التحرر من الاحتلال ومن سلطة العائلة

الممثل والمخرج الإسرائيلي جوليانو مير-خميس يدير مسرحا للأطفال والشباب في مخيم جنين. إيغال أفيدان تحدث مع الفنان عن أعماله الفنية وآرائه السياسية ومخططاته المستقبلية.

جوليانو مير-خميس، الصورة: آفي ليفين
الممثل والمخرج الإسرائيلي جوليانو مير-خميس

​​

ولد جوليانو مير-خميس، الممثل والمخرج الإسرائيلي، لأب فلسطيني اسمه صليبا ولأم يهودية اسمها آرنا. ومع بداية الانتفاضة الفلسطينية الأولى في عام 1987 أسست آرنا أربع دور لحضانة الأطفال في مخيم جنين في الضفة الغربية.

حازت آرنا عن مشروعها هذا على جائزة نوبل البديلة للسلام في ستوكهولم عام 1993، ما حذا بها لتأسيس "مسرح الحجر" في المخيم المذكور بأموال الجائزة. وبعد أن وافتها المنية في عام 1995 تابع ابنها جوليانو مير-خميس إدارة المسرح الذي دُمِرَ أثناء الانتفاضة الثانية عام 2000.

يقدم مير-خميس في فيلمه الوثائقي "أولاد آرنا " صورةً شخصيةً لوالدته ولبعض أعضاء "مسرح الحجر"، بدايةً عندما كانوا أطفال ومن ثم عندما غدوا مقاتلين. أعاد جوليانو مير-خميس افتتاح المسرح باسم "مسرح الحرية" في مخيم جنين في عام 2006.

كيف نشأ فيلم "أولاد آرنا"؟

جوليانو مير-خميس: كنت قد قمت بتوثيق مشروع والدتي "الرعاية والتعليم" كهاوٍ في تسعينيات القرن الماضي. واستفدنا في حينه من الأفلام القصيرة في جمع التبرعات وفي توثيق وأرشفة المشروع. ثم قررتُ لاحقًا مع المنتجة أُسنات طرابلسي أنْ نصور شريطًا يتناول حياة والدتي. وللأسف الشديد بلغني في عام 1994 وفي اليوم ذاته خبران، الأول من "صندوق الفيلم الإسرائيلي الجديد" بأنّ الصندوق سيمول إنتاج الفيلم، والثاني من الأطباء يقولون فيه أنه لم يبقى لوالدتي من الحياة سوى سنةٍ واحدة.

هكذا تحول الفيلم ليتناول مرضها عوضًا عن أنْ يكون عن نضالها. وبما أنني قمت برعايتها في حينه، فقدت كل مسافةٍ لازمةٍ ولم استطع أنْ أنجز الفيلم. وبعيد أحاديثٍ أجريتها في عام 2001 مع من دربتهم سابقًا على التمثيل المسرحي في جنين، شعرت بأن شيئًا مشؤومًا يؤول للحدوث –لا سيما عند يوسف. ابتعت كاميرا وسارعت إلى هناك، بيد أنني لم أوافي يوسف، فقد كان قد سلك طريقه للقيام بعملية انتحارية في إسرائيل.

عايشت أيام القتال الأخيرة في مخيم جنين في أيار/مايو 2002. وعشت أربعة أشهر مع المسلحين الفلسطينيين الذين كانوا "أولاد آرنا" في ما مضى، وهم يقاتلون الجيش الإسرائيلي اليوم.

ما مدى الخطر الذي كنتَ تتعرض له؟

مير-خميس: كان المقاتلون يعارضون إقحامي في مواقع المواجهات القتالية، فقد كانوا يعلمون إنني لا أريد حمل السلاح. بالرغم من ذلك كنت أتخوف من المكوث معهم في منزلٍ واحدٍ تحاصره وحدة من القوات الإسرائيلية الخاصة. ماذا كان عليّ أنْ أفعل في حالة كهذه؟ أأصرخ: "أنا يهودي"، وأخرج رافعًا يداي تاركًا أصدقائي ليلاقوا حتفهم؟ هل كان عليّ أنْ أتسلح وأنْ أقاتل إلى جانبهم؟ ماذا عليّ أن أفعل؟

ما هي غايتك من هذا الفيلم؟

مير-خميس: أنْ أواجه الدعاية الإسرائيلية، التي تفرغ الفلسطينيين من إنسانيتهم وتحيلهم إلى وحوشٍ. ولأنني كنت أعلم إنّ لدي قصة غير عادية لانتحاريٍ، بنيت الفيلم حول هذه القصة. أما السؤال الذي سعيت أنْ أجيب عليه من خلال الفيلم: لماذا اختار يوسف الانتحار، ولماذا توجه أشرف للحرب، ولماذا قرر مجيد أنْ لا يقاتل أبدًا؟

أنت ممثل معروف في إسرائيل منذ عهدٍ من الزمن. وفي الوقت عينه تناضل سياسيًا بلا هوادة من أجل إنهاء الاحتلال الإسرائيلي. ومنذ فترة وجيزة تمتنع عن العمل الفني داخل إسرائيل. لماذا تقف كليًا إلى جانب الفلسطينيين؟

مير-خميس: تحيزت إلى جانب العدل، ولم أتحيز لا لقومية ولا لديانة. وليس من أحلامي أنْ يكون هناك دولة إضافية وشرطة وجيش إضافي. ولكنني لست يهوديًا جيدًا يريد أنْ يؤازر الفلسطينيين المساكين. فحرب التحرير الفلسطينية هي حربنا كإسرائيليين. مستقبلنا مشترك.

