الحرب غير المعلنة

الصورة رمزية من عام 2019 حين تصاعدت حدة التوترات بين إيران والعالم الخارجي منذ الهجوم الذى تعرضت له أربع ناقلات نفط  في 12 أيار/ مايو 2019 بالقرب من مضيق هرمز، والذي أعقبه هجوم على ناقلتين أخريين في خليج عمان 13 حزيران/ يونيو  2019. وبعد الهجوم الثاني حذرت رابطة الناقلات "إنترتانكو" من الأخطار التي تتعرض لها تجارة الطاقة العالمية.
الصورة رمزية من عام 2019 حين تصاعدت حدة التوترات بين إيران والعالم الخارجي منذ الهجوم الذى تعرضت له أربع ناقلات نفط في 12 أيار/ مايو 2019 بالقرب من مضيق هرمز، والذي أعقبه هجوم على ناقلتين أخريين في خليج عمان 13 حزيران/ يونيو 2019. وبعد الهجوم الثاني حذرت رابطة الناقلات "إنترتانكو" من الأخطار التي تتعرض لها تجارة الطاقة العالمية.

منذ بدء حرب روسيا على أوكرانيا تحاول أوروبا إيجاد بدائل للغاز الروسي، أيضا بدول الخليج العربية. السياسي اليمني معمر الإرياني يقترح على الغرب في تعليقه لموقع قنطرة وسيلة لتأمين طرق النقل البحري الدولية.

الكاتب، الكاتبة : Moammar Al-Eryani

اعترضت البحرية الأمريكية في الثامن من نوفمبر / تشرين الثاني 2022 سفينة إيرانية تحمل على متنها مواد أولية لصناعة الأسلحة كانت في طريقها إلى اليمن، وبعد فحص محتوى السفينة أعلن الخبراء أن الشحنة تحتوي على 70 طن من كلورات الأمونيوم المستخدم في صناعة وقود الصواريخ البالستية، و100 طن من سماد اليوريا المتفجر، وفي تصريح رسمي أعلنت القيادة الأمريكية أن السفينة تشكل خطراً على حركة الملاحة التجارية وأمن المنطقة، وقامت بالتخلص من المحتوى وإغراق السفينة بعد تسليم طاقمها الى قوات خفر السواحل اليمنية.

"محاولة للتأثير على إمدادات الطاقة"

لم تكن هذه هي المرة الأولى التي تم اعتراض مثل هذه الشحنات، فقد اعترضت البحرية الأمريكية منذ العام 2015 عددا من السفن التي تحمل شحنات أسلحة متنوعة ومكونات تصنيع الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة، كما أَعلن مطلع هذا العام عن ضبط سفينة مشابهة قادمة من الصومال تحمل شحنة من مادة اليوريا المستخدمة في صناعة المتفجرات في طريقها إلى الحوثيين. وبالمثل قامت البحرية البريطانية في أبريل / نيسان من هذا العام باحتجاز سفينة إيرانية محملة بصواريخ في خليج عُمان كانت متجهة إلى الحوثيين. واستطاع خبراء المتفجرات عبر تقييم محتوى السفينة ربطها بالهجوم الذي قام به الحوثيون في يناير / كانون الثاني من هذا العام على العاصمة الإماراتية "أبوظبي".

وقد رأينا كيف قام الحوثيون في 2016 بإطلاق الصواريخ على البحرية الأمريكية بالقرب من باب المندب، وكيف قاموا ويقومون بزراعة الألغام البحرية بشكل عشوائي في المياه الإقليمية، وكيف قاموا باستخدام قوارب مفخخة مسيرة عن بعد للهجوم على مدينة المخا في البحر الأحمر في 2017، ومهاجمة سفن سعودية في ميناء الحديدة في 2018، وكيف هاجموا مؤخرا مينائي النشيمة في محافظة شبوة، والضبة بمحافظة حضرموت، واستهدفوا ناقلة نفطية في ميناء قناة النفطي بشبوة منتصف نوفمبر / تشرين الثاني 2022.

وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني وعضو مجلس حكماء شباب آسيا. .MOAMMAR AL-ERYANI Yemeni Minister of Information, Culture and Tourism. A member of the  Advisory Board of AYC Photo Yemeni Ministry of Information
"على الغرب معالجة جذور المشكلة بتتبع الأعراض": في اقتراحه على الغرب بشأن تأمين النقل البحري الدولي بالمنطقة العربية يرى السياسي اليمني معمر الإرياني أن "العالم الغربي يتعامل مع واقع المنطقة بطريقة التعامل مع الأعراض وليس جذور المشكلة. وما يجب عمله ببساطة هو اعتماد الاستراتيجية المعروفة بنظرية أعلى النهر والتي تشير إلى تتبع الأعراض إلى الوصول إلى أسباب المشكلة ... فبدلا من تشكيل المزيد من المبادرات وصرف الملايين والكثير من الجهد في حماية خطوط الملاحة التجارية يجب على المعنيين من القادة الأوروبيين تحديداً تكريس الجهود لدعم مجلس القيادة الرئاسي اليمني والحكومة الشرعية اليمنية التي تمثل كافة الطيف السياسي والاجتماعي اليمني لفرض سيطرتها وتثبيت الأمن والاستقرار على طول الشريط الساحلي في اليمن، وتحجيم الحوثيين وقدراتهم العسكرية التي انخرطت مؤخرا بوضوح في الحرب الإيرانية غير المعلنة على البنية التحتية للطاقة من منشآت وموانئ، وناقلات النفط في المياه الدولية. الدلائل موجودة والحلول مطروحة، فهل تستطيع الدول الأوروبية التعامل مع أصل المشكلة، أم تستمر في تضييع المزيد من الوقت في معالجة النتائج؟".

كما تابعنا حادثة استهداف إيران ناقلة النفط "باسيفيك زيركون" قبالة سواحل عمان في 16 نوفمبر / تشرين الثاني 2022 بواسطة طائرة مسيرة مفخخة، والذي أدى إلى أضرار طفيفة في جسم الناقلة، في محاولة إيرانية للتأثير على إمدادات الطاقة في ظل الأزمة التي يمر بها العالم، ومساعيها فرض شروطها في مفاوضات إحياء الاتفاق النووي، وتمرير سياساتها التوسعية في المنطقة.

كارثة بيئية وقنبلة موقوتة

كما أننا لا نزال نعيش في ترقب كارثة بيئية وقنبلة موقوتة تتمثل في ناقلة النفط صافر الراسية في البحر الأحمر بالقرب من الساحل اليمني والتي سيكلف التعامل معها ما يقارب الـ 80 مليون دولار، حيث لا يزال الحوثيون منذ 2015 يعيقون وصول الفريق الفني التابع للأمم المتحدة لتقييم وضع الناقلة، والقيام بالإجراءات المطلوبة.

لقد بات من الواضح أن استمرار سيطرة الحوثيين على أجزاء من اليمن بدعم من إيران ونقضهم كافة الاتفاقات، بما فيها اتفاق السويد والهدنة التي أعلنتها الأمم المتحدة، وتقويضهم كل جهود التهدئة وإحلال السلام، وانتهاكهم لجميع القوانين والمواثيق الدولية وقرارات مجلس الأمن، لا يشكل خطراً على اليمن فحسب بل على سلامة السفن التجارية وأمن خطوط الملاحة الدولية، بدليل تشكيل البحرية الأمريكية والبريطانية فريقا أمنيا جديدا في أبريل / نيسان من هذا العام مع عدد من الدول الحليفة لمراقبة البحر الأحمر ومحاولة تثبيت استقرار الملاحة وتأمين خط التجارة الدولي المهم عبر مضيق باب المندب والبحر الأحمر وخليج عدن.

إضافة إلى الدور البارز الذي تقوم به المملكة العربية السعودية بقيادة التحالف العربي في تأمين خطوط الملاحة الدولية في البحر الأحمر وباب المندب، وإحباطها العشرات من الهجمات الارهابية التي خطط الحوثيون لتنفيذها في السنوات الثماني الماضية عبر القوارب المفخخة المسيرة عن بعد، والألغام البحرية، وكلها تقنيات عسكرية تم تصديرها من إيران.

عشرة في المئة من التجارة العالمية تمر من هذا المضيق البحري

ومنذ مايو / أيار من هذا العام تقوم عدد من الدول الأوروبية على رأسها فرنسا بالدعوة الى تمديد صلاحيات بعثة الرقابة الأوروبية على مضيق هرمز الذي تشكل بداية 2020 من ثمانية دول أوروبية ليشمل البحر الأحمر نزولاً الى الخليج الهندي عبر مضيق باب المندب. وتكمن أهمية هذا المسار في أن 10% من التجارة العالمية تمر بهذا المضيق، وهناك رغبة لزيادة هذه النسبة بعد الحرب الروسية الأوكرانية.

