احتجاجات الشارع الأردني: التوق للمحاسبة!

في عام 2011 خرج الأردنيون الحالمون بالتغيير إلى الشارع في حراكٍ شعبيٍ سلميٍ، ولكنه لم يستمر طويلاً، ولم يحقق كل المكاسب المرجوة. وفي الأسابيع القليلة الماضية، عاد الأردنيون إلى الشارع حاملين معهم هموماً أكبر هذه المرة ورسالة موجهة للداخل قبل الخارج، كما ترى الصحافية الأردنية لينا شنك في تعليقها التالي لموقع قنطرة.

الكاتبة ، الكاتب: Lina Shannak

يشهد الشارع الأردني احتجاجاتٍ شعبيةٍ واسعةٍ منذ حوالي أسبوعٍ واحدٍ، حيث أطلقت شرارتها تلك التعديلات المقترحة على قانون ضريبة الدخل، والتي من شأنها أن توّسع قاعدة المكلفين بدفع الضريبة.

وبينما كان الناس يهتفون في الشوارع، تعالت أصوات مختلفة، من محللين ومسؤولين حكوميين على حدٍ سواء، تحمّل اللاجئين والأوضاع الإقليمية المسؤولية عن الوضع الاقتصادي المتردي في الأردن، بل وتوجه رسالة للعالم بألا يترك الأردن وحيداً في مواجهتها.

في الحقيقة، كنت وسط حشود المتظاهرين في الدوار الرابع بالقرب من مبنى رئاسة الوزراء، بصفتي مواطنة وصحفية، وسمعت لغة مختلفة تماماً. هناك، حيث اجتمع من ينتمي إلى طبقة "الكادحين" ومن ينتمي إلى "الطبقة الوسطى" الآخذة في التلاشي في بلادي، من تعرف أنه يتابع كل صغيرة وكبيرة في البلاد ومن استيقظ فجأة على وقع تلك الضربة الأخيرة وقرّر أن ينتفض، في تلك المساحة التي جمعتنا كلنا لم يهتف أحد لإعادة اللاجئين إلى بلادهم.

لم أسمع كلمة واحدة عنهم، بل سمعت مصطلحات مثل "الحرية"، و"احنا مش عبيد"، و"حكومة حرامية" في إشارة إلى الحقوق التي خرجوا يطالبون بها، تماماً كما طالب بها أسلافنا في مظاهرات نيسان عام 1989، والتي اندلعت من مدينة معان جنوبي الأردن وأفضت إلى إعادة الديمقراطية إلى الأردن بعد عقودٍ من الأحكام العرفية.

متظاهرة أردنية غاضبة في عمان.
التظاهرات الحاشدة في المملكة الأردنية الهاشمية اندلعت بسبب الإجراءات التقشفية للحكومة ورفع أسعار المحروقات والخبز، استجابة لتوجيهات صندوق النقد الدولي بإجراء إصلاحات اقتصادية تمكن الأردن من الحصول على قروض جديدة في ظل أزمة اقتصادية متفاقمة وتجاوز الدين العام 35 مليار دولار. لكن أيضاً هناك دوافع سياسية لدى الشباب الأردني تتعلق بالشعور بخيبة الأمل في ظل غياب الديمقراطية الحقيقية ومعايير دولة القانون. الأزمة الاقتصادية صارت فوق الاحتمال ما أدى إلى خروج المشهد بهذا الشكل.

مطالب بتغيير حقيقي..لا يكفي تغيير الأسماء

وعلى إثر هذه الاحتجاجات الأخيرة، استقالت حكومة رئيس الوزراء هاني الملقي، وتم تكليف عمر الرزاز بتشكيل الحكومة الجديدة، والذي شغل منصب وزير التربية والتعليم في الحكومة السابقة وله رصيد لا بأس به من المؤيدين الذين يأملون خيراً به.

بيد أن "نظافة اليد" و"السمعة الطيبة"، التي يتمتع بها الرزاز لم تشفع له ليقبله الناس بهذه السهولة، فهتفوا حتى قبل أن يستلم الحكومة "يا رزاز ويا وزير.. هالمنهج بده تغيير". وما ذاك إلا خير دليل على أن تغيير الأسماء لم يعد ينطلي على المواطن الأردني، الذي يتوق إلى ذاك اليوم الذي ينتخب فيه رئيس حكومته، فيكون مسؤولاً أمامه يُحاسبه الشعب على كل صغيرة وكبيرة.

