سياسة التكاثر الإيرانية...طموحات هيمنوية أم حقوق مشروعة؟

بشعارات من نوع "إيران المئة وخمسين مليون نسمة" و "مزيدا من الأطفال، مزيدا من السعادة" تعلن القيادة السياسية في إيران عن تحول ديموغرافي في بلاد فارس. لكن ما يظل غير واضح هو كيف سيسهم ارتفاع عدد السكان المدعو إليه في حل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية في إيران؟ يتساءل ماركوس ميشائيلسن في عرضه التالي لموقع قنطرة.

الكاتبة ، الكاتب: Marcus Michaelsen

يجعل قائد الثورة من السياسة العائلية قضية محورية. بقرار رئاسي أعلن علي خامنئي في أواخر شهر مايو/ أيّار 2014 زيادة نسب الولادات هدفا استراتيجيا للجمهورية الإسلامية: ضرورة دعم زواج الشبان والفتيات   لتكوين عائلات، فلا بد من أن يرتفع عدد الأطفال في البلاد. ومنذ السنة الماضية 2013 راح خامنئي يردد باستمرار تبنيه للموقف القائل بأن عدد السكان الذي يبلغ حاليا 77 مليون نسمة في إيران باستطاعته أن يتضاعف بسهولة.

ووفقا للخط السياسي لخامنئي أعد النواب البرلمانيون المحافظون مسودة قانون من شأنها أن تجعل من الإجهاض والإعقام جنحتين يعاقب عليهما القانون. وقد تم إلغاء الدعم الحكومي للتنظيم العائلي ولوسائل الوقاية من الحمل. وبذلك تكون الحكومة قد فرضت تراجعا عن السياسة الإيرانية، القائمة حتى الآن في مجال الشؤون العائلية، والتي حظيت بسمعة جيدة واسعة على المستوى العالمي.

تحول ديموغرافي

عرفت إيران خلال الثلاثين سنة الماضية تحولا ديموغرافيا هائلا، فمن نسبة 6,4 أطفال لكل امرأة في سنة 1986 تقلص معدل الإنجاب إلى 1,8. بعد ثورة 1979 ظل النظام يدعو إلى دعم الثروة البشرية القائمة على عدد الأطفال، إلا أنه كان يعترف مع ذلك بخطر حدوث انفجار سكاني. وقد واصلت كل الحكومات ممارسة سياسة تقليص نسبة الولادات وفقا لتوصية واضحة من مؤسس الجمهورية الإسلامية الخميني المتوفى سنة 1989. وكانت حصص الدروس التوعوية إلزامية بالنسبة للمقبلين على الزواج، كما ظلت الدولة تدعم ممارسة التوعية الطبية وإجراءات الوقاية من الحمل.

Iranische Familie mit einem Kind in Teheran; Foto: ISNA
عرفت إيران خلال الثلاثين سنة الماضية تحولا ديموغرافيا هائلا، فمن نسبة 6,4 أطفال لكل امرأة في سنة 1986 تقلص معدل الإنجاب إلى 1,8.

ترافقت تلك السياسة التقدمية مع تحول قيَمي اجتماعي. لقد لعبت النساء دورا نشيطا وبأعداد كبيرة في الثورة ضد نظام الشاه، وبذلك استطعن أن يفرضن ذلك التحرر السياسي في المجال العائلي الخاص. ومع الانتشار المتزايد للتعليم فقد شهد تصور المرأة لدورها داخل المجتمع تغيرا كذلك. وقد تضافرت مفاعيل التعليم والنشاط المهني للمرأة وظهور النواة العائلية الصغيرة لدحر النمط التقليدي للعائلة.

هذا التطور بالذات هو ما يبدو اليوم مستهدفا بالنقد من طرف قائد الثورة عندما يطالب بتخفيض سن الزواج من جديد. فمعدل سن الزواج في إيران يتراوح اليوم بين 23 سنة لدى المرأة و26 سنة لدى الرجال. وبالرغم من وجود قانون يمنع العلاقات غير الزوجية بين الجنسين يلاحَظ وجود أعداد متزايدة من الرجال والنساء الذين يعيشون معا حياة أزواج دون زواج ودون إنجاب أطفال.

الحملات التوعوية الجنسية كـ"سياسة غربية"

منذ سنوات حُكم الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد شرع تزايد الإنجاب في الانتشار. وخلال فترة حكمه ألغيت حصص التربية الجنسية داخل الجامعات. وقد انتقدت الناطقة باسم المركز الجامعي للمرأة والسياسة العائلية سابقا تلك الحملات التوعوية ناعتة إياها بـ "السياسة الغربية" التي تسعى إلى إضعاف إيران وتقليص عدد المسلمين الشيعة في العالم.

