روحانية فنية إسلامية وغير إسلامية في سنغافورة العلمانية

كيف نشأت سنغافورة، وكيف وصل الإسلام إليها؟ وكيف نتحدث عن الروحانية في مجتمع مُفْرِط في البراغماتية وعلماني للغاية؟ أسئلة طرحها فنانون في مركز ستامفورد للفنون خلال أسبوع الفن لعام 2020 في سنغافورة. عروض فنية متضمِّنة مثلاً دائرة ضوئية دالة على الطواف حول الكعبة. معظم الفنانين مسلمون بدعمٍ من جمعية إسلامية ولكن العروض الفنية الروحانية لم تكن فقط إسلامية. نيمة موريلي زارت المعرض لموقع قنطرة.

الكاتبة ، الكاتب: Naima Morelli

الرحلة الميتافيزيقية للفرد مثَّلَهَا في هذا المعرض الجماعي ستة فنانين، هُم: إيلا وَ نوفل جمعت وَ هويجون لو وَ نور اسكندر وَ فجرينا رزاق وَ دزاكي سفاروان. كان معظم الفنانين مسلمون وكان العرضُ بدعمٍ من الجمعية الإسلامية "أغكاتن فلوكيس أنيكا داي (APAD)". ولكن العرض لم يكن  إسلامياً، كما أشار المنظّمون. فقد كان التركيز -بدلاً ذلك- على الروحانية بمعنى موسّع، إذ يستند كل فنان على بحثه الفنّي وخلفيته الخاصة.

قالت الفنانة فجرينا رزاق: "لم نكن نركّز على دين بعينه. نعم، تناولنا الدين خلال المعرض، بيد أنّ افتراضنا أن الروحانية هي أكثر بكثير من ذلك. أراها الصلة بين كل الكائنات الحيّة – البشر، والحيوانات والعالم الطبيعي".

القيام بمعارض تتعلَّق بالروحانية يكتسب أهميةً خاصة في السياق السنغافوري، حيث السرديات الثقافية والدينية لا تزال في طور التكوين وبالتالي يستكشفها الفنانون بشكل متواصل.

أشار الفنان نور إسكندر إلى أن المسألة ليست أن الروحانية غير موجودة في سنغافورة، بل فقط أن الضوء لا يُسلَّط على الروحانية بشكل كافٍ في الفن والمجتمع: "أشعر أن أعمق الأسئلة حول معنى الوجود كانت موجودة دائماً. المسألة هي أننا فقط ربما نميل إلى تجنّب جميع الفروق الدقيقة في السياق السنغافوري الشديد البراغماتية".

 

عمل فني للفنان دزاكي سفاروان. أسبوع الفن في سنغافورة 2020 - عن الروحانية المعاصرة. (photo: Naima Morelli)
اُخلُقْ طقسك الخاص وأملأ الفراغ: بالنسبة للفنان دزاكي سفاروان، يتّصلُ الصمت المُختَبَر عبر سماعات الرأس بفكرة الفراغ الموجودة في بوذية طائفة الزِّن. كان الزوار مدعوِّين لقص الأسلاك التي تعلِّق سماعات الرأس بالسقف. وقد سمح إعادة ربط السماعات ورفعها -حتى تصبح خارج متناول أيدي الناس- بخلق رموزهم الشخصية عن النمو الروحي.

 

بوتقة متعددة الأديان

شدّدت فجرينا رزاق على تميّز سنغافورة عن جيرانها في جنوب شرق آسيا: "سنغافورة بلد علماني، بيد أننا محاطون ببلاد واقعة حالياً في قبضة القومية الدينية الواضحة. في هذا الوقت تسيّس إندونيسيا وماليزيا الدين. وبالتالي كبلد علماني، كيف يمكننا الحفاظ على هذا الانسجام المتعدد الأديان؟".

ونوّه الفنان نور: "سنغافورة متنوعة للغاية. ونحنا كلنا جزء من شبه جزيرة الملايو، كنّا جميعنا جزءاً من إمبراطوريات أكبر منذ مئات السنين، ومع ذلك نعيش في مكان غير متجانس للغاية. أريد أن أعرف من أين أتت سنغافورة، وكيف وصل الإسلام إلى هنا، وكل السرديات المضادة. أعتقد أنّه حين يبدأ الناس بالتشكيك في الافتراضات التي كانوا يعيشون معها، حينها يَبْرُز الجمالُ".

