سويلم: آن الأوان لحكومة وحدة وطنية في مصر!

يرى أشرف سويلم مستشار المرشح الرئاسي المصري السابق عمرو موسى أن الرئيس محمد مرسي فشل في رأب صدع الانقسام العميق الذي تعاني منه مصر، وأن البلاد باتت في حاجة إلى حوار حقيقي، لاسيما وأن غالبية الشعب المصري تعارض مبدأ الدولة الدينية.

الكاتبة ، الكاتب: Ashraf Swelam

تعاني مصر حالياً من انقسام عميق لم تعرفه من قبل، وهذا أمر واضح لا ينبغي للمرء أن يكون عبقرياً كي يدركه. ورغم هذا، فإن الرئيس محمد مرسي ما زال غير مدرك لذلك، مثل قادة الإخوان المسلمين وحلفائهم في المعسكر السلفي، وهذا على الرغم من فوز مرسي بأول انتخابات رئاسية حرة في البلاد بأغلبية ضئيلة.

وبعد انتخابه رئيساً، كانت مهمة مرسي الأهم هي توحيد البلاد والتصرف كرئيس لكل المصريين، وهذا أمر كان قد تعهد به. لكن دون أن يطرف له رمش، تصرف مرسي على العكس تماماً من تعهده، وبهذا ساهم في تعميق الشكوك المتجذرة لدى كثير من المصريين تجاه الإخوان المسلمين.

وكثيراً ما يرضخ مرسي لما يسمى بـ"الدولة العميقة"، والتي تتألف من تكتلات مبهمة من الجيش وقوى الأمن وكبار موظفي الدولة، ويتعاون معها بدلاً من إشراك القوى الثورية وبث روح جديدة في جسد الدولة الضعيف.

إن مرسي رئيس مصر الشرعي، ولا يوجد أي شك في ذلك، إلا أن هذا لا يعني أن نقف نحن المصريين دون حراك أمام إساءة استخدام رئيسنا المنتخب ديمقراطياً للسلطة أو لجوئه إلى وسائل غير ديمقراطية. لكنه قام بفعل ذلك، عندما سحب قدرة السلطة القضائية على مراقبة السلطتين التنفيذية والتشريعية.

تأليب التنفيذية على القضائية

مؤيدو مرسي من الإسلاميين، بالإضافة إلى عدد هائل من الصحافيين الغربيين، يريدون جعلنا نصدق بأن قرار مرسي هذا هو لصالح البلاد ومن أجل خدمة أهداف الثورة. لكننا لا نصدق ذلك، لأن هدف الثورة لم يكن الإطاحة بدكتاتور واستبداله بدكتاتور آخر، حتى وإن كان ذلك لفترة انتقالية.

إحصاء عدد الأصوات في أحد المراكز الانتخابية في القاهرة. أ ب
فوز بالنقاط للرئيس مرسي: صوت 63.8 في المئة لصالح الدستور في جولتَيْ الاستفتاء الشعبي على الدستور، المثيرتين للجدل. وأعلنت لجنة الانتخابات عدم تسجيل أية خروقات جسيمة، إلا أن نسبة المشاركة بلغت نحو 33 في المئة.

​​

كان يُتوقع أن تُفهم هذه الرسالة من خلال الثمانية عشر يوماً في مطلع سنة 2011 والعامين اللذين لحقاها. لكن من الواضح أن البعض لم يفهموا هذه الرسالة، وهو ما عليهم فعله الآن.

لقد انتظر الإسلاميون منا أن نوافق على مسودة دستور غير مكتمل، تمت صياغته من قبل لجنة لا تمثل كافة أطياف الشعب. هذه المسودة لا تضمن جزءاً كبيراً من حقوقنا الأساسية وحرياتنا، وتهمل مطالب ثورتنا، التي تعتبر نتيجة شرعية لعملية ديمقراطية. لكن الإسلاميين أخطأوا هنا أيضاً.

فالمحيط السياسي الذي تتحرك مصر في إطاره حالياً لا توجد له قواعد محددة، وأحد أسباب ذلك هو أننا، بُعَيْد الإطاحة بمبارك، خضعنا لفترة انتقالية ليس لها أي معنى، وفي هذه الفترة تم تأليب سلطات البلاد بعضها على بعض ضمن صراع دموي.

وأحد الأمثلة الراهنة على ذلك هو تأليب السلطة التنفيذية على السلطة القضائية، فمؤسسات مثل الجيش، التي ينبغي عليها النأي بنفسها عن السياسة، تُطالَب بالتدخل أو تشعر بأنها مُلزَمة بالقيام بذلك.

