دعوة إلى الجهاد البيئي

الحجاج المسلمون بانتظار غروب الشمس على جبل الرحمة "عرفة" في طريقهم إلى مكة. الحملات البيئية الإسلامية ترى في مواسم الحج والصيام أوقاتا ملائمة لتوجيه النقد الذاتي حول المواضيع البيئية.
الحجاج المسلمون بانتظار غروب الشمس على جبل الرحمة "عرفة" في طريقهم إلى مكة. الحملات البيئية الإسلامية ترى في مواسم الحج والصيام أوقاتا ملائمة لتوجيه النقد الذاتي حول المواضيع البيئية.

منذ نهاية ستينيات القرن الماضي تَبَلْورَ، ببطء وعلى نحو غير لافت لغالبية المسلمين، نقاشٌ بين المثقفين والعلماء المسلمين حول فقه بيئي إسلامي، يدرس مدى توافق المبادئ البيئية مثل الاستدامة وحماية البيئة وحماية الحيوان والتنوع الحيوي مع الدين الإسلامي. ويجري تفسير العديد من الآيات القرآنية بيئيا وإيضاح أن السنة النبوية تنطوي على كثير من الإشارات على ضرورة العيش بأسلوب واع بالبيئة وبضرورة الحفاظ على استمراريتها ، كما تطلعنا مونيكا زبيدي الباحثة في قسم الدراسات الإسلامية بجامعة إرلانغن نورنبرغ الألمانية في تحليلها التالي الغني بالمعلومات عن علاقة التغيُّر المناخي بالفقه الإسلامي البيئي.

الكاتبة ، الكاتب: Monika Zbidi

 

تقود مشكلات التغير المناخي والمشكلات البيئية العالمية إلى الجدل حول الإنسان ووضعه في البيئة ويتطلب ذلك مقترحات للحلول من أجل الحفاظ على الأرض، وأخيرا وليس بآخر من أجل حماية المجال الحيوي للإنسان والحفاظ عليه. وهكذا بدأت الطوائف الدينية المختلفة تنشغل بالسؤال حول موقف الدين الذي تؤمن به من موضوع حماية البيئة. في عام 1967 عرض المؤرخ لين وايت جونيور أطروحة مثيرة للجدل حول أصل الأزمة البيئية. لقد ادعى أن جذور المشكلة تعود إلى الديانات التوحيدية. وقد كانت ردود الفعل الدينية على هذا الانتقاد هي المفتتح لطرح خطاب جديد حول "اللاهوت البيئي". ورغم أن وايت قد ركز في كتاباته في المقام الأول على المسيحية واليهودية، فقد بدأ المسلمون، مع مواجهة هذا الانتقاد ومع الوعي بالأزمة البيئية، بالانشغال بالموضوع الإيكولوجي.

لقد كانت انطلاقة تيار الفقه البيئي الإسلامي، المؤلف من فلسفة إيكولوجية إسلامية وقوانين بيئية، تستند للشريعة وحركة بيئية إسلامية فاعلة، على يد أكاديميين وعلماء مسلمين كثيرا ما يكونون قد نشأوا في دول ذات غالبية مسلمة ثم عاشوا لاحقا أو يعيشون في بلدان غربية. ومع المواجهة الجديدة مع مشكلة البيئة بدأ نقاش حول موقف دينهم من الخطاب البيئي. ومنذ ذلك الحين انتشر البعد البيئي للإسلام ووجد تطبيقا له في منظمات ومبادرات للمسلمين في مختلف أنحاء العالم.

الإسلام البيئي على شبكة الإنترنت وخارجها

"حملة الخطبة الخضراء" و"دليل الحج الأخضر" و "دليل المسلم الأخضر للحد من التغير المناخي" و "تخضير رمضان" و "حملة المدينة النظيفة": تُظهر أسماء هذه المبادرات والمشاريع والحملات من الوهلة الأولى أنها تتمحور حول علاقة الإسلام بالطبيعة. وقد ترسخت شعارات كالإسلام الأخضر" أو الإسلام البيئي Eco-Islam في السنوات الأخيرة باعتبارها وصفا لهذا التيار المعاصر. مع ذلك لا يعني هذا أن أنصار هذا التيار يتحدثون عن إسلام "خاص“ بهم، وإنما يشير المفهوم بالأحرى إلى إعلاء قيمة البيئة وخلق الله وإلى جعل طريقة الحياة القائمة على الاستدامة من الضرورات المرتبطة بالإسلام. ومن أهدافهم أيضا توعية مسلمين آخرين بالإمكانيات الكامنة في الإسلام.

