تشديد قانون الإجهاض في تركيا يعتبر انتهاكًا للخصوصيات

بعدما أعلن رئيس الوزراء التركي رجب طيب إردوغان مؤخرا أنَّ الإجهاض جريمة قتل ويجب التعامل معه أيضًا على هذا النحو، سارعت الحكومة التركية إلى الإعلان عن فرض قيود على حقّ الإجهاض. ولكن الآن لم يعد يدور الحديث حول هذه الخطط بعدما شهدت البلاد احتجاجات كثيرة ضدّ هذا المشروع. فاطمة كايابال تحدَّثت إلى الناشطة في مجال حقوق المرأة سيلين لرمي أوغلو يلماز.

الكاتبة ، الكاتب: Fatma Kayabal



لقد ظلت الحكومة التركية تناقش قانون الإجهاض الجديد طيلة شهر تقريبًا. كيف تابعت هذا النقاش في تركيا؟


سيلين لرمي أوغلو يلماز: نحن نراقب النقاش حول الإجهاض منذ فترة طويلة. ولكن الجدال الحالي أظهر من جديد أنَّ الحكومة تبذل كلَّ ما في وسعها من أجل التقليل من خصوصيات الناس إلى أدنى حدّ والتدخّل في حياتهم الخاصة. وقد تم الآن تسريع العملية التي من المفترض أن تؤدِّي إلى تحقيق هذا الهدف. ولذلك يجب النظر إلى محاولة التقليل من عدد حالات الإجهاض ضمن سياق تدخّلات مشابهة تمامًا، مثل الضغط الذي تمارسه الحكومة لإجبار المرأة على إنجاب ثلاثة أطفال على الأقل والحدّ من عمليات الولادة القيصرية وكذلك الحكم الصادر عن المحكمة العليا الذي يصف ممارسة الجنس الشرجي والفموي بأنَّه غير طبيعي بالإضافة إلى القيود المفروضة على استخدام الإنترنت إلخ...

الصورة فاطمة ياكابال
تقول الناشطة سيلين لرمي أوغلو يلماز إنَّ "الحكومة تبذل كلَّ ما في وسعها من أجل التقليل من خصوصيات الناس والتدخّل في حياتهم الخاصة

​​وكلّ هذه انعكاسات لمشروع "الهندسة الاجتماعية" الذي يستهدف خصوصيات الناس بصورة مباشرة. ولكن عندما بدأ أيضًا الجدال حول الإجهاض، لاحظ الكثيرون بمن فيهم أيضًا من يعارضون الإجهاض - أنَّ هناك محاولة لفرض قيود على حياة المواطنين الخاصة. وقد أدرك الكثيرون فجأة أنَّ هذا الشكل من "الهندسة الاجتماعية" من الممكن أن يؤثِّر على كلِّ فرد في نقطة معيَّنة. وكان هذا درس المواطنين الأوَّل.

وثم لاحظنا أنَّ الحركة النسائية في تركيا تشهد في الوقت الراهن نموًا متزايدًا في تنوّعها. وبطبيعة الحال لا يجب علينا أن نكون متَّفقين في كلِّ النقاط، ولكن مع ذلك ما يزال علينا التضامن في عملنا. وقد كنا قادرين ضمن سياق الجدال حول الإجهاض على إظهار هذا التضامن، على الرغم من أنَّنا لم نكن متَّفقين في بعض النقاط. ولاحظنا في الوقت نفسه مدى أهمية أن نأخذ زمام المبادرة بأنفسنا. وحتى الآن كانت الحكومة تحاول دائمًا فعل شيء ما وكنا من ناحيتنا نعارضها في ذلك. ولكن لقد بيَّن لنا الجدال الدائر حول الإجهاض أنَّه يجب علينا تطوير سياستنا ووضع مطالبنا على جدول الأعمال.

هل شكَّل تضامن النساء المتديِّنات مفاجأة سارة بالنسبة لك؟

يلماز: أجل وبكلِّ تأكيد. إذ إنَّ هؤلاء النساء استطعن القول: "نحن شخصيًا نعارض الإجهاض ولكننا نجد أنَّ محاولة الحدّ منه أو حتى حظره حظرًا تامًا تمثِّل شكلاً من أشكال الظلم وهي لذلك محاولة غير ديمقراطية". ورغم أنَّنا في الحقيقة لم نخرج في أية مظاهرات مشتركة ولكن مع ذلك استطعنا التعبير عن تضامننا.

لم تشهد البلاد منذ تشريع الإجهاض مثل هذه المناقشات الساخنة حول هذا الموضوع. ويبدو أنَّه قد تم التوصّل إلى نوع من "الاتِّفاق الضمني" بين الذين كانوا يؤيِّدونه والذين كانوا يعارضونه. وعلى الرغم من أنَّ الحكومة قد جمَّدت خطتها في الوقت الراهن، ولكن المارد خرج الآن من القمقم - فكيف سيؤثِّر ذلك على الحياة اليومية؟

د ب ا
تخلت حكومة حزب العدالة والتنمية في آحر المطاف عن خطة تشديد قانون الإجهاض بعد خروج المنظمات النسائية التركية في احتجاجات شديدة والانتقادات الأوروبية والطعون المقدَّمة من صفوف الحكومة

​​يلماز: لقد أفهمت الحكومة الجماهير أنَّ "الإجهاض يعتبر جريمة قتل" وأنَّ ما حاولت الحكومة القيام به حيال ذلك هو الشيء الصحيح. بيد أنَّها لا تفعل من خلال ذلك شيئًا آخر سوى "هندسة المجتمع". وكان موقف الحكومة مشابهًا تمامًا عندما حاولت اعتبار الخيانة الزوجية جريمة يعاقب عليها القانون. ولكنها اضطرت في وقت لاحق إلى التخلي مرة أخرى عن هذا المشروع أيضًا. لكن الرسالة الموجَّهة من خلال ذلك إلى الشعب كانت واضحة لا لبس فيها. إذ صارت المرأة تقول لنفسها: "لا يوجد لدي ثلاثة أطفال، فهل ما أفعله هو الشيء الصحيح؟" وهكذا صارت المرأة تشعر بالضغوطات الاجتماعية.

