أكثر من 30 عاما على الواقعة. وتعهد رئيس المحكمة القاضي عصام الدين محمد إبراهيم بأن تكون المحاكمة عادلة.

كانت محكمة سودانية أخرى قد قضت في ديسمبر كانون الأول 2019 بسجن البشير لمدة عامين بتهم فساد. كما يواجه محاكمات وتحقيقات تتعلق بقتل متظاهرين.

والبشير مطلوب أيضا لدى المحكمة الجنائية الدولية التي أصدرت مذكرتي اعتقال بحقه في 2009 و2010 لاتهامات بالإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في إقليم دارفور السوداني المضطرب.

وقبل تقديم أي مرافعات أو أدلة تم تأجيل القضية. وأعلن القاضي "رفع هذه الجلسة لاتخاذ تدابير أفضل". وشكا بعض المحامين من أن بعض زملائهم لم يستطيعوا حضور جلسة يوم الثلاثاء. وطلب آخرون اتخاذ المزيد من الإجراءات الاحترازية في ضوء المخاوف من انتشار عدوى فيروس كورونا.

وقال مسؤولون قضائيون إن من بين المدعى عليهم في القضية أيضا حلفاء سابقين للبشير مثل نائب الرئيس السابق علي عثمان طه والأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي الإسلامي علي الحاج.

وذكرت وكالة الأنباء السودانية أن القاضي رفض طلبات محامي الدفاع لإخلاء سبيل بعض المتهمين قبل استئناف المحاكمة.

وتولت حكومة انتقالية مدنية السلطة بعد الإطاحة بالبشير وفق اتفاق لتقاسم السلطة مدته ثلاث سنوات مع الجيش الذي ساعد في الإطاحة بالبشير، لكنها تواجه صعوبة في إصلاح الاقتصاد الذي يعاني من أزمة.

الرئيس السوداني السابق عمر البشير الذي مثل الثلاثاء أمام محكمة في الخرطوم في قضية انقلاب على حكومة منتخبة في العام 1989، متهم أيضا بقضايا فساد وجرائم حرب، وملاحق من المحكمة الجنائية الدولية.

خلال ثلاثين عاما أمضاها في السلطة، ظهر البشير بأوجه متعددة، وهو اليوم يواجه خطر الحكم عليه بالإعدام.

والرجل البالغ من العمر 76 عاما، والذي رفض يوم الثلاثاء أن تتم التقاط صور له في قفص الاتهام، اشتهر برقصته التي كان يقوم بها خلال تجمعات جماهيرية، ملوّحا بعصاه، ولطالما ظهر واثقا من نفسه، ومن مواقفه السياسية.

وصل إلى السلطة عبر انقلاب عسكري عام 1989، وبدأت محاكمته الثلاثاء بتهمة الانقلاب على الدستور كونه أطاح بحكومة منتخبة.

وقمع الدكتاتور المحتجز في سجن كوبر بالخرطوم حيث كان اعتقل كل خصومه السياسيين، كل معارضة طوال فترة حكمه.

على مدى عقد كامل، تجاهل الرئيس السوداني عمر البشير مذكرات التوقيف الدولية الصادرة بحقه بعد اتهامه بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية في إقليم دارفور، وتنقل خارج بلاده في تحدّ واضح للمحكمة الجنائية الدولية.

ولكن أربعة أشهر من الاحتجاجات الشعبية العارمة أنهت حكمه. وأطاح به الجيش في 11 نيسان/أبريل 2019. ووافقت الحكومة السودانية الحالية على تسليمه الى المحكمة الجنائية الدولية.

وانتقل البشير، من كونه أطول الرؤساء الأفارقة مدة في الحكم، خلال سنواته الثلاثين في السلطة بين عسكري وإسلامي الى مطلوب أمام المحكمة الجنائية الدولية.

تحدّى البشير احتجاجات الشارع التي سبقت الإطاحة به. وحسم مصيره بعد تدخل الجيش. وكان أثبت على مدى سنوات قدرته على البقاء على الساحة السياسية، وتجاوز العديد من التحديات الداخلية.

كان يتميز بنزعته الشعبوية، ويصر على البقاء قريبا من الحشود ويخاطبهم باللهجة المحلية.

في 2009، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف بحقه، وفي 2010، أصدرت مذكرة توقيف ثانية بتهمة ارتكاب "إبادة" في الإقليم الواقع في غرب السودان.

ورغم ذلك، سافر البشير من دون أن يأبه بشيء الى دول عدة في إفريقيا وخارجها، كما زار روسيا والصين.

وقبل أيام من اندلاع الاحتجاجات، زار دمشق للقاء الرئيس السوري بشار الأسد، وليصبح أول رئيس عربي يزور الأسد منذ اندلاع النزاع السوري في 2011.