فمنذ قيام الحرب الروسية الأوكرانية ومقاطعة الوقود الروسي تحاول الدول الأوروبية إيجاد بدائل للنفط الروسي متوجهة بنظرها الى الخليج العربي الذي يُعد البديل الأفضل من ناحية الوفرة والبنية التحتية، بل أن إيطاليا وألمانيا قامت بتأمين صفقات جديدة مع قطر وقامت فرنسا بالمثل مع الإمارات. ولا يقتصر الأمر على النفط بل إن هناك تفاهمات للتعاون بين أوروبا والخليج العربي بشأن الطاقة النظيفة امتداداً للاتفاقيات السابقة الخاصة بالهيدروجين الأخضر بين الاتحاد الأوروبي والسعودية والإمارات.

 

عبد الملك الحوثي زعيم الحوثيين في اليمن.  Abdel Malek al-Huthi Anführer der schiitischen Saidi-Rebellen im Jemen Foto Picture Alliance
يسيطر اليمنيون الحوثيون المدعومون من إيران على مناطق شاسعة في شمال وغرب اليمن: تبنى الحوثيون هجمات بطائرات مسيرة على موانئ نفطية مدنية يمنية حيوية واقعة تحت سيطرة الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا، ما أسفر عن توقف تصدير النفط الخام اليمني إلى الأسواق العالمية والذي تستند عليه السلطات اليمنية في صرف رواتب موظفيها. ويطالب الحوثيون الحكومة اليمنية -التي يساندها تحالف عسكري بقيادة السعودية- بدفع رواتب الموظفين العامين والعسكريين المتقاعدين في المناطق الخاضعة لسيطرتهم وهو ما ترفضه الحكومة اليمنية وفق ما نقلت وكالة أ ف ب للأنباء. وقال زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي في كلمة له يوم الأربعاء 07 / 12 / 2022: "يستكثرون على شعبنا أن يحصل على المرتبات من نفطه وغازه، إلى هذا المستوى، عندهم مشكلة كبيرة جدا وكارثة بينما هو من الحقوق المعروفة في كل الدنيا حق مستحق بكل وضوح، ولكنهم يحاولون أن يمنعوا ذلك، يستكثرون على شعبنا أن تدخل المشتقات النفطية إليه والبضائع والاحتياجات الضرورية إليه بثمنها وقيمتها، إلا بعد عناء شديد". وحذر من أن جماعته سترد على أي تصعيد "بقوة أكبر و... فاعلية أكثر".

 

[في هذا الفيديو يتبنى المتحدث العسكري باسم جماعة الحوثيين اليمنية المدعومة من إيران استهداف ميناء نفطي يمني مدني ذاكرا الأسباب من وجهة نظر جماعته]

 

[وفي هذا الفيديو تظهر "صواريخ حوثية يمنية" في عرض عسكري في صنعاء يقول فيه المعلِّق الصوتي إنها لضرب أي هدف في البحر الأحمر أو خليج عدن أو مضيق باب المندب أو البحر العربي]

حضور القوة الصاروخية "صاروخ البحر الأحمر" أرض - بحر"- يسدل الستار عنه للمرة الأولى - في عرض العيد الثامن لثورة الـ21 من سبتمبر.



المواصفات:

باليستي (أرض - بحر)

متوسط المدى

يعمل بنظامين (حراري وراداري)

سرعته عالية جداً#ثورة_الحرية_والاستقلال pic.twitter.com/ZPLyrHcKzg

— العميد يحيى سريع (@army21ye) September 22, 2022

 

العلاقة بين الغرب والشرق معتمدة على استقرار الملاحة البحرية

إن العلاقة بين العالم الغربي والشرقي تعتمد اعتماداً كبيراً على استقرار الملاحة البحرية عبر مضيقي هرمز وباب المندب لتوسطهم جغرافياً وكونها نقطة الالتقاء بين أوروبا وآسيا وأفريقيا. كما تعتمد الكثير من الدول الغربية على العلاقات التجارية مع المنطقة العربية بالذات دول الخليج العربي.

يعيش العالم اليوم حالة من الكساد الاقتصادي الذي أجبر الكثير من الدول العظمى على إعادة تفكيرها بالنسبة للتوازنات الجيوسياسية. وبالرغم من أن الإدارة الأمريكية على سبيل المثال قررت أن تنسحب تدريجياً من منطقة الشرق الأوسط إلا أن التداعيات الاقتصادية ستجبرها على إعادة النظر باتجاه استقرار المنطقة واليمن تحديداً. وهذا ما تحاول عمله أيضاً عدد من الدول الأوروبية في سباق لتأمين خط التجارة الدولية والترويج لدورها الريادي في الملاحة البحرية في هذا الخط التجاري المهم.