 شعار يوم المساجد المفتوحة. Foto: tagderoffenenmoschee.de
في الثالث من أكتوبر/ تشرين الأول من كل عام تُنَظَّم في ألمانيا فعالية "المساجد المفتوحة" الحوارية. وتستقبل فيها المساجد الألمانية زوارها من غير المسلمين والمسلمين. وحملت هذه الفعالية في عام 2013 شعار: "المساجد تعمل من أجل حماية البيئة".

وتُستخدم الأعياد والمناسبات الإسلامية المهمة على وجه الخصوص للترويج لهذه الأفكار، على سبيل المثال شهر رمضان، باعتباره شهرا للتأمل والتفكر. ولأن المرء يصوم في رمضان ما بين الفجر وغروب الشمس، تقوم الكثير من العائلات بإعداد ولائم كبيرة للإفطار، ما يؤدي في النهاية إلى التخلص من الكثير من الأطعمة التي لم يتم تناولها. ولذلك دعت مدونات عديدة متخصصة فقط في موضوع الإسلام والبيئة مثل موقعtheecomuslim.com  أوkhaleafa.com  في عدة مقالات قبل رمضان إلى "رمضان أخضر" وإلى سلوك بيئي مستدام. وتضمن ذلك في السياق الغربي استخدام منتجات "التجارة العادلة" والدعوة لأن يقوم الناس بزراعة الخضر والفاكهة بأنفسهم، وإذا لم يكن ذلك ممكنا شراء منتجات محلية والاقتصاد في استخدام المياه أثناء الوضوء.

كما يتيح الحج وعيد الأضحى وعيد الفطر فرصة للمنظمات البيئية الإسلامية أو للمدونات لمخاطبة الضمير الديني وعبره تتم مخاطبة الضمير البيئي.

لقد أطلق الناشط البيئي المسلم معاذ نصير "حملة الخطبة الخضراء" بمناسبة "يوم الأرض" عام 2012. وقد كُتبت لهذه لحملة، التي دعمها 75 إماما ومنظمة في أمريكا الشمالية، خطبة جمعة نموذجية حول موضوع البيئة. وكان الهدف هو تشجيع المساجد والمؤسسات الإسلامية على تخصيص خطبة الجمعة في "يوم الأرض" لموضوع الوعي المتنامي بالتحديات البيئية التي يواجهها الإنسان. يعيش معاذ نصير في تورنتو بكندا وكان مبدأ خلافة الإنسان في الأرض هو ما ألهمه لإنشاء khaleafa.com  وهو يربط في مدونته ما بين هويتيه الكندية والإسلامية اللتين لهما حسب رأيه علاقة قوية بالطبيعة. وهكذا يستخدم أحداثا بيئية للتفكير فيها برؤية إسلامية، كـ "يوم الأرض" أو "أسبوع التلقيح العالمي" الذي يتخذه مناسبة للكتابة عن دور النحل في الإسلام. كما ينتهز "أسبوع تقليل النفايات" الكندي للتوعية بأن الإسلام يحث أيضا على تقليل النفايات.

