حظر النقاب في فرنسا...إقصاء للمحجبات الفاعلات في أوروبا

بعد تأييد محكمة حقوق الإنسان الأوروبية لفرنسا في شأنها الداخلي بحظر البرقع والنقاب تحذر الصحفية الألمانية أورسولا روسمان، في تحليلها التالي لموقع قنطرة، من عواقب ذلك على المسلمات المحجبات إجمالا في أوروبا . فحظر النقاب يفاقم من دفع المسلمات المحجبات أيضا إلى هامش المجتمع الأوروبي، وخاصة في مجال العمل، رغم أنهن يشكلن جسرا بين المجتمع العلماني والديني.

الكاتب، الكاتبة : Ursula Rüssmann

لا يمكن في ألمانيا تصوّر التدخّلات الحكومية في الحرية الدينية، على غرار ما يسمح به القانون الفرنسي العلماني (اللائكي) من تدخّلات. إذ إنَّ قانوننا الأساسي (الدستور الألماني) يُنظم علاقة الدولة مع الطوائف والمجموعات الدينية باعتبارها علاقة حياد تعاونية. ولذلك توجد لدينا دروس للتربية الدينية في المدارس العامة، وضريبة للكنائس (تتم جبايتها من المنتسبين إلى الكنائس) وكذلك أقسام للرعاية الروحية في الجيش والجامعات والمستشفيات، وأكثر من ذلك بكثير.

ولكن يجب على المرء ألاَّ يستحسن ذلك في كلّ تفاصيله، خاصة وأنَّ الكنائس المسيحية هي التي تستفيد عمليًا من المزايا العديدة أكثر بكثير من غيرها - ولذلك فإنَّ المسلمين يُلحُّون باستمرار وعن حقّ على المساواة في المعاملة. ولكن لقد أثبت النموذج الألماني كفاءته من حيث المبدأ. وذلك لأنَّه يخلق تجاورًا متنوِّعًا، وبعبارة أخرى: لأنَّه يعمل على إدخال مختلف الأفكار ووجهات النظر العالمية. وخير مثال على ذلك مادة التربية الدينية في المدارس الحكومية، التي بات يتم تقديمها أخيرًا للمسلمين أيضًا.

"تدريس التربية الإسلامية ...نقلة نوعية"

لم يعد هناك مَنْ يشك بشكل جاد في أنَّ تدريس مادة التربية الإسلامية مرتبط مع نقلة نوعية في سياسة الاندماج الألمانية، ستظهر ثمارها بشكل أوضح في الأعوام القليلة القادمة - بالمقارنة مع وجود المساجد المنعزلة في الأفنية الخلفية. وخير مثال أيضًا مباني المساجد، التي بات يمكن بناؤها في ألمانيا دائمًا وعلى نحو متزايد من دون معاداة كبيرة.

إنَّ مَنْ يفهم ذلك، يعرف أنَّ مثل هذا الحظر الشامل المفروض على النقاب -والمعروف في فرنسا منذ عام 2010- لن يحدث في ألمانيا. وهذا أمر جيد أيضًا، وذلك لأنَّ ماضينا النازي يحرِّم علينا وسم جماعات دينية بعينها وسمًا سلبيًا من جانب الدولة إلى هذه الدرجة.

من المعروف أنَّه لا يوجد في ألمانيا أيضًا أي تجمع ديمقراطي يدعو بشكل جاد إلى فرض حظر كامل على النقاب، وأنَّ مَنْ يفعل ذلك هم فقط الشعوبيون والمتطرِّفون على هامش الأوساط اليمينية. وحتى لو حدث ذلك فإنَّه لن ينتهي بنجاح أمام المحكمة الدستورية الاتّحادية. والقرار الصادر عن محكمة حقوق الإنسان الأوروبية لا يغيِّر أي شيء في ذلك أيضًا: إذ إنَّه لم يحظر على العموم ارتداء النقاب، بل لقد منح فقط الحكومة الفرنسية الحقّ في فعل ذلك - وبهذا فقد منحها حقّ اتّباع مبادئها الجمهورية العلمانية (اللائكية). 

Kopftuchträgerin vor Richtern des Bundesgerichtshofs; Foto: dpa
غالبية المسلمين في ألمانيا ينظرون إلى النقاب نظرة غريبة بل ويرفضونه أيضًا. ويرتبط هذا أيضًا بالجدالات الشديدة جزئيًا داخل المجموعات المسلمة حول المذهب الصحيح.

ولكن على الرغم من ذلك فإنَّ الحكم الصادر عن هذه المحكمة في مدينة ستراسبورغ الفرنسية لا يمكن أن يمر من دون المساس بنا، ذلك لأنَّه سينتشر ويكون له تأثير واسع، خاصة وأنَّ هذه المحكمة قد أصدرت بشكل غير مباشر ومن دون شكّ حكمًا تقييميًا سلبيًا حول النقاب. وكانت حجتها أنَّه من خلال إخفاء الوجه يتم خلق حاجز، يضرّ بهدف التعايش في المجتمع. وهذا يأتي من دون شكّ في الوقت المناسب للأوساط اليمينية المهتمة هنا في ألمانيا، من أجل إثارة الأحقاد والفتن ضدّ المسلمين بشكل عام.

