"المتاحف الألمانية جسور تواصل مع الحضارة الإسلامية"

يحتوي عدد من المتاحف الألمانية على عدد كبير من الكنوز وقطع الآثار التي تحكي قصة الحضارة الإسلامية عبر عدد كبير من العصور والأزمنة. هذه المتاحف تقيم علاقات تعاون مع عدد كبير من المتاحف الوطنية في عدد من البلدان الإسلامية، بالإضافة إلى التبادل العلمي حول المكتشفات الأثرية. أريانا ميرزا في حوار حول هذا الموضوع مع كلاوس بيتر هازة، مدير المتحف الإسلامي في برلين.

كلاوس بيتر هازة، مدير المتحف الإسلامي في برلين، الصورة شتيفان شميت
"على الرغم من بعض المعوقات السياسية، إلا أن التعاون مع المتاحف العربية يسير بشكل جيد"

​​ دارت في الأعوام الأخيرة نزاعات شديدة حول حقوق ملكية المكتشفات الأثرية، فهل يمس هذا الأمر أيضًا المتاحف الألمانية مثل متحف بيرغامون في برلين؟

كلاوس بيتر هازة: لا بد من النظر إلى هذا الموضوع بشكل نسبي. فهذه حالات منفردة لا تثير في الأصل الانتباه على الإطلاق بالمقارنة مع حجم المعروضات الكبير والتي تعتبر الآن من أملاك متحف عالمي. ولنأخذ مثلاً تركيا - فعلى الرغم من أنَّ وسائل الإعلام تولي اهتمامًا كبيرًا للمعروضات التي أخذت من المناطق التي كانت تابعة للدولة العثمانية؛ إلاَّ أنَّه يجب القول إنَّ هذا الجدال ينطلق خاصة في تركيا من مبادرات أغلبها شخصية. وحتى الآن لم تتوجّه الحكومة التركية بصورة رسمية إلى متاحف الدولة في برلين إلاَّ في حالات قليلة جدًا. وهذه الحالات ربما لا تتجاوز ثلاثة أو أربعة استفسارات، كما أنَّها لم تكن تتعلَّق بمذبح بيرغامون ولا بأي من المعروضات الرائعة. وعلى كلِّ حال لا توجد حتى الآن طلبات استعادة مباشرة، بل مجرَّد استفسارات. وكذلك يُطلب منّا إثبات أنَّ المعروضات المعنية موجودة في برلين بصورة شرعية.

على العموم كيف تجري الاتصالات مع البلدان الإسلامية؟ وعلى سبيل المثال ما مدى عمل المتاحف التركية وتعاونها مع متحف بيرغامون؟

هازة: هناك لقاءات للخبراء على جميع المستويات، فعلى سبيل المثال، مديرو المتاحف والمجموعات الأثرية الموجودة هناك ومدير المتحف التاريخي في إسطنبول يعرفون بعضهم بعضًا معرفة جيدة جدًا، كما أنَّ هناك مشاريع مشتركة. وعلى سبيل المثال تتم مقارنة القطع وتحديد وجودها ضمن المجموعات. وفي عمليات التنقيب التي كانت تجرى في القرن العشرين كان يوجد تقسيم رسمي للمكتشفات، وهذا يعني أنَّ القائمين على أعمال التنقيب - وفي هذه الحالة الجانب البرليني أو الجامعات الألمانية - كانوا يحصلون على قسم من المكتشفات وكانوا يرسلون حصصهم من هذه المكتشفات بصورة رسمية إلى المتاحف البرلينية. وكان القسم الآخر يبقى في إسطنبول وقد وصل هناك إلى متحف الآثار. وهكذا فإنَّ الصلات المرتبطة بالمكتشفات على قدر عالٍ من الأهمية وفي هذا الصدد يتعاون المرء - مثلما أسمع - بشكل غير معقّد. ونحن من متحف الفنون الإسلامية نتعاون حاليًا مع الجهات التركية، من أجل التحضير لمعرض "البرويسيين وتركيا" الذي نخطِّط لإقامته في العام المقبل. وفي ذلك تعتبر سراي توبكابي "Topkapi Serail" وسراي دولمابهجي "Dolmabahçe Serail" في إسطنبول شركاءنا المباشرين وهذا التعاون يسير بشكل مريح للغاية.

