فن مصري يقول ما لا يمكن قوله ويكشف المخفي

عمل فني لهدى لطفي وشيرين جرجس يستكشف شِعْرية الثورة والقمع في معرضين بمناسبة تدشين مركز التحرير الثقافي في حرم الجامعة الأمريكية عند ميدان التحرير بالقاهرة. محمود صابر وياكوب فيرتشافتر والتفاصيل.

الكاتبة ، الكاتب: Mahmoud Saber & Jacob Wirtschafter

يأتي افتتاح هذين المعرضين الجديدين بجوار ميدان التحرير -ظاهرياً لإحياء الذكرى المئوية للجامعة الأمريكية بالقاهرة-، بالتزامن مع تحركات الرئيس السيسي الرامية لزيادة تعزيز سلطته بتعديلات دستورية تسمح له بتمديد فترة رئاسته حتى عام 2034، ليثير أيضاً تساؤلات حول النشاطية والتهميش في الحياة المصرية العامة والفنية.

تقول هدى لطفي: "أصبح فنّي طريقة لتوضيح ما لا يمكن قوله ولإظهار غير المرئي". إذ يوثّق معرض هدى لطفي –"أن تسكُن الأحلام"- بالرسم والمنحوتات والفيديو ووسائط فنية متعددة ومختلطة، العلاقةَ المتغيّرة بين الاهتمامات العامة والخاصة كتغطية على ما تسميها الفنانة البالغة من العمر 71 عاماً "اللحظة التاريخية البهيجة" لانتفاضة كانون الثاني/يناير من عام 2011 التي انتشرت قبل ثماني سنوات على مرمى حجر من المعرض.

 

"لقد كنت أصارع السكون؛ محاولة صنع عمل يستكشف تلك المساحة في حياتنا"، تقول لطفي. وما لجوئها إلى المشاهد الطبيعية الداخلية شبه الخالية إلا انعكاس للانسحاب القسري للفنانين من المجال العام في مصر.

 

كما تضيف لطفي: "أعتبر هذا العمل سياسياً بامتياز –حتى لو أن الموضوعات داخلية، إلهامي هو الحركة السريالية ما بين الحربين العالميتين في أوروبا التي كانت رداً على رعب الحرب"، ولطفي، تبنّت في عام 2011 الإبداع الشعبي للغرافيتي "التخريبي"، والشعارات بقافية والتركيبات العفويّة التي نُظِّمت في ميدان التحرير. "إن الموضوع لا يتعلق بالإنكار، بل بحماية النفس"، كما تقول الفنانة، بينما تشير إلى لوحة باستخدام وسائل فنية مختلطة تُدعى "مقعد للراحة".

 

بين الماديّة والتأمل

 

باستخدام درجات لون الخزامى والرمادي والأسود، تتناوب لوحة "مقعد للراحة"، مثل الجزء الأكبر من القطع الأخرى في المعرض، بين المادية والتأمل، في غرفة هي في الوقت ذاته "محلية" و"في كل مكان"، إذ يتعرّف المشاهد المصري فوراً على الموضوعات البؤرية –كرسي مبطّن عالي الظهر وثريا مزخرفة بيد أنها متقشفة لها مصباح واحد- بوصفها مفروشات قياسية من الطراز القاهري.

 

لوحة هدى لطفي: في استراحة.   (photo: Tahrir Culture Center)
"أعتبر هذا العمل سياسياً بامتياز –حتى لو أن الموضوعات داخلية، إلهامي هو الحركة السريالية ما بين الحربين العالميتين في أوروبا التي كانت رداً على رعب الحرب"، تقول الفنانة هدى لطفي التي تبنّت في عام 2011 الإبداع الشعبي للغرافيتي "التخريبي"، والشعارات بقافية والتركيبات العفويّة التي نُظِّمت في ميدان التحرير. "الموضوع لا يتعلق بالإنكار، بل بحماية النفس".

تستلقي ورقة مقتطعة من وجه امرأة على مسند الكرسي بينما تسألنا الفنانة أن نأخذ بعين الاعتبار غياب أو وجود المرأة المستريحة في محيطها المنزلي الذي يشبه الحلم.

 

وعلى النقيض من ذلك، لوحة "الغربان" هي واحدة من اللوحات القليلة في معرض لطفي الحالي التي تتموضع في الهواء الطلق بشكل واضح –وفي هذه الحالة مقبرة إسلامية- حيث تجلس ثلاثة عصافير سوداء ومجموعتان من الأحذية العسكرية في مقدمة شاهد القبر. تطرح القطعة تساؤلات حول الوجود والقوة على خلفية حتمية الموت.

 

أما في عمل لطفي المسمى "بدايات" (أحذية جنود)، نجد نغماً أنعمَ وأرقَ، فهو مقطعها الفيديو الأول المصوّر في عام 2012. عبارة عن قطعة من الرسوم المتحركة (الانيميشن) الرقمية التي تُظهِر قوات تسير في مجموعة موحّدة على أنغام أغنية تكنو تلمّح إلى تعاطف متضارب مع المراهقين الراحلين، الفقراء، الفلاحين غالباً، المجنّدين إلزامياً في القوات المسلحة المصرية، والقلق مما يمكن لهذه القوة العسكرية أن تفعله للمجتمع المدني.

