جماعة الإخوان المسلمين و"منحنيات النشوة الجنسية"

تصف الصحفية المصرية منى النجار في فيلمها الوثائقي "استسلام"، الذي صورته في صيف عام 2012، أحد أنشطة جماعة الإخوان المسلمين في الشارع المصري الهادفة لترسيخ القيم الدينية. ويوثق الفيلم دورة تثقيفية أقامها متطوعون من الإخوان المسلمين للشباب والشابات غير المتزوجين بعنوان: "عروس وعريس ضد إبليس". مارتينا صبرا التقت المخرجة وأجرت معها الحوار التالي لموقع قنطرة.

الكاتبة ، الكاتب: Martina Sabra

عمَّ يتحدث فيلمك الوثائقي "استسلام"؟

منى النجار: أردت معرفة المزيد حول أيديولوجية الإخوان المسلمين وحول نشرهم أفكارهم الأيديولوجية بين المواطنين وعلى وجه التحديد من وجهة نظر الناس العاديين. يتمحور هذا الفيلم حول جمعية خيرية يمولها الإخوان المسلمون وتقدِّم دورات تثقيفية، ومنها دورات لإعداد الشباب المقبلين على الزواج.

ومعظم المشاركين في هذه الدورات هم من الشباب (والشابات) غير المتزوجين الذين تتراوح أعمارهم بين العشرين عامًا والثلاثين عامًا. مدير هذه الدورة هو أستاذ لعلم النباتات في إحدى جامعات القاهرة وهو علاوة على ذلك عضو في جماعة الإخوان المسلمين ويقدِّم هذه الدورات كعمل طوعي.

وفيلمي هذا يصوِّر كيف تدعم محاضراته أدوار الجنسين التقليدية المعادية للمرأة وأيديولوجية الإخوان المسلمين الرجعية. وبالإضافة إلى ذلك يشاهد المشاهد في هذا الفيلم كيف يتمكَّن الإخوان المسلمون من كسب إعجاب الناس العاديين وكيف يتحدَّثون معهم وكيف يتمكَّنون من توجيه أفكارهم حول موضوعات معيَّنة.

مخرجة الأفلام الوثائقية المصرية منى النجار. Foto: privat
درست المخرجة المصري منى النجار الاقتصاد في جامعة جورج تاون في الولايات المتَّحدة الأمريكية قبل عودتها في عام 2003 إلى مصر من أجل العمل لصالح قناة بي بي سي العربية ثم عملت سبعة أعوام في القاهرة كصحفية لصالح صحيفة "نيويورك تايمز".

يشيع عن جماعة الإخوان المسلمين عدم العمل بشفافة. فكيف تمكَّنت إذَن من المشاركة في الدورات التثقيفية وحتى من التصوير في أثناء الدورات؟

منى النجار: لقد ذهبت إلى هناك ببساطة. وقبل ذلك طلبت الإذن من منسِّقة الجمعية. وأثار دهشتي موافقتها على الفور. وكذلك منحني المحاضر موافقته بشكل عفوي. كما أنَّ المشاركين والمشاركات كانوا هم أيضًا موافقين باستثناء شاب لم يكن يريد تصوير خطيبته. واتفقنا على ألاَّ أقوم بتصويره وتصوير خطيبته.

كانت الدورة التي قمتِ بتصوير لقطات منها تحمل عنوان "عروس وعريس ضدّ إبليس". فكيف يبدو هذا العنوان بالنسبة للمصريين؟

منى النجار: ما من شكّ في أنَّ هذا العنوان يبدو غريبًا بالنسبة للأوروبيين. ولكنه يحتوي وبكلِّ تأكيد في اللغة العربية وخاصة في اللهجة المصرية على شيء من النكتة والفكاهة وذلك بسبب قافيته وقصره. وأعتقد أنَّ هذا العنوان جاء ليبدو مناسبًا للشباب ومضحكًا حتى يثير اهتمامهم في هذه الدورة.

