حكم الشريعة واعادة نظام الخلافة

"دارالإسلام" حركة تهدف إلى إقامة دولة الشريعة الإسلامية في أندونسيا. شاركت الحركة في تمردات إسلامية داخلية عدة مثلما قامت بالعديد من العمليات الإرهابية. الصحافي نور الهدى اسماعيل يكشف هنا كيفية قيام هذه الحركة باستغلال المدارس الدينية في تجنيد أعضائها.

طلاب في مدرسة إسلامية، الصورة: ماركوس كيرشغاسنر
ِعلينا في حياتنا اليومية الاعتراف بتعددية لا تتناغم مع المفهوم المتشدد للإسلام، يكتب نور الهدى اسماعيل في تقريره

​​"دارالإسلام" حركة تهدف إلى إقامة دولة الشريعة الإسلامية في أندونسيا. شاركت الحركة في تمردات إسلامية داخلية عدة مثلما قامت بالعديد من العمليات الإرهابية. الصحافي نور الهدى اسماعيل الذي كان على صلة بالحركة ثم ابتعد عنها يكشف هنا كيفية قيام هذه الحركة باستغلال المدارس الدينية في تجنيد أعضائها.

الكلمة التي تصف هدف الاسلام – اقامة دارالاسلام – هي نفسها اسم لمنظمة اندونيسية تهدف الى تحويل البلاد الى بيت تحكمه قوانين الشريعة. كطالب في إحدى أشهر المدارس الإسلامية في اندونيسيا كنت على صلة وثيقة بجماعة دارالإسلام وبفلسفتهم.

بيد انني منذ أن اخترت أن أنهج سلوك حياة اسلامية علمانية فَقَدت حركة دار الاسلام تأثيرها علي. لكنني أخشى ان يؤدي الاضطهاد العشوائي للمجموعات المنشقة عن المجموعة الى اعادة تنشيطها، والتسبب في إثارة المشاكل لأندونيسيا وللمنطقة.

هوية أحادية

بدأت دراساتي الإسلامية في 1985 وكنت حينها في الثانية عشرة من العمر. أخذني والدي الى مدرسة "المؤمن" في نجروكي، إحدى آلاف المدارس الإسلامية في البلاد. وبعد ستة أعوام من الدراسة اخترت مدرسة أخرى وامتهنت الصحافة.

ولكن العديد من زملائي الطلبة شقوا طريقاً آخر – طريقاً أكسب مدرستي شهرة: فقد اتُهم العشرات من خريجي نجروكي بالمشاركة في موجة من العمليات الارهابية ضد الغربيين في أندونيسيا في السنوات الأخيرة.

ومع ذلك، فانني إذ أتأمل في الوقت الذي قضيته في نجروكي، أدرك أن الأكثر غرابة هو أن الكثير منا لم يتحول الى التطرف. فقد اختارت المدرسة أن ترسخ رسالة واحدة من الهوية الاسلامية على حساب الباقي. كانت الرسالة المنفصلة الموجهة لنا هي أن ننتمي الى جماعة "دارالاسلام" السرية.

لم ننشد أبداً النشيد الوطني الاندونيسي، الموسيقى الوحيدة التي كنا نسمعها كانت الأناشيد الدينية العربية من مكبرات الصوت في زوايا مبنى المدرسة. وملصقات الحائط التي كانت تزين مدرستنا الداخلية كان عليها شعارات عربية مثل "عش كريماً أو مت شهيداً".

كانت الرسالة في الصفوف الدراسية أوضح. الموضوع المفضل دائما في ندوة ليلة الخميس المفتوحة هو "الإسلام المهدد". وكنا نستمع الى السورة القرآنية التي تقول أن الكفرة واليهود لن يتوقفوا عن محاربتنا حتى نترك ديننا ونتبع دينهم.

لم يكن أساتذتنا يعترفون بالدولة العلمانية في اندونيسيا، كانوا يقولون انه ليس ثمة ما يجبرنا على اطاعة القانون الاندونيسي. وكانوا يستشهدون بالقرآن، من لم يحكم بما أنزل الله فهو كافر.