 

{يبقى أن نرى ما سيكون تأثير النشاطات والمعارض الفنية المُستضافة من قِبَل مركز التحرير الثقافي على الفضاء العام في مصر في المستقبل. يجب أن يُختبر ذلك. ينبغي أن ننتظر ونرى إلى أي مدى الجامعة ملتزمة بجعل هذا مركزاً للفنون والثقافة - يتساءل فنانون}

 

أما خلفية لطفي الأكاديمية فهي في الدراسات الثقافية، التي درّستها في الجامعة الأمريكية في القاهرة لمدة خمسة وعشربن عاماً: في الواقع، يَصبِغ وعيٌ بسلسلة أحداث التاريخ عملَها حرفياً ومجازياً.

 

ومثل "بدايات"، تصوّر الرسومُ المتحركة الجديدة للطفي -المعروضة في غاليري التحرير والتي تحمل عنوان المعرض "أن تسكُن الأحلام"- موكباً. ونرى في هذه الحالة رجالاً حفاة يرتدون ملابس يسيرون على أنغام موسيقى فيفالدي "الفتيات الحزينات في القدس Filiae maestae Jerusalem "، بيد أنه في المقابل، هناك لمسة تفاؤل في رؤية الرجال يستيقظون بهدف مسالم.

 

الخيال والنسوية

 

كما تمثّل المسيرات والاحتجاجات أيضاً موضوعاً في عمل شيرين جرجس، الفنانة ذات الـ 45 عاماً المولودة في الأقصر والتي تعيش في لوس أنجلوس والتي، مثل لطفي، تزاول في الوقت نفسه مهنة أكاديمية وفنية.

 

وبصفتها أستاذة مساعدة في الفنون الجميلة ونائبة عميد الكلية بجامعة جنوب كاليفورنيا، تمزج جرجس الأبحاث العميقة للحصول على موضوعها الفني ومنهج متطلِّب تترجمه إلى تصميم غرافيك بمهارات مثل قص الورق وصنع الاستنسل [الاستنسل هو عبارة عن ورق شفاف بلاستيك يشبه ورق الأشعة في المستشفيات وهو جاهز للاستعمال بحيث تكون الورقة البلاستيكية مرسوم عليها و مفرغه ويبقى التلوين فقط] والخياطة.

 

ففي "بنت النيل" تقدم جرجس تفاصيل تتعلق بالسيرة الذاتية وكتابات النسوية المصرية التأسيسية دُريِّة شفيق في سلسلة أعمال من ورق مقصوص باليد وحبر ورسم أكريليك.

 

"كرسامة تجريدية، كان علي التفكير حول كيفية قيامي بصنع عمل حول شخص تاريخي"، كما تشرح جرجس.

 

في شباط/فبراير من عام 1951 نظّمت شفيق مؤتمراً نسوياً في حرم الجامعة الأمريكية في القاهرة والذي تقدم بمسيرة إلى أبواب البرلمان المصري المجاور مطالباً منح المرأة حق التصويت وتولي المناصب العامة.

 

"كنت أفكر حول كيفية وجود خطاب في الولايات المتحدة حول الطريقة التي وُثِّق فيها تاريخ النسوية بوصفه بناء غربياً بأكمله"، تقول جرجس التي أخبرتنا أنها لم تتخيل قط أن تحظى بفرصة عرض أعمالها في مصر.

 

"لوحة شيرين جرجس: "هل ترحب بي هذه المرة؟".  (photo: Tahrir Culture Center)
النسوية المصرية في إطار مجرد: "تصور هذه الأعمال البحث عن شعور بالمكان - قراءة جندرية للتواريخ الضائعة وإعلان مثير للعواطف عن السبل التي يستمر بها الماضي بتشكيل المستقبل"، تقول شيفا بلاغي، مستشارة رئيس الجامعة الأمريكية بالقاهرة والرئيس الأكاديمي للفنون والبرامج الثقافية.

 

{"أصبح فنّي طريقة لتوضيح ما لا يمكن قوله ولإظهار غير المرئي" - الفنانة هدى لطفي.}

 

تتصادم تفاصيلُ معماريةٌ ينفرد بها الموقع، مثل سياج الحديد المطاوع في البرلمان حيث طالبت مسيرة دُرِّية شفيق النسائية بحقوق مساوية وبوابات حدائق الأزبكية -حيث تحدثت علانية لأول مرة بدعوة من النسوية المصرية الرائدة هدى شعراوي- تتصادم مع قوة الطبيعة، التي تتمثّل في عمل جرجس حبراً أزرقَ كمياه النيل.

 

"تصور هذه الأعمال البحث عن شعور بالمكان، قراءة جندرية للتواريخ الضائعة وإعلان مثير للعواطف عن السبل التي يستمر بها الماضي بتشكيل المستقبل"، تقول شيفا بلاغي، مستشارة رئيس الجامعة الأمريكية بالقاهرة والرئيس الأكاديمي للفنون والبرامج الثقافية.

 

يبقى أن نرى ما سيكون تأثير النشاطات والمعارض الفنية المُستضافة من قبل مركز التحرير الثقافي على الفضاء العام في مصر في المستقبل. تقول لطفي "يجب أن يُختبر. ينبغي أن ننتظر ونرى إلى أي مدى الجامعة ملتزمة بجعل هذا مركزاً للفنون والثقافة".

 

 

محمود صابر / ياكوب فيرتشافتر

ترجمة: يسرى مرعي

حقوق النشر: موقع قنطرة 2019

ar.Qantara.de