لقد شرح المحاضر عدة أمور من بينها أنَّ النساء المتزوِّجات يجب ألاَّ يذهبن إلى العمل حتى لو أكملن تعليمهن الجامعي بامتياز. وقال إنَّ النساء يفكِّرن بقلوبهن بينما يفكّر الرجال بعقولهم. وقد ادَّعى بالإضافة إلى ذلك أنَّ النساء في الغالب هنَّ المستفيدات من تعدّد الزوجات وذلك لأنَّه "ليس من الجائز أن يترك رحم المرأة فارغًا". فكيف استطعت سماع هذا الكلام والحافظ على هدوئك؟

منى النجار: ربما تبدو هذه الأفكار أيضًا غريبة على الأوروبيين، ولكن معظم هذه الأفكار لا تعتبر في مصر أفكارًا متطرِّفة. والشباب المصريون يسمعون مثل هذه الأفكار في الشارع وفي محطات التلفزة. في الواقع إنَّ ما لفت انتباهي هي الطريقة التي كان يستخدمها المحاضر في إلقاء محاضرته - هذه الطريقة التي لم تكن تدع أي مجال للتساؤل أو النقد. ولكن في الحقيقة توجد في مصر فجوة كبيرة بين هذه الأفكار والحياة الواقعية. فمئات الآلاف من النساء في مصر يتحمَّلن وحدهن مسؤولية إعالة أسرهن ولا توجد لديهن خيارات لترك العمل.

تابعتُ في فيلمك بصورة خاصة شابًا وشابة مقبلين على الزواج كانا يستمعان للمحاضرات من دون تقديم أي اعتراض. ولكن يُستنتج من حديثهما أنهما لم يقتنعا بكلِّ شيء وخاصة فيما يتعلَّق بمسألة تعدّد الزوجات ومنح زوج المستقبل الحقّ بالزواج من أربع زوجات…

منى النجار: أنا سعيدة جدًا لأنَّني تمكَّنت من تصوير هذه المغازلات اللفظة الرقيقة. فقد كان الشاب والشابة مغرمين ببعضمها كثيرًا. وحاول الشاب أن يغيظها من خلال سؤاله لها عن رأيها إذا تزوَّج أكثر من زوجة. ومن جانبها لم تشكِّك من حيث المبدأ في حقِّه هذا ولكنها قالت له وبكلِّ وضوح إنَّ ذلك سوف يجرحها كثيرًا.

ومن الواضح تمامًا أنَّ هذا الشاب لا يريد الزواج من نساء أخريات وأنَّ خطيبته ليست المرأة التي يمكنها السماح لزوجها بالزواج من زوجة أخرى. ولكنها تعتقد مع ذلك أنَّ الله قد منح زوجها المستقبلي الحقّ في الزواج من أربع زوجات. وصحيح أنَّها لا تجادله في ذلك ولكنها لن تتقبَّل أية امرأة أخرى. وأنا أعتقد أنَّ هذا الغزل يعبِّر عن الكثير.

تحدَّثَ المحاضر بصورة مباشرة جدًا حول الجنس. وكان يرسم على السبورة منحنيات النشوة الجنسية المختلفة عند كلّ من الرجل والمرأة وقال إذا كان الجماع الجنسي جيدًا فبإمكان المرأة الاستمتاع بهزات نشوة جنسية متعدِّدة. عند هذا المشهد يشعر المشاهد الغربي بصدمة. فكيف يتناسب ذلك مع المحرَّمات الجنسية المتجذِّرة عميقًا في مصر؟

منى النجار: بصراحة لقد شعرت أنا أيضًا بصدمة في هذه المحاضرة، وكذلك كانت الحال لدى بعض المشاركين. يجب علينا أن نأخذ بعين الاعتبار عدم وجود دروس للثقافة الجنسية في المدارس المصرية. والإخوان المسلمون هم عمليًا الوحيدون الذين يقدِّمون مثل هذه الدورات. وبالنسبة للمحاضر لا يعتبر الجنس من المحرَّمات، وذلك لأنَّ الجنس لا يعدّ شيئًا قبيحًا بحسب مفهومه الديني.

