الديانات في مواجهة البدايات - "قبل أن يحول المد الشعبوي أوروبا إلى نازية جديدة"

من أجل أوروبا متسمة بحقوق الإنسان والانفتاح والليبرالية، ورغم العوائق ورفض الكثيرين، يعبِّر مسلمون ويهود في أوروبا عن مواقف قوية مشتركة، رداً على تنامي المد اليميني الشعبوي المعادي لكل ما هو أجنبي وللإسلام والهجرة في بلدان القارة الأوروبية. كريستوف شتراك يسلط الضوء على تطور جديد في مجال التعاون بين أبناء الاتجاهات الدينية الأوروبية.

الكاتبة ، الكاتب: Christoph Strack

مكان الاجتماع بعيد، لكنه ذو قوة رمزية كبيرة. في بلدة ماتيرا جنوب إيطاليا، إحدى العواصم الثقافية في أوروبا لعام 2019 يلتقي رجال دين يهود ومسلمون من نحو 15 بلدا، وهم يعتزمون مستقبلا التعبير عن مواقفهم بشكل مشترك

"أعتقد أن هذه الصيغة من العمل فريدة من نوعها في العالم، وهي بمثابة زهرة صغيرة يجب الاعتناء بها ورعايتها"، كما يقول طرفة بغجاتي الذي هو مهندس بناء في فيينا، ويُعد أحد الأئمة البارزين في النمسا. وبالاشتراك مع آخرين أنشأ الرجل البالغ من العمر اليوم 58 عاما في عام 1999 "مبادرة النمساويين المسلمين". وها هو يسافر إلى ماتيرا للمشاركة في الاجتماع.

معا نحو مستقبل مشترك

إنها ليست خطوة لا تنفرد بها أوروبا. ففي العادة يلتقي اليهود والمسلمون فقط في المواعيد العامة والتظاهرات الثلاثية للمسيحيين واليهود والمسلمين أو الندوات الدينية. لكن قبل ثلاث سنوات تأسس في مركز الملك عبد الله للحوار الديني والثقافي في فيينا "مجلس القيادة الإسلامي اليهودي". في البداية كان عبارة عن دائرة ضيقة شارك فيها منذ الانطلاقة رئيس مؤتمر الحاخامات الأوروبي، الحاخام بينشاس غولدشميت. وإثر سلسلة من اللقاءات نمت روابط الثقة وبدأ التبادل في وجهات النظر والمواقف.

 

منظر لمدينة ماتيرا الإيطالية الجنوبية.  Foto: picture-alliance/dpa
Muslime und Juden als Teil der zur europäischen Kultur: Beide Seiten wollten in Matera ein Komitee mit je zwei Muslimen und Juden einsetzen, das sich bei Kontroversen öffentlich äußern und in Brüssel oder in den Hauptstädten von EU-Mitgliedsstaaten Gespräche führen könne.

 

عقبات في فيينا

حاليا يواجه مركز الملك عبد الله للحوار الديني والثقافي الممول من الجانب السعودي بعض المخاطر، ففي منتصف يونيو / حزيران 2019 صوت المجلس الوطني النمساوي لانسحاب البلاد من المؤسسة الدولية وإلغاء الاتفاقية التي تحدد فيينا مقرا لها. وكانت النمسا قد أسست المركز في 2012 مع العربية السعودية وإسبانيا. وها هو مستقبل المركز بات مجهولا.

وبالرغم من ذلك يأتي لقاء رجال الدين في إطار بُعد جديد من الحوار اليهودي الإسلامي الذي يخيم عليه في العادة نزاع الشرق الأوسط. ويأتي إلى ماتيرا أئمة وحاخامات من إيرلندا حتى اليونان ورومانيا ومن ليتوانيا حتى البرتغال. اختيار مكان اللقاء، كما يقول الأمين العام لمؤتمر الحاخامات الأوروبي، غادي غرونيش لدويتشه فيله من شأنه تبيان "أننا ننتمي للثقافة الأوروبية". كما طُرحت في هذا السياق قبل أشهر في إيطاليا وبلدان تقودها حكومات شعبوية يمينية مبادرة لتضييق الممارسة الدينية في شعيرة الذبح وختان الأولاد. ويبدو أن هذه المخططات أُلغيت.

