ليبيا بعد القذافي- هل الإسلاميون قادمون؟

يطرح الكاتب الليبي المعروف مصطفى الفيتوري تساؤلات حول المعارضة الليبية وهل تضم أي تنظيمات إسلامية الميول والعقيدة وما مدى قوتها على الأرض وماذا يمكن أن يكون دورها في رسم مستقبل ليبيا؟



شهدت مدينة بنغازي مؤخرا مظاهرة حمل بعض المشاركين فيها السلاح وذلك للاحتجاج على بطء التحقيق في مقتل اللواء عبدالفتاح يونس قائد القوات الليبية يوم 28 يوليو الماضي واتهم المتظاهرون صراحة المجلس الوطني الانتقالي بالعجز عن ملاحقة الجناة مع أنهم معروفون له حسب ادعاء بعض منظمي المظاهرة. ويعتبر مقتل عبدالفتاح يونس إلى جانب عدد غير قليل من الحوادث التي صاحبت الحرب في ليبيا من المؤشرات القوي للوجود الفاعل والقوي لعناصر المعارضة ذات الميول الإسلامية خاصة وأن المتهمين الرئيسيين في مقتله محسوبون على التيار السلفي الجهادي.

يستفيد أي نشاط سياسي إسلامي كثيرا من طبيعة المجتمع الليبي السني المذهب والمحافظ دينيا مع وجود أقلية لا تذكر تتبع المدهب الإباضي خاصة بين أمازيغ الجبل الغربي على الحدود التونسية. ويتمسك الليبيون أيضا بالإسلام تمسكا تقليديا ويمارسون شعائره بشكل منتظم وهم حريصون على الإسلام كدين ولهذا يتمتع المشايخ والإئمة والوعاظ بمكانة اجتماعية خاصة منذ أن انتشرت الزوايا السنوسية في ليبيا التي أسسها الملك إدريس الأول قبل أن يتولى عرش ليبيا في خمسينيات القرن الماضي ليقود من خلالها حركة مقاومة الاحتلال الإيطالي.

وقد لعب أئمة المساجد الدرو الرئيسي في التحريض على الثورة ضد نظام القدافي خاصة في شرق ليبيا وقد كانت رسالة المساجد بسيطة وبالغة التأثير في نفس الوقت ويكفي القول أن شفرة دخول المدن وتحريض سكانها من قبل الثوار اعتمدت على التكبير ورفع الأذان من المساجد. وقد عاشت طرابلس عشية سقوطها في يد الثوار في أغسطس الماضي على إيقاع التكبير باسم الله على مدى يومين متواصلين كانت تترد أصداؤها في أرجاء المدينة من مكبرات الصوت في المساجد والزوايا. ولكن طبيعة المجتمع المحافظة هي سلاح دو حدين فبقدر ما تعتبر أكبر رصيد سياسي في المستقبل يمكن أن تكون أرض خصبة للتطرف والعنف وهو ما يرفضه المجتمع الليبي على نطاق واسع.

حجم الإسلاميين

الصورة د ب ا
المهمة الأولى للمجلس الوطني الانتقالي تتمثل في إيجاد حلول سياسية لإيجاد توازن يقابل تنوع مكوناته، الذي لا يتصف بالاستقرار من الناحيتين السياسية والإيديولوجية

​​

وللإسلاميين في ليبيا خبرة سياسية وميدانية لا بأس بها، إذ كانوا أكبر معارضة سياسية لنظام العقيد القدافي وشكلوا أكبر تحد لسلطته خاصة في مطلع تسعينيات القرن الماضي إلى جانب ذلك يتمع الإسلاميون بثقافة تنظيمية ترقى إلى مستوى الحرفية وتاريخيا اشتهرت التنظيمات الدينية في الوطن العربي بقدرتها الفائقة على تعبيئة وتنظيم اتباعها وليبيا ليست استثناء.

ومن الدلائل الأخرى التي تشير إلى قوة نفوذ التوجه الديني في الثورة الليبية جانبان ميداني و سياسي. ميدانيا لعب الواعز الديني المحرك الرئيسي للمقاتلين وبالتالي كان للمقاتلين ذوي الميول الإسلامية قصب السبق في تنظيم المقاتلين والتواجد على خطوط الجبهات الأمامية، أما سياسيا فإن قادة الإسلاميين ومنظريهم وعلى رأسهم الدكتور الصلابي المقيم في قطر وشقيقه أسامة الموجود في بنغازي و فوزي بوكتف قادوا العمل التنظيمي خاصة في إدارة المدن التي سقطت تباعا في يد الثوار وقد ظهر في العاصمة عشرات المتطوعين المنطلقين من المساجد للعمل في خطوط الإمداد والعمل على توفير حاجات السكان خاصة المياه.

