عزف سوري أوروبي يتغنى بعالمية قضية اللاجئين

أمسية موسيقية امتزجت فيها نغمات أغنية "حلوة يا بلدي" العربية بتقاسيم الجاز الغربي. التقى فيها بشر منتمون إلى ثقافات مختلفة، سواء أكانوا مشاركين في العزف أم في الاستماع والمشاهدة. فعالية مدنية في قلب كولونيا الألمانية تظهر بأن قضية اللجوء لا تخص اللاجئين وحدهم فقط بل إنها تخص العالم أجمع، وأن الجميع مسؤول بعضه عن بعض، وأن اللاجئين كأي شعب غربي: فيهم الموهوب أيضا. علي المخلافي والتفاصيل من كولونيا.

الكاتبة ، الكاتب: Ali Almakhlafi

بأنغام موسيقى أغنية "حلوة يا بلدي"، استهل العازفون السوريون والغربيون الأمسية الموسيقية، وهذه المقطوعة العربية الشهيرة لها دلالتها، فقد كانت غنتها قبل عقود الفنانة داليدا، التي ولِدَت في مصر لوالدين مهاجرَين يعود أصلهما إلى جنوب إيطاليا.

أقيمت الأمسية الموسيقية بمناسبة الأسبوع العالمي لسوريا بعنوان "بين الجاز الغربي والموسيقى الشرقية"، وشارك في إحيائها موسيقيون سوريون (خماسي دمشق الوتري) وموسيقيون من ألمانيا وكندا وهولندا والنرويج. وتخللت الفعاليةَ الموسيقية -التي أقيمت مساء الخميس 29 يونيو/ حزيران 2017 في متحف في قلب مدينة كولونيا غربي ألمانيا– مداخلاتٌ حول اللاجئين والأوضاع السياسية والاجتماعية في منطقة الشرق الأوسط، من قبل صحفيين وناشطين، وحول ثقافة الترحيب وثقافة الترحيل وحالة لم شمل اللاجئين بعائلاتهم، ودور المجتمع المدني في أوروبا وعلى الأخص ألمانيا. ومن المشاركين في المداخلات صحفيون ألمان كتبوا حول اللاجئين في ألمانيا وانتقدوا سياسة الهجرة الأوروبية الرسمية تجاههم.

من بينهم  الصحفي الألماني غيورغ ريستلِه المحرر في مجلة مونيتور السياسية التابعة للقناة الألمانية الأولى "آ إر ديه"، الذي انتقد مساعي الحكومات الأوروبية الرامية لملاقاة المضطرين للفرار في عرض البحر الأبيض المتوسط وإرجاعهم إلى مخيمات للاجئين في ليبيا مثلا. واعتبر الصحافي الألماني أن هذا خرق واضح للقانون الدولي واتفاقية حقوق الإنسان التي تنص على عدم جواز إرجاع اللاجئين إلى بلدان الحروب لأنها تشكل خطرا عليهم. وحول اللاجئين الموجودين في ألمانيا -وخاصة من لديهم حماية ثانوية لمدة سنة- تحدث الصحفي عن صعوبة لم شمل هؤلاء بعائلاتهم.

حُمَيرة منصوري- ألمانية من أصول أفغانية- ومديرة قسم التثقيف السياسي في المدرسة الشعبية بمدينة كولونيا.
الثقافة والموسيقى بمثابة عربة دافعة قوية تؤكد على القواسم المشتركة: ترى حُمَيرة منصوري مُنظِّمة الأمسية الموسيقية حُمَيرة منصوري- وهي ألمانية من أصول أفغانية ومديرة قسم التثقيف السياسي في المدرسة الشعبية بمدينة كولونيا- أن الثقافة والموسيقى "بمثابة عربة دافعة قوية تؤكد على وجود الكثير من القواسم المشتركة بين الثقافتين الغربية والعربية وترسخ مبدأ الحوار بين الشرق والغرب" وتضيف: " "ومن مهمة مثل هذه الأمسيات هو إبراز مثل هذه المواهب السورية وتقديم منبر لهم كي يقدّموا فيه أنفسهم للجمهور الأوروبي والألماني...نحن على قناعة بأن الأحداث العالمية تهمنا جميعاً ونتأثر بها جميعاً، ونحن كؤسسات معنية بالتثقيف السياسي في ألمانيا أيضاً نرى أننا ملزمون برعاية مثل هذا الحوار...ولذلك علينا مواصلة الحديث بعضنا إلى بعض وعدم التوقف عن اعتناء بعضنا ببعض".