كيف تبدو في الوقت الراهن الاتصالات مع المتاحف الإيرانية والعراقية؟ وهل تؤثِّر الأوضاع السياسية على إمكانيات التعاون؟

احد الأعمال الحفرية في سوريا
قد يكون التنقيب في التاريخ عاملا مهما في التقارب الحضاري في أيامنا هذه

​​ هازة: لا توجد في كلا الحالتين - مع إيران والعراق - أي مشكلات يمكن لها أن تعيق أي شكل من أشكال العمل الثقافي. ولا شكّ أن الظروف الصعبة التي يمر بها العراق من شأنها ان تعقد استعارة معروضات من المتحف الوطني في بغداد لأسباب تقنية. وما تزال قطع المتحف الوطني في بغداد مخزونة في المستودعات ومؤمَّنة بشكل شديد. وإخراج هذه المعروضات والقطع الأثرية من مخازنها الآمنة في ظل هذه الظروف أمر فيه الكثير من الخطورة. وحتى الآن لم تتم أيضًا إعادة تجهيز وتنظيم متحف بغداد باستثناء بعض المعروضات والقطع الكبيرة جدًا؛ كما أنَّني عاينته قبل عامين وشاهدت هناك هذه المعروضات الكبيرة التي تم ترميمها على أفضل وجه بعد الذي لحقها من آثار الحرب. وقد كان هذا أمرًا مثيرًا جدًا للإعجاب والدهشة.

ولا توجد فيما يتعلَّق بإيران أي خلافات. وبحسب تقديري فإنَّ مشهد المتاحف في إيران لا يشهد بالضرورة في الفترة الراهنة ازدهارا. ولكن على الرغم من ذلك فإنَّ السفارة الإيرانية تقدِّم لنا عروضًا مختلفة. غير أنَّ هذه العروض هي في الغالب موضوعات إسلامية خاصة جدًا من نوعها، الأمر الذي لا يستطيع جمهورنا هضمه واستيعابه بسهولة. أو على الأرجح هناك أسباب ثانوية لعدم تكثيف التعاون والعمل المشترك حتى الآن. ولكنَّنا على اتِّصال مع السفارة الإيرانية وقد تمت أيضًا إقامة العديد من الفعاليات المشتركة في المتاحف.

كيف يبدو إذن الوضع القانوني عندما يتم العثور في يومنا هذا على مكتشفات أثرية؟

هازة: لم يعد المرء يستطيع في العادة إلاَّ استعارة القطع المكتشفة لأغراض البحث، بحيث من الممكن فحص المكتشفات هنا في برلين، ولكن يجب إعادتها مرَّة أخرى إلى البلد الأصلي الذي تم اكتشافها فيه. وقد تم إقرار ذلك منذ بضعة أعوام في قوانين الآثار. وفي الحقيقة هذا ليس في صالح أعمال البحث، إذا أخذنا بعين الاعتبار أنَّ ظروف البحث ما تزال في بعض البلدان بالذات غير مثالية بما فيه الكفاية - ولنأخذ مثلاً سوريا. فهناك لا توجد حتى الآن مختبرات يمكن فيها فحص شيء ما، ومن ناحية يتعسَّر كثيرًا تنظيم عملية الاستعارة لأغراض البحث. ومن ناحية أخرى تزخر من دون شكّ مخازن المتاحف الوطنية في هذه البلدان بالمكتشفات الأثرية.

هل تستطيع توضيح ذلك بشكل أقرب؟

زائر في  المتحف الإسلامي في برلين
يحتضن المتحف الإسلامي في برلين مجموعة كبيرة من الآثار الإسلامية

​​ هازة : المعيار الحاسم والمهم هو شكل وجودة المخزن الخاص بمتحف ما. ومن خلال ذلك يتعرَّف المرء على مدى التعامل بجدية مع مجموعات المكتشفات والقطع الأثرية وإجراء الأبحاث عليها. وعندما يكون المستودع مليء أكثر من طاقته فعندئذ لا يجري التنظيم والعمل بما فيه الكفاية. ولا يهم في حوزة مَنْ تكون المكتشفات والقطع الأثرية. ولكن المهم هو أن تكون هذه المكتشفات متيسِّرة لأغراض البحث وأن يتم أيضًا اختيار ما يمكن أن يكون جميلاً أو جذَّابًا جدًا على المستوى التاريخي الثقافي، بحيث يجب عندئذ على المرء عرضه.

لقد ذكرت مثال سوريا. فهل تتكوَّن فرق المنقِّبين عن الآثار العاملة في يومنا هذا هناك فقط من سوريين أم أنَّه ما يزال يوجد هناك منقِّبون ألمان مثل ذي قبل؟

هازة: نعم، سوريا تعتبر "إلدورادو"- مكان أسطوري يحتوي على ثروات ما تزال مجهولة- بالنسبة لعلم الآثار، حيث يوجد فيها بحسب اعتقادي نحو مائة إرسالية من علماء الآثار الأجانب، بالإضافة إلى العلماء السوريين. وفي الحقيقة تجرى في سوريا الكثير من عمليات البحث والتنقيب وإتمام هذه الحفريات متعب جدًا بالنسبة للزملاء السوريين بالذات. فهم لا يستطيعون بطبيعة الحال إنجاز ذلك وحدهم، لذلك نعرض عليهم مرارًا وتكرارًا المساعدة، ولكن ليس من السهل دائمًا إقناعهم بأنَّ هذه العروض هي من باب المساعدة وليست دعاية أو استعلاء واستكبارًا.

