''يوميات الثورة العربية''.......كتابات بألوان الربيع العربي

في كتابه "يوميات الثورة العربية" يأخذ الصحفي الألماني المصري كريم الجوهري القارئ في رحلة عبر الزمن لا تخلو من المغامرات، ويعود به إلى التقلبات العصيبة التي رافقت أيام الثورة في كل من تونس ومصر. مارتينا صبرا في قراءة لكتاب الجوهري.

الكاتبة ، الكاتب: Martina Sabra



ما هي العقوبة المناسبة لدكتاتور هرم وضعيف مثل حسني مبارك؟ الناس في مدينة طنطا، عاصمة دلتا النيل، لا يجب عليهم التفكر طويلاً للإجابة على هذا السؤال، إذ يتلخص رأيهم في "دعونا نعالجه في مستشفانا المحلي، كي يشهد الرئيس المصري السابق أخيراً بأم عينه المستوى الكارثي للرعاية الطبية في البلاد، ولو لمرة واحدة".

يا لها من معلومات تنم عن إلمام بالوضع السياسي، تتخللها روح الدعابة في الرؤى اليومية العربية، ودون أي أحكام مسبقة ودون النظر إلى مجريات الأحداث بمنظار المستشرقين؛ فكريم الجوهري يبرهن في كتابه الجديد أيضاً على تلك المهارة المتقنة، التي تجمع هذا الخليط من العمل الصحفي. إن المراسل الصحفي في منطقة الشرق الأوسط، الألمانيالمصري الأصل والذي يعمل من القاهرة للتلفزيون والإذاعة النمساويين فضلاً عن العديد من وسائل الإعلام الناطقة باللغة الألمانية الأخرى لا يقدم في كتابه "يوميات الثورة العربية" تحليلات طنانة، طالما أظهرت منطقتي الشرق الأدنى والأوسط كرقعة شطرنج. في كتاب الجوهري يُتاح المجال أمام الأشخاص العاديين ليقولوا كلمتهم – أناس تعتريهم المخاوف والقلق، ويحملون الأمل والإبداع وينظرون إلى حياتهم الصعبة دائماً بروح الدعابة.

حكاية سياسية جديدة

غلاف الكتاب بالألمانية
"الثورات العربية كانت منذ بدايتها نابعة عن حاجة حقيقية ولم تكن بحاجة إلى تحريض من الخارج"

​​إن نظرة الجوهري الثاقبة في بداية الثورات العربية في تونس ومصر وليبيا تمكن ملاحظتها بشكل أوضح عند يلحظ المرء وتيرة الأحداث الخاطفة للأنفاس في مطلع عام 2011، فقد انهارت الأنظمة التسلطية التي كانت يوما تبدو بعيدة عن المساس بها مثل بيوت الورق. ونزل الطغاة عن عروشهم بإيقاع أمده 14 يوماً. إن مراسلي وسائل الإعلام العالمية في منطقة الشرق الأوسط كانوا بشكل دائم على أهبة الاستعداد للتنقل من منطقة إلى أخرى ولم يكن لهم الوقت الكافي للراحة وهم يتنقلون لتغطية الأحداث. أذلتهم سلمية الحركات الديمقراطية وتنظيمها في تونس ومصر. "ما حدث هناك، يبدو وكأنه خرافة سياسية حديثة، لا يكاد أي شخص يمكنه التهرب من قوتها الملهمة"، بهذه الكلمات يعيد الصحفي المصري وصف انطباعاته ومشاعره.

إن إصدار الجوهري لا يشكل كتاباً مستقلاً بالمعنى المتعارف عليه، وإنما عبارة عن تجميع زمني لمقالات منشورة الصحف الزمني ومداخلات في المدونات ولقاءات تلفزيونية وإذاعية، وتدوينات على موقعي تويتر وفيسبوك، التي كان قد كتبها خلال الثورات في تونس ومصر وليبيا.

"سكوتي،انقلني إلى ميدان التحرير!"

وبهذا يتاح أمام المهتمين الفرصة لإعادة استعراض الأحداث مباشرة- في اختلاف يذكر بجملة من مسلسل "ستار تريك" التلفزيوني المعروف: "سكوتي،انقلني إلى ميدان التحرير!". وتؤطر الوثائق النصية بفقرات توضيحية قصيرة عن بدايات الثورة ومجرياتها. وفي هذا يطلق الجوهري العنان لعواطفه الشخصية: بعد سنوات من العناوين التي دائماً ما تكون سلبية يمكننا أن نشهد أخيراً كيف يستجمع الناس شجاعتهم وينبذون مخاوفهم ويكافحون في سبيل الديمقراطية معرضين حياتهم للخطر، هذا كله أثر بالصحفي المصري حد البكاء، كما يقول.