وتقول مُنظِّمة الأمسية الموسيقية حُمَيرة منصوري- وهي ألمانية من أصول أفغانية ومديرة قسم التثقيف السياسي في المدرسة الشعبية بمدينة كولونيا لموقع مهاجر نيوز- إن هذه الفعالية تأتي ضمن فعاليات مستمرة  متعلقة  بالتثقيف السياسي تقوم بها المدرسة. وفي إطار الأسبوع العالمي لسوريا، قررت المدرسة الشعبية التابعة لبلدية كولونيا وكذلك منظمة "آفو" المعنية بشؤون اللاجئين "الإسهام في بناء جسر تواصل بين الجمهور الألماني والجمهور العربي وخصوصا جمهور اللاجئين من خلال فعاليات ثقافية وموسيقية".

الموسيقى والثقافة.. جسر تواصل بين الألمان واللاجئين

تابع الموسيقيون العزف، مقطوعة أخرى بعنوان "جورجينا" من تأليف إلياس عبود، وكذلك معزوفة ألمانية وأخرى نرويجية من تأليف موسيقيين مشاركين في الأمسية، واشترك جميع الموسيقيين في العزف، وهم خماسي دمشق الوتري: عازف الكمان جهاد وعازفة الكمان هيبرون -وهما يعيشان في بريمِن في ألمانيا- وعازف الكمان كرم -الذي جاء لإحياء الأمسية من مدينة ستراسبورغ الفرنسية على الحدود الألمانية- ورائد عازف الكونتَرباس، فيما مثَّلت عازفه آلة "تشيلو" ألمانية العازف السوري الخامس الذي تعذر حضوره إلى الأمسية. ومثَّل الجانب الموسيقي الغربي عازف طبل من هولندا وعازف غيتار من ألمانيا وعازف كونترباس من كندا ومغنية نرويجية.

تم تنظيم الأمسية برعاية المجتمع المدني ممثلا بمنظمة "آفو" المعنية بشؤون اللاجئين وبلدية مدينة كولونيا ممثلة بالمدرسة الشعبية في كولونيا وكذلك منظمة "ياسمين هيلفه" وبدعم من منظمة أكسيون دويتشلاند، وتجاوز عدد الحاضرين 100 مشارك (من الألمان واللاجئين)، دفع كل منهم 15 يورو رسوما رمزية للحفل الموسيقي الثقافي، الذي ذهب ريعه لمنظمة "ياسمين هيلفِه" المعنية بمساعدة اللاجئين، في حين تم استثناء اللاجئين من دفع الرسوم. مشاركة الجمهور الألماني والأوروبي في مثل هذه الأمسيات ليست إلا دلالة على نشاط المجتمع المدني وقوته في أوروبا فيما يتعلق بالقضايا الإنسانية.

وترى حُمَيرة منصوري أن الثقافة والموسيقى "بمثابة عربة دافعة   قوية تؤكد على وجود الكثير من القواسم المشتركة بين الثقافتين الغربية والعربية وترسخ مبدأ الحوار بين الشرق والغرب".

الصحفي الألماني غيورغ ريستلِه المحرر في مجلة مونيتور السياسية التابعة للقناة الألمانية الأولى "آ إر ديه".  Ali Almakhlafi ©
إرجاع اللاجئين إلى بلدان الحروب خرق واضح للقانون الدولي: الصحفي الألماني غيورغ ريستلِه المحرر في مجلة مونيتور السياسية التابعة للقناة الألمانية الأولى "آ إر ديه"، الذي انتقد مساعي الحكومات الأوروبية الرامية لملاقاة المضطرين للفرار في عرض البحر الأبيض المتوسط وإرجاعهم إلى مخيمات للاجئين في ليبيا مثلا. واعتبر الصحافي الألماني أن هذا خرق واضح للقانون الدولي واتفاقية حقوق الإنسان التي تنص على عدم جواز إرجاع اللاجئين إلى بلدان الحروب لأنها تشكل خطرا عليهم.