فبحسب المفهوم الإسلامي يعتبر الجنس أمرًا طبيعيًا جدًا طالما بقي يمارس ضمن حدود الحياة الزوجية. ولكن مع ذلك شـعرت أنَّ الشابات اللواتي كن يجلسن في الفصل الدراسي غير مرتاحات لهذا الموضوع. وعندما أوقفت التصوير دخلت زوجة المحاضر وأخذت معها الشابات إلى غرفة مجاورة تابعت فيها شرح هذا الموضوع.

مشهد من الفيلم الوثائقي: استسلام. من إخراج منى النجار
نظرة مباشرة إلى عمل الإخوان المسلمين في الأوساط الشعبية في مصر: صوّرت الصحفية منى النجار في صيف عام 2012 في مركز للثقافة الأسرية تابع لجماعة لإخوان المسلمين في القاهرة فيلمها الوثائقي "استسلام" الذي يسلِّط الضوء على بعض التصوّرات التي يقدمها الإخوان المسلمون حول التربية والأخلاق.

لماذا أطلقتِ على فيلمك هذا اسم "استسلام"؟

منى النجار: "الاستسلام" يعني الخضوع، ولكنه يعني أيضًا "التسليم" و"الإذعان" . أنا لا أريد المبالغة في شحن هذا المصطلح بمعان عديدة. لقد خطرت لي الفكرة عندما أخبرتني شابة من الشابات المشاركات في الدورة أنَّ الدين يعني بالنسبة لها "الخضوع". والفيلم يظهر "الخضوع" على مختلف المستويات: في الدين وفي علاقات الحب وفي الأسرة وفي التعليم وكذلك في التنظيمات السياسية وفي الدولة. وكلّ هذه الأشكال من الخضوع تقودني إلى نفس السؤال: لماذا نتخلى عن قدرتنا على التفكير والتساؤل حول أمور تبدو حقائق مطلقة؟ لماذا لا نوجد بدائل؟

هل يعني هذا أنَّ الثورة المصرية إذا نظرنا لها من خلال هذه القيم لم تكن ثورة من أجل الحرية بل كانت من أجل الخضوع؟

منى النجار: ما من شكِّ في وجود تناقض بين استعداد المرء للخضوع والسعي من أجل الحرية. أعتقد أنَّ الثورة لها تفسيرات مختلفة. والحرية هي مفهوم رومانسي للغاية. وفي مصر يريد الكثيرون ببساطة الحصول على عمل أو وجود وسائل نقل سليمة. صحيح أنَّهم يريدون الحرية لكن هذا يعني لهم قبل كلِّ شيء تحرَّرهم مما يسبِّب لهم صداعًا ومن المشاكل.

حتى الآن لا يمكن القول من دون ريب إنَّ المصريين قد حصلو بأي شكل من الأشكال على حرية حقيقية. وذلك لأنَّهم يدعون لأنفسهم دون غيرهم الحقّ في الأماكن العامة وحرية التعبير عن آرائهم وتنظيم أنفسهم. كلّ شيء لا يزال معلقًا في الهواء كما أنَّ الوضع فوضوي جدًا.

ولكن تتَّضح الآن أيضًا أمور كثيرة كانت قبل ذلك مخفية مثل تصوّرات المواطنين المختلفة حول أسلوب حياتهم بالإضافة إلى تصوّراتهم لهويتهم ولكلِّ ما هو مصري وكذلك لمدى دور الدين في هذه الأمور. هذه نقاشات تاريخية ولكن لم يكن من الممكن في مصر الخوض في مثل هذه النقاشات بصراحة وعلى المكشوف. وهذا يمثِّل اختبارًا للمواطنين وللبلد.

 

حاورتها: مارتينا صبرا

ترجمة: رائد الباش

تحرير: علي المخلافي

حقوق النشر: قنطرة 2013