ورطة أوباما في الشرق الأوسط

يرى أستاذ العلاقات الدولية في معهد الدراسات السياسية في باريس، زكي العايدي أنَّ الرئيس الأمريكي باراك أوباما قد فشل فشلاً تامًا في سياسته في أفغانستان والشرق الأوسط، ويعود سبب ذلك إلى عدم امتلاكه رؤية إستراتيجية حقيقية.



لم يكد الرئيس الأمريكي باراك أوباما يرحِّب بالجنود الأمريكيين العائدين من العراق إلى وطنهم ويشيد بالاستقرار والديمقراطية في العراق، حتى كشفت موجة غير مسبوقة من أعمال العنف التي وقعت في كلّ من بغداد ومناطق أخرى من العراق النقاب عن عمق الأزمة السياسية في بلاد الرافدين. فهل هذه الأزمة هي مجرَّد استثناء يؤسف له أم إنَّها أقرب ما تكون إلى عرض من أعراض فشل دبلوماسية أوباما في منطقة الشرق الأوسط الممتدة من مصر وحتى أفغانستان؟ لقد حدَّد أوباما عند توليه منصبه أربعة أهداف لمنطقة الشرق الأوسط وهي: خلق الاستقرار في العراق قبل انسحاب القوَّات الأمريكية، والانسحاب من أفغانستان على أساس موقف القوة والحد الأدنى من التقارب السياسي من باكستان، وتحقيق تقدّم كبير في عملية السلام في الشرق الأوسط من خلال الضغط على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لوقف بناء المستوطنات الجديدة، بالإضافة إلى إجراء حوار مع إيران حول مستقبل برنامجها النووي. وعلى ما يبدو لقد حقَّق أوباما القليل في هذه المجالات الأربعة.

تأثيرات مضادة

د ب ا
هل يعدّ احتلال العراق هزيمة إستراتيجية كبيرة؟ في عام 2003 غزت الولايات المتَّحدة الأمريكية وحلفاؤها العراق وأسقطت الرئيس العراقي السابق صدام حسين. وقتل في هذه الحرب 4500 جندي أمريكي وعشرات الآلاف من العراقيين. وفي شهر كانون أوَّل/ديسمبر 2011 انسحبت آخر القوَّات الأمريكية المقاتلة من العراق

​​سعت الولايات المتَّحدة الأمريكية في العراق منذ رئاسة الرئيس جورج دبليو بوش إلى ممارسة تأثير معتدل على سلطة الشيعة من أجل تمكين هذا البلد من إنشاء نظام سياسي أوسع - وخاصة من خلال تمرير قانون جديد لتوزيع أرباح صادرات النفط بين الشيعة والسنَّة والأكراد. لكن لسوء الحظ فقد حدث عكس ذلك. إذ بدأت كردستان السير باتجاه زيادة الحكم الذاتي وكذلك صار يتم تهميش السنَّة بصورة متزايدة من قبل حكومة مركزية طائفية ومستبدة يسيطر عليها الشيعية. وهذا يؤثِّر على توازن القوى في المنطقة، وذلك بسبب تقارب العراق الشديد من إيران لإيجاد توازن مع تأثير تركيا التي ينطر إليها على أنَّها حامية السنَّة. صرَّح رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي أثناء زيارته الأخيرة إلى واشنطن بأنَّه قلق على تركيا أكثر من إيران، وقد بيَّنت ملاحظته هذه عمق الفجوة الضخمة بين العراق والولايات المتَّحدة الأمريكية التي يبدو أنَّها فقدت كلَّ تأثير سياسي على التطوّرات في العراق. ونظرًا إلى هذا التطوّر المقلق فقد قرَّرت الولايات المتَّحدة الأمريكية في الواقع المحافظة على ورقتها الأخيرة في لعبتها مع نوري المالكي، أي مبيعات الأسلحة.