أما "دليل الحج الأخضر" الذي كلف ائتلاف الأديان والحفـاظ على البيئة (ARC) منظمـتي Global one 2015 و EcoMuslim بإعداده ونُشر عام 2011، فيهدف إلى تغيير سلوك البيئي للمسلمين أثناء الحج، إذ يكون الحجاج في حالة طهارة تحرم عليهم صيد أوقتل الحيوانات أو قطع أو تحطيم الأشجار والنباتات. ولأن الحج هو الركن الخامس من أركان الإسلام ويذهب إليه سنويا نحو مليونين ونصف مليون حاج وقد انتوى معظمهم أن يلتزم على نحو أفضل بتعاليم الدين، فإن هذه المناسبة تكون فرصة مواتية للوصول إلى قلوب الحجاج وحثهم على العيش بطريقة بيئية مستدامة. ويتضمن الدليل مقدمة لمفتي الديار المصرية على جمعة ويتضمن أفكارا ونصائح عن كيفية استخدام منتجات وخدمات صديقة للبيئة أثناء الجح، وتقليل الاستهلاك والنفايات والعيش بطريقة تحافظ على البيئة. على الحجاج التخلي عن السفر بالطائرات وإذا لم يتمكن الحاج من ذلك فعليه أن يتبرع لمشروع بيئي تعويضا عن هذه الأميال التي تلوث فيها الجو بالكربون. كما يدعو "دليل الحج الأخضر" أيضا إلى الاستغناء عن القنينات البلاستيكية واستخدام المواصلات العامة كمترو مكة أثناء الحج، وأداء فريضة الحج مرة واحدة فقط كما تقضي بذلك تعاليم الإسلام.

الحج إلى مكة. Foto: picture-alliance/dpa
الحجاج المسلمون بانتظار غروب الشمس على جبل الرحمة "عرفة" في طريقهم إلى مكة. الحملات البيئية الإسلامية ترى في مواسم الحج والصيام أوقاتا ملائمة لتوجيه النقد الذاتي حول المواضيع البيئية.

دليل المسلم الأخضر

ثمة كتيب آخر صدر عام 2008 عن منظمة صناع الحياة في بريطانيا (التي أسسها الداعية عمرو خالد) والمؤسسة الإسلامية للإيكولوجيا والعلوم البيئية (IFEES) ومقرها بيرمنغهام وهو "دليل المسلم الأخضر للحد من التغير المناخي". ويتناول الكتيب تعليمات عملية عن كيفية تعامل المسلمين مع التغير المناخي. ويقدم نصائح يومية لموضوعات كتوفير الطاقة أثناء الطهي أو الغسيل أو تدوير المنتجات أو استخدام وسائل النقل العامة أو الدراجات، ومصحوبة بآيات قرآنية تحث على ذلك. وعلى هذا النحو يشرح الدليل السبب في ضرورة أن يكون المسلم نشطا وفعالا في مجال حماية البيئة ويبين أن ذلك من صميم العقيدة. كما نظمت المؤسسة الإسلامية للإيكولوجيا وعلوم البيئة فعالية أخرى أيضا عام 2008 بعنوان "حملة المدينة النظيفة" وذلك في بيرمنغهام. وكان شعارها "إنها حملة، إنه فيلم، إنه جهاد!"، حيث صور مسلمون بالفيديو قيامهم بكنس الشوارع وتنظيفها، كما قاموا أيضا بحث مسلمين آخرين في المدينة على القيام بفعاليات مماثلة. وتعتبر المؤسسة الإسلامية للإيكولوجيا والعلوم البيئية هي المنظمة الأم للمنظمات البيئية الإسلامية، وهي تدير مشروعات محلية ودولية عديدة وقد أسسها فضلون خالد في ثمانينات القرن الماضي. وقد وُلد خالد وترعرع في سريلانكا ثم انتقل للعيش في انجلترا منذ 1953 وهو يعتبر أحد المؤسسين لحركة الإسلام البيئي ويتميز بأنه يجمع بين كونه مختصا في الفقه البيئي الإسلامي وناشطا بيئيا.

ويوجد حاليا عدد كبير من النشاطات الدولية المشابهة لما سلف ذكره، ويجري استخدام الإنترنت بصورة متنامية كوسيلة لنشر الأفكار ومقترحات الحلول وتشبيك الناشطين الإسلاميين. كما توجد بالإضافة إلى المواقع الإرشادية، مدونات وأيضا صفحات ومجموعات عديدة على "الفيسبوك"،  يديرها ويستخدمها أشخاص من مختلف البلدان، لمناقشة الموضوعات البيئية مع الاستعانة بمقالات وفيديوهات وروابط حول هذه الموضوعات. ومن هنا يتحدث ا. م. شفينكه استنادا إلى أوليفير روي عن الإسلام البيئي المعولم . Globalised Eco-Islam 