وبالدخول إلى المكان، يجذبُ الانتباه في الحال عملٌ يدعو الزوارَ إلى إعادة صياغة سياق الممارسات الدينية. تألَّف نصب الفنان دزاكي سفاروان من مجموعات مختلفة من سماعات الرأس المعلّقة من السقف. كانت الفكرة أن يضع الناس سماعات الرأس. متوقّعين أن يسمعوا شيئاً، ليتفاجؤوا حين لا يسمعون أي صوت.

بالنسبة لهذا الفنان، يرتبط الصمت بفكرة "الفراغ" الموجودة في بوذية طائفة الزِّن. لقد كانت دعوة للزوار لسدّ الفراغ عبر خلق طقسهم الخاص. أما الخيوط التي عُلِّقت سماعات الرأس بها في السقف، فكان الهدف منها أن يقصّها الزوار. ومن خلال إعادة ربط سماعات الرأس ورفعها حتى تصبح بعيدة عن متناول اليد، خلقوا رموزهم الشخصية عن النمو الروحي.

مُساءَلة العقيدة

وبالانتقال إلى السياق الإسلامي، نظر الفنان نوفل جُمْعَت إلى كيفية تطوّر الأديان على مر الزمن. ولاحظ أنّ الطقوس أحياناً تنجو من السياق المحدد الذي خُلِقت فيه لتصبح بائدة في نهاية المطاف. صنع كعبةً لتمثيل هذا المبدأ. كان المكعّب الأسود مرتفعاً عن الأرض، والنور تحته يُلمِّح إلى بعد غامض ومقدسٍ.

أما العمل الآخر الذي أشار إلى الكعبة فصنعته فجرينا رزاق. أحاطت بمكعبها المصنوع من قماشٍ مصبوغ بطريقة الباتيك دائرة نيون ضوئية، ممثلةً بذلك السعي الروحي للفنانة: "كانت هذه ببساطة محاولتي لإيجاد ذاتي الداخلية، فردانيتي. يلمّح قماش الباتيك إلى أسلافي الجاويين". وكانت قصيدةٌ للفنانة مصبوغةً على القماش، مشيرة إلى فكرة التفسير الديني وسوء التفسير على مر الزمن، والطريقة التي فسّرت بها السلطة الأبوية النصوص بما يناسبها.

 

 

 

كما كان الشعر والنص أيضاً حاضرين في عمل نور إسكندر في نصبه الذي أسماه: "حين يستقرّ، يموت". يقول الفنان الذي -من أجل صنع عمله- انطلق في رحلة عبر الشرق الأوسط على خطى شعراءه المفضلين: "حين أفكّر بالروحانية، أفكر بالنسيان، بالموت، وأيضاً بإحياء الذكرى".

كما مرّ أيضاً خيط الذاكرة من عمل إيلا. فقد عرضت صوراً التُقِطت حين كانت طفلة على الشواطئ السنغافورية التي لم يعد لها وجود بعد الآن، لأنها استُصلِحت منذ ذلك الحين لزيادة مساحة الجزيرة. بالنسبة للفنانة، يرتبطُ العنصر الروحاني ارتباطاً عميقاً بالبحر. وبوصفها سليلة عرق أورغ لاوت –ما يُسمى شعب البحر- فيمكن قراءة ارتباطها بالبحر بوصفه عودة للوطن.

تعريف شخصي للروحانية

على النقيض من ذلك، كان عمل هويجون لُو أكثر تجرُّداً بكثير. تكوَّنَ من عرض فيديو رقص في زاوية المعرض الفني، على نافذة مغطاة بقماش قنب أصفر. يُدعى العمل "بوابة السكتة الدماغية"، ويستكشف انتقال الطاقة والتدفق. تشرح الفنانة: "اخترت قماش القنب الأصفر لأنه في الثقافة الصينية -ولا سيما في سنغافورة- يُستخدم للاحتفالات والمآتم. يمكنك تفسير الصور كانتقال بين الحياة والموت، أو التحرّك من مرحلة في الحياة إلى أخرى".

أثار معرض "بنوما (الروح): عن الروحانية في العصر المعاصر"، والذي أُطلِق في أسبوع الفن في سنغافورة الزاخر بالأحداث، الكثير من النقاش. أكّد الفنانون: "بفضل الخلفيات الثقافية المختلفة العديدة التي توجد في سنغافورة، ولّد المعرضُ تبادلاً متنوعاً ونابضاً بالحياة. أصرّ العديد من الزوار على الحديث إلينا شخصياً حول كيفية اتصال أعمالنا بالروحانية".

كان هذا معرضاً واحداً جرّب الطريقة التي يفسّر بها الناس الروحانية بناءً على تعريفاتهم الشخصية.

 

نيمة موريلي

ترجمة: يسرى مرعي 

حقوق النشر: موقع قنطرة 2020

ar.Qantara.de