هل ترمب منافق حين يدافع عن مسلمي خصمته الصين؟

الإدانة الأمريكية لسلوك الصين وتوقيع ترمب على قانون يسمح بفرض عقوبات على مسؤولين صينيين كرد على قمع أقلية الأويغور المسلمة هما خطوة في الاتجاه الصحيح، كما ترى كل من آن-ماري سلوتر -الرئيسة التنفيذية لمركز الأبحاث "أمريكا الجديدة"- والمحللة السياسية وردة خالد، لكنهما تأسفان من أن أفعال ترمب لن تقنع المسلمين على الأرجح إلا بعمق نفاقه: فوفقا لمستشار الأمن القومي الأمريكي السابق جون بولتون فإن ترمب كان قد شجع رئيس الصين على بناء معسكرات احتجاز للمسلمين، ثم أن ترمب كان أيضا قد فرض حظر سفر إلى بلاده على مواطني بلدان بأكملها ذات أغلبية مسلمة.

الكاتبة ، الكاتب: Anne-Marie Slaughter & Wardah Khalid

وَقَّع الرئيس الأميركي دونالد ترمب بالموافقة على قانون يسمح له بفرض عقوبات على المسؤولين الصينيين المتورطين في الاحتجاز الجماعي لأكثر من مليون شخص من طائفة الأويغور وأعضاء أقليات أخرى ذات أغلبية مسلمة في منطقة شينجيانغ غربي الصين.

أدان قانون السياسة لحقوق الإنسان للأويغور 2020 الانتهاكات ودعا السلطات الصينية إلى إغلاق مراكز "التعليم المهني" في المنطقة على الفور، وضمان احترام حقوق الإنسان، والسماح للناس الذين يعيشون في الصين بإعادة إنشاء الصِلات مع الأسرة والأصدقاء والمعاونين خارج الدولة.

نظريا، يستطيع ترمب أن يُـظـهِـر قيادة عالمية حقيقية من خلال تنفيذ القانون بقوة. تفيد تقارير باحثين في العديد من البلدان إلى أن الأويغور، بالإضافة إلى الاحتجاز، يتعرضون للتعذيب، والعمل القسري بالسخرة، والتعقيم. واتهمت مجموعتان من الأويغور السلطات الصينية بارتكاب جريمة الإبادة الجسدية والثقافية في شكوى رسمية رُفِـعَـت إلى المحكمة الجنائية الدولية.

قارنت الكاتبة آن أبلباوم بين اللامبالاة الغربية إزاء ما يحدث اليوم في شينجيانغ والتصميم المتعمد من جانب الحكومات الأوروبية والفاتيكان على تجاهل المجاعة التي صممها جوزيف ستالين في أوكرانيا في الفترة 1932-1933، ومعسكرات الاعتقال النازية بعد ذلك بعقد من الزمن.

خطوة في الاتجاه الصحيح

وربما نستطيع أن نضيف إلى هذه القائمة أمثلة أقرب إلى الوقت الحاضر. وعلى هذه الخلفية، يُـعَـد استعداد الولايات المتحدة لإدانة سلوك الصين وجعله مكلفا، حتى وإن كان ذلك بفرض عقوبات فردية، خطوة في الاتجاه الصحيح.

 

 

علاوة على ذلك، ربما تحظى هذه الخطوة باهتمام المسلمين في بلدان مثل باكستان، وإندونيسيا، وتركيا. الواقع أن الحكومتين الباكستانية والإندونيسية على استعداد للعب وفقا للقواعد الصينية لتأمين الاستثمار؛ في العام الفائت، وَقَّـعَـت باكستان على خطاب دافعت فيه عن معاملة الصين للأويغور، في حين تقول الحكومة الإندونيسية إنها "لن تتدخل في شؤون الصين الداخلية".

في مبدأ الأمر، عرضت تركيا منح طائفة الأويغور حق اللجوء في خمسينيات القرن العشرين عندما استولى الشيوعيون الصينيون على شينجيانغ. واليوم، كما تفيد التقارير، تعتقل الشرطة التركية النشطاء الأويغور وترسلهم دون تفسير إلى مراكز الترحيل، لعدة أشهر في بعض الأحيان.

