مقامرة الترشيحات الرئاسية...خسارة للإصلاحيين في طهران

كان من المنتظر أن تشهد الانتخابات الرئاسية الإيرانية المقرر إجراؤها في   يونيو 2013 مبارزة أخيرة بين أقدم سياسيَّيـْن في إيران ولكن استبعاد الإصلاحي رفسنجاني من السباق الرئاسي أزاح من أمام المحافظين، الموالين للمرشد الأعلى خامنئي، تحديا كبيرا لربما كان سيحدث تغييراً في مسار الجمهورية الإسلامية. ماركوس ميشائيلسن يسلط الضوء على حراك السياسيين المتنافسين في إيران قبيل الانتخابات الرئاسية.

الكاتبة ، الكاتب: Marcus Michalsen

"باسم الله... لنذهب متوكلين على الله!" بهذه الكلمات غادرت فائزة هاشمي رفسنجاني مكتب والدها فجأة بعد مكالمة هاتفية قصيرة لتسجيل ترشّحه في الانتخابات الرئاسية قبل وقت قصير من انتهاء موعد الترشيح للانتخابات، كما ورد في صحفية "شرق" الصادرة في طهران.

بعد فترة طويلة من المناورات التكتيكية وبقراره خوض الانتخابات الرئاسية، خلق السياسي المخضرم رفسنجاني دينامية جديدة في السباق على خلافة الرئيس محمود أحمدي نجاد. وبما أنَّ كوادر النظام ذات الصبغات المحافظة المختلفة لا تزال هي المهيمنة حتى الآن على ميدان المرشَّحين الواسع، كان من المتوقع أنَّ هذه المعركة الانتخابية سوف تتَّسم باستقطاب قوي، قبل أن يمنع مجلس صيانة الدستور في إيران المرشحَ الإصلاحي الرئيس الإيراني الأسبق أكبر هاشمي رفسنجاني من خوض الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها الشهر المقبل.

عملية الاقتراع المقرر إجراؤها في الرابع عشر من شهر حزيران/ يونيو لا تزال تعاني من تأثيرات الانتخابات الرئاسية الأخيرة. فقد أدَّت في صيف عام 2009 الاحتجاجات على تزوير الانتخابات وأعمال القمع العنيف إلى إغراق جمهورية إيران الإسلامية في إحدى أسوأ الأزمات التي شهدتها منذ وجودها.

المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية آية الله علي خامنئي. momtaznews
تعتبر الانتخابات الرئاسية التي سيتم إجراؤها في الرابع عشر من حزيران/ يونيو بمثابة اختبار يحدّد قوة ومكانة المرشد الأعلى للثورة، علي خامنئي في داخل جمهورية إيران الإسلامية التي تعاني من أزمة اقتصادية حادة ومن العقوبات الدولية المفروضة عليها.

​​

انتخابات خاضعة للرقابة

والآن يسعى المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران، علي خامنئي، إلى إجراء انتخابات خاضعة لرقابة دقيقة تؤدِّي إلى خلق الاستقرار في النظام وتوصل رئيسًا مطيعاً إلى منصب الرئاسة بعد الرئيس المتقلّب محمود أحمدي نجاد.

ولكنّ المحافظين الذين يعانون من النزاعات الخاصة وطموحات الوصول إلى السلطة لم يتمكَّنوا في تحديد المرشَّح الوحدوي المطلوب.

وفي آخر المطاف قام أتباع خامنئي الثلاثة الذين أوكلت لهم هذه المهمة - أي وزير الخارجية السابق علي أكبر ولايتي والنائب حداد عادل ورئيس بلدية طهران باقر قاليباف - بتسجيل ترشيحهم جميعهم للانتخابات. ويضاف إلى ذلك ترشّح أكثر من ثلاثين من السياسيين المعروفين.

ومن الممكن أن يكون اهتمام المرشد الأعلى للثورة الإسلامية قد انتقل الآن إلى المتسلِّق الجديد سعيد جليل، أمين المجلس الأعلى للأمن القومي وكبير المفاوضين النوويين.

صحيح أنه لا يملك أية خبرة في إدارة الحكومة، ولكن سعيد جليلي أثبت خبرته الدبلوماسية وتجاربه على الجبهة في الحرب مع العراق.

وهو يحاول على ما يبدو تقديم نفسه كمرشّح الحرس الثوري الذي لم تظهر قيادته حتى الآن أية اختيارات.

ومن جانبه لا يريد محمود أحمدي نجاد التخلي عن منصبه من دون كفاح. ومثلما كان متوقعًا فقد قام الرئيس المنتهية ولايته بإدخال رفيقه المقرَّب اسفنديار مشائي إلى السباق الرئاسي، ولكن قام مجلس صيانة الدستور في إيران بمنعه هو الآخر من خوض الانتخابات الرئاسية.

فاسفنديار واجه بسبب خطاباته القومية الرنانة ومعارضته رجال الدين رفضًا شديدًا في مؤسَّسة أصحاب النفوذ المحافظين.

وبأسلوبه المغرور والمعتاد أشار محمود أحمدي نجاد إلى أنَّه من الممكن أن يتوجَّه نتيجة لمثل هذه التنحية إلى الجمهور بمعلومات مشينة تشوِّه سمعة كبار ممثِّلي النظام.

وبما أنَّ وزارة الداخلية التي تخضع لسلطته هي المسؤولة عن إجراء الانتخابات، فإنَّ حدوث تدخلات في العملية الانتخابية أو حتى تعرّض الانتخابات لمقاطعة كاملة ليس أمرًا مستبعدًا مثلما يبدو للمراقبين الإيرانيين.

