صراع على مياه دجلة والفرات

يشكل المشروع التركي المعروف باسم "مشروع جنوب شرق الأناضول" والذي يُفترض إنجازه حتَّى العام 2010 بؤرة لنزاعات سياسية مقبلة في المنطقة. تقرير أعدّته كلاوديا مولاّوَر.

توقَّع الأمين العام السابق للأمم المتَّحدة بطرس بطرس غالي في الثمانينيات أنَّ "نار الحرب القادمة في الشرق الأدنى لن تندلع بسبب السياسة، وإنَّما من أجل المياه". تسود حالة نقص المياه في أكثر من ثمانين دولة من دول العالم، غير أنَّ هذه الحالة سوف تتفاقم حتَّى العام 2025 بشكل مأساوي خاصة في دول الشرق الأدنى.

وفي ذلك يلعب التوزيع الجغرافي للمياه دورًا سياسيًا مهمًا. تحظى تركيا التي تقع فيها منابع النهرين الأكثر غنى بالمياه في الشرق الأدنى - دجلة والفرات - بموقع يمكِّنها من احتكار المياه في المنطقة. لا تزال كميَّات كبيرة من هذه المياه تجري على سبيل المثال من جبال طوروس إلى البحر من دون استغلالها.

وفي المقابل تمتاز شبه الجزيرة العربية بمناخ صحراوي قاحل وجاف خالٍ من الرطوبة - هذا يعني أنَّ كميَّات المياه التي تتبخَّر في هذه المنطقة الصحراوية تزيد عما هي عليه الحال في المناطق المعتدلة، أي تزيد عن كميَّات مياه الأمطار الهاطلة. لهذا السبب يعتمد أكثر من خمسين بالمائة من السكان هناك على تحلية مياه البحر وعلى أنهار تجري في عدَّة دول أو على مصادر المياه الجوفية.

مشروع جنوب شرق الأناضول

اكتسب موضوع المياه في الشرق الأدنى أهمية سياسية على أبعد حدّ مع إنجاز "سدّ أتاتورك" في العام 1992: يعتبر هذا السدّ جزءاً من مشروع جنوب شرق الأناضول Güneydoğu Anadolu Projesi، الذي سيتم فيه تغيير كلّ أشكال توزيع المياه في المنطقة، حيث يشكل نهر الفرات الذي ينبع في الجبال الشرقية من تركيا ويجري عبر كل من سوريا والعراق، قبل أن يصب في الخليج العربي الجزء الأهم في هذا المشروع.

يتعيَّن في هذا المشروع الذي بُدئ العمل فيه في العام 1983 والذي يُفترض إتمامه في العام 2010 بناء 22 سدًّا و19 محطة لتوليد الطاقة الكهربائية بالماء. فمن المقرَّر أن يتمّ ريّ 1,7 مليون هكتار من الأراضي - أي ما يساوي نصف مساحة ولاية نوردراين فيستفالن [مساحتها 34068 كم مربع].
كما يفترض في المستقبل أن تغطِّي الطاقة الكهربائية الموَّلدة بواسطة هذه السدود ما نسبته 22 بالمائة من الاحتياج الاجمالي المتوقَّع في تركيا. كما يهدف هذا المشروع الضخم إلى دعم منطقة شرق الأناضول الضعيفة اقتصاديًا.

سوف ينخفض من خلال نظام الريّ هذا منسوب المياه الجارية في نهر الفرات بنسبة تساوي 90 بالمائة. مما سيعود بعواقب سلبية على قطاع الزراعة في البلدين الواقعين على الفرات، سوريا والعراق.

تعتبر الزراعة بالنسبة للعراق الذي يحصل على المياه من نهري دجلة والفرات قطاعًا اقتصاديًا مهمًا جدًا. حيث يعمل في هذا القطاع حوالي 40 بالمائة من العاملين العراقيين. يعتمد العراق نظرًا إلى انخفاض كميَّات الأمطار في البلاد - تمامًا مثلما هي الحال في سوريا - على مياه النهرين.

مذكرات احتجاج

​​وبالإضافة إلى ذلك تحتوي التربة هناك على نسبة ملوحة عالية بسبب المبالغة المفرطة في الريّ والنقص في أنظمة وعمليات الصرف. لا تمكن إزالة هذه الملوحة من التربة إلاّ من خلال غسلها باستمرار بمياه نقية.

أمَّا الآن ونتيجة لمنشآت وأنظمة الريّ الجديدة التي أقامتها تركيا فقد أصبحت مياه الفرات تحتوي على قدر من الملوحة، عند دخوله إلى العراق، مما يحول هناك دون عملية غسل التربة.