في هذا السياق، ربما تشكل الجهود الواسعة التي تقودها الولايات المتحدة لمحاسبة الحكومة الصينية دوليا ولو جزئيا عن معاملتها للأويغور ــ وخاصة في وقت حيث بات لزاما على أميركا أن تتعامل مع جرائمها العنصرية في الوقت الحاضر وفي الماضي ــ نقطة تحول مهمة. ففي أقل تقدير، من شأن هذه الجهود أن تذكر الصين بأن العالم يراقب.

نفاق ترامب

من المؤسف أن أفعال ترمب لن تقنع المسلمين في الأرجح إلا بعمق نفاقه. لقد وَقَّـع ترمب على قانون السياسة لحقوق الإنسان للأويغور في ذات اليوم حيث غمرت الادعاءات الواردة في الكتاب الجديد الذي نشره مستشار الأمن القومي السابق جون بولتون موجات الأثير. وفقا لبولتون، لم يكن ترمب غير مكترث بحقوق الأويغور وحسب، بل إنه دأب على تشجيع الرئيس الصيني شي جين بينج بقوة على بناء معسكرات الاعتقال لاحتجازهم.

 

...........

طالع أيضا

شعوب مسلمة يراها ترامب "مرعبة"

اضطهاد أقلية الإيغور المسلمة إبادة ثقافية جماعية وسط صمت دولي مُريب

ترامب ومودي ونتنياهو...سياسات هوياتية تقوض أسس القانون الدولي

إيران بين مبادئ الثورة وتأسيس علاقة "الزبائنية" مع العملاق الصيني

...........

 

ثم هناك حظر سفر المسلمين الذي فرضه ترمب شخصيا. كان الحظر الأولي الصادر في يناير/كانون الثاني 2017 يمنع جميع اللاجئين والمهاجرين من العديد من البلدان ذات الأغلبية المسلمة من دخول الولايات المتحدة؛ ثم ألغت المحاكم هذا الإجراء وجرى تنقيحه عدة مرات إلى أن جرى إقراره من خلال حشد دستوري.

ومنذ ذلك الحين، ظهرت قصص عديدة توضح التأثير المدمر الذي ربما يهدد الحياة المترتب على فرض هذه القيود على اللاجئين، والمسلمين، وغير المسلمين الذين يعيشون في بلدان بعينها.

كان أحد المتضررين أفكاب حسين، اللاجئ الصومالي سابقا والذي يعيش الآن في كولومبوس بولاية أوهايو. كان أفكاب ينتظر منذ عام 2015 زوجته وأطفاله الصِـغار لينضموا إليه في الولايات المتحدة، لكن قرارات الحظر التي أصدرها ترمب منعتهم من اللحاق به. وعلى هذا فإن دعم ترمب لقانون يدعو السلطات الصينية إلى السماح بإعادة إنشاء الاتصال بين الناس في الصين وخارجها يبدو فارغا زائفا.

يتهم القانون الأميركي حكومة الصين أيضا "باستخدام تهديدات إرهابية واسعة النطاق وذات ارتباطات دولية كذريعة لتبرير فرض قيود شديدة على الأويغور وغيرهم في شينجيانغ والانتهاكات الخطيرة لحقوقهم الإنسانية. لكن أوامر ترمب التنفيذية التي سعت إلى منع المسلمين من دخول الولايات المتحدة تضمنت فقرات مماثلة.

استشهدت أولى أوامر ترمب التنفيذية بالهجمات الإرهابية على الولايات المتحدة في الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001 كمبرر لحظر دخول اللاجئين من إيران، والعراق، وليبيا، والصومال، والسودان، وسوريا، واليمن، على الرغم من غياب أي دليل يشير إلى أن مواطني أي من هذه البلدان، ناهيك عن اللاجئين، شاركوا في تنفيذ هذه الهجمات.

واستمرت النسخ المتكررة اللاحقة من الحظر في الاستشهاد بالإرهاب كمبرر وأساس منطقي. ولكن في الممارسة العملية، منعت إدارة ترمب أفراد الأسرة الواحدة من الانضمام إلى أحبائهم في الولايات المتحدة، وخفضت قبول اللاجئين المستضعفين إلى مستويات متدنية تاريخيا.