"غالبية المسلمين في ألمانيا ترفض النقاب"

أمَّا أنَّ لا أحد غيرهم يريد ذلك، فهذا أمر واضح. ولكن مع ذلك إنَّ مَنْ يترك الأمر الآن على ما هو عليه من دون التنديد بالقضاة، لأنَّهم انتهكوا الحرية الدينية للنساء المنقبات وحوّلوا أنفسهم إلى مانحي أفكار للحملات الشعبوية اليمينية، فهو لا يبالي ويستخف كثيرًا بهذا الأمر. وكذلك يَسكُت عن الأسئلة المربكة، التي من الممكن أن تثيرها الآن رؤية امرأة منتقبة: هل ترتدي هذا النقاب عن طيب خاطر؟ وهل سيتعيَّن على ابنتها أيضًا ارتداؤه؟ وسيتجاهل بذلك عدم التجانس المشحون بتوتّرات في كثير من المجتمعات المسلمة.

إنَّ غالبية المسلمين هنا في ألمانيا (وكذلك المؤمنين منهم) لا ينظرون إلى النقاب نظرة غريبة فقط، بل هم يرفضونه أيضًا. ويرتبط هذا أيضًا بالجدالات الشديدة جزئيًا داخل المجموعات المسلمة حول المذهب الصحيح. وفي بعض الأحيان لا يتعرَّض فقط المسلمين اليبراليين، بل كذلك المحافظين-المعتدلين، لهجمات عنيفة ومحاولات ترهيب من جانب الأوساط الأصولية والسلفية (التي غالبًا ما تفضّل التشدّد في اللباس). وهنا تدور في داخل الإسلام نزاعات على السلطة وسيادة التفسير، لا تلاحظها أغلبية المجتمع. وبالتالي فإنَّ قوى المسلمين المحافظين-المعتدلين بحاجة ماسة إلى الدعم. ولكن العكس هو ما يحدث مع الأسف وتجري الرياح بما لا تشتهي السفن. 

تلميذات مسلمات في صف مدرسي. Foto: dpa
"الكثير من النساء المحجّبات بحجاب يكشف الوجه لن يُقْدمْنَ أبدًا على ارتداء النقاب أو البرقع. وهؤلاء النساء لا يرغبن على وجه التحديد في عزل أنفسهن عن دينهن. ولكن يتم تهميشهن بالذات من قبل الدولة، وذلك من خلال الحظر المفروض على الحجاب في العديد من الولايات الألمانية (في مجال ممارسة العمل)" كما تقول أورسولا روسمان.

إذ يوجد من بين هؤلاء المسلمين، الذين لن يُقْدموا أبدًا على ارتداء النقاب أو البرقع، الكثير من النساء المحجّبات بحجاب يكشف الوجه. وهؤلاء النساء لا يرغبن على وجه التحديد في عزل أنفسهن عن دينهن. ولكن يتم تهميشهن بالذات من قبل الدولة، وذلك من خلال الحظر المفروض على الحجاب في العديد من الولايات الألمانية (في مجال ممارسة العمل). فهُنّ محرومات من ممارسة مهنة التدريس والوظائف الأخرى في قطاع الخدمات العامة، ومنذ فترة طويلة بات لوصمة العار هذه تأثير على القطاع الخاص: فكثيرًا ما تفشل المسلمة المحجبة دون غيرها عند تقديم طلبات عمل.

"الحظر لا يجوز"

وتشكو من ذلك بصورة متزايدة أيضًا مصادر محايدة مثل المركز الاتّحادي لمكافحة التمييز. إذ يتم من خلال ذلك دفع هؤلاء المسلمات بالذات إلى الهامش - على الرغم من أنَّهن من الممكن أن يشكّلن جسرًا بين المجتمع العلماني والديني، وبعضهن مشغولات كثيرًا بأنفسهن. فيا له من خطأ فادح، ويا لها من إضاعة فرص! فعلى سبيل المثال من الممكن من دون شكّ لمعلمة سباحة محجبة، ترتدي البوركيني، أن تقنع الآباء المسلمين -أكثر مما تحقّق ذلك حتى الآن- بأنَّ السباحة جيدة لبناتهم.

يجب أن يكون الاعتقاد بسيادة القانون هدف الجميع، ولكن لا يمكن إجبارهم على تبنّي هذا الهدف من خلال إصدار أحكام وقوانين تحدّد اللباس. وواجبنا الاجتماعي هو كسب الناس لصالح قيمنا - وهذا يحتاج إلى فرص للتعليم والتنوير والعمل في رعاية الشباب والأسرة. ولا يحتاج إلى فرض حظر على النقاب - ولا يجوز أولاً وبكلّ تأكيد الاستمرار في فرض قوانين تحظر الحجاب.

 

أورسولا روسمان

ترجمة: رائد الباش

تحرير: علي المخلافي

حقوق النشر: قنطرة 2014