ولعل من أهم أدوات تحقيق ذلك هو دعوة موسيقيين لإحياء هذه الفعالية من الطرفين منهم سوريين وكذلك غربيين، أظهروا في هذه الفعالية أن الموسيقى عابرة للحدود. "ومن المهم هنا عدم إغفال البعد السياسي"، ولذلك تمت دعوة صحفيين ألمان وناشطين سوريين وهو ما يضع على طاولة مشاركة الحضور مواضيع نقاش حوارية وثقافية تتصدرها قضية اللاجئين.

وترى حُمَيْرة منصوري في هذا الصدد: "نحن على قناعة بأن الأحداث العالمية تهمنا جميعاً ونتأثر بها جميعاً، ونحن كؤسسات معنية بالتثقيف السياسي في ألمانيا أيضاً نرى أننا ملزمون برعاية مثل هذا الحوار".

 ومما تم طرحه -في المداخلات التي تخللت المعزفات الموسيقية الرائعة- مصير اللاجئين السوريين في ألمانيا وأوروبا وأحوال هجرتهم إلى هذا البلد، وليس هذا فحسب بل تم عرض ما وقع لهم في سوريا نفسها وفي بلدان أخرى.

"كان اللاجئون رقماً وما زالوا رقماً"

ومن ضمن المداخلات التي تخللت معزوفات الأمسية تحدثت الناشطة السورية رولا أسد عن مشروع تصوير فوتوغرافي بعنوان "سوري في مكان" آخر Syrian elsewhere متعلق بمعاناة اللاجئين، سافرت هي نفسها -بهدف إنجازه مع زميل لها- عبر ألمانيا وهولندا وفرنسا وإنكلترا من أجل مقابلة لاجئات ولاجئين للتعرف على أوضاعهم.

وعرضت رولا في الأمسية جزءا من مقاطع فيديو هذا العمل وصوره، طارحةً على اللاجئين ثلاثة أسئلة رئيسية: "ما مفهومهم للأمان والسلامة؟ وكيف يرون هويتهم السورية؟ وكيف يرون الاندماج في المجتمعات الأوروبية التي يعيشون فيها؟". وترى الناشطة السورية أن مشكلة اللاجئين هي بلا شك ليست بهم وليست بالبشر وإنما "بالحكومات الظالمة والتنظيمات المتطرفة"، متساءلةً عن دورنا جميعا تجاه اللاجئين، مشيرةً إلى أن المجتمع المدني في أوروبا وخاصة ألمانيا -رغم وجوده- لم يكن مؤثرا حين أُغلقِت الحدود مع هنغاريا في وجه اللاجئين وحين وقّع الاتحاد الأوروبي اتفاقية اللاجئين مع تركيا.

الناشطة السورية رولا أسد. Ali Almakhlafi ©
اللاجئون ضحية الحكومات الظالمة والتنظيمات المتطرفة: ترى الناشطة السورية رولا أسد أن مشكلة اللاجئين هي بلا شك ليست بهم وليست بالبشر وإنما "بالحكومات الظالمة والتنظيمات المتطرفة"، متساءلةً عن دورنا جميعا تجاه اللاجئين، مشيرةً إلى أن المجتمع المدني في أوروبا وخاصة ألمانيا -رغم وجوده- لم يكن مؤثرا حين أُغلقِت الحدود مع هنغاريا في وجه اللاجئين وحين وقّع الاتحاد الأوروبي اتفاقية اللاجئين مع تركيا.

كما انتقدت التيار الأوروبي المتشدد الذي يرى أن اللاجئين جاؤوا إلى أوروبا "كي يشاركوهم رفاهيتهم"، واصفةً ذلك بأنه "مطَبّ قوي في قضية اللاجئين"، ومضيفةً : "أنا كامرأة ومواطنة وصحفية سورية مقيمة في هولندا، احترتُ ماذا علي أن أفعل تجاه اللاجئين وقررتُ عام 2015 أن أبدأ بإنجاز فيلم حول النساء السوريات اللواتي عبرن البحر الأبيض المتوسط، وأقول فيه إن هولاء النساء لسن مغامرات، لكنهن جئنَ بحثاً عن مستقبل في أوروبا".

وتشير رولا إلى ضرورة الأخذ بعين الاعتبار أن اللاجئين بشر مختلفون ثقافياً ودينياً عن المجتمع الأوروبي، واصفةً اللاجئين بأنهم "محترقون مهنياً" بسبب طول الانتظار في مخيمات اللجوء، وأنه صار النظر إليهم كرقم في مخيمات الانتظار، مضيفةً: "لقد كان اللاجئون رقماً حين ماتوا في البحر، ورقماً حين ماتوا قبل ذلك في بلدهم، وها هم أيضاً يُعامَلون كرقم حين جاؤوا إلى أوروبا"، مستدركةً بأن الوضع بدأ بالتحسن.