 

مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق جون بولتون إلى جانب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في مؤتمر صحفي بالمكتب البيضاوي عام 2019. (photo: Getty Images/AFP/B. Smialowski)
خطوة في الاتجاه الصحيح: ترى كل من آن-ماري سلوتر ووردة خالد أن استعداد الولايات المتحدة لإدانة سلوك الصين وجعله مكلفا يُعَد خطوة في الاتجاه الصحيح، وكذلك توقيع ترمب بالموافقة على قانون يسمح له بفرض عقوبات على مسؤولين صينيين متورطين في احتجاز جماعي لأكثر من مليون مسلم ومسلمة من الأويغور ومن أقليات أخرى ذات أغلبية مسلمة في منطقة شينجيانغ غربي الصين. لكنهما تريان أن من المؤسف أن أفعال ترمب لن تقنع المسلمين على الأرجح إلا بعمق نفاقه، فقد وقّع ترمب على قانون السياسة لحقوق الإنسان للأويغور في ذات اليوم الذي غمرت فيه ادعاءات كتاب مستشار الأمن القومي السابق جون بولتون موجات الأثير. وفقا لبولتون لم يكن ترمب غير مكترث فقط بحقوق الأويغور بل إنه دأب إلى تشجيع رئيس الصين بقوة على بناء معسكرات احتجازهم. ثم يوجد حظر سفر المسلمين الذي فرضه ترمب شخصيا. كان الحظر الأولي الصادر عام 2017 يمنع جميع اللاجئين والمهاجرين من العديد من البلدان ذات الأغلبية المسلمة من دخول الولايات المتحدة ثم ألغت المحاكم هذا الإجراء وجرى تنقيحه عدة مرات إلى أن جرى إقراره من خلال حشد دستوري.

 

الحق أن التنافر بين احتضان ترمب المتأخر لحقوق الأويغور وكراهيته الواضحة تماما للمسلمين (ما لم يكونوا أمراء سعوديين) يثير تساؤلا أشد عمقا حول من يكون الجمهور النهائي للسياسة الخارجية التي تنتهجها أميركا ــ أو أي دولة أخرى. فمن غير الممكن أن يساور المسلمين العاديين أي شك حول المشاعر التي يكنها ترمب تجاههم، بصرف النظر عن كل ما قد يقوله لحكوماتهم. فليس عليهم إلا أن يتابعوا تغريداته على موقع تويتر أو مؤتمراته الصحافية.

الواقع أن ترمب هو أول رئيس أميركي يستنكف العمليات العادية المرتبطة بصياغة وتصحيح البيانات الرسمية، مفضلا بدلا من ذلك الالتحام بشكل مباشر مع الناخبين الأميركيين ومواطني الدول الأخرى عبر وسائط التواصل الاجتماعي. ولكن على الرغم من تمكنه من حشد جمهور كبير، فقد نجح أيضا في إقصاء وتنفير قطاعات كبيرة من جماهير الناس في أميركا وأماكن أخرى.

تشويه سمعة سكان بلدان بالكامل

ومن الواضح أن إقدام ترمب على تشويه سمعة سكان بلدان بالكامل ــ كما فعل عندما وصف المكسيكيين بأنهم مُـغـتَـصِـبون أو المسلمين بأنهم إرهابيون ــ يخلف صدى أعلى وأطول أمدا من أي تصريحات رسمية صادرة عن البيت الأبيض أو وزارة الخارجية الأميركية.

يتبقى لنا أن نرى ما إذا كانت هذه الانطباعات لتدوم إلى ما بعد رئاسة ترمب. لقد أقر مجلس النواب الأميركي "قانون عدم الحظر"، والذي يقضي بإلغاء حظر سفر المسلمين ومنع استخدام التمييز الديني لمنع المهاجرين. وإذا حلت إدارة أميركية جديدة محل إدارة ترمب بعد الانتخابات الرئاسية في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، فسوف يكون لزاما عليها أن تخاطب حكومات ومواطني الدول الأخرى بصوت واحد ــ وبدون النفاق الصارخ الذي اعتادت عليها الإدارات الأميركية.

 

آن-ماري سلوتر / وردة خالد

ترجمة: إبراهيم محمد علي

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت 2020

 

 

ar.Qantara.de

آن-ماري سلوتر، مديرة سابقة لتخطيط السياسات في وزارة الخارجية الأمريكية (2009-2011)، وهي الرئيسة التنفيذية لمركز الأبحاث "أمريكا الجديدة" New America، وأستاذة للسياسة والشؤون الدولية في جامعة برينستون.

 

وردة خالد، محللة وناشطة في السياسة الخارجية.

 

 

[embed:render:embedded:node:19995]