ذكريات الحب تنجو في رواية "من بلاد الرجال"

صدرت الطبعة العربية لرواية "في بلد الرجال" للكاتب الليبي المعروف هشام مطر، التي لقيت ترحيباً عالمياً باعتبارها عملاً أدبياً من ألمع ما صدر في السنوات الحديث.

عن دار الشروق المصرية، صدرت الترجمة العربية لرواية «في بلد الرجال» للكاتب والروائي الليبي المقيم بلندن، هشام مطر، من ترجمة محمد عبد النبي، ومراجعة أحمد شافعي.

على خلفية حكم العقيد معمر القذافي لليبيا، يكتب الروائي الليبي هشام مطر هذه الرواية المغرقة في إنسانيتها، تعتصر القلب وتثير الشجون، بلغة مكثفة شديدة الرهافة والحساسية، ليحكي لنا عن واقع أسود قاتم في بلد رحب كامتداد صحرائه وطول سواحله، لكنه محاصر بضيق الأفق ووأد الحريات، وأحداث كئيبة تعاينها أسرة ليبية يختفي عائلها تحت وطأة القمع والاستبداد، هكذا يصور مطر كيف تعيش ذكريات الحب في بلد الرجال.

على قنطرة بين عالمين متناقضين، عاش بطل حكايات الرواية، الطفل (سليمان) صاحب السنوات التسع الذي كانه الراوي، بين عالم الطفولة، والبيت الجميل والأصدقاء الصغار، ونغمات السلّم الموسيقي التي يعزفها على البيانو، وعالم العمل السياسي «السري» المشحون بالهمسات والمخاوف، والمراقبين الأمنيين المنتظرين لعودة الأب كي يختطفوه إلى المجهول.

"في بلاد الرجال": لذة مؤثرة وسخرية تتغلغل في القسوة الإنسانية

ويتتبع الراوي أيضا مصير أستاذه ومعلمه الشخصي رشيد، فالسلطات تعرض محاكمة الأخير علنًا على التليفزيون، كي ترى الجماهير «الخونة»، وتسمع اعترافاتهم «المنزوعة تحت التعذيب طبعًا»، وتكون خاتمة أستاذ الفنون المأساوية أيضًا علانية؛ إذ يُنفذ فيه حكم الإعدام على الهواء مباشرة، في ملعب كرة سلة وسط حضور جماهير متحمسة للقصاص من أحد «أعداء ثورة الفاتح العظيم».

تصور الرواية تعابير الرجل في ساعته الأخيرة، وتلتقط عينا الصغير أمورًا غابت عن الكبار ومن تابعوا المشهد: رعشات الأستاذ رشيد، وبقعة البول في سرواله، والمتعلقين بقدميه بعد تنفيذ الشنق.

ورغم نفيه مرارًا، أي ربط بين أحداث روايته ووقائع سيرته الذاتية، فإن القارئ المدقق لـ«في بلد الرجال» لهشام مطر، لن يعدم صلات تربط بين شخصية الأب في الرواية، وشخصية أبي هشام مطر على الحقيقة، الذي كان أحد رجالات المعارضة البارزين للنظام الليبي تحت حكم القذافي، الذي لجأ إلى أسلوب الاختطاف والأسر، ليختفي والد هشام مطر من الحياة عام 1994 وينقطع أثره تمامًا، ما أثر بشدة على كل كتابات هشام مطر بعد ذلك، في روايته تلك «في بلد الرجال»، وروايته التالية «اختفاء»، وفي الرواية الجديدة قيد الصدور «العودة».

يذكر أن رواية «في بلد الرجال» وصلت إلى القائمة القصيرة لجائزة «مان بوكر» البريطانية عام 2006، وحصلت على جائزة الجارديان للعمل الأول في بريطانيا، وجائزة حلقة نقاد الكتاب الوطني في أمريكا. كما نالت العديد من الجوائز الأدبية الدولية المرموقة؛ منها: جائزة كتاب الكومونولث الخاصة بأوروبا وجنوبي آسيا، وجائزة أونداتجي، والجائزة الإيكالية بيميو فلايانو لأفضل رواية، وترجمت في بلد الرجال لما يزيد على 30 لغة، وكانت دار الشروق المصرية قد نشرت له الطبعة العربية الأولى من روايته اختفاء عام 2012.

هشام جاب الله مطر، روائي وشاعر ليبي من مواليد نيويورك 1970 لأبوين ليبيين، مقيم في لندن يكتب باللغة الإنجليزية، أمضى طفولته في طرابلس، ثم في القاهرة، وبعد أن بدأ القذافي في إجراءاته القمعية وإحكام قبضته الحديدية على البلاد، انضم أبوه إلى المعارضة ثم اعتقل 1994، ومن حينها انقطع أي أثر له.

في العشرينيات من عمره، أنهى دراسة الهندسة المعمارية في معهد "جولد سميث"، وافتتح مكتبًا للتصميمات المعمارية، لكن ميله إلى الأدب تغلب على مهنته فانصرف إلى كتابة الشعر والرواية، وعمل في غضون ذلك ممثلًا مسرحيًا وعامل بناء ومجلد كتب.

بعد عدة محاولات أدبية تمكن هشام من أن ينهي روايته الأولى «في بلد الرجال» والتي رصد فيها الحياة الليبية في نهاية السبعينيات وخاصة القمع السياسي والاجتماعي على لسان صبي صغير يعيش مع أمه. تُرجمت الرواية التي كتبت باللغة الإنجليزية إلى عدة لغات ونالت حظا من الاهتمام. عمل هشام مطر قبل نشر دار "بنجوين" لروايته، في مجالات مختلفة منها العزف على الجيتار والعمارة وتجليد الدفاتر والنحت. حاليا، يعيش هشام مطر متنقلًا بين لندن ونيويورك؛ حيث يعمل أستاذًا مندوبًا في كلية بارنارد، بجامعة كولومبيا. (المصدر: وكالات)