"الذئب وما أخفى".... ديوان نسجه التونسي يوسف رزوقة من وجع الواقع

في ديوانه الجديد "الذئب وما أخفى"، نسج الشاعر التونسي يوسف رزوقة من وجع الواقع قصائد تقتفي آثار الروح الهائمة في بئر الحقيقة والمجاز ليقول بأسلوب شديد التميز إنه لا جدوى من خلاص الإنسان ما دام لكل زمن ”ذئب.. وأخوة ليوسف".

يرصد رزوقة في الديوان آلام الوطن وهموم المواطنة وما آلت إليه الأوضاع في العالم العربي بعد أن تشظت الأحلام وتناثرت على قسمات التيه وسراديب الأوهام وقد صار أمل الربيع ألما فظيعا. ويقتفي في تعبيراته أثر تراكيب لغوية وقصص ورد ذكرها في القرآن الكريم ومن أبرزها قصة يوسف.

وعلى الغلاف الأخير للكتاب يقول يوسف رزوقة في أبيات شعرية "هو نفسه الدرب الذي أفضى إلى بئر الحقيقة والمجاز/ ولا مفر لإخوتي متساكني الأرض الجديدة من خطاي/ سأقتفي آثارهم/ أفهم الجناة -وقد رموا في البئر يوسف- فانتهى أعمى أبوه/ وقيل إن الذئب جيء به فأنكر أن تكون له يد وبكى/ فلم يصمد دم في حمضه النووي وارتجف القميص".

الديوان الذي صدر عن دار زينب للنشر والتوزيع فيه فصل بعنوان (في هجاء الدستوبيا) يضم 25 قصيدة وفيه فصل بعنوان (انسياب حول كتلة) إضافة إلى بطاقات شعرية سريعة بعنوان "بطاقات رمادية".

تحمل المقدمة عنوان (نار لا يصلاها إلا الأشقى) وفيها يقول رزوقة ”الآن لن نحتاج إلى عقار آخر. نحن كبرنا أكثر مما يلزم. يلزمنا لنعيش قليلا شيء آخر ينسينا ما نحن عليه وفيه من اشمئزاز. فلنلعب! هيا نلعب! فالعالم في ادلهمام تام.. حيث نظرت ترى الغربان تغطي الشمس. تعملقت الغربان هنا، في القرية.. حتى صار الأسود لونا خفاقا لا تخطئه عين“.

وتعكس قصائد الديوان الحالة النفسية القلقة للشاعر فتأتي تارة ثائرة فتنتفض الكلمات ثائرة في وجه ”أعداء الأوطان“.

وعلى نهج النسج القرآني "لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى" أطلق رزوقة على إحدى قصائد الديوان (لا تقربوا وطني وأنتم مجرمون) ويقول ”بالحبر، حين يشع، من سبابتي فوسفوره، أشهدت أعدائي على حبي له ودمغت، بالختم الندي، وصيتي، لا تقربوا وطني وأنتم تضمرون له الأذى.. لا تقربوا وطنا وأنتم مجرمون، بل اتقوه يكن لكم وطنا كأجمل ما يكون“.

ويهرب رزوقة من خبث الزمان والمكان إلى الشعر به، يعوذ وإليه يلوذ ليسمو بعيدا متعاليا عن الواقع الرديء لكن تبقى حالة اللا يقين تلاحقه.

في قصيدة (الشعر يعلو) يقول "والشعر يعلو../ لا ترى إلا الخريطة تحته/ ألماسها نهبته في ليلها يد/ تمساحها قتلته في ليلها يد/ إنسانها حيوانها/ لا خير يرجى منه لا يردى غد/ انتهت السماء، الأرض انشلت، بلا شلل، يد/ خبث الزمان/ ومن هنا/ خبث المكان بكل محتوياته/ خبث المكان/ فلا ربيع لشاعر باق على قيد الربيع".

ويضيف ”خبث المكان/ بحيث لا نواب للشعب الكريم عدا الرويبضة-اللصوص/ بحيث لا إنسان في الأرض الرديئة لا أمان هنا، هناك ولا مجرد قارئ لي أو لهولدرلين/ لا امرأة لرجل ولا رجل لامرأة/ فقط مشروع جمجمتين في قبريهما“.