لقد تحدَّثت قبل قليل عن مجموعات من المكتشفات والقطع الأثرية مخزونة في المستودعات. فهل يوجد اهتمام لدى باحثين من دول إسلامية بمخازن المتحف الإسلامي في برلين؟

أحد الأعمال في المتحف الإسلامي في برلين
يركز المتحف على أعمال وموجودات من الشرق الأدنى وإيران

​​ هازة: نعم من دون شك؛ حيث كان لدينا هنا على سبيل المثال قبل فترة قريبة باحثون باكستانيون كانوا يجرون أبحاثًا حول قطع أثرية أصلها من إيران ووسط آسيا. وكذلك كان لدينا هنا العديد من الزملاء العراقيين الذين تمت دعوتهم من قبل المعهد الألماني لعلوم الآثار. ونحن بالذات لا نستطيع تقديم دعوات. ولا توجد لدينا ميزانية لاستضافة العلماء الزائرين. ومع الأسف لا بد من الإشارة إلى ذلك. ولكنَّنا نسعى دائمًا، عندما نسمع عن وجود زملاء مهتمين هنا في البلاد، إلى الاتِّصال بهم وبطبيعة الحال ننجح أيضًا في ذلك.

ومن تركيا يرتبط معنا تقليديًا الكثير جدًا من الزملاء. وهم يعرفون المتحف الإسلامي خير معرفة، ويتم الاطلاع والتعرّف عليه في بلدان أخرى بصورة تدريجية؛ وقد ساهم في ذلك أيضًا مشروع عملنا فيه سوية بالتعاون مع الكثيرين من العلماء القادمين من العالم الإسلامي. وكذلك يفتح موقع الانترنت اكتشف الفن الإسلامي "Discover Islamic Art" إمكانيات السفر بصريًا عبر العالم الإسلامي. ومن الممكن هناك مشاهدة ثلاثة آلاف معروضة ومبنًى موصوفة ومنظمة تنظيمًا تاريخيًا. زد على ذلك أنَّ بإمكان المرء التعرّف على أصل المعروضات الموجودة في متاحف مختلفة ومن أي مناطق جاءت بالتحديد ولأي سياق معماري تنتمي. وموقع الانترنت هذا عمل رائع قمنا بوضعه موضع التنفيذ بالتعاون مع باحثين من الدول الإسلامية.

أجرت الحوار: أريانا ميرزا
ترجمة: رائد الباش
قنطرة 2008

قنطرة

منتدى للتعاون بين علماء آثار فلسطينيين وإسرائيليين:
كنوز التاريخ إرث جماعي مشترك
على الرغم من المفاوضات السياسية المتعثرة في الشرق الأوسط اتفق علماء آثار إسرائيليون وفلسطينيون على تأسيس منتدى خاص بعمليات التنقيب على الجانبين ، إضافة إلى استعداد علماء الآثار الإسرائيليين بعد اتفاقية سلام إعادة الآثار التي اكتشفت أثناء التنقيب في المناطق الفلسطينية المحتلة منذ 1967 وتسليمها للفلسطينيين. جوزيف كرواتورو يستعرض هذه المبادرة.

غاليري "أرت نوي لاند" في برلين:
ثلاث ثقافات تحت سقف واحد
في فناء خلفي لبناية في برلين إفتتحت الفنانة الإسرائيلية ياعيل كاتس بن شالوم م غاليري "آرت نوي لاند" الذي يضم أعمال فيديو وتصوير ضوئي تستهدف من ورائها تشجيع الحوار الفلسطيني ـ الإسرائيلي في ألمانيا. تقرير من ايغال أفيدان.

من الكهوف البدائية إلى مملكة الأنباط وقصور الأمويين:
"تاريخ الشرق: عشرة آلاف عام من الفن والحضارة في الأردن"
معرض الآثار الأردنية الذي أحرز في برلين نجاحًا باهرًا، إذ بلغ عدد زواره حولي خمسة وخمسين ألف زائر، في فترة عشرة أسابيع فقط، انتقل الآن إلى مدينة بون. تقرير مارتينا صبرا.