هل تقضي المحاكمات والاعتقالات على تفشي الفساد؟

يشهد المغرب صيف هذا العام أكبر موجة اعتقالات في صفوف كبار المسؤولين الأمنيين والإداريين لاتهامهم بالفساد. غير أن ذلك لا يشكل إلا غيضا من فيض، كما يقول المحلل السياسي المغربي علي أنوزلا في التعليق التالي.

الصورة ا.ب
هل يعيد فتح الملفات والاعتقالات الأموال المنهوبة إلى خزينة الدولة؟

​​

بالتزامن مع حملة اعتقالات شملت مسؤولين كبار في الإدارة والأجهزة الأمنية، تحدثت الصحافة المغربية عن فتح تحقيقات على خلفية تقارير وضعها المجلس الأعلى للحسابات، وهو مؤسسة رقابية رسمية، وسجلت وجود اختلالات كبيرة في التدبيرالمالي لمؤسسات عمومية وشبه عمومية. وكان أكثر التقارير التي تداولتها الصحف إثارة، تقرير يكشف النقاب عن اختلالات في طريقة تسيير "المكتب الوطني للمطارات"، وهو مؤسسة عمومية، تم عزل مديرها السابق وأحيل على التحقيق بشبهة الفساد المالي الذي طال إدارته.

وتتحدث الصحافة المحلية المغربية عن إحالة العديد من التقارير المماثلة التي أنجزها المجلس الأعلى للحسابات على القضاء للتحقيق في أسباب الإختلالات المالية المسجلة، مما يعنى احتمال سقوط رؤوس كبيرة إذا ما ثبتت مسؤوليتها في تلك الاختلالات. ويعتقد خبراء وباحثون أن الجرائم المالية والاقتصادية في المغرب، باتت تشكل اليوم 10 في المائة من مجموع القضايا المعروضة على المحاكم، وهي جرائم تقوم على نهب وتبديد المال العام واستغلال النفوذ والسلطة للثراء غير الشرعي، وفساد الذمم، والتمتع بامتيازات غير قانونية...

وليست هذه أول مرة يفتح فيها المغرب الحرب على الفساد، فقد سبق أن شهد المغرب في عقد السبعينات من القرن الماضي أكبر محاكمة لوزراء وكبار المسؤولين بتهمة الفساد. وفي عقد التسعينات من نفس القرن تم فتح تحقيقات في ملفات الفساد داخل مؤسسات عمومية كبيرة مثل الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، والبنك العقاري والسياحي، والبنك الفلاحي، والبنك الشعبي، والخطوط الجوية الملكية، وشركة عمومية للملاحة، وتم تقديم الكثير من مسؤولي هذه المؤسسات إلى المحاكمة، وبعضهم صدرت في حقهم أحكام غيابية بعد أن فروا خارج المغرب. وقدرت آنذاك قيمة الاختلاسات التي أدت بتلك المؤسسات على حافة الإفلاس بملايير الدراهم المغربية التي لم تستعدها الخزينة المغربية حتى يومنا هذا...

الفساد طال البرلمان

الصورة ا.ب
البطالة والفقر والفساد من القضايا الشائكة في المغرب

​​

ورغم وجود مجتمع مدني حي وصحافة ناقدة، كان لها الفضل في إثارة الكثير من ملفات الفساد داخل المؤسسات والإدارات العمومية، إلا أن المغرب لم ينجح حتى الآن في القضاء على هذه الآفة التي تنخر اقتصاده. وتأتي الرشوة على رأس مظاهر الفساد في البلاد، إذ تصنف المنظمات الدولية المغرب في مرتبة متقدمة من حيث تفشي هذا الداء في إداراته ومؤسساته، ويتزامن هذا مع تسليط الأضواء على بعض عمليات تبييض الأموال وأنشطة تهريب المخدرات، تورط فيها مسؤولون أمنيون كبار بمن فيهم مدير أمن القصور الملكية الذي يقضي عقوبة بالسجن بعد إدانته بالمتاجرة في المخدرات .

وقد سبق لبعض هذه القضايا أن وصل إلى مجلس النواب وأسست من اجلها لجان للتقصي كشفت عن وجود اختلاسات مالية في المؤسسات المعنية. كما قامت الحكومة بدراسة بعض هذه الملفات، وقررت إحالة بعضها على القضاء. وتعدت فضائح الفساد المؤسسات العمومية عندما وصلت إلى المؤسسات المنتخبة، فلأول مرة في تاريخ انتخاب أعضاء الغرفة الثانية للبرلمان المغربي، تفجرت سنة 2006 قضية الفساد في انتخابات أعضاء هذه الغرفة، وتمت مقاضاة العديد من النواب البرلمانيين، بعد ثبوت تورطهم في قضايا الفساد الانتخابي.