شرعية مرسي تتآكل

في مثل هذا المحيط، كان على عملية صياغة الدستور أو الدستور نفسه المساهمة في بناء الثقة مجدداً بين المعسكرين ووضع قواعد جديدة للعبة. لكن للأسف، فإن هذه الفرصة فاتت دون أن تُنتَهز، وبالتالي فوّتنا فرصة لإحداث تغيير هام في حياتنا.

ومنذ أن بدا واضحاً أن الإسلاميين هم أكبر الرابحين في الربيع العربي، فإن السؤال التالي يلح علينا: هل سيلعب الإسلاميون حسب القوانين الديمقراطية؟ إن الأزمة المتنامية في مصر ستعطينا على الأقل متسعاً من الوقت للتفكير.

مسلحون يبدو أنهم ينتمون إلى الإخوان المسلمين يفرقون المتظاهرين أمام قصر الرئاسة بالقوة، ما أدى إلى وقوع عشرات القتلى ومئات الجرحى؟ هذه ليست بالتأكيد طريقة للدفاع عن الشرعية.

وماذا عن محاصرة مبنى المحكمة الدستورية العليا، أعلى سلطة قضائية في البلاد، ومنع القضاة من الدخول والمداولة؟ هذا ليس مظهراً من مظاهر دولة القانون.

وماذا عن سد مداخل مدينة القاهرة الإعلامية، التي تعتبر مقراً لمعظم وسائل الإعلام المستقلة في البلاد؟ هذا بالطبع ليس دفاعاً مثالياً عن حرية الصحافة والتعبير.

جداريّات رسمها المعارضون  للدستور. دويتشه فيله
صفعة سياسية لناشطي ثورة 25 يناير: يكتب أشرف سويلم أن "الإسلاميين انتظروا منا أن نصوت لصالح دستور غير مكتمل لا يضمن جزءاً كبيراً من حقوقنا الأساسية وحرياتنا ويهمل كل مطالب ثورتنا".

​​

على المعارضة حشد الناخبين

بعد هذه الأحداث وبعد أقل من ستة شهور على توليه منصب الرئاسة، فإن شرعية مرسي آخذة بالتآكل بشكل أسرع مما يظنه البعض. فالملايين نزلوا إلى الشوارع مرة أخرى للتظاهر ضده.

كثير من هؤلاء المتظاهرين انتخب مرسي، وبعضهم يريد الإطاحة به، وهو برأيي أمر مبكر لأوانه. لكن ذلك قد يتغير حتى في الساعات المقبلة.

طريق الخروج من الأزمة واضح، إذ ينبغي على محمد مرسي الدعوة إلى حوار عقلاني مع المعارضة، لا يتطرق فقط إلى الدستور والانتخابات البرلمانية فقط، بل إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية أيضاً. لكن مرسي اتخذ طريقاً آخر في الوقت الراهن على الأقل.

القوى الليبرالية والعلمانية في مصر محقة في مواصلتها الصراع على الدستور حتى النهاية، حتى وإن انتهى كفاحها هذا بمرارة. لكن الانتخابات المحلية مهمة أيضاً، وجبهة الإنقاذ الوطني، التي انضوت تحتها أحزاب المعارضة المصرية، تواجه تحدياً كبيراً يكمن في قدرتها على إظهار أنها ليست قادرة على حشد مئات الآلاف في الشوارع فقط، بل وعلى تحريكهم إلى صناديق الاقتراع أيضاً.

والكثير من الليبراليين، ومن بينهم كاتب هذا المقال، يعتقد أن أغلبية المصريين ضد الدولة الدينية التي يحاول الإخوان المسلمون وحلفاؤهم من السلفيين بناءها. لكن بدون أي نجاح في الانتخابات، فإن مصر كما نحلم بها ستبقى حلماً طوال العقود المقبلة.

 

أشرف سويلم
ترجمة: ياسر أبو معيلق
تحرير: علي المخلافي
حقوق النشر: تسايت أونلاين / قنطرة 2012

يعمل أشرف سويلم مستشاراً للشؤون السياسية والاقتصادية لدى المرشح الرئاسي المصري السابق عمرو موسى، وأستاذاً زائراً في الجامعة الأمريكية بالقاهرة. وكان سويلم قد عمل في السلك الدبلوماسي، لينتقل بعدها إلى إدارة منتدى مصر الاقتصادي الدولي، وهي منظمة غير حكومية تعنى بالإصلاحات الاقتصادية وتطوير قطاع الأعمال. ومقاله هذا جزء من سلسلة حول اللاعبين الجدد في دول الربيع العربي، والتي ينشرها موقع Zeit Online بالتعاون مع مؤسسة كوربَر الألمانية.