تضم مدونة  theecomuslim.com  السالف ذكرها للبريطانية زاوفيشان إقبال طيفا واسعا من الموضوعات، بدءا بالتغذية البيئية الحلال، مع وصفات الأطعمة، ومرورا بالموضة الأخلاقية، والمساجد البيئية، ووصولا إلى مراجعات كتب عن موضوعات بيئية وتقارير عن التطورات على المستويين الوطني والمحلي. وهي تعنون مدونتها بـ "الجهاد البيئي" وهي تلعب في نضالها من أجل بيئة صحية على ما يستدعيه مفهوم "الجهاد" من تصورات في الغرب.

أسس السلوك البيئي الإسلامي

يعد الفيلسوف الإيراني المولد سيد حسين نصر هو الأب المؤسس للفقه البيئي الإسلامي، وقد ألف في عام 1967 كتابا بالإنجليزية بعنوان "الإنسان والطبيعية. الأزمة الروحية للإنسان المعاصر" وكان حينها سابقا لعصره. وتجد الأخلاق البيئية الإسلامية أسانيدها في القرآن والسنة. ووفقا لهذا التفسير يعتبر الحفاظ على الطبيعة والخليقة، وهذا يعني بوجه خاص عالمي النباتات والحيوان والماء، من أهم واجبات المسلم. للماء في الإسلام أهمية كبرى فهو أصل كل شيء حي، بالإضافة إلى أن له أهمية كبيرة في الوضوء والاغتسال. وثمة أحاديث نبوية كثيرة تحث على ضرورة الاقتصاد في استهلاك الماء وتحرم تلويثه.

في طهران. Foto: picture alliance / landov
بسبب تلوث الهواء الجوي في طهران أغلقت المؤسسات الرسمية كالمدارس والمصارف والمباني الإدارية أبوابها لعدة أيام مطلع يناير عام 2013.

كل الخليقة منوطة بتسبيح الله، وفي كل تفصيلة من تفاصيل الأرض يدرك المسلم آية من آيات الله. هذا يعني أن وجود الله كلي، ما يقود ضمنيا إلى أنه يجب حماية الطبيعة لأجل الله فحسب. علاوة على ذلك، فإنه يُنظر للطبيعة في مجملها كعناصر تكمل بعضها بعضا. فبالإضافة إلى تسبيح الله يوجد لكل عنصر من عناصر الطبيعة دور ومهمة ضرورية في منظومة الخلق، ما يؤدي إلى اعتماد متبادل لكافة الأشياء بعضها على بعض.

يصنف الحيوان في منظومة الخليقة الإسلامية تحت الإنسان الذي يملك العقل ويستطيع أن يفرق بين الإيمان والكفر. ولحماية الحيوان في الإسلام أهمية كبرى، وهذا ما تثبته كثير من الأحاديث النبوية. وكانت القطط من الحيوانات المحببة جدا إلى النبي. ويقال إن النبي قطع كمه ليقوم للصلاة حتى لا يزعج قطة نائمة.

كما أن للنباتات دورا في الإسلام. فهي غذاء الإنسان والحيوان (سورة عبس، الآيات 24 ــ 32) وهي توفر للإنسان الأوكسجين اللازم لحياته. كما أن زراعة نبتة لها أجر كبير عند الله في الإسلام، فثمة حديث يقول بأن ما من مسلم يغرس غرسا أو يزرع زرعا فيأكل منه إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة. كما أن ثمة مؤسسات للشريعة الإسلامية تضمن حماية الطبيعة في أماكن بعينها، مثلا في مناطق الحرم والحمى، وهي مناطق تشبه المحميات الطبيعية، ويُعنى فيها بحماية موارد المياه والغابات والمراعي.

