''الثورة التونسية حررت كل القوى بما فيها القوى الراديكالية ''

بعد مرور عام على ثورة الياسمين، تستقي مايا جريبي، أمين عام الحزب الديمقراطي التقدمي، العبر من الخسارة المؤلمة التي مُني بها حزبها خلال أول انتخابات حرة في البلاد، وتعلن الانضمام إلى خمسة أحزاب ليبيرالية وسطية. ساره ميرش حاورت مايا جريبي في تونس حول تحديات المرحلة القادمة .

الكاتبة ، الكاتب: Sarah Mersch



سيدة مايا جريبي، علينا أن نقول بكل وضوح إن الحزب الديمقراطي التقدمي مُني بخسارة لم يتوقعها مناصروه أو الرأي العام أو حتى الطبقة السياسية. ما هي، برأيك، أسباب هذه الخسارة؟

مايا جريبي: من أجل البقاء على تواصل دائم مع المواطنين، يحتاج المرء إلى منظومة حزبية كاملة. نحن نفتقر إلى هذه المنظومة، لأننا عانينا من الاضطهاد في ظل النظام السابق، وبقينا دائماً في خانة المعارضة. وبالإضافة إلى ذلك، فقد مارسنا عملية الاتصال بشكل خاطئ، إذ لم نتمكن من توصيل قناعاتنا فيما يتعلق بمسألة الهوية والمجالين الاجتماعي والسياسي. لقد قمنا بتحليل أخطائنا الآن ونحاول في الوقت الراهن إعادة التركيز على هذه المواضيع.

لماذا قرر حزبكم الاندماج مع أحزاب أخرى الآن وليس قبل الانتخابات؟

الصورة دويتشه فيله
"لقد طالبنا بعد الثورة بالسماح لكل الأحزاب، التي تتعهد بالالتزام بقواعد العملية الديمقراطية، بالمشاركة في عملية الانتقال الديمقراطي"

​​جريبي: هذه عملية نمو سياسي كان يجب لها أن تحدث. فبعد الانتخابات قامت جميع الأحزاب باستقاء العبر، وأهم العبر التي استقيناها هي أن علينا أن نتعاون كي نبني جمهورية حقيقية في تونس. فكل نظام جمهوري مبني على مبدأ تداول السلطة، ولذلك نحن بحاجة إلى توازن بين القوى السياسية، ونشعر بأننا مطالبون ببناء جبهة موحدة تمثل توقعات قطاع واسع من المجتمع التونسي وتضمن توازناً للقوى.
إن الأحزاب وأعضاءها الذين انضممنا إليهم الآن قريبون مني مثل قرب أعضاء حزبي إليّ، وأنا واثقة من أن هذا الاندماج مؤشر إيجابي، فهو سيكون ككرة الثلج المتدحرجة، التي ستدفع المجموعات الأصغر للاندماج مع بعضها البعض، ليس فقط في المجال السياسي، بل في مجال مؤسسات المجتمع المدني أيضاً. يوجد في تونس الكثير من الكفاءات، والثورة ستجعل الاستفادة منها بأكملها ممكناً.

هل يمكن لعملية التحول الديمقراطي أن تنجح في ظل الائتلاف الحكومي الحالي، المكوّن من أحزاب النهضة، والتكتل، والمؤتمر من أجل الجمهورية؟

جريبي: لقد ناضلت دائماً من أجل ضم الإسلام المعتدل إلى منظومة الحكم، فبدون القوى المعتدلة لهذه الحركة لن تكون هناك ديمقراطية حقيقية في تونس. لقد طالبنا بعد الثورة بالسماح لكل الأحزاب، التي تتعهد بالالتزام بقواعد العملية الديمقراطية، بالمشاركة في عملية الانتقال الديمقراطي. لكنني أجد الائتلاف الحالي غير طبيعي، فهذه الثلاثية تضم أحزاباً تتبنى مواقف قريبة منا قوى الوسط، خاصة فيما يتعلق بسياساتها المجتمعية، إلا أنها دخلت في ائتلاف مع حزب النهضة بسبب حسابات سياسية ورغبة في الحكم. هذا ما أستنكره من وجهة نظري الشخصية، لكنه من ناحية سياسية أمر مقبول. وبالرغم من ذلك، فإنني أنظر بقلق إلى الدور القيادي لحزب النهضة، والذي يتجلى، على سبيل المثال، في التنظيم المؤقت لتقسيم سلطات الدولة، أي ما يشبه دستوراً مصغراً سيرافقنا حتى إقرار دستور البلاد الجديد، الذي يفترض أن يضمن تقسيماً لسلطات ا