انعدام الرؤية متوسطة المدى

رويتر
عصر جليدي جديد في العلاقات الأمريكية الباكستانية - تحوّل مؤخرًا رئيس الوزراء الباكستاني يوسف رضا جيلاني إلى معارضته الشديدة لانتهاك سيادة بلاده الوطنية من خلال العمليات العسكرية التي تقوم بها القوَّات الأمريكية

​​ما من شكّ في أنَّ الغزو الأمريكي للعراق كان بالنسبة للولايات المتَّحدة الأمريكية بمثابة هزيمة إستراتيجية ساحقة، وذلك لأنَّه لم يعمل في النهاية إلاَّ على تقوية إيران. ولكن مع ذلك لا توجد لدى أوباما رؤية متوسطة المدى لكيفية التعامل مع خطورة الموقف - وهذا الخطأ ستكون كلفته عاجلاً أو آجلاً باهظة الثمن بالنسبة للولايات المتَّحدة الأمريكية. من الممكن حدوث أمرين: إمَّا أن يؤدِّي تشديد الرقابة المفروضة على إيران من خلال الحظر المفروض على صادراتها النفطية إلى نتائج إيجابية ويضعفها أو أنَّ هذه الرقابة ستفشل، وهذا الأمر سيظهر أنَّ مشاركة الولايات المتَّحدة الأمريكية في حرب جديدة في الشرق الأوسط مسألة حتمية من غير الممكن تجنّبها. وكذلك من غير المستبعد أن يكون البعض في دوائر السياسة الخارجية في الولايات المتَّحدة الأمريكية يستغلون تفاقم الأزمة مع العراق كحجر أساس لتدخّل عسكري في إيران. ولكن أوباما لا يعدّ شخصًا غبيًا؛ فقد لاحظ عداء الكونغرس الأميركي لإيران ورغبته في مواجهة جمهورية إيران الإسلامية مواجهة عسكرية. ولكنه مع ذلك يؤمن بإمكانية تجنّب الحلول غير العادية. ففي الحياة الدبلوماسية من الممكن حدوث كلِّ شيء كما أنَّ السيناريو الأسوأ لا يعدّ أمرًا حتميًا.

لا بديل لحركة طالبان

تكمن المشكلة في كون باراك أوباما يميل كثيرًا إلى المبالغة في تقدير قدرة الولايات المتَّحدة الأمريكية على التأثير على الأطراف الأضعف. وما ينطبق هنا على العراق ينطيق أيضًا على أفغانستان؛ بإمكان أوباما أن يهنئ نفسه بالتمكّن من القضاء على أسامة بن لادن، الأمر الذي كان من دون شكّ نجاحًا، بيد أنَّ هذا النجاح لم يؤثِّر على جذور المشكلة. فعلى الرغم من الجود العسكري الأمريكي طيلة عشرة أعوام ونشر أكثر من مائة ألف جندي وعلى الرغم من التكلفة التي بلغت نحو خمسمائة وخمسين مليار دولار أمريكي، إلاَّ أنَّ للولايات المتَّحدة الأمريكية لم تنجح حتى الآن في إيجاد أي بديل لحركة طالبان قادر على الاستمرار. والأسوأ من ذلك أنَّ التحالف السياسي القائم بين الولايات المتَّحدة الأمريكية وباكستان صار ينهار.

لقد تراجعت في الواقع العلاقات بين الولايات المتَّحدة الأمريكية وباكستان إلى الحالة التي كانت عليها قبل الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001، وذلك عندما كانت هذه العلاقات تتميَّز بانعدام عميق للثقة بين الطرفين. ومن الواضح أنَّ الحكومة الباكستانية تتحمَّل قدرًا كبيرًا من المسؤولية عن هذا الوضع. ولكن إذا كانت الولايات المتَّحدة الأمريكية غير قادرة على إشراك باكستان في حلِّ الصراع في أفغانستان، فإنَّ هذا الفشل يعكس وبكلِّ بساطة رفض أمريكا منح الباكستانيين ما يريدون؛ أي تغيير ميزان القوى في المنطقة على حساب الهند.