بصفتي إسرائيلي يهودي أعتبر الصهيونية عدوةً لي كما هي عدوةٌ للفلسطينيين. الصراع القائم هو نتاج الصهيونية الاستعمارية. وإنهاء الصراع يعني إنهاء الاحتلال في الضفة الغربية كما في حيفا والناصرة.

هل تؤيد قيام دولة مشتركة لليهود والعرب؟

مير-خميس: نعم. أؤيد قيام دولة مزدوجة القومية. والبديل الوحيد هو نظام فاشي عنصري يقوم اليوم. لم يعد الفصل بين الشعبين ممكنًا من الناحية العملية، بالرغم من أنّ إسرائيل تفعل كل ما هو متاح أمامها لتحقيق ذلك. أي من خلال بنائها للسياج والجدار.

افتتحتم "مسرح الحرية" في شباط/فبراير الماضي. ما هي المشاريع التي تودون تنفيذها؟

مير-خميس: نسعى لأنْ نعطي الأطفال بعضًا من حياة، شيئًا من الحياة العادية، نسعى لأن نوفر لهم مكانًا يشعرون فيه بالحرية. من هنا جاءت التسمية "مسرح الحرية". هنا مكانٌ يشعرون فيه بالتحرر ليس من الاحتلال وحسب، بل من والديّهم، ومن الدين، ومن الاضطهاد الاجتماعي اليومي.

العلاقات التي يعيشها الأطفال في المخيم لا تتسم سوى بالعنف: أكانت مع الجنود أو العائلة أو بين بعضهم البعض. يُمارَسُ الاضطهاد على هذا المجتمع، ويحاصَر، ويُجوَّع.

هل هناك اهتمام بالمسرح لدى سكان مخيم جنين الذين يعيشون تحت نير ظروف كهذه؟

مير-خميس: اهتمامٌ شديد، وهم متحمسون جدًا له. ليس همنا أن نصبح فرقةً مسرحيةً، مع أننا نتمنى ذلك. همنا أنْ يتحرر الأولاد ليس من الاحتلال وحسب، بل من والديّهم، ومن الدين، ومن الاضطهاد الاجتماعي اليومي الذي لا علاقة له بالاحتلال.

كل أنشطتنا تنصب على معالجة الأضرار الإنسانية المتفاقمة التي يتسبب بها الإسرائيليون. يعاني الأطفال من مشاكل في التذكُر والتركيز، وهم معاقون حركيًا، وما زال هناك أطفال بعمر 11-12 سنة يبولون في ثيابهم، آخرون لا يملكون القدرة على التجريد، البعض يتأتئ بالكلام أو لا يستطيع أنْ يبني جملة مفيدة. هذا جيلٌ معوّقٌ يتعين أنْ نخفف من أضراره لكي يتسنى له أصلاً أنْ يعبر بالفن في الفترة الوجيزة القادمة.

ماهي أوجه التشابه وأوجه التباين بين "مسرح الحرية" و "مسرح الحجر" الذي أسسته والدتك – والاسم يشير هنا إلى أنّ الأطفال الفلسطينيين رشقوا الحجارة على الجنود الإسرائيليين في الانتفاضة الأولى؟

مير-خميس: كلانا يشترك بالدرجة الأولى في رؤية المسرح وسيلةً في النضال السياسي. فالعمل المسرحي يزيد الأطفال قوةً، ويعزز ثقتهم بأنفسهم، ويعلمهم. نأمل أنْ يكتسب هؤلاء الأطفال القوة ليناضلوا ويزيلوا الاحتلال الإسرائيلي.

التباينات الجوهرية بين المسرحين لا تكمن في صالات المسرح، بل في محيطها، فقد كان الخطاب في زمن والدتي سلميًا أكثر، ولم يكن الدين يلعب دورًا كبيرًا. أما اليوم فيتسم محيط المسرح بالتديُّن، والتعصب الوطني، والعنف. كما أنّ "مسرح الحرية" لا يخلو من الاحتلال وحسب، بل أيضًا من التقاليد، والدين، ومن الهرمية الاجتماعية الأبويّة، التي يقع هؤلاء الأطفال ضحايا لها.

إلى أي مدى يختلف وضع أطفال مخيم جنين في الانتفاضة الثانية عنه في الانتفاضة الأولى؟

مير-خميس: كان أطفال "مسرح الحجر" أبطال الانتفاضة الأولى، وكانوا محط أنظار الإعلام العالمي، وكان لهم دورٌ اقتصاديٌ أيضًا. فمعظم الآباء تم اعتقالهم خلال فترة الانتفاضة، بحيث غدا الأطفال معيلين لعائلاتهم، كانوا يديرون المحلات التجارية الصغيرة على سبيل المثال أو يعملون في الأسواق.

