اتساع المظاهرات ضد البشير ومقتل طبيب وطفل في مسيرة احتجاجية نحو المقر الرئاسي تطالبه بالتنحّي

جماعة طبية مقربة من المعارضة تعلن مقتل طبيب وطفل واحتجاجات السودان تدخل أسبوعها الخامس وأسوأ الاشتباكات وقعت في حي بري بالخرطوم.

قال شهود إن محتجين يلقون الحجارة اشتبكوا مع قوات الأمن السودانية في العاصمة الخرطوم يوم الخميس  17 / 01 / 2019 وقالت جماعة طبية إن طفلا وطبيبا قتلا في بداية أسبوع خامس من الاحتجاجات ضد حكم الرئيس عمر حسن البشير المستمر منذ 30 عاما.

واندلعت الاحتجاجات أيضا في خمس مدن أخرى في بعض من أوسع الاضطرابات انتشارا منذ اندلاع المظاهرات في 19 ديسمبر / كانون الأول 2018. وقالت لجنة أطباء السودان المركزية المرتبطة بالمعارضة إن طبيبا وطفلا قتلا متأثرين بإصابات في الرأس خلال أعمال العنف.

ولم ترد الشرطة حتى الآن على طلب للتعليق على ما تردد عن سقوط قتلى. واندلعت الاحتجاجات ضد ارتفاع الأسعار ونقص السيولة النقدية لكنها تحولت سريعا إلى مظاهرات ضد البشير.

وقال شهود إن قوات الأمن السودانية في حي بري بالخرطوم أطلقت الطلقات المطاطية والغاز المسيل للدموع وطاردت المتظاهرين بالهراوات في أعنف الاشتباكات التي وقعت اليوم. وتعرض بعض المتظاهرين للاختناق بسبب الغاز المسيل للدموع وأصيب البعض الآخر من الطلقات المطاطية في حين تعرض آخرون للضرب.

وقال شهود إن مئات من الشبان والفتيات أغلقوا الشوارع والأزقة بالإطارات المشتعلة. ورشق البعض رجال الشرطة بالحجارة. وردد كثيرون هتاف "يسقط بس" الذي أصبح مطلبا للمتظاهرين لإرسال إشارة بأن مطلبهم الوحيد هو سقوط البشير.

وقال شهود إن المتظاهرين كانوا يسخرون أيضا من قوات الأمن بإطلاق صيحات الاستحسان كلما أصاب متظاهر أحد رجال الأمن بحجر.

وأظهر بث حي نشر على وسائل التواصل الاجتماعي وتحققت منه رويترز قوات الأمن تصوب أسلحتها على المتظاهرين في حي بري. وأمكن سماع أصوات أعيرة نارية.

وفي التسجيل المصور صرخ أحد المتظاهرين قائلا "لماذا تطلق النار؟" في حين كان متظاهرون الذي ارتدى بعضهم أقنعة للحماية من الغاز المسيل للدموع يحاولون الاحتماء من طلقات الرصاص.

ولم يتضح إن كانت الطلقات المستخدمة أعيرة نارية أم طلقات مطاطية. وحمل متظاهرون رجلا يبدو أنه أصيب وعلى قميصه بقع دماء بعيدا.

وقال أحد المحتجين لرويترز: "هناك أشخاص يطلقون علينا النار...إنهم يطلقون الرصاص المطاطي". وأضاف أنه شاهد خمسة أشخاص يسقطون على الأرض لكنه قال إنه غير متأكد إن كانوا أصيبوا بالرصاص المطاطي أم بذخيرة حية. وتابع إنه شاهد أيضا بضعة أشخاص مصابين يُحملون بعيدا. ومضى يقول إن قوات الأمن أغلقت المنطقة مما حال دون وصول المصابين إلى المستشفيات.

وبدلا من ذلك تلقى هؤلاء المصابين العلاج في غرفة طوارئ مؤقتة داخل أحد المنازل. وقال ثلاثة شهود إنه في بعض الحالات اقتربت قوات الأمن من هذا المستشفى الميداني وأطلقت الغازات المسيلة للدموع داخله أثناء علاج المصابين.

ولم يتسن حتى الآن الاتصال بمتحدث من الشرطة للتعليق على روايات الشهود بشأن الاشتباكات في حي بري. وقال شهود إن مئات تظاهروا أيضا في القضارف وعطبرة والأبيض مما دفع قوات الشرطة لإطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع.