لكنني تعلمت في النهاية خلال السنة الأخيرة أهمية التضامن بين المسلمين والقوة الدافعة وراء حركة الدولة الاسلامية. قال لنا أحد المعلمين، وهو خبير في الفنون العسكرية الصينية ويدعى عبد الرحيم الملقب بأبي حُسنى، إن "على المسلم أن ينتمي الى جماعة اسلامية تدعى دارالإسلام ". وقد قطع بعض الخريجين، وأنا معهم، عهداً على أنفسهم أن ينتموا الى هذه المجموعة التي هي حركة سرية هدفها اقامة الدولة الإسلامية.

وهذه الكلمة مشتقة من الكلمة العربية "دارالاسلام"، ترجمتها الحرفية "موطن الاسلام" أو "بيت الاسلام" – استنادا الى جماعة المدينة المنورة التي أسسها النبي محمد. انتجت دارالإسلام على مدى خمسة عقود حركات تشعبية وانفصالية قامت بأعمال عنف باسم الجهاد.

في الواقع يصعب تفهم الحركات الجهادية بشكل واضح ومتفهم بدون إلقاء نظرة على التطور الديناميكي والمعقد لـ"دار الإسلام ".

شاركت التجسيدات المختلفة للمجموعة في تمردات عدة منذ منتصف القرن العشرين. فقد بدأت حركة سيكاراماجي ماريجان كارتوسوويرجو في السابع من آب/أغسطس 1949 تمردا أسلاميا داخليا - تماما في الوقت الذي كانت فيه أندونيسيا تحرز استقلالها من الاحتلال الهولندي.

إعلان الدولة الاسلامية

وبسبب خيبة أمل كارتوسوويرجو بالجمهورية الاندونيسية المشكلة حديثا برئاسة سوكارنو، أعلن عن تشكيل دولته الاسلامية الاندونيسية الخاصة به كقوة معارضة لحكومة جاكارتا المركزية، حيث سميت مناطق غرب جاوا التي تقع تحت سيطرة الدولة الاسلامية الاندونيسية بـ "دارالإسلام".

وقد لقي حوالي خمسة عشر إلى عشرين ألف شخص حتفهم خلال هذا التمرد الذي استمرثلاثة عشرعاماً وسحق عام 1962 عندما تم القاء القبض على كارتوسوويرجو وتم إعدامه بالرصاص. ولكن هذا لم يعن انتهاء مجموعة دار الاسلام.

بعد إسقاط نظام سوكارنو تبدل حظ "دار الاسلام". فلكونهم من أشد معارضي الشيوعيين لعب محاربو دارالإسلام دوراً مهماً في الحرب ضد الشيوعية منذ منتصف الستينات وخلال الثمانينات.

دعمت كل الحركات الاسلامية، ومن بينها حركة دار الإسلام، الانقلاب الذي خططت له السي آي إي (من 1965 الى 1966) حيث تم تنصيب ديكتاتورية سوهارتو التي نجمت عن ذبح خمسمائة ألف من أعضاء الحزب الشيوعي وعماله ومؤيديه.

عبّأ الغزو السوفياتي لأفغانستان في ديسمبر/كانون الأول عام 1979 المسلمين في أنحاء العالم كله، من ضمنهم اؤلئك الموجودين في اندونيسيا، إذ شارك آلاف الاندونيسيين في الحرب، من بينهم 360 شخصا من أتباع" دار الإسلام".

وقد تبين لاحقاً أن البعض كان من محاربي جماعة اقليمية تدعى الجماعة الاسلامية المسؤولة عن أغلبية أعمال العنف في المنطقة ومنها تفجيرات بالي التي راح ضحيتها 202 شخص معظمهم من الأجانب (تم مؤخراً وقف حكم مدة سجن قائدها المزعوم أبو بكر بشير).

