هل مصر بحاجة إلى ثورة ثانية لإنقاذ الثورة الأولى؟

رغم إجراء الجولة الأولى من الانتخابات في مصر، فإن موجة العنف تصاعدت في الأسابيع الأخيرة وذلك بعد تصادم محتجين شباب مع الجيش. الآراء في الشارع المصري متباينة حول هذه الاحتجاجات، إذ يرى البعض أنه يجب إرغام الجيش على التخلي عن السلطة، بينما يحنّ آخرون إلى السلام والاستقرار. جوزيف مايتون يكتب عن مشاهداته في القاهرة.



تعيش مصر حالة من الاضطراب منذ نهاية شهر نوفمبر. فالمواجهات خلفت عشرات القتلى وآلاف الجرحى. وفي ذات الوقت يبدو وكأن الجيش يصرّ على التمسك بالحكم في البلاد، بعد أن أصبح وصياً عليه في فبراير الماضي عقب تنحي الرئيس السابق حسني مبارك عن منصبه. العنف زاده تدخل الجيش، سواء في نوفمبر بشارع محمد محمود، أو أثناء الأحداث الأخيرة أمام مبنى مجلس الوزراء في القاهرة. ففي نوفمبر هاجم الجنود اعتصاماً سلمياً في ميدان التحرير، واعتدوا على عدد من الناشطين. وعندما سمع الآخرون بما حدث، هرعوا إلى ميدان التحرير للاحتجاج، فقوبلوا بالرصاص الحي من قبل الجيش.

الصور التي أظهرت جثث متظاهرين يتم إلقاؤها على جانب الطريق كأكياس القمامة، أثارت مشاعر مئات الآلاف، ودفعتهم إلى التدفق على الميدان التاريخي. لم يكن هناك سوى قلة شجاعة وقفت بين عناصر الشرطة والجيش من جهة، وبين المحتجين الذين كانوا يرمونهم بالحجارة من جهة ثانية، فيما انهمرت عليهم زجاجات المولوتوف، وقنابل الغاز المسيل للدموع والرصاص باستمرار.

مسلسل العنف

الصورة د ب ا
طبقاً لشهود عيان، فإن الجيش استخدم قناصة لاستهداف المتظاهرين.

​​وبعد أن أقام الجيش جداراً في وسط الشارع بهدف إنهاء الاشتباكات، نقل المحتجون اعتصامهم إلى مبنى مجلس الوزراء، الذي يبعد بضعة أحياء فقط عن ميدان التحرير. ومن ثم أقام المعتصمون هناك معسكراً مؤقتاً من الخيام، وطالبوا باستقالة الحكومة الانتقالية. لكن في 17 ديسمبر، اقتحمت قوات الجيش المنطقة واختطفت أحد المحتجين، ومن ثم قامت بضربه وتعذيبه، قبل أن تقوم بالإغارة على معسكر الاعتصام وحرق الخيام هناك، ما دفع المعتصمين إلى الانتقال إلى شارع قصر العيني قبالة المبنى. واندلعت المواجهات هناك بعد أن قام عناصر من الجيش بإلقاء الحجارة وبعض الأجسام الكبيرة من فوق أسطح المباني على المتظاهرين، وأتبعوا ذلك بالرصاص المطاطي والذخيرة الحية.

المواجهات دامت خمسة أيام، وخلفت 17 قتيلاً ومئات الجرحى على يد الجيش، الذي كان قادته قد وعدوا – عندما تسلموا السلطة في فبراير – بأن يرعوا عملية التغيير الديمقراطي ستة شهور فقط. اليوم مرّ 11 شهراً على هذا الوعد. وبينما كانت عائلات الضحايا تدفن أحبتها أقيمت الانتخابات التشريعية، فيما كان الجيش يروّج لسيناريو يناقض كل واقع وصراحة. لقد أثبت الشهر الماضي أن الدكتاتور الجديد لا يختلف عن الدكتاتور القديم. كما يخشى جورج إسحق، السياسي المعروف وعضو الائتلاف الوطني للتغيير، أن يسقط المزيد من المصريين ضحايا مع استمرار الاحتجاجات، ومن أن الجيش سيلجأ إلى العنف كوسيلة للتحكم في المعارضة السياسية.

ويشعر إسحق بأن البلاد باتت تحتاج إلى ثورة جديدة، مضيفاً أنه "آن الأوان للجيش أن يرحل، إلا أنهم لن يقوموا بذلك طواعية. يجب أن نريهم أن مصر لن ترضخ لدكتاتورية العسكر ... ما أخشاه هو أن يكون الناشطون في يناير وفبراير قد قاتلوا وضحّوا بحياتهم من أجل التغيير، ليبقى الحال على ما هو عليه الآن. ينبغي علينا أن نقاتل وأن نموت من أجل أن يتحسن الوضع في مصر". ولسوء الحظ فإن جورج إسحق محق. فالكثير من المصريين قتل على يد الحكومة، سواء من قبل بلطجية مبارك، أو برصاص المجلس العسكري. والفرق اليوم هو وجهة نظر التي تقول إن المتظاهرين في الشوارع لا يعبرون عن رأي أغلبية المصريين.

الطبقة المتوسطة "الخرساء"

الصورة د ب ا
في أواخر شهر ديسمبر خرجت النساء في القاهرة، وفي مدن مصرية أخرى، للاحتجاج على المشير طنطاوي وقيادته العسكرية.