في السودان، استضاف البشير في 2018 محادثات بين زعماء جنوب السودان وساعد في التوصل الى اتفاق سلام أولي بعد خمس سنوات من النزاع المحتدم في البلد الناشئ.

ولد عمر حسن البشير المتزوج من امرأتين من دون أن يكون له أولاد، عام 1944 في قرية حوش بانقا الصغيرة على مسافة حوالي 200 كلم إلى شمال الخرطوم، في أسرة فقيرة من المزارعين.

وينتمي إلى قبيلة البديرية الدهمشية، إحدى القبائل الأكثر نفوذا في البلد. دخل في سن مبكرة الكلية الحربية في مصر، وترقى في المناصب ثم انضم إلى فوج المظليين، وشارك في حرب 1973 بين العرب وإسرائيل إلى جانب الجيش المصري.

في 30 حزيران/يونيو 1989، قاد انقلابا أطاح بحكومة الصادق المهدي، ودعمته حينها الجبهة الإسلامية القومية بقيادة حسن الترابي.

تحت تأثير الترابي، وضع البشير السودان الذي كان مشرذما بين عدد كبير من القبائل ومنقسما بين شمال ذي غالبية مسلمة وجنوب يسكنه مسيحيون على سكة الإسلام المتطرف.

وأصبحت الخرطوم حينذاك مركزا للتيار الإسلامي الدولي واستقبلت بصورة خاصة زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، إلى أن طردته عام 1996 بضغط من الولايات المتحدة.

في نهاية التسعينيات، ابتعد البشير عن الترابي وانفصل عن الإسلام المتطرف سعيا لتحسين علاقاته مع خصومه وجيرانه.

ويقول الخبير في الشؤون الإفريقية مارك لافيرنيه، مدير الأبحاث في "المركز الوطني للبحث العلمي" الفرنسي، إن "البشير اكتسب مهارة مع الوقت، تعلم كيف يمارس السلطة، ولم يكن في البداية شخصية بارزة".

واستفاد البشير في ذروة سلطته من العائدات النفطية وأحكم قبضته على البلد.

وبعدما ظل البشير لفترة طويلة حليفا لإيران التي ساعدته على تشكيل جهازه الأمني، حاول الانتقال إلى معسكر السعودية، خصمها الإقليمي الأكبر، معتبرا أنها ستكون حليفة أفضل بعد صدمة "الربيع العربي" عام 2011.

وصدر الحكم الأول في حقه في قضية فساد في كانون الأول/ديسمبر 2019  وقضى بسجنه لمدة عامين. واعترف البشير خلال هذه القضية بالحصول على 90 مليون دولار من القادة السعوديين. وتمحورت محاكمته على مبلغ 25 مليون دولار تلقاها من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.

ويواجه البشير كذلك في السودان تهما أخرى تتعلق بمقتل متظاهرين.

وقررت المحكمة الجنائية الكبرى في السودان تأجيل محاكمة الرئيس المخلوع عمر حسن البشير وعدد من رموز النظام السابق، المتهمين في الدعوى الخاصة بانقلاب 30 حزيران/ يونيو، 1989 إلى 11 آب/أغسطس المقبل 2020.

وذكرت وكالة الأنباء السودانية (سونا) أن المحكمة بدأت يوم الثلاثاء أولى جلساتها الإجرائية بمقر معهد العلوم القضائية والقانونية، وسط إجراءات أمنية مشددة.

وأرجع رئيس المحكمة، مولانا عصام الدين محمد إبراهيم، قرار التأجيل إلى عدم تمكن عدد من محامي المتهمين من دخول مقر المحكمة لضيق القاعة وعدم تمكن المتهمين من مقابلة محاميهم، ولاتخاذ العديد من التدابير الأمنية والاحترازية والوقائية.

ورفضت المحكمة طلبا تقدمت به هيئة الدفاع للإفراج عن المتهمين من حزب المؤتمر الشعبي بالضمان كون القضايا محل الاتهام لا تسمح بالإفراج بالضمان.

وتشمل قائمة المتهمين 10 عسكريين وستة مدنيين تقلدوا مواقع وزارية ومناصب حكام ولايات ومسؤوليات عسكرية أثناء حقبة حكم البشير للبلاد.

ومن أبرز المتهمين، علي عثمان محمد طه، وبكري حسن صالح، وعبد الرحيم محمد حسين، وعوض الجاز، وعلي الحاج، وإبراهيم السنوسي، والطيب إبراهيم محمد خير، ونافع علي نافع وآخرين.

وطبقا للوكالة، يواجه المتهمون تهما تندرج تحت مواد تقويض النظام الدستوري والانقلاب على الحكومة المنتخبة في قضية هي الأولى من نوعها، وقد تصل عقوبتها إلى الإعدام.  أ ف ب / رويترز / د ب أ

 

[embed:render:embedded:node:36126]