وفي قصيدة أخرى بعنوان (فليرحل الشعر إذا!) يقول ”زمن الشعر انتهى/ ليس غريبا أن نرى الشعر غريبا/ ساقطا من قمة فيه/ إلى سفح الهنا والآن“.

وينتقد الشاعر الواقع الذي سارت إليه البلدان العربية في قصيدة ( لنرى الأسوأ عشنا). يقول ”نحن عشنا/ لنرى الأنفس ما بين رهاب ورهاب، وهي في ديخوخة تنشد أمنا../ لنرى الأسوأ، عشنا/ لنرى الأسوأ فالأسوأ عشنا/ نحن عشنا لنرى من يزرع الأوهام كي نأكل زقوما وتبنا/ لنرى من باع للشيطان حصنا/ لنرى الظلمة حضنا/ لنرى من كان بالأم شجاعا وانتهى أكثر جبنا/ لنرى ترشيش سجنا/ لنرى العالم من فوق يسمِّينا بغالا وهي في واقعها أشرف منا“.

ويصف الشاعر الومضات البرقية السريعة التي ضمت 125 بطاقة بأنها حالة ”نفسية مركزة ومختزلة“.

ويقول في إحداها ”بزوال ما في البئر من خوف، ستحتفل الشعوب جميعا بزوال فزاعاتها وربما بزوالها أيضا“.

وفي الجزء الثاني من الديوان بعنوان (رشائية: الغزالة والزلزال) بث الشاعر ما اختلج في صدره من لوعة الفقد وردد أصداء النفس وترانيم الذكريات وفاء لابنته المتوفية رشا. ويقول في مقطع قصيدة ”هي لم تمت/ هي ملح ذاكرتي وياء قصيدتي/ وأنا بحكم قصيدتي العمياء لم أرها بعين أب فقط“.

ويقول يوسف رزوقة لرويترز إن ديوانه الجديد ”حيرة شاعر وغضب شاعر وخروج عن المألوف شكلا، وطموح أن يصحبها المضمون. وهو صرخة وإعلان طوارئ ضد المظاهر السلبية وما آلت إليه أوضاع الأوطان. ولوحة شعرية ترسم أوجاع الهنا والآن“.

وأضاف أن ديوانه ”نوع من التشخيص النقدي والمعالجة الفنية لواقع متدهور وكثير من الأدواء وتشظي القيم وتلاشي الأحلام“.

ويصف رزوقة اختياره لعنوان (الذئب وما أخفى) بأنه ”خروج عن المتداول المعروف بالاحتكام إلى قصة يوسف وإخوته ورمزية البئر والتيه والضياع والبحث عن الطريق السالكة“.

وعن أسلوبه في الديوان قال إنه اعتمد "التسريد الشعري" أي أن قصائده ”موزونة من الألف إلى الياء لكن من غير أن ينتبه الآخرون إلى أنها موزونة“.

وعن ذلك يقول الشاعر والناقد التونسي وليد الفرشيشي ”يوسف رزوقة يجوس بنا في مفازات تقنية رهيبة.. تسريد الشعر.. ناسفا الحاجز الوهمي بين التفعيلة والسرد. نحن أمام حقيقة: الإيقاع لا يموت“.

ويوسف رزوقة شاعر وروائي وناقد تونسي ولد عام 1957 بقصور الساف في محافظة المهدية، وهو غزير الإنتاج ونشرت له دواوين منذ سبعينات القرن الماضي أبرزها (أمتاز عليك بأحزاني) و(برنامج وردة) و(اسكرلاب يوسف المسافر) و(الذئب في العبارة) و(بلاد ما بين اليدين) و(أزهار ثاني أوكسيد التاريخ) و(إعلان حالة الطوارئ) و(يوغانا) و(أرض الصفر) و(الفراشة والديناميت).

وصدرت له أيضا روايات (الأرخبيل) و(مسمار تشيخوف) و(وداعا براءة العالم) و(ريمامو).

وله مؤلفات بلغات أجنبية منها الفرنسية والإسبانية والبرتغالية وترجمت أعماله إلى عدة لغات ونال جوائز أدبية وثقافية عديدة. (رويترز)