اتَّهمت الحكومة العراقية تركيا بعد بناء سدّ أتاتورك بعدم احترام القوانين الدولية، ذلك لأنَّه لم يتمّ إخبارها أثناء فترة التحضيرات ببناء مشروع جنوب شرق الأناضول.

كان النقاش حول كميَّات مياه نهر الفرات يؤدِّي إلى جدالات سياسية. عندما قامت تركيا في 13 من شهر كانون الثاني/يناير 1990 بإيقاف جريان الماء في نهر الفرات لمدَّة شهر من أجل ملء سدّ أتاتورك، ردَّت سوريا والعراق على ذلك بتقديم مذكِّرات احتجاج شديدة اللهجة.

المشروع البديل: "خطّ أنابيب السلام"

طرح الرئيس التركي السابق تورغوت أوزال في بداية التسعينيات فكرة عرفت باسم مشروع "خطّ أنابيب السلام لنقل الماء"، وذلك من أجل التخفيف من حدَّة الموقف المتوتِّر. إذ كان ينوي في ذلك نقل الماء من النهرين التركيين "سيحان وجيحان" في أنبوبين إلى شبه الجزيرة العربية ودول الخليج العربي.

كان من المفترض مدّ خط أنابيب لنقل الماء بطول 2650 كيلومتر يمر عبر سوريا مع فرع يتفرَّع عنه إلى إسرائيل والأردن حتَّى يصل إلى مكة ومدّ خطّ آخر، يبلغ طوله حوالي أربعة آلاف كيلومتر يمر عبر الكويت والبحرين وقطر والإمارات العربية المتَّحدة وعمان حتَّى يصل إلى مسقط.

لم يتحقَّ هذا المشروع حتَّى الآن بسبب ريبة وشكّ الدول العربية التي لم تكن تريد إدخال نفسها في تبعية لتركيا ومختلف الدول التي يعبرها خطّ الأنابيب هذا مثل إسرائيل.

تقوم تركيا بغضّ النظر عن "خطّ أنابيب السلام" الذي لم يتحقَّق حتَّى الآن باستغلال مخزوناتها المائية من أجل تعزيز علاقاتها مع إسرائيل. قامت إسرائيل التي مرَّت من العام 1998 حتَّى العام 2001 بجفاف وقحط بالتوقيع في العام 2004 بعد مفاوضات استمرَّت طيلة سنين على معاهدة مع تركيا، تنصّ على شراء إسرائيل من تركيا طيلة عشرين عاما خمسين مليون متر مكعَّب من مياه الشرب في كل عام.

تعاون محتمل؟

لا يقدِّم القانون الدولي المتعلِّق بالمياه جوابًا واضحًا على السؤال عن ماهية الحقوق في الماء، التي يمكن أن تطالب بها الدول التي يقع فيها المجرى العلوي والمجرى السفلي لنهر ما. لقد تمّ فقط تطوير مبادئ يمكن أن تشير إلى الإجابة عن هذا السؤال. بيد أنَّ هذه المبادئ لا تشكِّل حتَّى الآن أيّة التزامات قانونية.

قُدِّرت في شهر آذار/مارس 2004 فرص التعاون ما بين تركيا وسوريا على أنَّها جيدة جدًا، في ورشة عمل عقدها بعض الخبراء في مركز أبحاث التنمية في بونّ حول موضوع الماء والتنمية والعمل المشترك. يكمن سبب ذلك - حسب الخبراء المشاركين في الورشة - في أنَّ تركيا، التي تسعى إلى اظهار وزنها في منطقة الشرق الأدنى وتسعى لزيادة جاذبيتها بالنسبة للاتِّحاد الأوروبي، قد أبدت استعدادًا كبيرًا للحوار.

لقد ثبتت صحة هذا التقدير مع التوقيع على معاهدة للتجارة الحرّة ما بين سوريا وتركيا في شهر كانون الأوَّل/ديسمبر 2004. إذن ثمَّة خطوات أولى قد قطعت في طريق العمل المشترك.

لكن على العموم لا تزال الأوضاع متوتِّرة جدًا، ذلك لأنَّ العراق وسوريا المجاورتين لتركيا واللتين يجري إليهما الفرات من تركيا لا تزالان تشعران بالظلم. زد على ذلك النقص الذي تعانيه تركيا في المناطق ذات الكثافة السكَّانية فوق المتوسِّطة مثل منطقة إسطنبول الكبرى.

بقلم كلاوديا مولاّوَر
ترجمة رائد الباش
حقوق الطبع قنطرة 2007