فجر الربيع المصري.... القصة والحكاية

ينظر إلى المصريين عادة كشعب صبور وهادئ، لكن ثورة الشباب المصري لم تأتِ من فراغ، بل كانت لها مقدمات وأسباب تراكمت عبر ثلاثة عقود من حكم الرئيس مبارك، كما يرى شتيفان فينكلر، المدير السابق لمعهد غوته في الإسكندرية في تحليله لنشأة الثورة المصرية.

الصورة د.ب.ا
أسباب عديدة تراكمت عبر سنوات حكم مبارك دفعت بالشعب المصري إلى الثورة عليه.

​​

فاجأت شدة الاحتجاجات في مصر وحجمها الكثيرين داخل وخارج البلاد. ولم لا، أفلم ينظر إلى الشعب المصري كشعب مسالم، بل و"هادئ الطبع"، كانت آخر ثورة له هي تلك التي قامت سنة 1919 ضد الإنجليز؟ لكن من راقب الأحداث التي عرفتها السنوات الأخيرة، واستخلص نتائجها، فيتوجب عليه أن يطرح سؤالا آخر وهو لماذا لم تنفجر الأوضاع من قبل؟ إلا أن الأحداث التاريخية نفسها تخضع للصدفة. أما المحرك المباشر فكان إسقاط النظام في تونس. وقد استعد المصريون للمظاهرات عبر استعمال الإنترنت، وخصوصا الموقع الإجتماعي فيسبوك. وبعد ذلك، تطورت دينامية ذاتية، استفادت من انتشار وسائل الإعلام، فالعالم العربي يعرف انتشار ما يقرب من ألف قناة، ولكن أيضا عبر المواقع الإجتماعية والمدونات والرسائل الهاتفية والفيدوكليب المصورة عبر الهواتف المحمولة والتي يمكن بسرعة نشرها على موقع يوتيوب. ولا عجب أن يقدم النظام المصري على وقف عمل الإنتنرنت بشكل كلي، لكن الخطوة جاءت متأخرة.

انهيار الثقة في الدولة

ويملك الربيع المصري جينالوجيا محددة، فالاحتجاجات لم تأت من عدم، والغضب على الدولة ارتفع بشكل كبير في السنوات الأخيرة، بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية وانتشار الفساد، والقمع البوليسي والسياسي وغياب فرص العمل وضعف النظام التربوي وتزوير نتائج الانتخابات، كلها أسباب ساهمت في إشعال المظاهرات، كما أن العديد من الحوادث القاتلة سواء تعلق الأمر بقطارات أم بواخر قادت إلى نقاشات ساخنة حول المسؤولين والأخطاء التي ارتكبت.

وكان خليل العناني، أحد المتخصصين في الإسلام السياسي في مصر قد كتب في صحيفة الحياة مقالا في شهر يوليو 2008 ووصف فيه بدقة انهيار ثقة الشعب المصري في مؤسسات الدولة وارتفاع حدة المشاكل الاجتماعية. وفي الانتخابات الأخيرة التي عرفتها مصر في نوفمبر/ ديسمبر 2010 حصل الحزب الحاكم على خمسة وتسعين في المائة من الأصوات. وبعد أن عرفت انتخابات 2005 نوعا من الانفتاح، أقدم النظام على تغيير مساره وإغلاق الباب كليا أمام المعارضة. لكن حتى سنة 2005 عرفت تزويرا كبيرا في نتائج الانتخابات، وتمكن مبارك من حصد تسعة وثمانين في المائة من أصوات الناخبينن رغم أنه يفتقد إلى الشعبية.

حركة 6 أبريل

الصورة ا.ب
عمل مبارك على مزاوجة المال والسياسة إبان فترة حكمه

​​

نظمت حركة كفاية والتي تم تأسيسها عام 2004 من أجل الاحتجاج على رغبة مبارك في البقاء في الحكم لفترة رئاسية أخرى، العديد من الاحتجاجات في مجموع البلاد. كما أن عامي 2006 و2007 شهدا ارتفاعا في حركة الاحتجاجات بسبب خصخصة مؤسسات حكومية، قبل أن تبلغ الاحتجاجات ذروتها في السادس من أبريل عام 2008 على يد عمال الصناعات النسيجية في مدينة المحلة الكبرى. ومن رحم هذه الاحتجاجات خرجت حركة ستة أبريل. لقد كان المصريون متعودون على الاحتجاجات والمظاهرات.

وكثيرا ما لجأ النظام كثيرا إلى التضييق على الصحافة الحرة، وإلقاء القبض على العديد من الصحفيين وفرض غرامات مالية عليهم ، فالمدون كريم عامر من الإسكندرية حكم عليه بالسجن أربع سنوات بتهمة الإساءة إلى الدين والرئيس، قبل أن يطلق سراحه مؤخرا. لكن أكبر إنذار للنظام كان خالد سعيد. فهذا الشاب المصري توفي جراء التعذيب في سجن للشرطة بالإسكندرية في الثامن من يونيو 2010، وصورة وجهه المشوه من أثر التعذيب نشرت على صفحات الفيسبوك، ليخرج الألاف بعدها للاحتجاج على عنف رجال الشرطة. لكن فيسبوك لم يساعد فقط على تنظيم المتظاهرين، بل عبد الطريق أمام تحولات اجتماعية وثقافية، ففي صيف عام 2007 كان هناك سبعون ألف مشترك مصري في فيسبوك، وشهورا بعد ذلك بلغ عددهم خمسمائة ألف مشترك، ليتجاوز عددهم اليوم خمسة ملايين. لكن كيف تظهر هذه التحولات على أرض الواقع؟

