تعافي سوريا متوقف على رجوع التجار والصناعيين والنازحين بعد تشريد الحرب نحو نصف السكان

في خان خير بك بحلب، لم يفتح سوى متجرين أبوابهما من 41 متجرا، وأصحاب الأعمال إما رحلوا إلى الخارج أو إلى مناطق أخرى بسوريا.

في الخان العتيق، وهو فناء حجري قبالة سوق حلب القديم، لا تزال معظم متاجر الملبوسات وعددها 41 متجرا مهجورة. فقد انتقل كثير من أصحابها إلى أماكن أخرى أو إلى الخارج هربا من الاشتباكات في المدينة التاريخية التي كانت مركزا اقتصاديا رئيسيا في سوريا قبل الحرب.

وقال محمد أبو زيد أحد تاجري ملابس لا يزالان يزاولان نشاطهما: "البعض بدأ عملا جديدا خارج سوريا ولا يريد العودة. وفتح بعض الباقين متاجر جديدة في مناطق أخرى من البلاد".

انقلب حال الاقتصاد السوري بفعل سنوات الحرب الثمانية التي أدت إلى تقسيم البلاد بين قوى متصارعة وشردت الملايين. وتم تجنيد مئات الآلاف من العمال في الجيش أو أنهم انضموا إلىجماعات المعارضة بينما فرضت القوى الغربية عقوبات كاسحة على البلاد.

ويتوقف تعافي سوريا إلى حد بعيد على ما إذا كان النازحون سيعودون إلى بيوتهم بما في ذلك عودة أصحاب الأعمال المحليين. وتقف متاجر خان خير بك الخالية شاهدا على عدم عودة الغالبية وأنه ربما تمر فترة من الوقت قبل استئناف نشاط الأعمال.

ورغم أن حركة الشراء ما زالت نشطة في بعض مناطق غرب حلب، الذي ظل خاضعا لسيطرة الحكومة طوال الحرب، فقد تعرضت مصانع المدينة ومتاجر الجملة للدمار جراء الحرب ورحيل التجار.

كانت المنسوجات أحد الأعمدة الرئيسية التي يقوم عليها نشاط الأعمال في حلب حتى بداية الحرب عام 2011. وكان الخان الواقع في قطاع سوق الزرب من مدينة حلب القديمة المدمرة مركزا لنشاط المنسوجات.

وعندما زارت رويترز السوق أول مرة عام 2017 بعد أسابيع من توقف الاشتباكات كان الخان مغلقا وكان مدخله المقبب مغطى بالركام وفوارغ الطلقات وذيل قذيفة مورتر.

قال أبو زيد إن 13 من أصحاب المتاجر انتقلوا للخارج إما إلى مصر أو تركيا. ومن بين من بقوا في سوريا انتقل ستة إلى دمشق أو مدن أخرى وبدأوا نشاطا جديدا. وتوقف سبعة غيرهم ظلوا في حلب عن التعامل في الملبوسات.

ويعمل عشرة غيرهم بتجارة الملابس في أكشاك بالسوق أو في متاجر مستأجرة بمناطق أخرى من حلب. ولم يعد لفتح المتاجر في الخان في وقت سابق من العام الجاري 2019 سوى أبو زيد وزكريا عزيزة. ولا يعرف الاثنان طريقا لعدد من جيرانهم.

وقد تسببت الحرب في تشريد نحو نصف سكان سوريا قبل نشوبها والبالغ عددهم 22 مليون نسمة، وأصبح أكثر من خمسة ملايين منهم لاجئين في الخارج.

وبدأ بعض اللاجئين العودة لكن أغلبهم لا يرغبون في ذلك حتى الآن بسبب الخوف من أعمال انتقامية ومن خطر تجدد الحرب والصعوبات الاقتصادية ومشاكل استخراج الأوراق المطلوبة.

 

 

مشاكل اقتصادية: قال عزيزة إنه يحاول إقناع جيرانه السابقين بالعودة. وأضاف "لا يمكننا التصدير وعندنا مشاكل مصرفية من العقوبات. النظام يعتمد على الائتمان لكني لا أملك أي أموال".

وقال رئيس النظام السوري بشار الأسد إن سوريا تواجه الآن حربا اقتصادية تُشن عليها من خلال العقوبات الغربية. وتجعل هذه العقوبات نقل الأموال من سوريا وإليها في غاية الصعوبة كما أنها أصابت بالشلل حركة التجارة حتى مع الحلفاء المقربين مثل روسيا وإيران وجعلت العودة لسوريا أقل إغراء لأصحاب الأعمال.

ويعتقد أبو زيد أن أغلب من رحلوا عن الخان سيعودون في نهاية الأمر. فلا يزال كثيرون يملكون متاجرهم. وقال أبو زيد: "هذا أفضل خان للاستيراد والتصدير والآخرون يقولون لنا شهر شهرين وسنعود".

واستمر أحمد أبو زيد (63 عاما) ابن عم محمد أبو زيد في ممارسة بعض نشاطه من البيت لأن إحلال المخزون وإصلاح الدمار الذي لحق بمتجره الواقع بالقرب من شجرة توت سيكلفه عدة آلاف من الدولارات.

أضرار: كان المركزان الرئيسيان لنشاط الأعمال في حلب، وهما السوق القديم والمناطق الصناعية على مشارف المدينة، على الخطوط الأمامية وأصابهما الكثير من جراء القصف العنيف وأعمال النهب.

جُردت المتاجر والمخازن مما فيها من مخزون والمصانع والورش من معدات وآلات. وتغطي ثقوب الرصاص أو فتحات القذائف الكثير منها كما يملأها الركام.

وقد تعرضت محطة كهرباء حلب للتدمير وأصبحت إمدادات الكهرباء من المناطق الأخرى الخاضعة لسيطرة الحكومة في سوريا محدودة. كما أن إمدادات المياه غير منتظمة.

وفي السوق خارج الخان تجمعت مجموعة من الأشخاص على مقاعد بلاستيكية للدردشة. وراح أفرادها يذكرون أسماء الأصدقاء والجيران الذين رحلوا.

قال محمد فاضل وهو يرتدي سترة ويلوح بسيجارة مشتعلة إن بعضهم عادوا للتعرف على الوضع لكنهم رحلوا مرة أخرى عندما رأوا الوضع بأعينهم. وقال: "لسا (حتى الآن) مقومات العمل ما مشيت يعني عندك البنى التحتية ماهي صايرة عند الكهربا لسا ما في استقرار. يعني شفت البلد مقسمة نحن شغلنا عا منبج والباب والجزيرة يعني في حواجز في بي كي كي (حزب العمال الكردستاني) في 100 قصة يعني في ناس لازم تطلع من بلدنا ترجع سوريا وحدة بيرجع الشغل متل ما كان".

وأضاف أنه كان يملك متجرين في السوق، وهما مغلقان الآن، وورشة للمنسوجات بها أربع ماكينات و400 عامل يعملون على مدار الساعة ويصدرون إنتاجهم لمختلف أنحاء الشرق الأوسط. وهو ينوي الآن مغادرة سوريا والتوجه إلى هولندا حيث يعيش ابنه. وأضاف: "ما راح أعمل؟ انا جالس هون طول اليوم ما بعمل شي". 17 يونيو / حزيران (رويترز)

 

[embed:render:embedded:node:34912]