مبادئ السلوك البيئي المحفَّز إسلامياً

يقف الإنسان في التصور الإسلامي في مركز الخليقة، ما يمنحه وفقا للخُلُق البيئي الإسلامي حقوقا معينة، لكنه يُلزمه في الوقت نفسه بواجبات. وإذا أراد المرء الحديث عن مفهوم الخُلُق البيئي الإسلامي، فغالبا ما يتأسس ذلك على مبادئ قرآنية عدة يتم تفسيرها وفقا لتصور إيكولوجي. وتعتبر المبادئ الستة التالية، إلى جانب القناعة والزهد والعدل، هي الأكثر شيوعا وهي تهدف لوضع حدود لتصرفات الإنسان:

مبدأ التوحيد: يشير مبدأ التوحيد في الفقه البيئي الإسلامي إلى ثلاثة مستويات من التفسير. فهو من ناحية يقدم وصفا لله الواحد في مقابل تعدد الآلهة وعبادة الأصنام ما قبل الإسلام، ومن ناحية أخرى يؤكد على أن الله واحد أحد على النقيض من مفهوم الثالوث المسيحي الذي يعارضه القرآن وثالثا يعبر مبدأ التوحيد عن وحدة الله مع سائر الخلق. وتعني وحدة الخلق هذه أن كل الأشياء في العالم هي جزء من الخلق وأنها مرتبطة بعضها ببعض ولهذا فإن كل العالم مهم وقيم وجدير بالحفاظ عليه. كما أن التفسير يشير إلى أن التوحيد يعني الإيمان بأن الله هو الإله الواحد الأوحد لكل الوجود، ما يعني بالضرورة أن يحرص المرء على التقوى في التعامل مع أي مخلوق من مخلوقاته.

فضلون خالد.  foto: Fazlun Khalid
يُعتبر فضلون خالد أحد أبرز المنظرين الدينيين بيئياً، وعددهم خمسة عشر عالمياً. تم اختياره في أول مئة شخص على قائمة البيئة البريطانية، وأيضاً من بين المسلمين الخمسمئة الأكثر تأثيرا في العالم. وله الكثير من الكتابات البيئية في السياق الإسلامي.

مبدأ الفطرة: تُفهم الفطرة في الخطاب البيئي الإسلامي على أنها الحالة الأصلية للخلق، الطبيعة الأصلية للأشياء. وهي تتضمن في المقام الأول الحالة الطبيعية للإنسان في تناغمه مع الطبيعة. ومنها تم التوصل لأهمية دور الإنسان وواجبه في حماية الطبيعة. ويدلل فضلون خالد على ذلك مثلا بالقول إن الناس قد عاشوا في الماضي على الفطرة وحافظوا عن غير وعي على الحدود غير المكتوبة. لكن ذلك تغير مع التصنيع. صحيح أن البشر كانت لديهم في الماضي الصفات السلبية والإيجابية نفسها، لكن الميل إلى التصرفات الحسنة أو السيئة ظل في حدود النظام الطبيعي. ولهذا لم تخلف الحضارات الأولى أية آثار سلبية باقية مثل المواد الضارة أو السموم المدمرة أو النفايات المشعة. ويظهر ذلك أن مسؤولية الإنسان في عصرنا أكبر بكثير من ذي قبل، لأن هناك فعلا إمكانيات عديدة قائمة لتدمير الطبيعة. لذا فإن الهدف هو الرجوع إلى حالة الفطرة والحفاظ على الأرض.

مبدأ الخلافة: يتولى الإنسان دور الخليفة على الأرض. وهذا يعني أنه يضطلع بالأمانة التي حمله الله إياها، وقد عُهد إليه بالأرض التي ذللها الله له. وهو ليس بمالكها ولا سيدها لأنها ملك لله، لكن له منزلة مهمة بين الخلائق. ولهذا تدعو الحركة البيئية الإسلامية إلى أن يقوم الإنسان بدوره كخليفة لله في أرضه وألا يستمر في إخضاع الطبيعة لمصالحه.

قراءة القرآن في أحد المساجد. Foto: picture-alliance/dpa
آيات القرآن الكريم والأحاديث النبوية تطالب المسلمين بالحفاظ على الخليقة وعلى الطبيعة.