الجزء الظاهر من جبل الثلج

فقراء المغرب، الصورة أ.ب
الأسر الفقيرة ضحايا الفساد وغياب الخدمات...

​​

لكن، هل قضت هذه المحاكمات على آفة الفساد المالي والإداري؟ أو هل أعادت إلى خزينة الدولة ما نهب من أموال عمومية؟ إن استمرار تفجر فضائح الفساد في المغرب يعنى أن الظاهرة مازلت تنخر اقتصاد البلد في صمت، وحسب الهيئات المدنية التي تعني بالدفاع عن المال العام فإن الملفات التي عرضت أو تلك التي مازالت معروضة على القضاء لا تمثل سوى الجزء الظاهر من جبل الثلج. أما الأموال المنهوبة خلال نصف قرن من استقلال المغرب فيصعب على هذه الهيئات تقديرها في غياب وجود إحصائيات دقيقة حولها.

وحسب الهيئة الوطنية لحماية المال العام بالمغرب، وهي هيئة مستقلة، ونسبة إلى تقرير أمريكي، فإن حوالي 854 مليار دولار قد تم تهريبها من القارة السمراء نحو الخارج بأشكال مختلفة، طوال المدة الفاصلة بين 1971 و2008، ويتصدر المغرب قائمة الدول المغاربية التي تم استنزاف ثرواتها النقدية إلى أوربا بالتحديد(34الف مليار سنتيم )، أي ما يعادل 30 مليار دولار تسببت في فقدان المغرب ما لا يقل عن 56 في المائة من ناتجه الداخلي الإجمالي الخام.

لذلك لم يكن مستغربا أنه عندما التأمت القمة الأوروبية المغربية الأولى في غرناطة باسبانيا العام الماضي على إثر نيل المغرب صفة الشريك المتقدم، كان على رأس الموضوعات التي نوقشت في تلك القمة موضوع إصلاح القضاء ومكافحة انتشار الفساد في المجتمع المغربي. مما يعني أن ملفّ الفساد بات يوجد اليوم في قلْـب العلاقات بين المغرب وشريكه الرئيسي الإتحاد الأوروبي.

ويرى المراقبون المتتبعون لتطور علاقات المغرب مع أوروبا أن إصلاح القضاء المغربي ومنحه ضمانات الاستقلال والنزاهة، يشكلان المدخَـل الأفضل لمكافحة الفساد. وحسب تقارير متطابقة فإن استشراء الفساد يكلِّـف بلدا مثل المغرب خسارة تُقدر بنقطتيْـن إلى ثلاث نقاط من نمُـوه، الذي لا يتعدى في أحسن الأعوام 5 في المائة. مما بات يعني للمسؤولين في المغرب أن تحقيق نسبة نمو مرتفعة مرتبط أيضا بمدى جدية السلطات في التصدي لظاهرة الفساد التي تعطل كل مخططات التمنية الطموحة.

علي أنوزلا
مراجعة: منصف السليمي
حقوق النشر: دويتشه فيله 2010

قنطرة

الرشوة
الديموقراطية ومكافحة الفساد في البلاد العربية
الصورة: أ ب تعاني شرائح واسعة من الناس في المجتمعات العربية من مشكلة الرشوة التي تعد جزءً لا يتجزأ من أزمة الديموقراطية. تحليل مارتينا صبرا

مقابلة مع مليكة زغال حول انتخابات المغرب:
لن تحصل تغييرات ذات أهمية!
الباحثة في العلوم السياسية مليكة زغال يجري في السابع من شهر أيلول/سبتمبر انتخاب برلمان جديد في المغرب. ما الذي يمكن أن يتغيَّر في حال تمكّنت القوى الإسلاموية - مثلما تشير التكهّنات - من زيادة قوّتها؟ مارتينا صبرا تحدّثت حول ذلك مع الباحثة في العلوم السياسية مليكة زغال.

"رسائل إلى شاب مغربي":
18 كاتباً ....18 رسالة... 18 حكاية
في ضوء الظروف الحياتية الصعبة التي يعيشها الكثير من أبناء المغرب عمد الكاتب المغربي عبد الله طايع الذي يعيش في باريس إلى حث ثمانية عشر كاتباً مغربياً إلى أن يكتب كلٌ منهم رسالة مفتوحة إلى مواطنيه. هذه الرسائل نشرت الآن في كتاب بعنوان "رسائل إلى شاب مغربي". كيرستن كنيب يعرفنا بهذه المجموعة من الرسائل.