ومنذ الآن لن تتحدَّث النساء بصراحة حول الإجهاض حتى مع أطبائهن، الأمر الذي سيزيد من حجم الضغوط التي يشعرن بها. وحتى لو لم يتم الآن التوصّل إلى قانون جديد خاص بالإجهاض، ولكن سوف يتواصل الخوض في هذه النقاشات وبصورة نمطية ومبسَّطة. وهذا سيؤدِّي على المدى الطويل إلى زيادة حدة التوتّرات في المجتمع وسيخلق ضغوطات جديدة تعاني منها النساء.

ويضاف إلى ذلك أنَّ الحكومة صارت تؤثّر على حياة النساء اليومية على الرغم من أنَّها لم تغيِّر القوانين. وعلى سبيل المثال تم خفض عدد مراكز الأمومة والطفولة التي تساعد النساء على تحديد النسل. وكان بوسع النساء هناك الحديث بصراحة حول مشكلاتهن الخاصة مع أشخاص يثقن بهم. ولكن النساء الآن أصبحن معزولات بصورة متزايدة.

لقد قال رئيس الوزراء التركي رجب طيب إردوغان أيضًا إنَّ الإجهاض والولادات القيصرية جزءان من "مؤامرة سرية" هدفها إضعاف الشعب التركي الذي يعتبر حسب قوله "نواة الاقتصاد التركي". ما رأيك في ذلك؟

يلماز: نحن نعتقد أنَّ بعض الأشخاص يقدَّمون لإردوغان تقارير تقول إنَّ متوسَّط عمر السكَّان في تركيا يزداد، الأمر الذي سيؤدِّي مثلما يزعمون إلى فشل نظام الضمان الاجتماعي لدينا في فترة ما. ولكننا لا نعرف من أي مصدر أتت هذه المعلومات وعلى ماذا استندت، إذ إنَّنا لا نعرف أية دولة أخرى حاولت إيجاد حلّ لمشكلة زيادة متوسَّط عمر السكَّان لديها من خلال إبعاد النساء عن سوق العمل وإجبارهن على إنجاب ما لا يقل عن ثلاثة أطفال.

وكذلك لا تتجاوز نسبة النساء العاملات في تركيا ثمانية وعشرين في المائة. ومن الممكن أيضًا أن تقدِّم الهجرة حلاً لهذه المشكلة، بحيث لا يبقى في الواقع سوى تفسير واحد - أي التفسير القومي الذي يكمن في التوازن السكَّاني بين الأكراد والأتراك.

صحيح أنَّ الحديث لا يدور حول ذلك بصراحة ولكن هناك نظرية تقول إنَّ معدل النمو السكَّاني في المناطق الكردية أعلى بكثير مما هو عليه في باقي أنحاء تركيا. فهل هذا هو السبب الذي يحمل الحكومة التركية حاليًا على محاولة زيادة النمو السكاني بين الأتراك؟

إردوغان الصورة رويتر
وصاية الدولة وتدخّلها في الحياة الخاصة - شبَّه مؤخرًا رئيس الوزراء التركي رجب طيب إردوغان الإجهاض بمذبحة ترتكب بحقِّ المدنيين وكلَّف حكومته بصياغة مشروع قانون لتشديد قوانين الإجهاض المعمول بها حاليًا

​​يلماز: توجد لدينا مثل هذه التفسيرات والتأويلات. وربما تكون في الواقع هذه هي الرسالة التي تريد إيصالها حكومة حزب العدالة والتنمية. أو أنَّهم يحاولون فرض وجهة نظرهم الدينية والأخلاقية على كلِّ مواطن، وذلك بكلِّ صراحة لأنَّ مثل هذا التفسير الاقتصادي يعدّ ببساطة غير واقعي.

ما رأيك في قوانين الإجهاض الحالية؟

يلماز: أولاً وقبل كلِّ شيء يجب أن نذكر في هذا الصدد أنَّ الإجهاض يتطلب موافقة الزوج، الأمر الذي من الممكن أن يشكِّل في ظروف معيَّنة خطرًا على حياة المرأة. ومن الممكن أن يتعلَّق الأمر على سبيل المثال بحالة اغتصاب في الأسرة وربما لا يكون الزوج هو والد هذا الطفل. وكذلك تجيز القوانين إجراء عمليات الإجهاض في العشرة أسابيع الأولى كحدّ أقصى، ولكننا في المقابل نحن نطالب بزيادة هذه المدة إلى ما لا يقل عن اثني عشر أسبوعًا. ويجب أيضًا أن تتم في المستقبل مراقبة النساء الحوامل بواسطة نظام مراقبة جديد منذ لحظة إجرائهن اختبار الحمل وحصولهن على نتيجة إيجابية، لأنَّ ذلك يسبب للمرأة ضغوطات كبيرة وهو أيضًا أمر غير مقبول. وهذا مجرَّد مثال آخر على محاولة الحكومة التدخّل في حياة الناس الخاصة.

 

 

أجرت الحوار: فاطمة كايابال
ترجمة: رائد الباش
مراجعة: هشام العدم
حقوق النشر: قنطرة 2012

ولدت الناشطة التركية سيلين لرمي أوغلو يلماز في عام 1972 وهي المنسقة العامة لجمعية حقوق المرأة "قادر" (جمعية دعم وتدريب المرشَّحات النساء).