على خطى بن لادن

وكما كان الحال مع أسامة بن لادن الذي دعمته السي آي إي في جهاده ضد السوفيات في أفغانستان استفاد محاربو اندونيسيا الاسلاميون من التحالف مع أميركا ليتبين لاحقاً أنهم العدو اللدود لحليفهم الغربي السابق ولحكومة اندونيسيا العلمانية.

وتبقى أهداف دارالاسلام اليوم هي نفس أهدافهم منذ البداية، أي اقامة دولة اسلامية في اندونيسيا. ولكنهم يدعون أنهم لن يستخدموا العنف أبداً لتحقيق هذا الهدف، قائلين إن غير المسلمين ليسوا أعداء. العدو في نظرهم هو الدولة التي ترتكز على مبادئ بانكاسيلا التي هي صنيع بحت للبشر.

دعاني بعض أعضاء "دارالإسلام" بعد تخرجي من نجروكي لحضور بعض الدروس عن الايمان وان أعطي 2.5% من دخلي للمنظمة. ولكني ابتعدت مثلما فعل أغلبية زملائي الخريجيين واخترت طريق المهنة الناجحة في العالم العلماني.

حياة علمانية

علينا في حياتنا اليومية الاعتراف بتعددية لا تتناغم مع المفهوم المتشدد للإسلام. في الواقع يعيش أغلب المسلمين الذين يشكلون حوالي 88% من سكان اندونيسيا حياةً علمانية.

بقيت رغم خلفية عائلتي المتنوعة مسلم يؤدي الصلوات الخمس يومياً ويقرأ القرآن ويتطلع لحج بيت الله الحرام. ولكن في الوقت نفسه عملت لمؤسسات اعلامية أميركية واستضفت يهوداً اميركيين في بيتى وقضيت ليالي الجمعة في البارات أتناول بعض المشروبات.

بالرغم من ان "دارالإسلام " كمنظمة لا تشكل اي تهديد اليوم – فهي مضعضعة وغير منظمة – فإن نداءها يلقى صدى لدى الناس الذين لا يتمتعون بتعليم كاف والمهمشين في المناطق الفقيرة.

ومن هذا المنطلق يمكن لـ"دارالإسلام" أن تكون أرضاً خصبة للإرهابيين ليجندوا أعضاء من مختلف المجموعات المنشقة ليطبقوا تعاليم الجهاد. وكما تبين من حدث حصل مؤخراً أن مجموعة صغيرة من الناس يمكن أن تولد خراباً رهيباً.

وبما أن لأتباع دارالإسلام نفس أهداف أسامة بن لادن والمجموعات الارهابية في أوروبا – اقامة دار اسلام جديدة ونظام خلافة جديد – فهذا أمر يشكل قلقاً عالمياً. ولكن إلقاء القبض على أعضاء دارالاسلام بدون دليل قاطع قد يحولهم الى أبطال في المجتمع الاسلامي.

بقلم نور الهدى اسماعيل
ترجمة منال عبد الحفيظ شريده
حقوق طبع النسخة العربية قنطرة 2006

نور الهدى اسماعيل محلل بحوث في المركز العالمي للعنف السياسي ومركز أبحاث الارهاب ومعهد الدفاع والدراسات الاستراتيجية، جامعة نانيانغ للتكنولوجيا، سنغافورة.

قنطرة

نشر الديمقراطية والمساواة بين الرجل والمرأة عن طريق الإسلام
يقع مكتب منظمة "رحيمة" في حي سكني جنوب العاصمة الأندونيسية، ونرى إعلانات ملصقة على الجدران ضد العنف واضطهاد الأطفال والنساء، وبين الإعلان والآخر آيات من القرآن الكريم تذكر بحقوق النساء. تقرير كريستينا شوت من جاكرتا.

المساواة وحرية الأقليات
قبيل أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001 اجتمعت مجموعة صغيرة من المثقفين المسلمين في إندونيسيا للقيام بتكوين ثقل مضاد للحركات الإسلامية المتطرفة في بلدهم، وقاموا بتكوين شبكة "يارنجان" للإسلام الليبرالي. تقرير كريستينا شوت.