رفسنجاني. IRNA
الترشيح في اللحظة الأخيرة - قدَّم الرئيس السابق أكبر هاشمي رفسنجاني طلب ترشيحه للانتخابات قبل وقت قصير من الموعد النهائي للتسجيل. وكان من المحتمل أنَّه سيحصل على بعض أصوات معسكر الإصلاحيين الذي خسر فيه منذ عام 2009 الكثير من نفوذه. لكن رفسنجاني مُنِع من خوض السباق الرئاسي 2013.

​​

رفسنجاني كان الأسطورة والأمل

وفي داخل معسكر الإصلاحيين عارض الرئيس السابق محمد خاتمي إلحاح أتباعه عليه لترشيح نفسه مرة أخرى.

فخاتمي يرى أنَّ هذه المواجهة المباشرة لا معنى لها بصفته راعيًا لاتِّجاه سياسي لا يزال ممثِّلوه الرئيسيون يقبعون في السجون أو موضوعين تحت الإقامة الجبرية. ولذلك وقف الإصلاحيون والكثير من أنصار "الحركة الخضراء" خلف رفسنجاني معتقدين أنَّ رفسنجاني سوف يوقف قوة المتشدِّدين الملتفين حول خامنئي وسيدخل انفتاحًا حذرًا على النظام.

ومع تفاقم الأوضاع بصورة متزايدة ومنع رفسنجاني من الترشح من الممكن أن يؤدّي ذلك إلى تعبئة مشابهة مثلما حدث قبل أربعة أعوام.

ولكن مع ذلك ينبغي لرفسنجاني أن يكون حريصًا على عدم السماح لأتباعه بإطلاق شعارات تنتقد النظام. ومنذ أن أعرب في شهر تموز/يوليو 2009 عن تعاطفه مع حركة الاحتجاجات، اضطر رفسنجاني الذي كان في السابق مقرَّبًا من الخميني والذي شغل جميع المناصب العليا في جمهورية إيران الإسلامية إلى القبول بخسارة كبيرة في نفوذه.

ويبدو أنَّ هاشمي رفسنجاني الذي يبلغ عمره 78 عامًا كان يسعى من خلال ترشيحه الجديد إلى إعادة إحياء أسطورته باعتباره الرجل الثاني في الدولة وإلى الدفاع عن إرثه السياسي.

ومن خلال الإشارة إلى خبرته الطويلة كان يريد تقديم نفسه على أنَّه الرجل الوحيد القادر على إخراج البلاد من عزلتها الدولية ومن الأزمة الاقتصادية المستمرة منذ فترة طويلة، معتمداً بذلك على دعم العديد من المحافظين التقليديين ورجال الدين الشيعة.

 وزير الخارجية الإيراني الأسبق علي أكبر ولايتي. MEHR
ناقد لاذع ومنافس لرفسنجاني - يحظى وزير الخارجية الإيراني السابق علي أكبر ولايتي الذي يعمل مستشارًا للمرشد الأعلى علي خامنئي بفرص جيدة جدًا في خلافته الرئيس أحمدي نجاد.

​​

"ضوء أصفر" من مرشد الثورة

صحيح أنَّ رفسنجاني قد أكَّد على عدم ترشّحه من دون الحصول على موافقة المرشد الأعلى للثورة الإسلامية، بيد أنَّه لم يكن من الواضح، قبل منعه من خوض السباق الرئاسي، إن كان حقًا قد حصل على هذه الموافقة.

ولكن الاقبال الواسع على الانتخابات يعتبر ضروريًا بالنسبه له، وذلك لأنَّه يأمل من هذا الاقبال الحصول على الشرعية. وهكذا من الجائز أنَّ المكالمة الهاتفية التي من المفترض أنَّ رفسنجاني قد تلقاها في اللحظة الأخيرة - إذا كان حقًا قد تلقاها - نقلت له على الأقل "ضوءاً أصفر" من المرشد الأعلى للثورة.

ولكن في الواقع لقد أظهر المتشدِّدون في الانتخابات الأخيرة مدى استعدادهم لفعل أي شيء ممكن من أجل الحفاظ على السلطة. ومع ذلك لقد وصف مؤخرًا وزير الاستخبارات حيدر مصلحي في وصف شديد اللهجة وملفت للنظر هاشمي رفسنجاني باعتباره عضوًا من أعضاء "المؤامرة" التي شهدتها إيران في عام 2009.

ومن خلال إشارته إلى المظاهرة العفوية التي خرج بها مئات من مؤيِّدي رفسنجاني أثناء تسجيل ترشيحه حذَّر ولايتي مستشارُ خامنئي للشؤون السياسية الخارجية من تكرار تلك الأحداث.

كان قبول المرشَّحين أو منعهم من قبل مجلس صيانة الدستور حتى الثالث والعشرين من شهر أيَّار/مايو الجاري بمثابة مقامرة على السلطة كان يمكن أن ينتج عنها أن تمثِّل الانتخابات الرئاسية الإيرانية المبارزة الأخيرة بين أقدم سياسيين في خدمة جمهورية إيران الإسلامية، بل وبإحداث تغيير في مسار الجمهورية الإسلامية. فهل طهران مقبلة الآن على أيَّام عصيبة؟

 

ماركوس ميشائيلسن
ترجمة: رائد الباش
تحرير: علي المخلافي
حقوق النشر: قنطرة 2013