مصر: هل يعلن نظام السيسي موت السياسة؟

حملة اعتقالات جديدة في مصر طالت شخصيات عرفت بخلافها الشديد مع جماعة الإخوان. لكن القضية الجديدة التي أعلنت عنها الداخلية المصرية تشير إلى تعاون مالي وسياسي بين هذه الشخصيات وجماعة الإخوان.. فماذا وراء هذه الاعتقالات؟

"أعلنت وزارة الداخلية (..المصرية) إجهاض مخطط إرهابي لجماعة الإخوان تحت مسمى خطة الأمل، تديره قيادات الجماعة وعناصر إثارية، لاستهداف الدولة ومؤسساتها وصولًا لإسقاطها، تزامنًا مع الاحتفال بذكرى ثورة 30 يونيو".

كانت هذه هي مقدمة بيان وزعته الداخلية المصرية على وسائل الإعلام تناول "إحباط"  ما وصفته بـ "مخطط إرهابي" تم بالتعاون بين جماعة الإخوان المسلمين التي يصنفها النظام المصري جماعة إرهابية، وبين شخصيات يسارية مصرية وناشطين تم القبض على 9 منهم فيما عرف إعلامياً "بخطة الأمل"، والتي تقوم على "توحيد صفوف القوى السياسية المدنية اعتماداً على دعم مالي من عوائد وأرباح بعض الكيانات الاقتصادية التابعة للجماعة داخل مصر".

تضارب بين البيان والاتهامات الرسمية

لكن بيان الداخلية يبدو متناقضاً مع طبيعة الاتهامات الموجهة لمن أُلقي القبض عليهم، وهم شخصيات عرفت بخلافها الشديد مع جماعة الإخوان المسلمين، خاصة النائب السابق زياد العليمي وحسام مؤنس مدير حملة المرشح السابق للرئاسة حمدين صباحي.

ففيما وجهت الاتهامات للبعض بنشر أخبار كاذبة والتعاون مع جماعة إرهابية بغرض تحقيق أهدافها، جاء بيان وزارة الداخلية المصرية في اتجاه آخر تحدث عن دعم مالي وتنسيق سياسي بين شخصيات يسارية وجماعة الإخوان بحسب ما أفاد به المحامي خالد علي:

 

دا بيان الداخلية بشأن القبضة

وطبعا الكلام دا هو جوهر محضر التحريات اللى هيكون فى القضية. pic.twitter.com/K8O7csKDqK

— Khaled Ali (@Khaledali251) June 25, 2019

 

كان هذا أيضاً ما أكده طارق العوضي محامي البرلماني السابق زياد العليمي الذي قال إن "هناك بالفعل تضاربا بين ما اتهمت به نيابة أمن الدولة العليا موكلي وبين بيان الداخلية، والذي لم توجه له أي من الاتهامات التي تم نشرها عبر وسائل الإعلام كما أكد باقي المتهمين وفق من حضر معهم من المحامين"، مشيراً إلى أن الاتهامات انحصرت في تهمة مشاركة جماعة إرهابية في تحقيق أهدافها ونشر أخبار كاذبة عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

بيد أن للمحامي محمود إبراهيم رأيا آخر إذ قال إن "الأمر قد يبدو كذلك في ظاهره لكن ربما يكون لنيابة أمن الدولة العليا تكتيك معين في إجراء التحقيقات وربما تتضح المزيد من تفاصيل القضية مع تقدم التحقيقات في الأيام المقبلة".

تحالف بين الإخوان واليسار؟

"الحركة المدنية الديمقراطية" التي ينتمي إليها أغلب من طالتهم الاعتقالات الأخيرة نشرت بياناً نفت فيه عن نفسها وعن أعضائها أي تعاون بينها وبين جماعة الإخوان المسلمين.

ويرى المحامي والمحلل السياسي محمود إبراهيم أن التحالف بين جماعة الإخوان والتيار اليساري المصري حدث أكثر من مرة وكان موجها ضد الدولة دائما"، ما يعني أن ما حدث ليس شيئا مفاجئا. ويضيف أن وجود مواقف معلنة للبعض بمعارضة الإخوان لا يعني عدم وجود تعاون معهم "فاليسار يرى الإخوان فصيلا وطنيا فيما نرى نحن في الإخوان أعداء للوطن"، يقول إبراهيم.

ويشرح إبراهيم وجهة نظره قائلا: "أن يكون شخص يساريا أو يكره مرسي وخيرت الشاطر هذا لا يعني أنه لا يتبنى أجندة الثورة، فقد لا يكون الشخص إخوانياً وقد يكون يسارياً لكنه يتشارك مع الإخوان في أجندة تحريضية تدعو للمظاهرات والعمل على أثارة المجتمع وصولاً لإسقاط النظام".