مبدأ الأمانة: يرتبط مبدأ الأمانة ارتباطا وثيقا بمبدأ الخلافة، فهو يعني تحمل المسؤولية في كل جوانب الحياة. إنها الأمانة التي تقع على عاتق خليفة الله في الأرض والتي رضي الإنسان بتحملها عندما عرضها الله عليه. وعادة ما تذكر في هذا السياق الآية 72 من سورة الأحزاب: "إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها واشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا". وبالطبع تعني الأمانة تقييدا وعبئا أخلاقيا على الخليفة. ووفقا للخلق البيئي الإسلامي فإن المنزلة العليا للإنسان لا تكمن في سلطته العليا وسيادته على المخلوقات، بل بالأحرى في أنه سيحاسب وحده أمام الله.

مبدأ العبودية: يعبر مبدأ العبودية عن حالة الإنسان كعبد لله وهو مكمل لمبدأي الخلافة والأمانة، فدور العبد يقلص سلطة الإنسان. ويفسر علماء الفقه البيئي هذا المبدأ على أنه على المسلمين كعباد لله أن يلتزموا بالقوانين بما فيها قوانين العناية بالطبيعة والحفاظ على النظام البيئي والتعامل السليم مع الموارد الطبيعية.

زهور تنمو من جذع إحدى الأشجار. Foto: FARS
"المقصود بالفطرة في المنظور البيئي الإسلامي هي الحالة الأصلية للخليقة أي الطبيعة الأصلية. ويجيء في مقدمة ذلك انسجام الإنسان مع الطبيعة. ومن هنا تأتي ضرورة التزام الإنسان بالحفاظ على البيئة"، كما تقول مونيكا زبيدي.

مبدأ الميزان: يعنى بمبدأ الميزان في الخلق البيئي الإسلامي التوازن البيئي أو السعي لطريق وسطي. ويتطلب هذا المبدأ الحفاظ على التوازن البيئي وإعادة هذا التوازن للأرض، سواء على مستوى التناغم البيئي، أو على مستوى العدالة الإنسانية والتعامل الأخلاقي في الحياة اليومية، فقد خلق الله الأرض وكل الكون بإتقان وتوازن وبلا عيوب. ومن واجب الإنسان الحفاظ على ذلك. وحسب فقهاء البيئة المسلمين تظهر مشاكل كارتفاع درجة حرارة الأرض والزلازل وارتفاع مستوى سطح البحر فقدان الأرض للتوازن الإلهي.

هل ثمة طريق إسلامي للخروج من مأزق التغير المناخي؟

يكمن حل مشاكل البيئة حسب الخلق البيئي الإسلامي، في إحياء العقيدة والروحانيات. هذا لا يعني الابتعاد عن العلم والتطور، لكن لا بد من رفض مجتمع الاستهلاك والتصرفات الخالية من المسؤولية. لا توجد منظومة واحدة للفقه البيئي الإسلامي ووفقا لذلك فإن التيار المسمى بـ "الإسلام البيئي" لا يزال ناشئا وثمة توجهات وتفسيرات عديدة، لكنها كلها تشترك في أن هدفها هو حماية البيئة والحفاظ على الخليقة.

غابة في حوض الكونغو الغربي. Foto: picture alliance/ WILDLIFE
أضرار الاستهلاك العالمي على البيئة: " كل الشاي الذي نستهلكه مصدره الزراعة في مناطق كانت في السابق مناطق طبيعية لم يمسها بشر"، كما يقول فضلون خالد.

وفي نهاية المطاف يجمع موضوع البيئة وحماية الأرض بين أتباع ديانات مختلفة في نضالهم المشترك من أجل الحفاظ على أساس الحياة لكل الكائنات وقد تبين أن هذا الموضوع من الأعمدة الأساسية للحوار بين الأديان. صحيح أن التعامل مع القضية من منظور الدين ليس كافيا لحل مشكلة التغير المناخي، لكنه قد يسهم في تغيير الوعي. لقد تطور الخطاب البيئي الإسلامي بصورة متنامية في شبكة الإنترنت على وجه الخصوص ويبدو أن الكثير من المسلمين يجدون شيئا ملهما في كون دينهم يحض على السلوك الرفيق بالبيئة ويدعمه.

 

مونيكا زبيدي

ترجمة: أحمد فاروق

حقوق النشر: معهد غوته/ فكر وفن 2013

 

مونيكا زبيدي باحثة في قسم الدراسات الإسلامية بجامعة إرلانغن نورنبرغ الألمانية.