لكن في هذه الانتفاضة المسلحة ليس للأطفال دور – لا كمقاتلين ولا أي دور اقتصادي، لأن الاقتصاد الفلسطيني بحكم المنهار. لذا لا يسعهم أنْ يساعدوا عائلاتهم، وغدوا عبئًا عليها. أصبحوا خادمي محيطهم، ومثل أكياس رمل التدرب على الملاكمة: الجندي يضرب الطفل، ووالده كذلك، وإخوته، ووالدته. الطفل يعاني في كل يوم من العنف ومن الضغوط ومن العوز.

كتب أحد النقاد الإسرائيليين معلقًا على فيلمك: "عندما أتت الدبابات لم يعد الأطفال أطفال آرنا، بل أطفال فلسطين". هل يمكن القول إنّ الآمال قد ماتت في جنين بوفاة والدتك في عام 1995؟

مير-خميس: الأمل في جنين لم يمت. ربما بعثه موت آرنا بالذات إلى الحياة. يكون الميت أحيانًا أكثر تأثيرًا من الحي. زكريا الزبيدي (المدرج بين أوائل الأسماء على قائمة المطلوبين لإسرائيل، قائد كتائب الأقصى في جنين، الذراع العسكري لحركة فتح.) الذي يقود هذه الحركة، هو نتاج السياق الذي خلفته آرنا في جنين بموتها.

لولا ذلك لما كان لـ"مسرح الحرية" أن يقوم. ثمة رفض قاطع في المخيم لكل أنواع التعاون مع الإسرائيليين أو اليهود، لأن إسرائيل تستغل مشروعنا هذا لكي تُظهر أنّ إمكانية القيام بنشاط ثقافي متاحة في المخيم. يدمرون كل المؤسسات الأخرى في جنين، لكنهم لا يمسون مسرحنا لوجود يهودٍ يعملون في المسرح.

دشنتم "مسرح الحرية" في نهاية شهر شباط/فبراير 2006. ما مدى قدرة هذه المؤسسة على العمل؟

مير-خميس: لدينا فرقتان مسرحيتان بدأتا دورات في العلاج المسرحي النفساني Psychodrama؛ مجموعتان في كل أسبوع. كما نقدم يوميًا ولفترة ساعة ونصف أعمالاً مسرحيةً نسميها "مسرح المضطهدين". لدينا مركز للحاسوب نسعى لأن يستخدمه الأطفال لإصدار جريدة ولكي ينشئوا للمسرح موقعًا الكترونيًا على الإنترنت.

في كانون الثاني/يناير 2007 سنفتتح قاعة الموسيقى ودار الكتب الكبيرة. كما نقوم حاليًا بعلاج 200 طفل في الأسبوع في مجموعات مكوّنة من 20 طفل. هذه هي الجوانب العلاجية للمشروع. علاوة على ذلك سيتم تدشين قاعة مسرح تتسع لـ 180 زائرًا في 22 كانون الأول/ديسمبر 2007، حيث سيقدم على خشبته عروضًا مسرحيةً للأطفال والراشدين بشكلٍ دوري. نأمل أيضًًا أنْ نعرض فيها إنتاجات "مسرح الحرية" يومًا ما. ونخطط أيضًا لبناء دار سينما صغيرة.

ومن يتابع شؤون العمل المسرحي في هذه المدينة المحاصرة في الضفة الغربية؟

مير-خميس: كل المدربين من رسامين، وفنانين، وأخصائيي حاسوب هم من جنين ومحيطها. وسوف تأتي أول متطوعتين أجنبيتين (مخرجة، وراقصة) في كانون الثاني/يناير 2007. كما يجري حاليًا تنظيم مبادرة في ألمانيا تسعى لإرسال متطوعين، ليسوا بحاجة لإتقان اللغة العربية، ليقوموا بمشاريع فنية. ولربما سيكون بمقدورنا أن نوظف مترجمًا في المستقبل. لدينا أحلام كبيرة.

أجرى الحوار إيغال أفيدان
ترجمة يوسف حجازي
حقوق الطبع قنطرة 2006

قنطرة

الناشرة الإسرائيلية ياعيل لرر
محمود درويش، محمد شكري أو هدى بركات، هؤلاء بعض كتاب دار الأندلس، التي تعنى بترجمة الأدب العربي إلى العبرية. يوسف حجازي تحدث مع الناشرة الشابة ياعيل يرر عن سبب اهتمامها بالأدب العربي وصعوبات النشر في إسرائيل

محمد بكري
تُعد جائزة الفهد الفضي إحدى أهم الجوائز في مهرجان لوكارنو السينمائي. وقد مُنِحت هذا العام للفلسطيني محمد بكري، كأفضل ممثل عن دوره في فيلم " خصوصي Private " للإيطالي سافيريو كوستانزو Saverio Costanzos.
أمين فارزانيفار يقدم لنا الممثل والمخرج الفلسطيني

www

أولاد أرنا