لكن محمد زارع مدير مكتب مصر لمركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان والحائز على  جائزة مارتن إينالز لحقوق الإنسان يقول إن أي حديث عن تحالف اليسار المصري والإخوان هو أمر غير منطقي ولم يحدث من قبل، "بل إن الواقع هو ذلك التحالف الذي تم بين الإخوان وحزب الوفد في انتخابات مجلس الشعب عام 1984 والذي على إثره وقع انشقاق كبير في الحزب الليبرالي".

خطة "لقتل السياسة" في مصر

بهي الدين حسن ، مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، أشار في سلسة تغريدات إلى أن السبب الحقيقي لاعتقال زياد العليمي وحسام مؤنس هو محاولة من النظام المصري لإجهاض "تحالف الأمل" الذي يضم عدداً من التيارات السياسية والشخصيات العامة الليبرالية واليسارية، والذي كان من المقرر الإعلان عنه خلال أيام في مؤتمر صحفي. ويضيف بأن العليمي ومؤنس هما من أبرز الفعاليات الشبابية وراء تدشين التحالف، وأن الاعتقال جري بعد ساعات من مغادرتهما اجتماع للتحالف بمقر حزب المحافظين بمشاركة آخرين وتم فيه مناقشة هيكل التحالف وبيان حول "قتل السياسة في مصر":

 

لو لم يكن تنظيم الاخوان المسلمين موجودا لاخترعه السيسي ...

خلال الأسابيع الماضية استدعي الأمن الوطني عناصرا قيادية في #تحالف_الأمل وحذرهم من المواصلة أوالاتصال مع @ElBaradei وهددهم بالاعتقال وآخرين، برغم أن الهدف الرئيس للتحالف هو الاعداد للانتخابات البرلمانية بعد نحو عام! #مصر

— Bahey eldin Hassan (@BaheyHassan) June 25, 2019

منظمة العفو الدولية قالت إن موجة الاعتقالات الأخيرة "وحملة القمع لا تدع مجالاً للشك في رؤية السلطات للحياة السياسية في مصر، وهي أنها سجن كبير دون السماح بأي معارضة أو منتقدين أو صحافة مستقلة".   

 

إن موجة الاعتقالات الأخيرة التي استهدفت المنتقدين وقادة المعارضة والنشطاء والصحفيين تحت ستار مكافحة الإرهاب جزء من اضطهاد السلطات المصرية الممنهج، والقمع الوحشي، لأي شخص يجرؤ على انتقادها. #مصر https://t.co/02tm8YnwN0

— منظمة العفو الدولية (@AmnestyAR) June 25, 2019

ويرى المحامي والمحلل السياسي محمود إبراهيم إن مفهوم العمل السياسي في مصر به لبس كبير، ويقول "البعض يتصور أن الحركات العدمية الاحتجاجية التي تقف ضد الدولة وتعارضها طوال الوقت ولا تكترث بقضايا الأمن القومي هو نوع من العمل السياسي في حين أن الدولة نفسها لا ترى أن هذه الأمور عملا سياسيا".

على العكس منه يرى محمد زارع الحقوقي المصري البارز أن "مصر نظراً لوضعها كدولة كبيرة لا يمكنها أن تصدر رسمياً ما يفيد بمنع ممارسة أي عمل سياسي لذا فهي تعلن عن شيء وتفعل شيئا آخر" مضيفا أن "النظام المصري يكره السياسة والتنظيم وحرية الرأي والتعبير ولا يؤمن إلا بوجود رأي واحد فقط وهذا ما رأيناه في انتخابات مجلس النواب والانتخابات الرئاسية الأولى والثانية".

ويشير زارع إلى أن فكرة وجود أحزاب تريد خوض انتخابات "مسألة غير مقبولة لدى هذا النظام الذي جعل تكلفة المشاركة في العملية السياسية باهظة الثمن".

ويبدي زارع تخوفه من "إغلاق كافة منافذ التعبير السلمي عن الرأي ما يجعلنا نخشى أن يغذي هذا الأمر الجماعات المتطرفة والراديكالية وأن يلقى خطابها رواجاً بسبب ذلك النهج"، مؤكداً على ضرورة "أن تلاحظ الدولة أنها وهي تحاول تلافي مصير مبارك فهي تتجه دون وعي منها إلى مصير معمر القذافي وليبيا".

 

م.ص/ أ.ح

حقوق النشر: دويتشه فيله 2019