أما مَن ظل بعد التغيير الحكومي الأخير غير واثق مما إذا كانت السياسة العائلية المحافظة ستتواصل تحت حكم الرئيس روحاني، فقد جاء القرار الصادر عن قائد الثورة ليقلّص لديه من مجال الشكوك. ومنذ شهر أبريل/شباط 2014 أوضحت وزارة الصحة أنها ستتبع توصيات خامنئي، وقد أعلن ناطق رسمي بأن العناية الطبية لدى الولادة ستغدو من الآن فصاعدا مجانية داخل المستشفيات الحكومية.

في الحين نفسه فإن الصعوبات المادية القائمة في ظل الأزمة الاقتصادية المتواصلة تقف عائقا أمام إنجاب مزيد من الأطفال لدى الشباب من الإيرانيين والإيرانيات. وبرغم أن نسبة التضخم المالي قد عرفت تراجعا بعد انتخاب الرئيس روحاني، فإنها تظل مرتفعة بنسبة 20 بالمئة مع ذلك. وحسب ما تفيد به مؤشرات متنوعة فإن ما يقارب الثلاثين في المئة من السكان الشباب في حالة عطالة عن العمل. ويجد خريجو الجامعات خاصة أنفسهم في وضع من انسداد الأفق المستقبلية، فهناك عدد كبير من الشبان من ذوي التكوين العلمي الجيد يجدون أنفسهم منكفئين على حالة من العيش تتسم بالانتظار، يقيمون في البيت آبائهم العائلي دون أية إمكانية للعمل ودون أي أفق لحياة خاصة.

محرك للنمو الاقتصادي

هكذا تكون إيران قد دشنت مرحلة حاسمة في تحولها الديموغرافي: 70 بالمئة من السكان هم في سن العمل، وتمثل شريحة ما بين الخامسة والعشرين والثلاثين الجزء الأكبر منهم. بإمكان هذه "النسبة"، في حالة تم التحكم  فيها بنجاح، أن تكون عاملا دافعا للنمو، لكن ذلك يتطلب من الحكومة أن تعمل على خلق 400 ألف وظيفة جديدة في كل سنة لاحتواء ذلك، بحسب ما يصرح به الخبراء.

إيران إذن أبعد ما تكون عن تركيبة مجتمعية تطغى عليها نسبة الشيخوخة، كما يصور لنا المدافعون عن ضرورة الرفع من نسبة الولادات. وتفيدنا المعلومات التي تقدمها الخبيرة الفرنسية في العلوم الديموغرافية ماري لادييه فولادي، التي قامت بالعديد من الدراسات في إيران، بأن نسبة السكان الذين هم فوق الخامسة والستين من العمر مازالت لا تتجاوز 8 في المئة. كما تفيدنا توقعات الأمم المتحدة بأن شريحة الذين فوق الـ 65 سنة قد تبلغ بالكاد ما يعادل ربع مجمل السكان في سنة 2050.  

محمود أحمدي نجاد ضمن عائلته. Foto: ISNA
Gegen eine "verwestlichung" der Familienpolitik: Schon der frühere iranische Präsident Mahmoud Ahmadinedschad hatte eine Steigerung der Kinderzahlen propagiert.

وبالتالي فإن هذا التحول الذي تشهده السياسة العائلية في إيران قد يكون ذا دوافع لها علاقات بخلفية سياسية، تقول لادييه فولادي. فالنخبة الحاكمة تريد أن تدعّم طموحاتها الاستراتيجية في المنطقة وتضمن لها مزيدا من الوزن من خلال كسب حجم سكاني أكبر. وليس من باب المصادفة، كما تكتب الخبيرة الفرنسية، أن تكون الدعوة إلى  مزيد من الإنجاب قد شهدت تصاعدا بعد الخلافات التي حفت الانتخابات الرئاسية سنة 2009. ففي تلك الحركة الاحتجاجية كان شباب المدن هم الذين ساهموا بشكل مكثف في مناهضتهم للحكومة. 

فهل يتعلق الأمر إذن بتضييق الخناق على الاندفاعات التحررية لدى الشباب وفرض إعادة اعتبار للقيم التقليدية؟ لكن الفئات الوسطى الحداثية لن يسهل كسبها لصالح مزيد من الإنجاب بتوخي وسيلة التقليص من إمكانيات الحصول على وسائل الوقاية من الحمل والمساعدة التوعوية. وفي صورة ما إذا نجحت هذه الإجراءات الجديدة في تحقيق نجاح لدى الشرائح الشعبية الفقيرة في الأرياف وفي الضواحي المحيطة بالمدن الكبرى على وجه الخصوص، فإن تركيز القيادات السياسية الإيرانية على مضاعفة نسبة الولادات لن ينتج عنه عدم رضا الفئات الوسطى فحسب، بل سينجم عنه ظهور عناصر توترات اجتماعية جديدة أيضا.

 

 

ماركوس ميشائيلسن

ترجمة: علي مصباح

تحرير: علي المخلافي

حقوق النشر: قنطرة 2014