​​ناقش المحللون بالتفصيل ظاهرة "الانقسام في التحرير"، التي أدت إلى ظهور معسكر ما يسمى بالناشطين الليبراليين، في مقابل بقية الشعب والقوى الإسلامية، مثل جماعة الإخوان المسلمين وحزب النور السلفي – الذين فازا بغالبية الأصوات في الجولتين الأولى والثانية من الانتخابات البرلمانية. لكن هذه النظرة مغلوطة، فالمحتجون في الشوارع، الذين يلقون الحجارة ويخاطرون بأنفسهم، لا ينتمون في غالبهم إلى طبقة النخبة، بل هم من الطبقة المتوسطة التي لا صوت لها فعلاً. وخلال الاشتباكات وأعمال العنف منذ شهر ونصف الشهر، أصيب حوالي خمسة آلاف متظاهر، وهذا جزء كبير من المتظاهرين المخلصين الذين يريدون أن يتواجدوا في الشارع، إلا أنهم مضطرون للانتظار حتى التعافي من جروحهم. أغلب هذه الجروح كانت إصابات في العين، أو كسوراً في العظام أو جروحاً أخرى تتطلب وقتاً للتعافي والنقاهة.

يضاف إلى ذلك عدد غير معروف ممن اعتقلوا من قبل قوات الجيش والأمن. قد لا يمثل هؤلاء الغالبية في البلاد، إلا أنه لم توجد أي حركة سياسية في التاريخ دفعت بأغلبية سكان البلاد إلى التظاهر في الشوارع. فالبعض قادر على حمل شعلة التغيير، بينما يقوم الآخرون بتقديم الدعم على طريقتهم الخاصة.

مؤيدون ومعارضون

لقد تحدثت خلال الأسابيع الماضية مع ما يقرب من عشرين شخصاً يعملون في المقاهي أو المحلات في وسط القاهرة. ويتضح من هذه الأحاديث أن الإجماع هو على دعم المتظاهرين في الشارع والأمل في إنهاء حكم العسكر. إلا أنه من السهل أيضاً إيجاد المعسكر المعارض للمحتجين في شوارع مصر. فالكثير يفضل أن تعود البلاد إلى حالة الاستقرار – كما يفهمونها – بل وبعضهم يرغب في أن تعود حقبة مبارك. ويؤكد أحد سائقي سيارات التاكسي، عندما كان يقود سيارته بالقرب من ميدان التحرير، أنه "لم يقتل أحد في الشوارع عندما كان مبارك رئيساً". وعبر سائق التاكسي عن غضبه على المحتجين، وحملهم مسؤولية العنف والتدمير في المدينة.

جورج إسحق، الصورة ا ب
يقول جورج إسحق إن "الوقت حان للجيش أن يرحل، وهو لن يفعل ذلك طواعية. يجب علينا أن نريهم أن مصر لن ترضى بدكتاتورية العسكر

​​الحقيقة هي أن سائقي التاكسي وغيرهم، ممن يعتقدون أن المتظاهرين هم أساس الشرور في المجتمع، ضحايا للإعلام الحكومي المسيّس من قبل الجيش. فالجنرالات يوجهون نقداً لاذعاً لوسائل الإعلام في مصر، ويشددون على أن المتظاهرين استخدموا "القوة المفرطة"، وأنهم "يدمرون الثورة والاقتصاد" في البلاد. ويشير أحمد عجور، الناشط الشاب الذي كان في الميدان خلال أي مواجهة مع الجيش، إلى أن هذا هو صلب المشكلة، معتبراً أنه "يتم تضليل المصريين. ما يجب أن يحدث هو أن يتم تغيير الإعلام. يجب علينا أن نظهر حقيقة ما يحدث للناس، لأن الجيش يكذب عليهم وهم يصدقون هذه الأكاذيب".

التضليل الإعلامي وانقسام الرأي

أحمد محق، فكيفية استغلال الجيش لوسائل الإعلام الحكومية سيجعل أي نازي يشعر بالفخر، فالطريقة التي يقلبون فيها الأحداث لإلقاء اللوم على المتظاهرين واتهامهم مقززة، بينما يشاهد الناس ذلك ويصدقونه. حماتي، على سبيل المثال، مواطنة مصرية مسنة، وقد قالت، بعد يوم واحد من اعتقالي من قبل الجيش، إن "الجيش يحمي الناس من العنف". وأشارت إلى إحراق مبنى المجمع العلمي المصري في وسط القاهرة كدليل على أن المتظاهرين "لا يقومون بدعم مصر"، حتى بعد نشر الناشطين لمقطع فيديو يظهر بكل وضوح عناصر من الجيش والشرطة يشعلون النار في المبنى.

مناقشة الرأي العام مسألة صعبة دائماً، إلا أن جورج إسحق وآخرين يؤكدون لي بأن "الوقت حان للمضي قدماً. سيكون لدينا ثورة هنا، وهي ستنطلق قريباً". ومع اقتراب الذكرى الأولى لثورة 25 يناير، التي أطاحت بمبارك، فإن المصريين من مختلف الطبقات والناشطين المنتمين في غالبيتهم إلى الطبقة المتوسطة بدؤوا بتحضير أنفسهم في كل أنحاء البلاد لما باتوا يطلقون عليه اسم "الثورة الثانية". الأمل باق في مصر، وبرغم انتقادات المعلقين لقوى المعارضة، فإن الناشطين على الأرض وفي الشارع، المنتمين إلى طبقة متوسطة غُيّبت عن العملية السياسية لخمسة عقود، بدؤوا بالاستعداد لمواجهة من أجل قلب الثورة رأساً على عقب.

 

جوزف مايتون
ترجمة: ياسر أبو معيلق
مراجعة: هشام العدم
حقوق النشر: قنطرة 2012

الصحفي الأمريكي جوزف مايتون يرأس تحرير موقع Bikyamasr.com، الذي يتخذ من القاهرة مقراً له. ويكتب مايتون حول الأوضاع في مصر والشرق الأوسط بانتظام.