لكن الجوهري، الذي أتم دراسته في العلوم السياسية والدراسات الإسلامية، يعترف في الوقت ذاته بالتقديرات الخاطئة: إذ لم يمكنه أن يتصور في البدء –كما يقول- أن دكتاتور ليبيا سيسقط هو الآخر، وأنه كان يرى نظام معمر القذافي مثل "حصناً للأنظمة القمعية في المنطقة، وكان بمثابة كوريا شمالية عربية". موضوعات الجوهري تنتهي في نيسان/ أبريل 2011، أما النظرة الختامية لكتابه، وهي عبارة عن "نظرة إلى كرة الكرستال العربية" فقد دونه في تموز/ يوليو 2011. وكيف سيتطور العالم العربي مستقبلاً –فيما إذا سينتصر الديمقراطيون في نهاية المطاف أو سيفرض الإسلاميون سيطرتهم أو ستتبدل النخب القيادية فقط – عن هذه التساؤلات لا يقدم الجوهري بشكل معقول أي توقعات.

لكن بالنسبة له فإن من الثابت أن الثورات العربية كانت منذ بدايتها نابعة عن حاجة حقيقية ولم تكن بحاجة إلى تحريض من الخارج. وهو على قناعة تامة من أن دعم أجهزة المخابرات الغربية لم يكن ضرورياً، من أجل أن تتظاهر الناس في الشوارع على طغاتها. ويرى الجوهري أن الأوروبيين "دخلوا" في الصراع المسلح في ليبيا. وإن عمليات القصف التي يقوم بها حلف الناتو لم يكن مبعثها الاهتمام بالنفط الليبي في المقام الأول.

مشاعر متقلبة

الصحفي الألماني- المصري كريم الجوهري
"كتاب يوميات الثورة العربية يتناول يوميات، ويعد وثيقة تاريخية، لا أكثر ولا أقل"

​​

الجوهري على قناعة تامة من أن العالم العربي سيظهر نفسه في السنوات القادمة، بشكل أكثر من أي وقت مضى، بأنه "موقع البناء"، إذ سيصبح لا يمكن التكهن به سياسياً وأكثر فوضى ويقدم بالعموم إمكانيات أقل للتنبؤ. ولذلك تقف الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا أمام تحدي إعادة تقييم علاقاتهما بالدول العربية من الأساس وإعادة بنائها. كتاب "يوميات الثورة العربية" يأخذ القارئ في رحلة مغامرة عبر الزمن لا تخلو من المغامرات، ويعود به إلى التقلبات العصيبة التي رافقت أيام الثورة في كل من تونس ومصر في شهري كانون الثاني/ يناير وشباط/ فبراير 2001.

ومن خلال الكتاب يعيش القارئ مرة أخرى التقلبات الكبيرة في المشاعر، فتارة يهيمن الفرح الغامر، ومرة يطغى حزن عميق، ويبقى القارئ متأرجحاً بين الأمل في نهاية قريبة للدكتاتورية، تجعل الطغاة يأمرون بقمع الثورة في النهاية. وما يلفت الانتباه هنا كدليل على نوعية التغطية الاخبارية التي يقوم بها الجوهري هو حقيقة أنه من المثير حتى قراءة إعادة كتابة مداخلاته المباشرة في التلفزيون في تلك الأيام.

رحلة مثيرة عبر الزمن

بشكل جزئي يلحظ المرء في الكتاب أنه كُتب بعجلة تحت ضغط الوقت. ونظراً لوجود العديد من الأشخاص وأسماء الشوارع والأمكنة كان من الأجدى حقاً وضع خرائط وجداول زمنية أو فهارس. لكن بغض النظر عن ذلك يجب علينا أن ندرك طبيعة الموضوع الذي تناوله الكتاب. إنه يتناول يوميات، ويعد وثيقة تاريخية، لا أكثر ولا أقل.

وعلى الرغم من التعرض أسباب ثورتي مصر وتونس بشيء من الإسهاب، إلا أنه يجب على القارئ أن لا ينتظر تناولاً للأسباب الاجتماعية الأكثر عمقاً لهذه الثورتين، وتقديم حجج مفصلة لأطروحة "دخول" فرنسا وحلف الناتو في الصراع في ليبيا. ومن يرغب في المزيد، يجب عليه البحث عن ذلك في كتب أخرى. لكن من يقبل بشكل اليوميات وحدوده، ستنتظره رحلة مؤثرة ومثيرة عبر أيام الثورة العربية في بواكيرها.

مارتينا صبرا
ترجمة: عماد غانم
مراجعة: هشام العدم
حقوق الطبع: قنطرة 2011

كتاب "يوميات الثورة العربية" للصحفي الألماني- المصري كريم الجوهري، عن دار كريماير وشيراو للنشر، فينا أيلول/ سبتمبر 2011