واستخدمت بعض القوات الذخيرة الحية في بعض الأوقات لتفريق المتظاهرين. ويبلغ عدد القتلى الرسمي 24 شخصا بينهم اثنان من أفراد الأمن. لكن منظمة العفو الدولية تقول إن أكثر من 40 شخصا قُتلوا.

وقال مدرس (47 عاما) كان بين المتظاهرين بوسط الخرطوم "سنستمر في الاحتجاج حتى تسقط الحكومة لأننا نريد حياة أفضل لأطفالنا".

وأنحى البشير باللائمة في الاحتجاجات على "عملاء" أجانب وقال إن الاضطرابات لن تقود إلى تغيير الحكومة متحديا معارضيه بالسعي إلى السلطة عبر صناديق الاقتراع.

وقالت ميشيل باشليه مفوضة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان يوم الخميس إنها منزعجة للغاية من التقارير الواردة عن الاستخدام المفرط للقوة من جانب قوات الأمن السودانية.

وأضافت: "أنا قلقة للغاية من التقارير الواردة عن الاستخدام المفرط للقوة بما في ذلك الذخيرة الحية من جانب قوات الأمن السودانية. على الحكومة ضمان أن تتعامل قوات الأمن مع الاحتجاجات بما يتسق مع الالتزامات الدولية للبلاد بحقوق الإنسان بتسهيل وحماية الحق في التجمع السلمي".

وانزلق السودان إلى أزمة اقتصادية منذ استقلال الجنوب في عام 2011 واستئثاره بجزء كبير من موارد البلاد النفطية. ورفعت الولايات المتحدة في أكتوبر / تشرين الأول 2017 عقوبات تجارية كانت مفروضة على السودان منذ 20 عاما. لكن الكثير من المستثمرين يتجنبون البلد الذي لا يزال مدرجا على القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب.

والبشير مطلوب من قبل المحكمة الجنائية الدولية بتهمة تدبير أعمال إبادة جماعية في إقليم دارفور وهي الاتهامات التي ينكرها.

وقُتل طبيب وطفل الخميس في السودان خلال الاحتجاجات ضد نظام الرئيس عمر البشير الذي فرّقت الشرطة بالغاز المسيل للدموع مسيرة نحو المقر الرئاسي لمطالبته بالتنحّي.

وقالت لجنة أطباء السودان المركزية "لقد قُتل طبيب وطفل في احتجاجات اليوم (الخميس)". ولجنة الأطباء جزء من اتحاد المهنيين السودانيين في تنظيم الاحتجاجات. وأكد أقارب الضحايا لوكالة فرانس برس وفاتهما. وسجّلت احتجاجات خارج المستشفى الذي نقلت إليه جثتا الضحيتين، بحسب ما أفاد شهود.

وبدأت التظاهرات في 19 كانون الأول/ديسمبر احتجاجا على ارتفاع أسعار الخبز والأدوية في بلد يشهد ركودا اقتصاديا، ثم تحولت الى تجمعات شبه يومية مناهضة للبشير الذي يرفض بشكل قاطع التنحي بعد ثلاثة عقود في الحكم.

وبعد نحو شهر من انطلاق الحركة الاحتجاجية، تجمّع مئات السودانيين ظهرا في وسط العاصمة الخرطوم حيث انطلقوا باتجاه المقر الرئاسي هاتفين "حرية سلام عدالة"، لكن الشرطة تدخّلت لتفريقهم بواسطة الغاز المسيل للدموع، بحسب شهود عيان.

ثم عاودت مجموعات من المتظاهرين التجمّع في حي بوري حيث رشقوا بالحجارة قوات الأمن التي ردّت بإطلاق الغاز المسيل للدموع، بحسب شهود.

وأظهرت مشاهد محتجّين مصابين يحاول رفاقهم تضميد جروحهم، لكن لم تتّضح ماهية الإصابات التي تعرضوا لها. ونظّم تجمّع آخر في حي بحري في العاصمة السودانية حيث تم إحراق إطارات على الطريق المؤدي إلى مقر الرئاسة بحسب مراسل فرانس برس، كما شوهدت آليات عسكرية متمركزة أمام القصر.

وأفاد شهود بقيام تظاهرات في منطقتي بورتسودان والقضارف (شرق) وفي عطبرة (250 كلم شمال شرق الخرطوم) حيث كانت انطلقت أولى التظاهرات قبل أن تتمدد بسرعة إلى العاصمة وكذلك إلى دارفور (غرب).

وخلال جلسة لمجلس الأمن حول السودان ناشدت الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا السلطات السودانية احترام حق التظاهر، معتبرة أن مقتل متظاهرين أمر "غير مقبول".