ولكن لا شك بأن الطريق لا تزال طويلة لانتزاع هذه الحقوق كاملةً، خصوصاً في ظل وجود حجج واهية لا يمل منها المسؤول ومن يستفيد من الوضع القائم. كلما تفوهت بكلمة، سألوك إن كنت تريد التضحية بـ"الأمن والأمان" أو كنت تريد جر البلاد إلى ويلات الحروب التي دمرت سوريا والعراق وغيرها الكثير!

في الحقيقة، لا أكذب حين أقول أنني أقدّس الأمن والأمان، وأعي جيداً بحكم عملي مع اللاجئين، سواء بشكل مباشر أو غير ذلك، كم هي غالية تلك النعمة. عشرات اللاجئين الذين التقيتهم يكرهون عشرات الأشياء المتعلقة بحياتهم في الأردن، ولكنهم يرددون دائماً امتنانهم لنعمة الأمن. منهن من قالت بالحرف الواحد "كنت آتي إلى عمّان فأستغرب أن الناس يسيرون في الشوارع ولا يخافون على حياتهم"، ومنهن من قالت أن أهم ما اختلف في حياتها هنا أنها أصبحت قادرة على النوم لساعات متواصلة في الليل، فهذه نعمة نقدّرها جيداً، ولكن لا يجب أن نكون ضيقي الأفق.

كل جائع وكل مظلوم منا يهدد هذا الأمن، فيصبح هشاً في مواجهة اختلالات المنظومة القائمة، ومعدلات الجريمة الآخذة في الارتفاع في المجتمع الأردني تؤكد هذه الفرضية. التفاوت الشاسع بين محافظات الأردن والعاصمة عمان، بل وذاك التفاوت بين مناطق عمّان المختلفة، كله يهدّد الأمن.

لينا شنك  صحفية أردنية تهتم بالكتابة التي توّثق تجارب الناس وحكمتهم مهما كانوا بسطاء. كتبت لمواقع أردنية وعربية وعالمية مثل موقع حبر، ورصيف22، والعربي الجديد، والجزيرة الإنجليزية.
لينا شنك صحفية أردنية تهتم بالكتابة التي توّثق تجارب الناس وحكمتهم مهما كانوا بسطاء. كتبت لمواقع أردنية وعربية وعالمية مثل موقع حبر، ورصيف22، والعربي الجديد، والجزيرة الإنجليزية.

كما أن فحوى مداخلات الناس على البرامج الأردنية الصباحية المخصصة لاستقبال الشكاوى كلها تهدد الأمن. الفقر والبطالة، التي وصلت إلى 18.4 % بحسب الإحصاءات الرسمية، وكل ما نعاني منه مصحوباً بغياب الديمقراطية الحقة والتمثيل الذي يرضي الناس، يقودان إلى مستقبلٍ قاتمٍ بالتأكيد.

ألم يُشر الباحثون المختصون في التطرف مراراً إلى أنه يتولد من رحم هذه المعاناة بالذات وأن الأردن صدّرت أكثر من ألف مقاتل للتنظيمات الإرهابية؟ ألم يؤكد الباحثان المرموقان محمد أبو رمان و موسى شتيوي في كتابهما المشترك "سوسيولوجيا التطرف والإرهاب في الأردن: دراسة ميدانية وتحليلية"، الذي صدر مؤخراً أن الخطر لم يزُل كما كنا نتمنى مع تراجع تنظيم الدولة الإسلامية بل لا يزال قائماً وآخذاً في التمدد إن لم نقضِ على البيئات الحاضنة؟

إنما أسرد كل ذلك لأقول أن استمرار الوضع القائم في الأردن غير ممكن، ولا يصب في مصلحة أحد. فلنأمل أن تستوعب الدولة الأردنية ذلك جيداً، وليكف من يطلقون على أنفسهم لقب "موالين" عن التنمر ضد الناشطين السلميين واستخدام وسائل الضغط المجتمعي عليهم بواسطة الأقارب وأرباب العمل لثنيهم عن مطالبهم المشروعة، سواء أكان ذلك بتوصية من الدولة نفسها أو من تلقاء نفسهم.

المؤسف أننا كنا نعتقد أننا قطعنا هذا الشوط في عام 2011، وإذ بنا نكرّر كل البديهيات للمرة الألف.. فلنأمل ألا نعود إلى الوراء هذه المرة!

 

لينا شنك

حقوق النشر: موقع قنطرة 2018

لينا شنك: صحفية أردنية حاصلة على شهادة البكالوريوس في العلوم السياسية. تهتم بالكتابة التي توّثق تجارب الناس وحكمتهم مهما كانوا بسطاء. كتبت لمواقع أردنية وعربية وعالمية مثل موقع حبر، ورصيف22، والعربي الجديد، والجزيرة الإنجليزية.