وفي المقابل قامت باكستان بتجميد التعاون مع الولايات المتَّحدة الأمريكية، لأنَّ الحكومة الباكستانية لم تعد ترى أي مكسب يمكن أن تجنيه من محاربة طالبان. وثمة خطر يكمن في إمكانية أن تقوم الولايات المتَّحدة الأمريكية مع انسحابها من أفغانستان - الذي تم منذ فترة قصيرة تقديم موعده عامًا بعد عام 2014، بفرض عقوبات جديدة على باكستان، على هذه الدولة النووية التي لا يمكن التعويل عليها والتي سترد من خلال تعزيز علاقاتها مع الصين ودعمها الجماعات الإرهابية الإسلامية.

إجبار أوباما على التراجع

د ب ا
كتب زكي العايدي: "كان أوباما يعتقد في البداية أنَّه يستطيع من خلال الضغط على نتنياهو بهدف تجميد بناء المستوطنات إعادة إحياء عملية السلام؛ ولكن حليفه نتنياهو الذي يعرف مدى أهمية المشكلة الإسرائيلية بالنسبة للسياسة الداخلية الأميركية هزمه بسرعة وبمهارة".

​​وكذلك حاول أوباما استخدام نفوذ الولايات المتَّحدة الأمريكية كجزء من إستراتيجيته الشرق أوسطية الرامية إلى إيجاد حلّ للصراع الإسرائيلي الفلسطيني. وكان يعتقد في البداية أنَّه يستطيع من خلال الضغط على نتنياهو بهدف تجميد بناء المستوطنات إعادة إحياء عملية السلام. ولكن حليفه نتنياهو الذي يعرف مدى أهمية المشكلة الإسرائيلية بالنسبة للسياسة الداخلية الأميركية هزمه بسرعة وبمهارة؛ حيث نجح نتنياهو في إجبار أوباما على التراجع من خلال تحريكه بقية أعضاء المؤسَّسة الأمريكية ضدّه.

وفي عام 2009 كان لدى أوباما هدف يرمي إلى حلِّ النزاع من خلال عمل المجتمع الدولي بشكل قوي. وأكد في عام 2011 على أنَّ استعداد كلا الطرفين هو فقط ما يمكن أن يضمن نتيجة ناجحة. وعلى ما يبدو فإنَّ الولايات المتَّحدة الأمريكية لا تستطيع المساهمة كثيرًا من أجل حلّ هذا الصراع. لا يوجد تفسير شامل لفشل أوباما المستمر في الشرق الأوسط، ولكن هناك بعض العوامل التي تستحق النظر، أي زيادة عدد الصراعات غير المتكافئة التي يكون فيها استحدام القوة العسكرية بشكل تقليدي أقل فعالية، وزيادة الغموض في الحدود الفاصلة بين حلفاء صعبين وخصوم شديدين، بالإضافة إلى وجود خلافات سياسية كبيرة بين الرئيس الأمريكي المعتدل باراك أوباما والكونغرس الأمريكي الذي تسيطر عليه الآن أفكار متطرِّفة أكثر من أي وقت مضى. ولكن أوباما بالذات يتحمَّل جزءً كبيرًا من المسؤولية؛ فهو لا يملك على العكس من الانطباع السائد رؤية إستراتيجية حقيقية يستطيع تقديمها إلى العالم - وهذا العيب ينعكس في استسلامه السريع أمام معارضي مقترحاته. وكذلك كثيرًا ما تكون لدى أوباما خطة معيَّنة، ولكن لم تكن لديه قطّ أية خطة بديلة؛ كما أنَّ وجود خطة واحدة لا يكفي لضمان اتِّباع سياسة خارجية ناجحة.

 

زكي العايدي
ترجمة: رائد الباش

مراجعة: هشام العدم
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت/قنطرة 2012

يعمل زكي العايدي أستاذًا للعلاقات الدولية في معهد الدراسات السياسية في باريس (سيانس بو)