الانترنت كمجال للتواصل الحر

الصورة ا.ب

​​

وفي مجتمع لا يملك مساحات حرة للمواقف الثقافية والمجتمعية التي لا تتوافق مع النظام العام، تقدم الشبكة العنكبوتية عديدا من الإمكانيات. فهي تسمح لأصحاب الرأي المختلف بالتعرف على بعضهم، وبالالتقاء ببعضهم بعضا وتبادل الأفكار على المستوى الوطني والدولي. كما تسمح الشبكة العنكبوتية بفضل الحرية النسبية التي توفرها بتعبير الناس عن رأيهم في حرية، كما تسمح للمشتركين بالتعرف على نماذج حياتية أخرى والتعرف على ما يحدث في بلدان أخرى. كما أنه تم تعريب الشبكة اليوم بشكل كامل، بحيث صار بإمكان حتى الأشخاص الذين لا يعرفون لغات أجنبية استعمالها، ومستعملو الإنترنت يعكسون الوضعية الديمغرافية لمصر، فأكثر من خمسين في المائة من السكان هم تحت سن الخامسة والعشرين، وهو جيل يشعر بالقلق على مستقبله الوظيفي وناقم على انسداد آفاق المشاركة أمامه في المجالين السياسي والاقتصادي.

ظهور أشكال ثقافية جديدة

وعبر سيرورة التحولات الثقافية والاجتماعية ظهرت أشكال ثقافية جديدة حاضرة في الشبكة العنكبوتية أيضا، سواء تعلق الأمر بالإسلاميين أم بالعلمانيين أو فناني الراب أوعشاق البريكدانس والمثليين إلخ.. ومن يعرف مصر منذ عام 1990 سيدرك حجم التغييرات التي عرفها المجتمع المصري. وظهرت نتائج تلك التحولات في الجانب الثقافي أيضا، فالمخرجون الشباب والموسيقيون والكتاب يستعملون المواقع الإجتماعية في نجاح من أجل جلب الإنتباه إلى أعمالهم وأنشطتهم. كما أن الأدب الشبابي يعرف طفرة كبيرة، لأنه يستعمل لغة قريبة من الناس ومن قلوبهم، ولأنه يطرح قضايا لها علاقة بوضعية الناس الحياتية.

كما ظهرت أشكال تعبير جديدة، مثل الكتاب المصور "ميترو" لمجدي الشافعي أو المدونات التي صدرت ككتب ومنها "عايز أتجوز" للمدونة غادة عبد العال. كما أن رواية تصف عالم المخدرات، لم يتأت لصاحبها نشرها إلا على حسابه الخاص، قبل أن يتم تعميمها عبر الإنترنت لتحقق نجاحا كبيرا، بدأت الآن عملية إخراجها للسينما. إنها أمثلة من أعمال تعبر عن جيل بأكلمه وعن أحلامه ومشاكله وطموحاته بشكل مفتوح دون السماح لممثلي النظام بالتدخل فيها، فهو جيل لم يعد قادرا على الصبر أكثر.

شتيفان فينكلر
ترجمة: رشيد بوطيب
مراجعة: هشام العدم
حقوق النشر: قنطرة 2011

قنطرة

من ثورة الياسمين إلى ثورة النيل:
"العرب الجدد" وملامح المرحلة المقبلة
يرى الباحث في جامعة كامبردج والإعلامي المعروف خالد الحروب في هذه المقالة أن جوهر التغيير الذي جلبته ثورتا تونس ومصر يكمن في إعادة الشعوب ورأيها العام إلى قلب المعادلة السياسية، مؤكدا أن هذه التغيير غير مؤدلج قادته أجيال الشباب الذين تجاوزت علومهم وخبراتهم أجيال آبائهم وحكوماتهم الشائخة التي لا تدرك أساساً كيف يفكر هؤلاء الشباب وما هي طموحاتهم.

التغطية الإعلامية للثورة المصرية
هبوط اضطراري للاعلام الحكومي
تباينت التغطية الإعلامية بين الصحف الحكومية والخاصة لأحداث الثورة المصرية. وفيما بدت الصحف المستقلة وقد كسبت ميدانا جديدا بين الجماهير، اضطرت الصحف المملوكة للدولة إلى تغيير نهجها تماشيا مع تنازلات الحكومة.التقرير لأميرة محمد

قراءة في ثورة الشباب المصري:
فجر جديد بقيادة الشباب في الشرق الأوسط؟
ترى الكاتبة والمدونة اللبنانية فرح عبد الساتر أن الشباب العربي أصبح اليوم ليس مسلّحاً فقط بهاتف البلاك بيري النقال والآي فون والمدوّنات والفيسبوك، وإنما كذلك بالقناعة بأن التغيير أصبح ضرورة حتمية في المنطقة العربية في مؤشر على بداية صحوة شاملة.