ومنذ 19 كانون الأول/ديسمبر، قُتل 24 شخصا في مواجهات خلال التظاهرات، بحسب حصيلة رسمية. وتتحدث منظمتا "هيومن رايتس ووتش" و"العفو الدولية" (امنستي انترناشونال) عن سقوط أربعين قتيلا على الأقل بينهم أطفال وأفراد طواقم طبية.

ويقوم جهاز الأمن والمخابرات الوطني إجمالا بتفريق المتظاهرين. وذكرت منظمات غير حكومية أن أكثر من ألف شخص أوقفوا، بينهم قادة من المعارضة وناشطون وصحافيون.

ودعا المنظمون، وعمادهم اتحاد المهنيين الذي يضمّ أطباء ومهندسين وأساتذة جامعات، المواطنين إلى "أسبوع انتفاض". وتتم تعبئة المتظاهرين عبر مواقع التواصل الاجتماعي تحت هاشتاغ "مدن_السودان_تنتفض".

والخميس قال المتحدث باسم التجمع محمد الأسباط خلال اتصال هاتفي معه من باريس "نحن نطالب المجتمع الدولي بحماية المتظاهرين السلميين في وقت نخشى لجوء السلطات إلى مزيد من العنف".

ومن جنيف أعربت رئيسة المفوضية العليا لحقوق الانسان ميشيل باشليه عن "قلقها البالغ" من "الاستخدام المفرط" للقوة. ويرى المحللون أن هذا التحرك الذي بدأ بسبب الاستياء من رفع أسعار الخبز ثلاثة أضعاف يشكل أكبر تحدٍّ للرئيس البشير منذ وصوله إلى السلطة في 1989 على إثر انقلاب دعمه الإسلاميون.

ويردد المتظاهرون الذين يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي للتعبئة، هتافات "حرية عدالة سلام"ويهتف بعضهم "الشعب يريد إسقاط النظام" شعار "الربيع العربي" الذي بدأ في 2011.

وبمعزل عن خفض الدعم للخبز، يواجه السودان وضعا اقتصاديا صعبا ويعاني من نقص حاد في العملات الأجنبية.

ويعاني السكان من نقص دائم في المواد الغذائية والمحروقات في العاصمة والمدن الأخرى، بينما تشهد أسعار الأدوية وبعض المواد الغذائية ارتفاعا كبيرا في التضخم.

وتعتبر الخرطوم أن واشنطن تقف وراء الصعوبات الاقتصادية التي تعاني منها. فقد فرضت الولايات المتحدة في 1997 حظرا قاسيا منع السودان من ممارسة أي نشاطات تجارية أو إبرام صفقات مالية على المستوى الدولي. ورفعت القيود في تشرين الأول/أكتوبر 2017.

وكان البشير وصف المتظاهرين بأنه "عملاء" و"خونة". والإثنين قال الرئيس السوداني أمام حشد كان يردد هتافات تدعوه إلى البقاء في السلطة، في نيالا، عاصمة جنوب دارفور قبل أيام، "الحكومة لن تغير بالمظاهرات والطريق واحد للحكومة". وأضاف البشير (75 عاما) أن "صندوق الانتخابات الفاصل بيننا، صندوق الانتخابات والشعب من سيقرر من يحكمه في 2020".

وفي نظر معارضي النظام، يتحمل البشير مسؤولية سوء الإدارة الاقتصادية والإنفاق بلا حساب لتمويل مكافحة متمردي دارفور والمتمردين بالقرب من الحدود مع جنوب السودان.

وكان السودان أكبر بلد في إفريقيا قبل انفصال جنوب السودان في 2011. وحرم هذا الانفصال اقتصاده من ثلاثة أرباع احتياطه النفطي والجزء الأكبر من عائدات الذهب الأسود.

وبين 1964 و 1985، أدت انتفاضات شعبية إلى سقوط النظام الحاكم خلال أيام. لكن هذه المرة، أمام الناشطين طريق طويل يجب قطعه، حسب المحللين.

وتقول الخبيرة في شؤون السودان ويلو بيريدج "حتى الآن، يبدو أن البشير ما زال يحظى بتأييد معظم قوات الأمن". ورأت "مجموعة الأزمات الدولية" في تقرير أن حكم البشير يمكن أن يبقى رغم التظاهرات، مضيفة: "لكن إذا تحقق ذلك، فسيكون لقاء استمرار التدهور الاقتصادي وغضب شعبي أكبر ومزيد من التظاهرات وقمع يزداد قسوة". (أ ف ب ، رويترز)  



[embed:render:embedded:node:33962]