القلق من الشعبويين اليمينيين

وبحسب تصريحات غرونيش فإن هذه التطلعات السياسية لتقليص الممارسة الدينية لدى اليهود والمسلمين تقلق جدا الجاليتين اليهودية والمسلمة في أوروبا. ويعتزم كلا الطرفان في ماتيرا تشكيل لجنة مشتركة تأخذ مواقفها في الموضوعات المثيرة للجدل أمام الرأي العام وتجري محادثات في بروكسيل أو عواصم الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.

وحتى الإمام بغجاتي يتناول هذه المحاولات الملموسة لتقليص الشعائر الدينية، لكنه يشير أيضا إلى "تنامي اليمين الشعبوي" في البلدان الأوروبية وإلى حزب البديل من أجل ألمانيا وأحزاب يمينية في النمسا وإلى ماتيو سالفيني في إيطاليا وخيرت فيلدرس في هولندا. 

فهؤلاء بحسب رأيه يمارسون "العداء للإسلام لاسيما ضد اللاجئين، لكن كذلك ضد المسلمين في إطار برنامج سياسي ذي توجه شعبوي"، وباتوا بخلاف ما كان عليه الوضع قبل عشر أو عشرين سنة جزءا من السلطة. ولذلك -كما يقول بغجاتي- يجب مواجهة البدايات، متسائلاً: "ومَنْ يجب عليه الدعوة إلى الصحوة أكثر من المسلمون واليهود؟!". وأضاف بغجاتي:" نريد أن نوضح معا أن أوروبا الليبرالية وحقوق الإنسان والانفتاح هي الطريق الصحيح".

معاداة السامية

وتدور النقاشات في "مجلس القيادة الإسلامي اليهودي" وكذلك في ماتيرا ـوأيضا في بعض اللقاءات التحضيريةـ حول مواضيع من بينها كراهية اليهود في صفوف اللاجئين والمهاجرين. "حالات معاداة السامية من قبل المهاجرين تؤثر علينا. ونحن نلمس للأسف هذا الأمر بشكل متزايد وفي كل أسبوع"، يقول الحاخام غرونيش. "لكن لدينا كجالية يهودية على الجانب المسلم في أوروبا أصدقاء وشركاء يعملون معنا ضد هذه التوجهات".

والأمين العام لمؤتمر الحاخامات الأوروبي يتحدث عن "حوار رسمي وغير رسمي". وأوضح أنه لن يتم نسيان "أنه يوجد على الجانب المسلم الكثير من المجموعات التي لا تريد التحدث معنا. ولا يبدو كل شيء وَرْدِيَّاً. وليس الجميع على استعداد للحوار. لكننا نريد تبادل الحوار مع المستعدين للحوار وببساطة لبناء مستقبل جديد مشترك".

أمثلة يُحتذى بها

 

يهودي ومسلم يقودان معا دراجة هوائية ثنائية المقاعد عبر عاصمة ألمانيا - برلين.  Foto: picture-alliance/AP
Tandemtour gegen den Hass: Mit ihrer Fahrrad-Demo setzten im Juni 2018 Rabbiner und Imame unter Begleitung von Polizei und Medien gemeinsam ein Zeichen gegen Gewalt, Mobbing und Hetze gegen Juden und Muslime.

 

بعض الأمور تحصل تحت إدراك الرأي العام، وعلى هذا النحو زار في السنة الماضية 2018 نحو 30 حاخاما تونس. وفي برلين يوجد منذ سنوات التزام مشترك لحاخامات وأئمة. وفي الآونة الأخيرة قام شباب يهود ومسلمون برفقة رجال دين بزيارة النصب التذكاري في أوشفيتس ببولندا.

وبغجاتي يتحدث من جانبه لذكر أمثلة عن "اتصالات إيجابية" بين الطرفين في النمسا. وشارك أئمة وحاخامات بصحبة أعضاء من جاليتيهما في أسفار، وتوجد تظاهرات مشتركة وتضامن متبادل في حال حصول اعتداء معادٍ للسامية أو ضد المسلمين.

والمثير للانتباه، كما يقول بغجاتي هو أن " الأئمة والحاخامات يلتقون مباشرة دون توسط طرف ثالث. وذلك في أوروبا بعيدا عن نزاع الشرق الأوسط. وهم يقولون: "لا نريد أن يُفرَض علينا كيف يجب أن يكون التواصل بين المسلمين واليهود. ومَنْ يفعل ذلك إذا لم يقم به مثقفون من كلا الجانبين أو كبار الشخصيات من الأئمة والحاخامات؟!".

 

كريستوف شتراك

ترجمة: م.أ.م

حقوق النشر: دويتشه فيله 2019

 

 

ar.Qantara.de