الغنوشي د ب ا
"أنا أعتقد أن غالبية التونسيين تنتمي – من منظور ثقافي – إلى التيار الوسطي في المجتمع"

​​لدولة. لكن حزب النهضة نجح، بمساعدة شركائه في الائتلاف وغالبيتهم البرلمانية، في إبقاء سلطات الدولة بيد رئيس الوزراء. قبل الرابع عشر من يناير كانت كل السلطات في يد رئيس الجمهورية، وهي الآن بيد رئيس الوزراء، لذا أعتقد أن علينا تجاوز بعض العقبات في طريقنا نحو الديمقراطية.

ما هي أكبر التحديات التي تواجه التونسيين الآن؟

جريبي: سيكون عام 2012 عاماً صعباً للغاية، فبدون تحسين الأوضاع الاجتماعية لا يمكن أن نقول إن الثورة قد نجحت. الحكومة ارتكبت عدة أخطاء في هذا المجال، وهذا يسبب شعوراً بالتهميش لدى عدد من الطبقات الاجتماعية، التي لا ترى أن مطالبها تلقى آذاناً صاغية، وهذا من شأنه أن يزيد توتر الأوضاع.

بالإضافة إلى ذلك، فإن الأحزاب قدمت الكثير من الوعود المبالغ بها، الأمر الذي جعل الشعب يحلم بمعجزة لن تتحقق. نحن بحاجة إلى الاستقرار من أجل استقطاب المستثمرين ودفع عجلة الاقتصاد، إلا أن بقاء البلاد في حالة من الفوضى لن يجلب المستثمرين. السياحة تتقدم – وأقول ذلك بشكل حذر – بشكل بطيء الآن. كما أن شركات كثيرة اضطرت لإغلاق أبوابها بسبب الإضرابات والاعتصامات المتكررة. يجب على الحكومة التصرف بشكل عاجل قبل أن يتفجر الوضع، وإلا سيكون تطور الديمقراطية في البلاد على المحكّ.

نلاحظ في تونس مؤخراً انقساماً متزايداً بين القوى التقليدية والدينية والمعاصرة. كيف تقيمين التطورات الحالية؟

جريبي: علينا ألاّ ننشر الرعب، فالثورة حررت كل القوى، بما فيها القوى الراديكالية. وأنا أعتقد أن غالبية التونسيين تنتمي – من منظور ثقافي – إلى التيار الوسطي في المجتمع. الإسلام، من وجهة نظري الشخصية، دين وسطي، والتونسيون عايشوا الكثير من التيارات الثقافية والسياسية، الإصلاحية منها والمعتدلة.

لذلك أرى بأننا متجذرون في هذا الإسلام العصري التقدمي المنفتح المتسامح، وأنا وحزبي ملتزمان بهذا التيار. توجد بين السلفيين تيارات سلمية، وتيارات أخرى تسعى للتدخل في الحياة الشخصية للمواطنين ولا تحترم حرياتهم الفردية. إذا لم تغمض الحكومة عينيها عن هؤلاء المتطرفين، وسمحت للمجتمع المدني بالتصرف كما هو مفترض منه، فإن هذا التيار سيبقى صغيراً وسيضطر لإحناء رأسه أمام القانون.

 

أجرت الحوار: ساره ميرش
ترجمة: ياسر أبو معيلق
مراجعة: هشام العدم
حقوق النشر: قنطرة 2012