"قضية اللاجئين لا تخصهم وحدهم بل تخص العالم أجمع"

 المميز في معزوفات الموسيقية هو المزج بين الموسيقى الغربية والعربية. وهذا يُظِهر أن الموسيقى الغربية والعربية تتناغمان تناغما كبيرا معاً -بهذا المستوى العالي من العزف الاحترافي- وأن الثقافتين مرتبطتان أيضا. "هذه الفعالية الرمزية ما هي إلا تأكيد علينا جميعاً بأن نفكر  في القضايا العالمية التي تهمنا جميعاً، وتأكيد على أن قضية اللاجئين لا تخص اللاجئين وحدهم فقط بل إنها تخص العالم أجمع، وعلى أننا جميعا لدينا مصير واحد، وأننا جميعاً مسؤول بعضنا عن بعض، وأننا معاً -بعيدا عن رومانسية العمل الاجتماعي- بإمكاننا إنجاز هذا معا"، كما تضيف حُمَيرة منصوري. ولذلك فإن مثل هذه الأمسية الموسيقية تحظى بأهمية بالغة بالنسبة لمنظميها. الحضور المئة جاؤوا ليترسخ لديهم مفهوم بأن الثقافتين الغربية والعربية بينهما الكثير من القواسم المشتركة.

جمهور عربي وألماني في كولونيا يشاهد ويستمع إلى نغمات خماسي دمشق الوتري مع عازفين غربيين من ألمانيا وكندا والنرويج وهولندا وفي الخلفية صورتان تعبران عن معاناة اللاجئين.  Ali Almakhlafi ©
نشاط المجتمع المدني وقوته في أوروبا فيما يتعلق بالقضايا الإنسانية: اشترك موسيقييون سوريون وغربيون في العزف، وهم: خماسي دمشق الوتري: عازف الكمان جهاد وعازفة الكمان هيبرون -وهما يعيشان في بريمِن في ألمانيا- وعازف الكمان كرم -الذي جاء لإحياء الأمسية من مدينة ستراسبورغ الفرنسية على الحدود الألمانية- ورائد عازف الكونتَرباس، فيما مثَّلت عازفه آلة "تشيلو" ألمانية العازف السوري الخامس الذي تعذر حضوره إلى الأمسية. ومثَّل الجانب الموسيقي الغربي عازف طبل من هولندا وعازف غيتار من ألمانيا وعازف كونترباس من كندا ومغنية نرويجية. تم تنظيم الأمسية برعاية المجتمع المدني. مشاركة الجمهور الألماني والأوروبي في مثل هذه الأمسيات ليست إلا دلالة على نشاط المجتمع المدني وقوته في أوروبا فيما يتعلق بالقضايا الإنسانية.

وبحكم أن العازفين هم أيضاً سوريون فإن هذا يُظهِر للجمهور الألماني بأن اللاجئين السوريين أيضاً هم مثل غيرهم من الناس، فيهم أيضاً المواهب الموسيقية مثلهم مثل غيرهم في ألمانيا وفي البلدان الأخرى. وهذا يُري الجمهور الألماني على الأخص بألا يتم اختزال اللاجئين السوريين في اللجوء فقط بل إنهم متعددو الجوانب أيضاً. وتقول حُمَيرة منصوري في هذا السياق: "ومن مهمة مثل هذه الأمسيات هو إبراز مثل هذه المواهب السورية وتقديم منبر لهم كي يقدّموا فيه أنفسهم للجمهور الأوروبي والألماني".

ولعل هذا من أهم ملامح الحوار. فالجمهور الذي حضر الأمسية هو من ثقافات مختلفة جلس بعضهم إلى جانب بعض، وشاهدوا العازفين واستمعوا إلى المعزوفات معا، ليشعروا بأن لكل منهم ما يربطه بالآخر. وتقول منظِّمة الأمسية أخيراً: "ولذلك علينا مواصلة الحديث بعضنا إلى بعض وعدم التوقف عن اعتناء بعضنا ببعض".

 

علي المخلافي

حقوق النشر: مهاجر نيوز 2017

 

ar.Qantara.de