إلى جانب هذا فقد سرت أخبار متفرقة في طرابلس خاصة في بداية سقوطها عن تكديس للأسلحة خارج سيطرة المجلس الانتقالي في مواقع مختلفة من المدينة خاصة في منطقتي زناتة جنوب شرق العاصمة ومنطقة تاجوراء على بوابة طرابلس الشرقية. وقد تولت أسماء بارزة محسوبة على التيار الإسلامي مسئوليات ميدانية حقيقة من قبل قيادة الكتائب المقاتلة وتنظيم بعض الأحياء في المدن خاصة في البيضاء شرقا وبعض أحياء بنغازي وأخيرا طرابلس العاصمة التي يترأس عبدالحكيم بلحاج مجلسها العسكري أي القوة الفاعلة على الأرض وهو سجين سابق في غوانتانموا.

الثقافة السياسية في ليبيا

الصورة د ب ا
استراتيجية بناء الديمقراطية ومخلَّفات حكم العقيد التحدي الأكبر للجميع

​​

وبالنظر إلى حقيقة أن الثقافة السياسية التعددية ومفهوم الأحزاب والتنظيمات السياسية وتنظيم النقابات الحرة غائبة كغياب مؤسسات الدولة في ظل حكم القذافي فإن المناخ مناسب جدا لتنظيم يمكنه أن يتحرك بشكل منظم على الساحة الجماهيرية في ليبيا والقوى السياسية المستعدة لذلك هي إسلامية الميول والهوى أكانت ضمن إطار الأخوان المسلمين أم الجماعة الليبية المقاتلة التي وإن دخلت في حوار مصالحة مع النظام في السنوات الخمس الأخيرة، إلا أن أعضاءها شكلوا أكبر عدد من المتطوعين دوي الخبرة القتالية حالما اندلعت الثورة في بنغازي بقيادة آخر دفعة من سجنائها الذين تم أطلاق سراحهم ضمن مشروع المصالحة عشية اندلاع الثورة في فبراير الماضي.

ولايوجد في ليبيا أي منافس حقيقي لا سياسيا ولا تنظيميا للتيارات الدينية سوى حركة اللجان الثورية التي أسسها النظام المنهار، إذا ما تمكنت من استعادة أنفاسها وطهرت صفوفها من الذين ارتبكوا بعض الفظائع خاصة في تمانينات القرن الماضي، إلا أن أغلب الظن أن الحركة سيتم محاسبة كبار قادتها وحلها على منوال ما جرى في تونس و مصر بالرغم من وجود عدد من قادتها المشهود لهم بالنزاهة والوطنية. إن أي قوى سياسية أكانت تنظيما حزبيا أو تكتلا جبهويا سيكون متأخرا تنظيميا وسياسيا في مواجهة التيارات الدينية التي تتمتع بمصداقية عالية في أوساط الشباب معتمدة على دورها الفاعل في العمل العسكري الذي أدى إلى إسقاط النظام وبالتالي فإن كلمتها في المستقبل السياسي لليبيا هي العليا.

تكتيكات الإسلاميين

صحيح أن أي تنظيم ديني بعينه لم يظهر على الساحة في ليبيا بشكل فاعل وينطبق نفس الأمر على فترة الحرب، إلا أن ذلك نوعا من التكتيك القديم المتبع من قبل التنظيمات الإسلامية الدي يقوم على التواجد الفاعل على الأرض ولكن خارج أي إطار تنظيمي محدد ومعلن او معروف وهي الإستراتيجية نفسها التي اتبعها السلفيون و المقاتلون الإسلاميون في أفغانستان فتنظيم القاعدة مثلا لم يتشكل إلا بعد أن تمرس مقاتلوه على جبهات قندهار و تورابورا و قندز أولا وشقيقه تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي اتبع نفس الأسلوب و تكرر نفس التكتيك في شرق ليبيا حين تواجد أعضاء معرفون في الجماعة الليبية المقاتلة في جبهات القتال ولكن دون أن يستخدموا اسمهم التنظيمي وإنما عملوا خارج الإطار التقليدي الذي يجمعهم.

الآن وبعد أن انتهى النظام في ليبيا لا شك أن الخلافات ستبدأ في الظهور خاصة بين أعضاء المجلس الانتقالي الإسلاميين و يمثلهم رئيس المجلس مصطفى عبدالجليل ــ وهو رجل دين أكثر منه سياسي ــ و العلمانيون ممثلين برئيس المكتب التنفيذي محمود جبريل الذي لا يكن له الكيثر من القادة الميدانيين الكثير من الود ويأخدون عليه قربه من النظام المنهار وتواجده بشكل مستمر خارج البلد.

وستكشف الأشهر القادمة جزءا من تلك الخلافات ولعل أكبر بوادرها ظهرت في المظاهرة التي قادها مؤيدوا اللواء المقتول عبدالفتاح يونس فيما تدور خلافات معقدة في المجلس المحلي في طرابلس وبعض المدن الأخرى على خلفيات سياسية متباينة بين من يرون الإسلام السياسي فاعلا في مستقبل البلد ومن يرون أن ليبيا يجب أن تكون دولة مدنية علمانية.

 

مصطفى  الفيتوري

مراجعة: هشام العدم

حقوق النشر: قنطرة 2011

صطفى الفيتوري: رئيس قسم ادارة الأعمال باللغة الإنجليزية في أكاديمية الدراسات العليا - طرابلس/ليبيا ، وحائز على جائزة سمير قصير لحرية الصحافة للعام 2010