 

 

حيث تشير التقديرات الاقتصادية إلى أن الناتج القومي الوطني لمنطقة البحر الأحمر سيتضاعف بحلول عام 2050 إلى أكثر من ثلاثة أضعاف، من 1.8 تريليون دولار إلى 6.1 تريليون دولار. وبالرغم من هذه الفرص، إلا أن التكهنات الاقتصادية بناء على المعطيات الحالية تشير إلى أن الاستثمار في التجارة العالمية عبر هذا الطريق لن تزيد كثيراً خلال العقود القريبة القادمة بسبب عدم استقرار المنطقة. الأمر الذي يمكن أن يتغير تماماً في حال تواجدت جهود مشتركة لتأمين المنطقة لتصل بحجم التجارة العالمية عبر البحر الأحمر ومضيق باب المندب إلى أكثر من خمسة أضعاف، من 881 مليار دولار إلى 4.7 تريليون دولار بحلول 2050.

"على الغرب معالجة جذور المشكلة من خلال تتبع الأعراض"

وبالرغم من هذه المبادرات إلا أن العالم الغربي يتعامل مع واقع المنطقة بطريقة التعامل مع الأعراض وليس جذور المشكلة. وما يجب عمله ببساطة هو اعتماد الاستراتيجية المعروفة بنظرية أعلى النهر والتي تشير إلى تتبع الأعراض إلى الوصول إلى أسباب المشكلة.

المفارقة هنا هو أن الصين تعي تماماً أهمية هذه المنطقة وتسعى لاستعادة مجدها العالمي عن طريق مبادرة الحزام والطريق الصينية والاستثمار في جيبوتي، بل والقيام بمشاريع بنية تحتية ضخمة هناك استعداداً لفرض نفسها على المنطقة تدريجياً في حين يتم تقويض فرص الولايات المتحدة الأمريكية بالذات.

 

 أعلنت البحرية الأمريكية أنها اعترضت سفينة على طول طريق بحري من إيران إلى اليمن كانت تهرِّب أسلحة. Golf von Oman USS Cole der U S Navy Foto Picture Alliance
إيران نفت تزويد جماعة الحوثيين بالأسلحة: اتهم تحالف عسكري تقوده السعودية -قاتل الحوثيين المتحالفين مع إيران في اليمن منذ 2015- إيران مرارا بتزويد الجماعة بالأسلحة وهو ما نفته طهران. وفي عام 2019 اتهمت منظمة العفو الدولية دولة الإمارات -التي شاركت بتحالف عسكري قاتَلَ في اليمن- بأنها زودت بالأسلحة ميليشيات يمنيّة يُشتبه بارتكابها جرائم حرب وفي العام نفسه وجه الجيش الأمريكي بالشرق الأوسط نفس الاتهامات للسعودية. وفي 03 / 12 / 2022 أعلن الأسطول الخامس الأمريكي أن القوات البحرية الأمريكية في الشرق الأوسط اعترضت سفينة صيد في خليج عمان على طول طريق بحري من إيران إلى اليمن كانت تهرب أكثر من 50 طنا من طلقات الذخيرة والصمامات المستخدمة بالأسلحة والوقود الدافع للصواريخ، ولم يذكر الأسطول مزيدا من التفاصيل، وفق ما نقلت وكالة الأنباء الألمانية. وكان الأسطول الخامس للبحرية الأمريكية قال (15 / 11 / 2022) إنه عثر على أكثر من 70 طنا من مادة كلورات الأمونيوم -التي تستخدم عادة بصناعة وقود الصواريخ وكذلك المتفجرات- متوجهة إلى الحوثيين في اليمن.

 



فبدلاً من تشكيل المزيد من المبادرات وصرف الملايين والكثير من الجهد في حماية خطوط الملاحة التجارية يجب على المعنيين من القادة الأوروبيين تحديداً تكريس الجهود لدعم مجلس القيادة الرئاسي اليمني والحكومة الشرعية اليمنية التي تمثل كافة الطيف السياسي والاجتماعي اليمني لفرض سيطرتها وتثبيت الأمن والاستقرار على طول الشريط الساحلي في اليمن، وتحجيم الحوثيين وقدراتهم العسكرية التي انخرطت مؤخرا بوضوح في الحرب الإيرانية غير المعلنة على البنية التحتية للطاقة من منشآت وموانئ، وناقلات النفط في المياه الدولية.

الدلائل موجودة والحلول مطروحة، فهل تستطيع الدول الأوروبية التعامل مع أصل المشكلة، أم تستمر في تضييع المزيد من الوقت في معالجة النتائج؟

 

 

مُعَمَّر الإرياني

حقوق النشر: موقع قنطرة 2022

ar.Qantara.de

 

معمر الإرياني وزير الإعلام والثقافة والسياحة في الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا